الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / الإخلال بحق احد الخصوم في الدفاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / تعذر تقديم أحد طرفي التحكيم لدفاعه (م 1/٥٣/ج من قانون التحكيم)

  • الاسم

    ناصر شحاته حسن صالح
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    650
  • رقم الصفحة

    551

التفاصيل طباعة نسخ

ورد النص على هذه الحالة في الفقرة (ج) من المادة 53 من قانون التحكيم فنصت علي أنه:" إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته".

وتتعلق هذه الحالة بحق الخصوم في التمتع بالضمانات الأساسية للتقاضي، لأن اللجوء إلى التحكيم لا يعني أن تكون الخصومة التحكيمية بمنأى عن تلك الضمانات، وهو حق لا خلاف فقها وقضاء علي وجوب حماية مباشرة الخصم له، فحق الخصم في الدفاع من الحقوق الأساسية التي يترتب على حرمانه منها بطلان العمل الذي تجاهلها، ويرتبط هذا الحق بضرورة علم الخصم بكافة إجراءات الخصومة وفقاً للقواعد المقررة، سواء إتصل علمه بها يقيناً أو حكماً.

فمبدأ المواجهة من المبادئ الأساسية في التقاضي، ويقصد به حصول الإجراءات في مواجهة الخصوم، أي وجوب إخبار كل خصم بما يجريه الخصم الآخر لكي يتمكن من الدفاع عن مصالحه.

كما يقصد به، أن تكون جميع إجراءات الخصومة التحكيمية ونطاقها (الأشخاص والموضوع والسبب) ومراحلها معلومة في الوقت المناسب لأطراف الخصومة، فيجب أن تكون جميع إجراءات الخصومة التي يتخذها أحد أطرافها والمحكمين فيها معروفة للطرف الآخر، أي يعلم بها في الوقت المناسب حتي يتمكن من الرد عليها.

ويقتضي هذا المبدأ المساواة وأمانة الأطراف في الخصومة التحكيمية، فهو التزام علي عاتق الخصم عند ممارسة حقوقه في الدفاع، عليه أن يراعيه لصالح الخصم الآخر حتي يتمكن هو الآخر من ممارسة حقوقه في الدفاع، فمبدأ المواجهة يعمل علي إحترام حقوق الدفاع للخصم الآخر.

كما أنه واجب علي المحكم يلتزم به في مواجهة الخصوم، وحسب المحكم حقيق غاية معاملة الخصوم على قدم المساواة، تمكين كل خصم من إبداء طلباته ودفاعه وأدلته مع العلم بطلبات خصمه ومستنداته ومناقشتها بطريقة كافية ومتكافئ.

وفي هذا الخصوص يتمتع القاضي المعني بالرقابة على الحكم التحكيمي بسلطة تقديرية في شأن مدى إحترام المحكم لمبدأ المواجهة، وفي تقييم الطابع المعقول للفترات المحددة من قبل المحكم للأطراف لعرض إدعاءاتها وتفنيد الإدعاءات المقابلة .

وقد قضى، بأن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين بإختيارهما أو بتفويض منهما وفقاً للشروط التي يحددانها ليفصل في النزاع بقرار يقطع دابر الخصومة، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره من خلال ضمانات التقاضي الأساسية .

وقد جاء نص الفقرة (ج) محدداً لبعض الحالات التي يتعذر فيها على الخصم تقديم دفاعه، منها عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم، ثم أردف ذلك بعبارة " أو لأي سبب آخر"، وهو ما يعني أن الحالات المذكورة ليست على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال، وبالتالي فإن النص يتسع لغيرها من الحالات التي يترتب عليها أن يتعذر على الخصم تقديم دفاعه، ومن ذلك إحترام حق الخصم في الدفاع وتحقيق مبدأ المواجهة والمساواة بين الخصوم، فإذا حدث ما يعد إخلالا بأي من هذه المبادئ وأدى إلى تعذر تقديم أحد الطرفين لأوجه دفاعه كان حكم التحكيم باطلاً.

