إن أهم ما يميز نظام التحكيم هو تلك المساحة الشاسعة التي تركها المشرع لإرادة أطراف التحكيم في تنظيمه عند إختيار القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تسري عليه ، وهو ما عبر عنه المشرع في غير موضع من قانون التحكيم رقم
27 لسنة 1994؛ فجاءت غالبية نصوصه مكملة لهذه الإرادة في تنظيمها للعملية التحكيمية تطبق عند عدم الإتفاق عليها مع إيراد نصوص محددة تتصل بضمانات التقاضي الأساسية التي يتعين إتباعها إقتضتها المصلحة العامة بإعتبار أن حكم التحكيم يعد فصلاً في خصومة كانت في الأصل من إختصاص القضاء .
وحكم التحكيم بإعتباره عمل إجرائي له شكله القانوني الذي يجب أن يفرغ فيه وأن تكون هيئة التحكيم حريصة علي إستيفاء هذا الشكل حتي يكون حكم التحكيم متقفاً مع النموذج القانوني المقرر بإتفاق الطرفين ونص القانون.
وقد نص قانون التحكيم في المادة 43 منه علي الشكل الذي يجب أن يكون عليه حكم التحكيم، وحدد البيانات التي يجب أن يشملها حكم التحكيم، وما يجوز للطرفين الإتفاق علي إستبعادها، كما هو الحال بالنسبة لتسبيب حكم التحكيم، فأوجب أن يكون الحكم مسبباً ما لم يتفق الطرفان علي غير ذلك.
وتطبق هذه القواعد علي التحكيم الوطني والتحكيم الدولي الذي يتفق الطرفان فيه علي تطبيق أحكام قانون التحكيم المصري عليه.
ويبدو دور طرفي التحكيم في شكل حكم التحكيم واضحاً وجليا عندما يتفقا علي إخضاع التحكيم لقواعد قانون دولة معينة أو للقواعد النافذة في منظمة أو مركز تحكيم دائم في مصر أو خارجها؛ كمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وغرفة التجارة الدولية بباريس، فتكون هذه القواعد وحدها دون غيرها هي الواجبة الإتباع
بشأن شكل حكم التحكيم، وفي حالة خلو الإتفاق على الأخذ بأي من هذه القواعد الإجرائية يكون لهيئة التحكيم مطلق إختيار الإجراءات التي تراها مناسبة(م٢٥ من
قانون التحكيم).
وقضت محكمة النقض تطبيقاً لذلك، إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنة ببطلان حكم التحكيم على سند أن طرفي التداعي إتفقا على تطبيق القواعد الخاصة بنظام التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس على إجراءات التحكيم وأقيمت الدعوى التحكيمية هناك، ومن ثم يكون مثل هذا الإتفاق صحيحاً ويتفق مع ما نصت عليه المادة ٢٥ من قانون التحكيم المصري، وهي تلك القواعد الإجرائية التي تم إتباعها ولا مخالفة فيها للنظام العام في مصر في مجال المعاملات الدولية، وأن تلك القواعد الإجرائية الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس لم تشترط ذكر أسباب عدم توقيع محكم الطاعنة على الحكم المطعون فيه، كما أورد بمدوناته أن الغاية من وجوب إشتمال الحكم على بيان وثيقة التحكيم هو التحقق من صدور حكم أو قرار التحكيم في حدود سلطة المحكمين، وأن هذه الغاية تحققت في حكم التحكيم خاصة أنه إحتوى على البيانات الجوهرية في إتفاق التحكيم بل إنه تضمن حرفياً وثيقة التحكيم، فضلاً عن أن قواعد الغرفة لم تشترط إشتمال الحكم على صورة من وثيقة الإتفاق على التحكيم، وأن ما خلص إليه الحكم المطعون فيه يتفق وصحيح القانون، فإن النعي عليه في هذا الشأن لا أساس له .
ويجب أن يكون حكم التحكيم مستوفياً للشكل الذي نص عليه القانون وأن تتوافر له شروط الصحة الشكلية التي نص عليها القانون وإتفاق الطرفين ، والهدف من وجوب صدور الحكم في الشكل المقرر بإتفاق التحكيم أو نص القانون، تمكين محكمة البطلان من مراقبة حكم التحكيم من حيث مدى الإلتزام بحدود ما ورد في اتفاق التحكيم.
