التنفيذ / الإخلال بحق احد الخصوم في الدفاع / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / الطعن بالبطلان على حكم التحكيم احتراماً لحقوق الدفاع ونزولاً على مقتضيات مبدأ المواجهة والمساواة بين الأطراف
الطعن بالبطلان على حكم التحكيم احتراماً لحقوق الدفاع ونزولاً على مقتضيات مبدأ المواجهة والمساواة بين الأطراف
تنص المادة ٥٣ - ١ - ج على أنه: "لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحا بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي آخر خارج عن ارادته".
ويبو لنا أن السبب الأساسي وراء نص المادة ٥٣ - ١ - ج يستمد من مبدأ أساسي يحكم الدعوى القضائية وهو مبدأ احترام حقوق الدفاع. فعلى الرغم من أن المحكم شخص خاص يستمد سلطانه من إرادة الأطراف واتفاقهم على منحه الاختصاص بالفصل في المنازعة المعروضة عليه إلا أنه عند ممارسته لمهمته بالفصل في المنازعة يعد بمثابة قاض يؤدي ذات الوظيفة ويقوم بنفس الدور الذي يقوم به هذا الأخير عند الفصل في المنازعات المعروضة عليه ويتقيد ببعض القواعد والمبادي، الأساسية التي تنظم الخصومة بين الأطراف وفي مقدمتها مبدأ احترام حقوق الدفاع والذي يعد نص المادة المذكورة حالة من الحالات التي تترجم إلى هذا المبدأ خصها المشرع المصري بمعاملة خاصة و جعل منها نبياً مستقلاً بذاته للطعن بالبطلان.
فإذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراء التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته، ومع ذلك قامت هيئة التحكيم أو المحكم المنفرد بإصدار حكم التحكيم على الرغم من عدم تقديم هذا الطرف لدفاعه، فإن الحكم الصادر يمكن الطعن عليه بالبطلان لعدم احترام حقوق الدفاع وللمساس بمبدأ المساواة المطلقة بين الأطراف أمام المحكم وهو المبدأ الذي نصت عليه المادة ٢٦ من قانون التحكيم بذكرها: ( يعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة ويُهيا لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه).
والواقع أن هذا السبب المستقل من أسباب بطلان حكم التحكيم الذي نص عليه المشرع المصري يوجد أيضاً في القانون الفرنسي تحت مسمى آخر هو ضرورة احترام مبدأ المواجهة. إذ عددت المادة ١٥٠٢ - ٤ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد من بين حالات الرجوع بالبطلان على حكم التحكيم الصادر في فرنسا حالة عدم احترام مبدأ المواجهة بين الخصوم.
وإعمالاً لهذه المادة يمكن إبطال الحكم التحكيمي أو رفض إصدار الأمر بتنفيذه إذا لم يحترم المحكمون هذا المبدأ، ويستخلص هذا المبدأ من الصياغة المستخدمة في قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد بشأن الإجراءات أمام القضاء الوطني.
وقد لاحظ جانب من الفقه الفرنسي أن هذا التماثل في الصياغة لا يعني ضرورة تطبيق جميع القواعد الواردة في قانون المرافعات والمتعلقة باحترام المواجهة في إطار التحكيم الدولي. كذلك فإن القضاء يسير في نفس هذا الاتجاه السابق مستعيناً بفكرة احترام حقوق الدفاع. فلقد لاحظ أحد الأحكام الصادرة عن محكمة استئناف باريس أن غاية مبدأ المواجهة هو احترام حقوق الدفاع. ويتصل مبدأ المواجهة أيضاً بفكرة النظام العام الدولي، فالمواجهة ليست إلا إحدى مقتضيات النظام العام الإجرائي. ولعل ذلك هو السبب. من أجله ذهبت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر27 نوفمبر ۱۹۸۷ إلى الإشارة إلى احترام المبادئ الأساسية في المواجهة في ظل المفهوم الفرنسي للنظام العام الدولي.
