الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / مفهوم النظام العام الدولي في حكم التحكيم

  • الاسم

    المحامي الدكتور/ أحمد بشير الشرايري
  • تاريخ النشر

    2011-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الثقافة للنشر والتوزيع
  • عدد الصفحات

    400
  • رقم الصفحة

    205

التفاصيل طباعة نسخ

يستخدم بعض الفقه مصطلح النظام العام الدولي بجانب مصطلح النظام العام الداخلي، وذلك للتعبير عن الدور المختلف الذي يلعبه النظام العام في مجال العلاقات الوطنية المحض، ومجال العلاقات التي تحتوي على عنصر أجنبي.

ويرى البعض أن مفهوم فكرة النظام العام الدولي تقوم على أساس مجموعة مـن الأصـول والمبـادئ العامـة الـتي تفرضها القيم الإنسانية العالمية، والتي يفرضها التعايش المشترك بين المجتمعات، وهـذه القيم أو الأصـول تتسع لتشمل مبـدأ حرية التعاقد، والقوة الملزمة للعقد، ومبدأ عدم جواز إساءة استعمال الحق ومبدأ حسن النية في تنفيذ العقود ، ومبدأ إبطال الغش، ومبدأ عدم جواز الإثراء بلا سبب وغيرهـا مـن المبادئ التي كانت تفرض وجودها في غالبية التشريعات للدول.

ويرى أيضاً بعض الفقه أن محاولة التفرقة بين القواعد المتعلقة بالنظام العام الداخلي، وتلك المتعلقة بالنظـام الـعـام الـدولي، هـي محاولة لإهـدار القيم الدينيـة والاقتصادية للشعوب وتقدمها، أمام تطلعات العولمة التي تسعى إلى طمس هويـة الـدول النامية، حتى يظل التحكيم كما بدا قاصراً على الدول الكبرى، كي تكون هي الخصم والحكم في علاقاتها التجارية مع الدول النامية، التي سعت لحماية مصالحها بإعادة تقنين نصوص قوانينهـا الداخلية، سعياً لإيجـاد مـوطئ قـدم لـهـا عـلـى سـاحة التحكيم التجاري الدولي، حماية لمصالحها الوطنية ـ ويضيف ـ بأنه لا يوجد ضابط قانوني للتفرقة في مجال المعاملات التجارية الدولية النظام العام الداخلي وبين النظام العـام الـدولي، سـوى كونها ستاراً أريـد بـه سيطرة الدول الرأسمالية على دول العالم الثالث، بالقول بسمو ما يسمى بالنظام العام الدولي على النظام العام الداخلي، ذلك إن المقابلة بين النظامين لا تستقيم، فبينما تسعى كل دولة إلى حماية مصالحها بما تفرضـه مـن نـصـوص آمـرة تتعلـق بمصلحتها الوطنية العليـا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يسعى ما يسمى بالنظام العام الدولي إلى مجرد حماية مصلحة فردية للطرف الأجنبي.

وفي ذات الاتجاه يرى بعض الفقه أنه من غير المقبول " محاولة افتعال تفرقة مصنعة بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي في ميدان المعاملات الاقتصادية، فالنظام العام يصطبغ دائماً بصبغة وطنية، لا يصح تجاهلها تحت ستار فكرة غامضة- تتوسل بها الدول المتقدمة لإهدار مصالح الدول النامية، استناداً إلى عدم تعلق نصوصها الوطنية الأمرة بالنظام العام الدولي الذي يعلو على النظام العام الداخلي ولن يتسنى القول بوجود نظام عام دولي حقيقي إلا عندما تتلاشى هذه الهوة التي تفصل بين دول العالم المتقدم والدول النامية".

وفي المقابل ينادي جانب من الفقه بالتفرقة بين النظام العام الدولي والداخلي، والأخذ بعين الاعتبار النظام العام الدولي عندما نكون بصدد حكم تحكيم دولي.

