الفرض الذي تواجهه ، فهو صدور الحكم متضمنا لما يخالف النظام العام المصرى ، فالعبرة بالمفهوم المصرى للنظام العام ، وهي مسألة على جانب كبير من الأهمية ، اذا استحضرنا ما سبق أن عالجناه بشأن فكرة النظام العام الدولي ، وما انتهينا اليه من رفض لهذه الفكرة تأسيسا على الطابع الوطني لمفهوم النظام العام .
والعبرة في هذا المقام ليست بتعلق الحكم بمسألة تمس النظـام العام، وانما بتضمن الحكم فعلا ما يخالف النظام العام المصرى وهي صياغة موفقة للنص وتؤكد تبـديد التشابك بين اتفاق التحكيم وصحته أو بطلانه وبين حكم التحكيم . وكذلك اذا تضمن حـكم التحكيم القضـاء بفوائد تأخيرية لصالح أحد الأطراف بسعر يزيد عن الحد الأقصى المحدد قانونا فان قضاء النقض قرر مخالفة الحكم للنظام العام ونزل بسعر الفائدة الى الحد القانوني رغم تعلق الأمـر بعلاقات تجارية دولية، وآية ذلك بخصوص سعر الفائدة أن القانون خول البنك المركزي تحديد أسعار الفائدة دون تقيد بأي حد أقصى يتضمنه أي قانون مما لا يجعل الحـد الأقصى الوارد في القانون المدنى مكونا لأحـد الأسس الاقتصادية التي يقوم عليها المجتمع وبالتالي لم تعد تدخل في مفهوم للنظام العام المصرى في مجال المعاملات التجارية . وتعتبر مخالفة للنظام العام المصرى أحـكام التحكيم التي تصدر مخالفة لقوانين التسعيرة أو لقـواعد المنافسة المشروعة أو لقوانين محاربة الاحتكارات وذلك لاتصـال هذه القوانين بالمصالح الاقتصادية .
ولذلك لا يمكن منع القاضي المصري من الحكم ببطلان حكم التحكيم الخاضع للقانون المصرى ، حتى لو كان صادرا في تحكيم دولي في مصر أو في الخارج ، استنادا الى اتساق الحكم مـع النظام العام الدولي الذي يجب أن تكون له الغلبة على النظام العام الوطني وهو مـا كـان ممكنـا لـو تمت صياغـة النص دون تقييد النظـام العـام وتحديـده وفقا للمفهـوم المصرى. ولا يعـد هـذا المسلك متعارضا مع انضمام مصر لاتفاقية نيويورك ، لأن المادة الخامسة/٢/ب تجيز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم اذا كان مخالفا للنظام العام في البلد المطلوب تنفيذ الحكم فيها . ولكن يلاحظ أن بطلان الحكم يقف عند حدود مخالفته للنظـام العام المصرى ، اذا كان ممكنا تجزئة ما قضى به ، ومثال ذلـك قضاء النقض الذي لم يقر منع تنفيذ حكم التحكيـم الا في حدود ما قضی به متجاوزا الحـد الأقصى لسعر الفائدة. ولا تحتاج المحكمة لتمسك أحـد الأطراف بمخالفة الحكم للنظام العام المصرى ، كما هو الشأن في الأسباب الأخرى وانما عليهـا أن تقضى بالبطلان من تلقاء نفسها ، حتى لو كانت دعـوى البطـلان مؤسسة على سبب آخر.