تعريف الشكل الإجرائي: يمكن أن نميز في كل عمل قانوني عنصرين نشاط وحدث، فكل نشاط يؤدي إلى حدث مع ملاحظة أن الحدث الواحد يمكن أن يكون مصدره أنواعا مختلفة من الأنشطة فالإعلان مثلاً كحدث (أي بوصفه إخبار شخص ما بواقعة ما يمكن أن يكون مصدر هذا الإخبار بالكتابة أو شفاهة، كما أن طريقة الإعلان بالكتابة قد تختلف.
يقابل الفقه بصفة عامة بين عنصرى العمل القانوني ( النشاط والحدث) ويطلق على الاول اصطلاح الشكل وعلى الثاني اصطلاح المضمون .
عندما يقوم المشرع بتحديد الوسيلة التي يجب إتباعها لتحقيق مضمون معـيـن كـان يشترط مثلا أن حوالة الدين لترتب آثارها يجب أن تكون مكتوبة، وأن المطالبة القضائية لكي تعتبر كذلك يجب أن تتضمن عريضة دعواها بيانات معينة ....الخ، ففي مثل هذه الأحوال يقال أن العمل القانوني عمل شكلي، وعلى العكس من ذلك فإن المشرع إذا اقتصر على تحديد الحدث دون التعرض إلى الوسيلة فإن الشخص يكون حرا في اختيار الوسيلة التي تؤدي إليه وعندئذ يقال أن شكل العمل حر، مع ملاحظة أن ترك المشرع للشخص حرية اختيار الوسيلة فإن هذه الحرية ليست مطلقة بل لابد أن تكون الوسيلة المتبعة تؤدي إلى الحدث الذي يرمي إليه.
فالإعلانات تتم في أوقات معينة وتسلم لأشخاص محددين، والطرق البديلة للإعلان لا يصار إليها إلا في حالات معينة والمحكمة تسمع الدعوى بترتيب محدد والحكم الذي يصدر في الدعوى نص القانون على شكل معين يجب إتباعه لإصدار الحكم، وهكذا سائر الأعمال الإجرائية المختلفة.
هذه الشكلية القانونية ليست على وتيرة واحدة بل هي متدرجة فقد تكون في عمل جامدة وفي عمل آخر قد تكون مرنة.
دور الشكلية في العمل الإجرائي
الشكلية مقررة في قانون الإجراءات المدنية كشرط لصحة العمل الإجرائي لا كشرط إثبات ولذلك فإن عريضة الدعوى إذا كانت معيبة لعيب شكلي فإنه لا يجوز تكملة هذا العيب عن طريق الإثبات.
مظاهر الشكلية في القانون الإجرائي :
يمكن تقسيم مظاهر الشكلية في العمل الإجرائي إلى قسمين:
[1] الشكل كعنصر من عناصر العمل.
[2] الشكل كظرف للعمل.
فالشكل كعنصر من عناصر العمل يعني الوسيلة التي يتم بها العمل ويدخل في وسيلة القيام بالعمل الطريقة التي يتم بها والمظهر الخارجي له، فعلى سبيل المثال ما أوجبته المادة [1/39] من قانون الإجراءات المدنية من ضرورة أن يتم تكليف المدعى عليه بالحضور بورقة تحرر طبقا للأنموذج المقرر لذلك تشتمل على بيان موجز بطلبات الدعوى ويطلب فيها من المدعى عليه الحضور في الزمان والمكان.
أيضا المادة [4/33] إجراءات مدنية من عدم جواز رفع دعوى ضد أجهزة الدولة إلا بعد أن يقوم المدعي بإبلاغ وزير العدل أو من ينوب عنه بالنية في رفع الدعوى بعريضة واضحة ومختصرة تتضمن كافة البيانات الواجب توافرها في عريضة الدعوى.
أما الشكل كظرف للعمل فهو لا يعتبر عنصرا من عناصر العمل بل ظرفا يقف خارج العمل إلا أن وجوده مهم للغاية وذلك حتى تتحقق الآثار التي يرتبها القانون على العمل كالإعلان مثلاً، فعلى سبيل المثال يشترط القانون في الإعلانات الموجهة إلى أجهزة الدولة أن تسلم لوزير العدل بصورة للجهاز المختص وفي الإعلانات الخاصة بأفراد قوات الشعب المسلحة وأجهزة تنظيم القانون إلى قائد الوحدة التابع لها بالمكان الذي يعمل فيه المدعى عليه وفي الإعلانات التي تتعلق بالمسجونين تسلم لمأمور السجن وفي الإعلانات المتعلقة بالشركات والمؤسسات تسلم بمركز إدارتها إلى السكرتير أو مدير عام الشركة أو المؤسسة أو لمن يقوم مقامه .
وفي الإعلانات المتعلقة بالشركات الأجنبية التي لها فرع أو وكيل في السودان إلى ذلك الفرع أو الوكيل"، وأيضا من ضرورة إخطار المحكمة للطرف الآخر قبل إلغاء الحكم الغيابي الصادر بموجب المادة (3/61) إجراءات مدنية أو المادة (3/62) من نفس القانون .