ويشترط لإعمال هذه الحالة في تقديرنا - توافر الشرطين التاليين:

الشرط الأولٍِْ: أن يترتب على أي من الأسباب المذكورة في تلك الفقرة أو غيرها، تعذر قيام أحد الطرفين بتقديم دفاعه.

الشرط الثاني: أن يكون عدم تمكن أحد الطرفين من تقديم دفاعه خارجاً عن إرادته . ويقع على المدعى عبه إثبات دعواه، وإقامة الدليل على توافر هذين الشرطين، لأن الأصل أن حكم التحكيم قد صدر صحيحاً وفقاً للقانون إلى أن يثبت العكس.

ويجب إحترام مبدأ المواجهة وحق الخصم في الدفاع في جميع مراحل الخصومة التحكيمية، فلا يقتصر علي دعوة هيئة التحكيم للطرفين لكل إجتماع أو جلسة تعقدها، وإنما يمتد ليشمل تخويل كل طرف حق الإطلاع علي ما يقدمه الخصم من أوراق ومستندات ومنكرات سواء قدمت من الخصم أو من الخبير المنتدب في الدعوي، كما لا يجوز لهيئة التحكيم قبول مستندات أو منكرات في غير جلسة يعلن بها الطرف الآخر وتمكين الأخير من الإطلاع عليها في الوقت المناسب، ولا يجوز لهيئة التحكيم أن تتصل بأحد الأطراف بدون علم الطرف الآخر، ولا أن يقابل طرف دون الآخر .

ويمتد وجوب إحترام هذا المبدأ إلى جلسات التحقيق وإجراءات الإثبات التي تقوم بها هيئة التحكيم سواء تمت أمام هيئة التحكيم أو أمام الخبير المنتدب.

ويكفي لثبوت تحقق مبدأ المواجهة إتصال علم الخصم بما قام به الخصم الآخر أو هيئة التحكيم في الوقت المناسب الذي يمكنه من تقديم دفاعه أو الرد علي دفاع خصمه، فإن هو لم يكن حريصاً علي تقديم دفاعه مع ثبوت علمه، فإنه لا يستأهل الحماية القانونية ولا يكون جديراً بها ويكون حكم التحكيم بمنأي عن البطلان لهذا السبب .

ومن أهم تطبيقات هذا المبدأ التي نص عليها قانون التحكيم ما أورده المشرع بالمادة 31 منه التي نصت علي أن: "ترسل صورة مما يقدمه أحد الطرفين الي هيئة التحكيم من منكرات أو مستندات أو أوراق أخري إلي الطرف الآخر وكذلك ترسل الي كل من الطرفين صورة من كل ما يقدم الي الهيئة المذكورة من تقارير الخبراء والمستندات والأدلة".

وكذلك المادة ٢/33 من القانون التي تنص علي:" ويجب اخطار طرفي التحكيم بمواعيد الجلسات والإجتماعات التي تقرر هيئة التحكيم عقدها قبل التاريخ الذي تعينه لذلك بوقت كاف تقدره هذه الهيئة حسب الظروف".

وتطبيقاً لذلك قضت محكمة إستئناف القاهرة، من المقرر قانوناً أن مؤدى نص المادة 168 من قانون المرافعات لا يجوز للمحكمة أثناء المداولة أن تسمع أحد الخصوم أو وكيله إلا بحضور خصمه, أو أن تقبل أوراقاً أو مذكرات من أحد الخصوم دون إطلاع الخصم الآخر عليها وإلا كان العمل باطلاً. يدل على أن الشارع رأى حماية لحق الدفاع منع المحكمة من الإستماع أثناء المداولة لأحد الخصوم أو وكيله في غيبة خصمه, ومن قبول مستندات أو مذكرات من أحدهم دون إطلاع الخصم الآخر عليها, ورتب على مخالفة ذلك البطلان، وتعتبر القاعدة التي أوردتها المادة 168 من قانون المرافعات هي أصلاً من أصول المرافعات الذي يعتبر أنه تطبيقاً لحق الدفاع ومن ثم يترتب على ذلك أنه إذا بني الحكم على ما قدم الخصم بعد حجز الدعوى الحكم من أوراق دون إطلاع الخصم عليها فإنه يكون باطلاً بتحقق الإخلال بحق الدفاع الذي وضع كفالة لعدالة التقاضي .

