تدار خصومة التحكيم بأسلوب أكثر مرونة، فلا يتعين الأخذ بالأسلوب التخاصمي- السائد تقليديا في أنظمة القانون العام، أو بالأسلوب التحقيقي السائد أنظمة القانون المدني.
وفيما يتعلق ببداية مرحلة نظر وتحقيق الخصومة فان قوانين التحكيم، في الغالب، لا تتضمن تحديدا دقيقا لبداية تلك المرحلة، تاركة تلك المسألة لسلطة هيئة التحكيم، فعلى سبيل المثال، نصت المادة[1/29] من قانون التحكيم السوري على أن" تجتمع هيئة التحكيم بعد تشكيلها بدعوة من رئيسها وتعقد جلساتها في المكان الذي اتفق عليه الطرفان أو المكان المحدد وفق أحكام هذا القانون، وذلك لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع دعواه وعرض حججه وأدلته، ولها الاكتفاء بتقديم المذكرات والوثائق المكتوبة ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك". في حين أوجبت المادة[2/40] من قانون التحكيم الاندونيسي على هيئة التحكيم أن تدعو الأطراف أو ممثليهم، بعد استلامها لمذكرة الدفاع المقدمة من المدعى عليه، فورا، إلى حضور جلسات التحكيم، والتي يجب أن تحدد خلال مدة لا تتجاوز أربعة عشر يوما من تاريخ دعوة الأطراف.
ونعتقد أن عدم تحديد ميعاد صارم لبدء مرحلة نظر وتحقيق خصومة التحكيم يتفق مع المرونة التي يتسم بها هذا النظام، مع التأكيد أيضا على أن السرعة هي احد الأهداف المبتغاة من اللجوء إلى التحكيم، ويجب على هيئة التحكيم أخذها بعين الاعتبار.
وهناك العديد من العوامل التي تؤثر في اختيار أحد الأسلوبين السابقين منها؛ أن عدم عقد جلسات مرافعة سيقلل من النفقات والوقت، حيث قد يتطلب عقد مثل تلك الجلسات الانتقال من بلد إلى أخر، كما قد يؤدي عقد جلسات للمرافعة إلى تأخير الفصل في النزاع لصعوبة التوصل إلى مواعيد مناسبة لكلا الطرفين، وفي المقابل فإن استجلاء نقاط الخلاف يتم بصورة أسهل وأسرع من خلال عقد جلسات مرافعة.
ونظر خصومة التحكيم بأي من الأسلوبين السابقين يعتمد في المقام الأول على اتفاق الأطراف، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق فان لهيئة التحكيم سلطة تقديرية في اختيار الأسلوب الملائم لنظر الخصومة، وإن كان الاتجاه السائد في التحكيم التجاري الدولي ألا يتم نظر خصومة التحكيم بدون جلسة مرافعة مختصرة على الأقل .
وما لم يتفق الأطراف على ما إذا كان ينبغي عقد جلسات للمرافعة في فترة زمنية متصلة أو عقدها على فترات منفصلة فلهيئة التحكيم اختيار الأسلوب الأكثر ملائمة لطبيعة وحجم النزاع، ويستحسن عقد جلسات التحكيم في فترة زمنية متصلة في القضايا البسيطة وغير المعقدة، أما في هذه الأخيرة فيتعين المباعدة بين فترات انعقاد الجلسات لتمكين الخصوم وممثليهم من دراسة تطورات القضية والإعداد له بشكل جيد.
وفيما يتعلق بمكان جلسات التحكيم(4) فقد نصت المادة[28] من قانون التحكيم المصري على انه " لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في مصر أو خارجها، فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملائمة المكان لأطرافها، ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم، كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على مستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك"
ووفقا للمادة[32] من قانون التحكيم اليمني، يجوز للأطراف الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتبعها وهذا يشمل حرية الأطراف على تحديد مكان عقد جلسات المرافعة " فإذا لم يوجد أي اتفاق فإنه يجوز للجنة - هيئة التحكيم – أن تتبع ما تراه ملائما من الإجراءات مع ضرورة مراعاة أحكام هذا القانون وعدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام".
ومع ذلك يلاحظ أن المادة[7] من قانون التحكيم اليمني قيدت حرية الأطراف في اختيار مكان التحكيم عندما يكون التحكيم وطنيا، أي عندما يكون جميع أطرافه يمنيين حيث نصت على انه " مع عدم الإخلال بأحكام هذا القانون يجوز لطرفي التحكيم إذا كان أحدهما أو كليهما غير يمنيين الاتفاق على القانون الذي يخضع له التحكيم شكلاً وموضوعاً وعلى لغة التحكيم ومكانه" وهكذا فلا يجوز في التحكيم الوطني أن يكون مكان التحكيم في غير أراضي الجمهورية اليمنية، إلا أننا نعتقد أن ذلك لا يقيد سلطة هيئة التحكيم في عقد جلسات التحكيم أي مكان أخر تراه ملائما إذا وافق الأطراف على ذلك أو اقتضت ظروف المنازعة عقد الجلسات في الخارج، ويتعين صرف المقصود بمدلول مكان التحكيم في المادة السابقة إلى المفهوم القانوني لمكان التحكيم دون المادي، فالملاحظ أن اللغة القانونية الحديثة في نظرية التحكيم تميل إلى استخدام مصطلح مقر التحكيم Seat of Arbitration للدلالة على مكان التحكيم كمفهوم قانوني بينما يستخدم مصطلح مكان التحكيم Place of Arbitration للدلالة على المكان المادي أو الجغرافي الذي تتم فيه إجراءات التحكيم، وقد يتطابق مدلولهما ولكن ليس بالضرورة أن يحدث ذلك.
وقد جسدت تلك التفرقة، في بعض الأنظمة القانونية، فوفقا للمادة[3] من قانون التحكيم الانجليزي يقصد بمقر التحكيم Seat of Arbitration المكان القانوني للتحكيم المحدد إما بواسطة أطراف اتفاق التحكيم أو بواسطة مؤسسة تحكيم أو شخص مخول له من قبل الأطراف القيام بهذا التحديد، أو بواسطة هيئة التحكيم نفسها إذا كانت مخولة من قبل الأطراف القيام بذلك، ووفقا للمادة [أ/2/43] لهيئة التحكيم، وما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، أن تحدد متى وأين سيتم عقد أي جزء من إجراءات التحكيم، والمقصود بتحديد المكان في هذه المادة، المكان المادي الذي ستتم فيه الإجراءات، وهكذا فيمكن أن يكون مكان جلسات التحكيم هو مقر التحكيم المحدد وفقا للمادة[3] ويمكن للأطراف أو لهيئة التحكيم أن تحدد مكان أخر، غير مقر التحكيم، لعقد بعض أو كل جلسات التحكيم.