ونتناول في الفرع التالي حالات بطلان حكم التحكيم لتخلف شروط الصحة الشكلية علي النحو التالي:
الفرع الثاني : حالات بطلان حكم التحكيم لتخلف شروط الصحة الشكلية
ويسري علي هذه الحالات نص المادة ( ١/٥٣ ز) من قانون التحكيم، التي نصت علي أن يكون حكم التحكيم باطلاً إذا وقع بطلان في الحكم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم.
والفرض هنا أن البطلان قد لحق الحكم ذاته كعمل من الأعمال التي تتم في خصومة التحكيم، أو أن البطلان قد لحق إجراء من إجراءات التحكيم السابقة علي الحكم لكن أثر هذا البطلان قد إمتد فأصاب الحكم .
الحالة الأولى : وقوع بطلان في الحكم
يكون حكم التحكيم ذاته باطلاً إذا خولفت قاعدة من القواعد اللازمة لصحة صداره، فيجب أن يكون حكم التحكيم بذاته دالاً علي إستكمال شروط صحته، إعمالاً لمبدأ الكفاية الذاتية للأحكام بحيث لا يقبل تكملة ما نقص منه من البيانات الجوهرية بأي طريق آخر ، ومن ذلك:
- أن يصدر حكم التحكيم غير مسبب مع وجوب التسبيب ، أو أن تكون الأسباب متناقضة مع بعضها البعض أو غير منطقية ، أو أن يصدرالحكم خالياً من الأسباب.
- أن يصدر الحكم خالياً من أحد البيانات الجوهرية التي نص عليها بالمادة 43 من قانون التحكيم، كما لو صدر الحكم خالياً من ذكر أسماء الخصوم أو المحكمين أو تاريخ صدوره، أو خالياً من ذكر ملخص لأقوال الخصوم ومستنداتهم ، أو أن يمسخ الحكم الواقع ويحرفه فتحل هيئة التحكيم إرادتها محل إرادة الأطراف، وهو ما يعرف بالقصور في الأسباب الواقعية لحكم التحكيم.
- أن يصدر حكم التحكيم خالياً من توقيع المحكمين أو من الأغلبية المقررة لصحته التي نص عليها القانون أو إتفاق الطرفين وفقاً لنص المادة 40 والمادة 1/43 من قانون التحكيم.
- أن يصدر حكم التحكيم بغير مداولة بين المحكمين علي النحو الذي يقرره القانون.
- أن يصدر حكم التحكيم خالياً من المنطوق، أو أن يكون المنطوق متناقضاً مع بعضه البعض، أو مع الأسباب التي بني عليها الحكم فيفقد الحكم منطقيته.
- أن يصدر حكم التحكيم من محكم قضي برده من المحكمة المختصة إعمالاً لنص المادة 1/19 من قانون التحكيم أو تم عزله.
- أن يصدر حكم التحكيم دون مراعاة الميعاد المحدد قانوناً أو إتفاقاً (م 45 من قانون التحكيم).
الحالة الثانية: وقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم
أما بطلان حكم التحكيم نتيجة بطلان الإجراءات التي بني عليها، فإنه يفترض أن إجراء أو أكثر من الإجراءات التي سبقت صدور الحكم قد وقع باطلاً ثم بني عليها الحكم فأصبح بدوره باطلاً .
ونعتقد أن مؤدي عبارة نص الفقرة (ز) المشار إليها التي جرت على أنه: "... أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم". أنه ليس كل بطلان في الإجراءات من شأنه أن يؤثر في الحكم، وبالتالي يتعين أن ينظر لكل حالة على حدة، فإذا كان الحكم لا تقوم له قائمة بغير الإجراء الذي أصابه البطلان، كان حكم باطلاً، فإذا تحققت الغاية من الإجراء فلا سبيل للحكم ببطلان حكم التحكيم، وهو ما تقرره المادة ٢٠ من قانون المرافعات المدنية التي تنص علي أن: يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء".
فنص المشرع على ترتيب البطلان على عدم صحة الإجراء يجعل الأصل ذلك هو عدم تحقق الغاية من الإجراء لعدم إتخاذ الإجراء أو لعدم صحته، وبالتالي إذا تحققت الغاية من الإجراء فلا يترتب البطلان كجزاء رغم عدم إتباع الإجراء أو عدم صحته.
ويكون تقدير ما إذا كان الإجراء الباطل من شأنه التأثير على الحكم من عدمه حسب ظروف كل حالة على حده، ويخضع لمطلق السلطة التقديرية لمحكمة البطلان .