وبعد ذلك نقول أن حالات مخالفة النظام العام في القوانين العربي كثيرة ومتعددة، ومن الأمثلة على ذلك، اعتبار حق التقاضي من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور، وإصدار قاضي الأمور المستعجلة لقرار خارج نطاق اختصاصه والاتفاق المسبق على عدم الطعن ببطلان حكم التحكيم، والالتزام العقدي بدين ناشئ عن القمار عموماً ، وعدم جواز التأمين من الخطأ العمدي، والتحكيم في ما لا يجوز التحكيم فيه، والاتفاق على إصدار أسناد المجاملة بين التجار، ومجاوزة الفائدة للحد المسموح به قانوناً، والوصية فيما يزيد على الثلث، والاتفاق على تشغيل العامل ساعات إضافية بما يزيد على الحد القانوني، والاتفاق على تعديل الحصص الإرثية، والعقود التي يكون أحد أطرافها عديم الأهلية، أو يكون محلها مستحيلاً أو غير مشروع، مثل المخدرات والرشوة والدعارة والاتجار بالرقيق الأبيض، أو المتعلقة بالمسؤولية الجزائية عموماً.
ومن الأمثلة الأخرى في القانون المدني، عدم جواز التصرف بالأموال العامة أو الحجز عليها أو تملكها بمرور الزمن، أو الاتفاق علـى مـا يخالف نظرية الظروف الطارئة، أو الحد من المسؤولية المدنية الناجمة عن الفعل الضار، وعدم جواز التنازل عن الدفع بالتقادم قبل ثبوت الحق فيه، والاتفاق في عقد الشركة على أن يكون لأي من الشركاء، مبلغ مقطوع بصرف النظر عن ربح وخسارة الشركة، والتصرف في مال المميز متى كان ضاراً ضرراً محضاً له، والاتفاق على الحد من صلاحية المحكمة أو هيئة التحكيم، في تعديل أو إلغاء الشروط التعسفية في عقود الإذعان، أو الحد من صلاحياتها في تعديل الشرط الجزائي.
وأحكام قانون الشركات عموما هي من النظام العام، مثل أنواع الشركات وكيفية تأسيس كل شركة وإجراءات النشر والإعلان ، وإدارة الشركة، وحقوق الشركات والشركاء، والأحكام الخاصة برأس المال، بما في ذلك زيادته أو إنقاصه. وكذلك الأمر، فإن مسائل الأحوال الشخصية عموماً من النظام العام أيضاً، مثل الزواج والطلاق والخلع والنسب والإرث والوصية. والشيء ذاته يقال بالنسبة للقوانين الخاصة بالضرائب والرسوم، وتنظيم إدارة الدولة أو إحدى مؤسساتها ، وكذلك القوانين الخاصة بالنقابات على اختلاف أنواعها. وليس بالضرورة أن تتعلق مخالفة النظام العام بالقواعد الموضوعية وإنما قد تتعلق بإجراءات التقاضي. ومثال ذلك مخالفة هيئة التحكيم لقاعدة أساسية في الإجراءات من مساواة بين الأطراف، وإعطاء الفرصة الكافية لكل منهم لتقديم مذكراته ودفوعه وبيناته، دون تحيز لطرف على حساب طرف آخر، وبما يحقق التوازن والعدالة بين الأطراف، وفق ما تقدره الهيئة حسب الظروف المحيطة، وتزويد كل منهم في الوقت المناسب، بما يقدمه لها الأطراف الآخرون من مستندات ووثائق تتعلق بالنزاع، والسماح للطرف المعني ببيان رأيه فيها.
ومثال ذلك أيضا تقديم وثائق مزورة تعتمد عليها الهيئة في حكمها، بالرغم من اكتشاف التزوير قبل صدور الحكم، أو أن يبدي أحد المحكمين رأيه في القضية أثناء الإجراءات، ويستمر مع ذلك في التحكيم، أو تعرض على الهيئة مسألة ، تخرج عن اختصاصها، مثل الطعن بالتزوير، فتفصل الهيئة فيه ولا تحيله للجهة القضائية المختصة، أو يترك كل من المحتكم والمحتكم ضده خصومة التحكيم ولا يستمران فيها، ومع ذلك تستمر الهيئة في نظر النزاع وتصدر حكمها على أساس ما توفر لديها من مستندات وبينات أخرى، أو لا تتوفر الأغلبية المطلوبة في حكم التحكيم، ومع ذلك يصدر ما يسمى بالحكم عن أحد أعضائها منفرداً، أو يصدر الحكم دون مداولة أو مناقشة بين أعضاء هيئة التحكيم، وإنما يبدي كل منهم رأيه على ورقة مستقلة تضم لبعضها البعض، باعتبار أن مجموع هذه الأوراق تشكل الحكم، أو يصدر حكم التحكيم ليس عن المحكمين مباشرة، وإنما عن طريق مركز التحكيم المحال له النزاع.
،ومثاله أيضاً ، أن يصدر الحكم ويوقع من قبل شخص يوكلـه المحكم بذلك، وليس من المحكم نفسه، أو يكون الحكم من حيث الشكل مليئاً بالشطب والإضافات والتعديلات بشكل ممسوخ ، ودون توقيع بجانب ذلك من المحكمين، أو يفوض المحكمان رئيس هيئة التحكيم بالسير بكافة إجراءات التحكيم وبالتوقيع على الحكم باسمهم وبالنيابة عنهم ويتم ذلك فعلاً، أو يحال النزاع لمركز تحكيمي تقضي قواعده بعدم إصدار الحكم إلا بعد إرسال مسودته للمركز المراجعته من حيث الشكل، فلا تتبع هيئة التحكيم هذا الإجراء الجوهري، وتقوم بإصدار الحكم وتوقيعه وإرساله للأطراف مباشرة ، أو لا يفوض الأطراف الهيئة بالصلح صراحة، ومع ذلك تصدر الهيئة الحكم على أساس التحكيم بالصلح، أو يتفق الأطراف أثناء الإجراءات على تسوية نزاعهم ودياً، ويطلبون من الهيئة تثبيت ذلك في المحضر ومن ثم إصدار حكم بهذه التسوية، فترفض ذلك، وتصدر حكما مبتسراً بنتيجة التسوية دون بيان شروطها وأحكامها ، أو عدم السماح لأي من الطرفين بتعديل طلباته أو أوجه دفاعه أو استكمالها، رغم عدم منازعة الطرف الآخر بذلك، وبالرغم من أن نظر النزاع كان في بداياته عند تقديم مثل هذا التعديل، وكان من الواضح أن التعديل لا يعيق الفصل في النزاع، أو تنظر الهيئة في النزاع دون تمثيل صحيح من أحد أطرافه أو تطلب منه تمثيل نفسه في القضية وترفض طلبه بتعيين محام أو أي شخص آخر يمثله في النزاع.