وكذلك يوجب قانون الإجراءات المدنية ضرورة النطق بالحكم في جلسة علنية وفي حضور الأطراف وأشترط أن تكون الأحكام كتابة وتشتمل على الأسباب التي بنيت عليها.
كذلك يدخل في ظرف العمل الإجرائي الزمن فقد يحدد المشرع زمنا معينا كمواعيد تنفيذ الإعلانات حيث يوجب القانون عدم تنفيذ التكليف بالحضور في الفترة ما بين غروب الشمس وشروقها إلا في حالات الضرورة وبإذن من المحكمة، وكذلك يشترط القانون عدم بيع المنقولات المحجوزة قبل مضي خمسة عشر يوما على الأقل من التاريخ الذي تم فيه نشر الإعلان واستثناء من ذلك حالة قبول المحجوز عليه ذلك أو كانت الأشياء المحجوزة عرضة للتلف أو تقلب الأسعار.
وأيضا يشترط القانون منع بيع العقار المحجوز تنفيذيا قبل انقضاء ثلاثين يوما على الأقل من تاريخ نشر الإعلان إلا في حالة أن يكون هناك موافقة مكتوبة من المحجوز عليه بالبيع قبل انقضاء هذه الفترة ، وأيضا كالميعاد الذي يجب أن يتم خلاله الطعن في الحكم بالنقض أو الميعاد الواجب فيه الرد على الطعن بالنقض .
وبعد أن قمنا بتعريف الشكل ننتقل لتعريف العيب الشكلي
البطلان للعيب الشكلي
هو مخالفة الشكل الذي يفرضه القانون، أي مخالفة الشكل القانوني وقد يكون هذا العيب في نشاط من يقوم بالعمل مثال الخطأ في إصدار الحكم أي عدم إتباع الشكل القانوني اللازم لإصداره وقد يكون العيب في العمل بعد تمامه مثال الخطأ في بيانات الحكم عند كتابته.
الشكل في العصر الحديث لم يعد جامدا كما كان عليه الحال في القانون الروماني القديم حيث كان التعبير بعبارات معينة وبترتيب معين ونشير إلى بعض المبادئ القانونية التي تؤيد مرونة الشكل:
( أ ) إذا تطلب القانون بيانا معينا أو تطلب إتباع شكل معين فلا يشترط أن يأتي هذا البيان أو الشكل بلفظ معين:
فعلى سبيل المثال يشترط القانون بيان أسباب الطعن بالنقض في عريضة الطعن بالنقض إلا أنه لم يشترط الكيفية التي تذكر بها هذه الأسباب ولذلك فإنه يكفي أن يكون البيان غير مبهم فإذا وردت الأسباب مبهمة بحيث لا تكشف عن المقصود منها كان الطعن باطلاً.
كذلك فإن الأخطاء المادية البسيطة التي تكتشف بمجرد الإطلاع عليها على الورق لا يكون لها أثر على صحة العمل مثال ذلك أن يكون الحكم قد اعتمد في أسبابه على شهادة شاهدين بما يتفق وإفادتهم بالمحضر إلا أنه وعند الإشارة إلى تلك الإفادة وقع خطأ مادي فنسب رواية الشاهد الأول إلى الشاهد الثاني فهذا خطأ مادي لا يؤدي إلى البطلان.
(ب) إذا تطلب القانون بيانات معينة في الورقة فلا يشترط أن تأتي هذه البيانات بالترتيب الذي نص عليه القانون:
لذلك فإن اسم المدعي يمكن أن يأتي في عريضة الدعوى قبل أو بعد اسم المدعى عليه وكذلك في حيثيات الحكم يمكن أن تورد الأدلة الواقعية والأسانيد القانونية في ثنايا أسباب الحكم كما أن أسباب الحكم يمكن أن تأتي قبل أو بعد منطوق الحكم ويستثنى من هذه القاعدة إمضاء من ينسب إليه العمل فالإمضاء بالنسبة للأعمال المكتوبة يجب أن يأتي بعد مضمون العمل إذ أن ذلك يعنى نسبة ما جاء في الورقة إلى من وقعها.
كذلك واستنادا إلى تلك القاعدة فإنه إذا حدث نقص أو خطأ في بيان ما فإن هذا النقص أو الخطأ يكمله وجود البيانات في موضع آخر من العمل فوجود البيان في مكان آخر يعني لم يوجد نقص أو خطأ في بيانات العمل.
(ج) مبدأ تكافؤ الأشكال القانونية:
تقوم فكرة هذا المبدأ على أنه في حالة وجود نقص في بيانات طلب أو ورقة من أوراق الخصومة فإنه يمكن تكملة النقص ليس فقط من بيان مماثل للبيان الناقص وإنما أيضا من بيان آخر ولو لم يكن مماثلا للبيان الناقص مادام يؤدي إلى الغاية التي أرادها المشرع من البيان الناقص ويشترط لتطبيق هذا المبدأ أن يوجد مرادف للبيان الناقص ولا يشترط أن يكون مماثلا فيكفي التكافؤ معه في تحقيق الغاية التي أرادها المشرع منه كما يجب أن يكون البيان المرادف في نفس الورقة أو في ورقة أخرى معلنة مع نفس المعيبة وتطبيقا لهذا الشرط فإن بيان موضوع الطلب لا يكمل من أعمال ومستندات سابقة على الطلب ولو كان المدعى عليه قد علمها.