ومن الملاحظ أن بعض القوانين الوطنية بشأن التحكيم لم تر من الضروري أن تجعل من مبدأ احترام المواجهة بين الأطراف سببا مستقلاً لتقرير بطلان الحكم التحكيمي أو لرفض تنفيذه. ومن قبيل هذه الأنظمة القانونية قانون الإجراءات الهولندي الصادر يوليه ١٩٨٦ في المادة ١٠٦٥. بينما ذهب القانون الفرنسي على نحو ما أشرنا سلفاً إلى تقرير أن مبدأ المواجهة بين الأطراف من الأهمية بمكان على نحو يصلح معه أن يكون سبب مستقل من اسباب البطلان. بل وتذهب محكمة النقض الفرنسية إلى وصف هذا المبدأ بأنه مبدأ أساسي principe supérieur لا غنى عنه لسير الدعوى على نحو عادل.
ومن هنا فإن موقف المشرع المصري يتفق مع موقف المشرع الفرنسي الاعتداد باحترام حقوق الدفاع ومبدأ المواجهة على اعتبار أنه مبدأ متفرع عن هذا الحق، كسبب من أسباب الطعن بالبطلان، وذلك على الرغم من الصياغة المختلفة في كل من القانون المصري والفرنسي للتعبير عن ذات المبدأ على نحو ما هو ظاهر من صياغة كل من المادة ٥٣-١ - ج من القانون المصري للتحكيم والمادة ١٥٠٣ - ٤ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد.
ويتم إعمال مبدأ المواجهة على جميع مراحل سير الإجراءات التحكيمية وهو يفترض أن كل طرف كانت لديه الفرصة ان يعرض يدعيه من أمور سواء كانت متصلة بالواقع أو القانون ويطلع أيضاً على ادعاءات خصمه ويناقشها.
أخيراً فإن احترام حقوق الدفاع أو مبدأ المواجهة يقتضي أن أية مسألة متصلة بالواقع أو القانون تقوم محكمة التحكيم بإثارتها من تلقاء نفسها، يجب أن تقوم الأطراف بالتعرض لها ومناقشتها والتعليق عليها.
ويذهب الأستاذ Gaillard. إلى أن إعمال مبدأ المواجهة يثير الملاحظات التالية: أولاً أنه يكفي لتحقيق احترام مبدأ المواجهة أن يكون كل طرف أتيحت له الفرصة في أن يعرض حججه، حتى إذا كان من الناحية الواقعية المتبع هذا الطرف عن القيام بذلك. فغياب أحد الأطراف لا يحول مطلقاً دون أن الكون الإجراءات التي تمت أمام التحكيم قد احترمت مبدأ المواجهة ).
ويصدق ذلك على جميع مراحل الإجراءات، ولذلك وعلى سبيل المثال فالطرف الذي لا يستغل الرخصة المتاحة له والتي تركتها له محكمة التحكيم بعد قبول الشهادة التي قدمت مؤخراً من قبل خصمه، في أن يبدي وجهة نظره، لا يمكنه الاستناد بنجاح فيما بعد، إلى عدم احترام مبدأ المواجهة.
ومن ناحية ثانية فإن الأطراف لا تعتبر أنها قد تركت لها الفرصة في تعرض ادعاءاتها وتقدم ما تشاء من عناصر الإثبات وتفند الادعاءات المقدمة من الخصوم إلا إذا كانت قد تركت لها فترة معقولة للقيام بذلك. ويتمتع القاضي المعني بالرقابة على الحكم التحكيمي وفقاً لأحكام المواد ١٥٠٢ - ٤ ١٥٠٤ من قانون المرافعات الفرنسي بسلطة تقديرية في تقييم الطابع المعقول للفترات المحددة من قبل محكمة التحكيم لهذا الغرض. ويتشدد القضاء الفرنسي عند ممارسته لهذه الرقابة ولذلك فهو لا يقبل إبطال الحكم التحكيمي أو يرفض إصدار الأمر بتنفيذه على هذا الأساس إلا إذا ثبت أن المدة الممنوحة لم تكن كافية للسماح للطرف في أن يقدم دفاعه بشكل مفيد.