وذهب البعض إلى القول بأنه ليس كل حكم يتعلق بالنظام العام في التطبيق الداخلي للنصوص، هـو بالضرورة كذلك على الصعيد الدولي أو التطبيـق الـدولي ، وذلك بالنظر إلى طبيعة الاختلاف بين النظم القانونية والاجتماعية بين الدول، ويترتب على ذلك بالضرورة القول بعدم تطابق فكرة النظام العام الداخلي في كل الأحوال أو الحالات، مع فكرة النظام العام على الصعيد الدولي، ولا سيما في مجال التحكيم التجاري الدولي، باعتباره قضاء للتجارة الخارجية يعتقها من الخضوع للقواعد الصماء في القوانين الداخلية، تلك التي تنطلق من معطيات نظام اقتصادي أو اجتماعي معين، قد لا يستوعب بالضرورة معطيات التبادل التجاري على الصعيد الدولي، وما يتطلبه النظام العام الداخلي لكل بلد ولكل مجتمع هو نسبي، ويختلف من بلد إلى آخر، أما النظام العـام الـدولـي فهـو مـشترك بين كل دول العالم، ومن هنـا فـإن هنالك نظامين عاميين: النظام العام الداخلي، والنظام العـام الـدولي، والحكم التحكيمـي الـدولي يبطل إذا خالف النظام العام الدولي، ولا يبطل حتماً إذا خالف النظام العام الداخلي، أما الحكم التحكيمـي الـداخلي فيبطله النظـام الـعـام الـداخلي، ولا حاجة لإدخال النظـام العـام الـدولي في الموضـوع، لأن مـا يتضمنه النظـام الـعـام الـداخلي لا شـأن لـه بأحكام النظام العام الدولي.

والآن أي نـوع مـن القـواعـد الـتي يـجـب علـى المحكـم مراعاتهـا عنـد الفـصـل في النزاع، قواعد النظام العام الداخلي أو الدولي؟

لا شك إن المحكم عندما يفصل في أي نزاع لابد من أن يأخذ بعين الاعتبار قواعد النظام العام للدولة التي سوف ينفذ فيها ذلك الحكم، ولذلك فإنـه مـن الـضـروري ألا يتضمن قرار التحكيم مـا يتعارض مع قواعـد النظام العام في البلد المراد تنفيذ الحكم فيه، وهذا ما يدعو المحكم أن يأخذ بنظر الاعتبار عند إصداره لقراره بمبدأ احترم قواعد النظام العام الداخلي، مع قواعد النظام العام السائد في التعامل التجاري الدولي، فإذا ما وقع تعارض أو مخالفة لهذه القواعد ، فإن ذلك يؤدي إلى إبطال الحكم، وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة لتمسك الخصم بالبطلان.

وفي هذا الشأن يؤكد الاستاذ الدكتور محمود بريري بأنه في حالة مخالفة حكم التحكيم للنظام العام الوطني، واتساقه مع قواعد النظام العام الدولي، وحتى وإن كـان صـادراً تحكيم دولي في مصر أو في الخارج، فإن ذلك لا يمنع القاضي المصري من الحكم ببطلان حكم التحكيم الخاضع لقانون المصري، مع التأكيد على أن ذلك يعد متفقا مع اتفاقية نيويورك لسنة (1958) في المادة الخامسة ـ الفقرة الثانية ـ (ب) التي سبق الإشارة إليها.

ومن كل ما تقدم، يتضح لنا بأنه يبقى للقاضي الوطني الدور الأخير في التحقق من مخالفة حكم التحكيم للنظام العام، باعتبار أن القضاء هـو صمام الأمان الأخير للمجتمع للمحافظة على هويته وحماية مقدراته، بما يعني أن للقاضي مطلق تقدير مدى تعارض حكم التحكيم مع الأسس والمبادئ القائم عليها النظام القانوني المصري، فالقاضـي لـه أن يأمر بالتنفيـذ مـن عدمه، وفق قناعتـه بعـدم تعارض حكم التحكيم مع الأسس والمبادئ القائم عليها النظام القانوني المصري.

ويصف البعض القضاء المصري بأنه قضاء مرن متفتح ومتفهم لطبيعة التعامل التجاري الدولي، إذ أنه لم يتوسع في مدلول النظام العـام ليشتمل مخالفـة كـل نـص آمر، وإنما قصر ذلك على ما يتعلق بالمصلحة العليا للبلاد ، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو قانونية، فعنده إنه ليس كل نص آمر متعلق بالنظام العام.

ولا يفوتني أن أذكر بأن بحث مدى مطابقة حكم التحكيم للنظام العام، يعني بحث مدى مطابقة هذا الحكم من ناحية الموضوع ومن ناحية الإجراءات لهذا النظام، فالنظـام العـام لا يقتصر فقط على الجوانب الموضوعية، ولكنـه يتناول الضمانات الإجرائية التي تعد مراعاتها من المسائل الجوهرية في أي نظام للتقاضي، بحيث يكون إهدارها موجباً لبطلان الحكم أو رفض الاعتراف به وعدم تنفيذه.

وتتحقق المخالفة الإجرائية للنظام العام متى كانت إجراءات إصدار هذا الحكم لم تلتزم بالمبادئ الإجرائية الأساسية في القانون المصري، كاحترام حقوق الدفاع، أو المواجهة بين الخصوم، بينما المخالفة الموضوعية للنظـام العـام بـأن يكـون منطـوق الحكم التحكيمي يحرم أو يجيز أمراً يناهض النظام العام.