حالات البطلان الشكلي يمكن حصرها في الآتي:
[1] إذا نص القانون على بطلان العمل الإجرائي فإن العمل الإجرائي يكون باطلا وإثبات الضرر من جراء عدم احترام الشكل غير لازم ويجب أن يكون النص صريحا فلا يعتد بعبارات ضمنية كورود عبارات ناهية أو نافية بالنص كعبارة لا يجوز) وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يحكم بالبطلان إذا اثبت الطرف الآخر أن الغاية من الشكل قد تحققت.
[2] إذا لم ينص القانون صراحة على البطلان فإن هذا لا يمنع من الحكم به إلا أن ذلك يتطلب إثبات أن الغاية من الشكل لم تتحقق فإذا تحققت الغاية فلا يحكم بالبطلان رغم النص عليه وإذا لم تتحقق الغاية حكم بالبطلان رغما من عدم النص عليه.
المقصود بالغاية
الوظيفة التي رسمها القانون للعمل من بين مجموعة الأعمال القانونية المكونة للخصومة، وعلى القاضي أن يبحث في كل حالة على حدة فلا ينظر إلى أهمية الشكل في ذاته بل يقدر ما إذا كانت الغاية التي أرادها القانون منه قد توافرت في الحالة المعروضة عليه رغم تخلفه مع ملاحظة أن هناك أشكالا لازم التحقق من وجودها بالعمل بمعنى أن الغاية لا يمكن أن تتحقق إذا تخلف الشكل، فالشكل هنا يرمي إلى ضمان تحقيق واقعة مادية تتوافر بتحقيقها حماية قانونية معينة، ففي هذه الحالة يكفي تحقق الواقعة المادية ولو من غير طريق الشكل القانوني لكي تتحقق الحماية التي يرمي إليها هذا الشكل وفي الحالات التي يكون فيها الشكل هو نفس الواقعة المادية التي تتحقق بها الحماية القانونية فإن الغاية من الشكل تكون متخلفة بمجرد تخلف الشكل ومن الأشكال التي يترتب على تخلفها حتما البطلان عدم تسبيب الحكم لأن التسبيب عنصر لازم لتحقيق الغاية منه فالحكم يهدف إلى بيان وجه القانون في دعوى معينة على نحو مؤكد وعدم التسبيب يؤدي إلى إثارة الشك وزعزعة الثقة فيه وكذلك توقيع القاضي على الحكم فهذا التوقيع شكل لازم لتحقيق الهدف وهو تأكيد صدور الحكم عن القاضي ولذلك فإذا تخلف يؤدي دائما إلى البطلان وكذلك عدم مراعاة الإعلان بين شروق الشمس وغروبها فالقاعدة في هذا العنصر الشكلي هو عدم إزعاج المعلن إليه في وقت يستريح فيه مراعاة لأدميته وهى غاية يؤدي تخلف الشكل إلى عدم تحققها فهي مرتبطة به وجودا وعدما.
الأعمال الإجرائية الصادرة عن الغير
مثال للغير الذي يقوم بعمل إجرائي الشاهد والخبير، فالقانون يمنع الشاهد من أداء الشهادة في بعض الأحوال فإذا أدى الشاهد الشهادة مخالفا لهذا المنع كانت الشهادة باطلة لعدم صلاحية الشاهد لأداء الشهادة في هذه الأحوال.
يستلزم القانون شرطين للبطلان لعيب موضوعي في الإجراء وهما:
1. وجود عيب موضوعي.
2. عدم تصحيح العيب الموضوعي.
لا يبطل العمل الإجرائي إذا ما تم تدارك هذا العيب بتصحيحه ويشترط في هذا التصحيح
( أ ) أن يضاف إلى العمل الباطل ما ينقصه وذلك بإضافة المقتضى المعيب ويستوي أن يكون العيب موضوعي كعيب الأهلية أو التمثيل القانوني أو عيب شكلي، فإذا رفعت عريضة الدعوى باسم شركة تحت التصفية دون ذكر المصفى الذي يمثلها قانونا أمام القضاء فإن تدخل الممثل القانوني أثناء الدعوى يصحح البطلان.
يمكن التصحيح من خلال إكمال النقص سواء كان البطلان متعلقا بالمصلحة الخاصة أو العامة وذلك لأن النظام العام لا يضار ما دام قد أمكن تكملة العمل.
(ب) أن تتم التكملة في الميعاد الذي ينص عليه القانون للقيام بالعمل الإجرائي .
(ج) أن تتم التكملة قبل التمسك بالبطلان.
هناك حالات يصحح فيها البطلان رغما من أن العيب يظل موجودا وهي الحالة التي يتنازل فيها الخصم عن حقه في التمسك في البطلان، وهذا التنازل من الخصم جائز سواء كان العيب شكليا أو موضوعيا طالما لم يكن البطلان متعلق بالنظام العام.