ولا يحقق مبدأ المواجهة واحترام حق الدفاع أن تكون المذكرات والمستندات كان مصرحاً بهما وأنهما قدما في الميعاد، إذ يتعين فوق ذلك أن تكون الفرصة متاحة للخصم الآخر بالإطلاع على المستندات بالرد عليها، أما إذا لم تسمح المحكمة ولم تمنح الفرصة للرد عليه، إما بإعادة الدعوى للمرافعة أومد أجل النطق بالحكم مع التصريح له بالرد، فإن لم تفعل وعولت على هذه المستندات في قضائها وقع الحكم باطلا .

وقد استقر قضاء محكمة النقض علي أن تقدير مدى الجد في الطلب الذي يقدمه الخصوم بغية إعادة الدعوى إلى المرافعة هو من الأمور التي تستقل بها محكمة الموضوع، إلا أن ذلك مرهون بأن تكون المحكمة قد مكنت الخصوم من إبداء دفاعهم وأتاحت لهم الفرصة للرد على ما يثار في الدعوى بعد حجزها للحكم- من دفوع جديدة تحقيقاً لمبدأ المواجهة بينهم ومراعاة للقواعد الأساسية التي تكفل عدالة التقاضي.

ويتطلب تحقق مبدأ المواجهة واحترام حق الدفاع ألا يكون الخصم قد إعتمد أساليب تنطوي علي غش في إجراءات إعلان خصمه بطلب التحكيم أو بيان الدعوي ومستنداتها والمذكرات المقدمة فيها. كما لو تعمد الخصم إعلان خصمه علي عنوان وهمي لا وجود له ووجه هذا الإعلان إليه بطريق الغش حتي لا يصل إلى علم المعلن إليه، فيكون الإجراء في هذه الحالة باطلاً ويبطل تبعاً لذلك الاجراءات التي بنيت عليه بما فيها حكم التحكيم ذاته، إعمالاً لقاعدة الغش يفسد التصرفات، التي تهدف إلى محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافرها في التصرفات والاجراءات عموماً .

و يصحح ما شاب الإعلان من بطلان حضور طرف التحكيم الجلسة المحددة لنظر الدعوى التحكيمية ولو بدون إعلان وتنازله صراحة أو ضمناً عن حقه في الإعلان، كأن أبدى دفاعاً في الموضوع بما يدل على علمه اليقيني بموضوع النزاع وبطلبات المدعي فيها، كان ذلك كافياً للمضي في نظر الدعوى، وليس له أن يتمسك بعد ذلك ببطلان الإعلان أو بعدم الإعلان فما أسقط الحق فيه لا يعود وقد تحققت الغاية بتقديم دفاعه.

والمقرر أن الإخلال بحق الدفاع لا يصلح سبباً لرفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، لأن أحكام المحكمين شأن أحكام القضاء، تحوز حجية الأمر المقضي بمجرد صدورها وتبقي هذه الحجية طالما بقي قائماً، ومن ثم لا يملك القاضي عند الأمر بتنفيذها التحقق من عدالتها أو صحة قضائها في الموضوع لأنه لا يعد هيئة إستئنافية في هذا الصدد .

وجدير بالذكر أن تنظيم حقوق الدفاع للأطراف في التحكيم، لا يحول دون تنظيم هيئة التحكيم لإستعماله، لعدم إضاعة الوقت أو الجهد عبثاً، أو تعطيل الإجراءات أو إفسادها، آخذة في الإعتبار عامل الوقت الذي له أهمية خاصة في كل تحكيم، فليس ضرورياً أن تناقش هيئة التحكيم كل تفاصيل الحجج التي قدمها الأطراف أو إفراد تعليل خاص لكل حجة، بل يكفيها مناقشة الحجج الأساسية (المنتجة) والتصدي لها ولو شاب تسبيب حكمها شئ من النقص أو عدم التنظيم وكذلك فإن هيئة التحكيم غير ملزمة بعرض إستخلاصها الواقعي أو القانوني علي الأطراف قبل إصدارها لحكمها .