الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / بطلان الاجراءات / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية /  مخالفة إجراءات التحكيم لقانون الدولة التي جرى فيها التحكيم، فى حالة عدم الإتفاق

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    657

التفاصيل طباعة نسخ

 مخالفة إجراءات التحكيم لقانون الدولة التي جرى فيها التحكيم، فى حالة عدم الإتفاق

    وقد تباينت مناهج المحاكم الوطنية في صدد تعريف سوء التصرف، حيث أوضحت المحكمة المحلية لجنوب ولاية نيويورك الأمريكية ومن خلال إتباعها لمنهج موضوعي في وضع هذا التعريف في قضية Bisnoff v. King ، إلى أن: "الإجراءات غير العادلة قد تحدث بشكل أساســـــي عندما لا يقوم المحكمون بمنح كُل من أطراف النزاع  فُرصةً مُناسبة لتقديم أدلته وبراهينه"، وهـذا التعريف يُمثل فى نظر البعض" الحد الأدنى من المعايير التي تنطبق على تطبيق على أي تحكيم تجاری دولى".

  بينما ذهبت ذات المحكمة لاحقاً، ومن خلال إعتناقها لمنهج شخصى يُركز على نوايا المحكـــم وحالته الذهنية، على خلاف ذلك، في قضية Deiulemar Compagnia di .Navigazione,S.p.A. v. Transocean Coal Company, Inc., et al، حيث إعتبرت أن "سوء التصرف ينشأ عادةً عندما يكون هناك دليل إما على سوء النية أو على الخطأ الجسيم من جانب المحكم“. 

   ووفقاً لقانون التحكيم الإنجليزى لعام ١٩٩٦ ، يجوز لأى طرف الطعن على حكم التحكيم على أساس «المخالفة الجسيمة» ، وطبقاً للقسم ٦٨(٢) من هذا القانون تعنى هذه المخالفة أنه: " قد تتسبب أو سوف يتسبب عنها ظُلم بَين إلى مُقدم الطلب“. 

   وهذا التباين فى التعاريف المشار إليها كأسباب للطعن على حكم التحكيم، يؤكد على عدم دقتها وإحكامها، فى ضوء أنها لا تقدم توضيحاً أو بياناً عن الحالات والمواقف التي يتوفر فيها لأحد الأطراف فرص النجاح فى الطعن على حكم التحكيم، ولذلك فإن تطبيق مثل هذه التعريفات، وبسبب عدم تحديد نطاقها، يُمكن أن يؤدى أحياناً إلى أن تصبح مانعاً كبيراً من موانع التنفيذ، ممـــا قـــد يفضي إلى تقويض عملية التحكيم، وإهدار قيمة النتيجة التى توصلت إليها في الحكم الذي أسفر عنها. 

   وإذا كان إختيار المحكمين للقانون الواجب التطبيق على التحكيم ينبغي أن يكون بالقدر الملازم على النحو المنصوص عليه في المادة ۱۸۲ (۲) من القانون الدولى الخاص السويسرى، فقد أثار هذا الإختيار، نزاعاً قانونياً أمام المحاكم التركية.

   ففي قضية Osuushnta METEX Andelslag V.S... Tirkiye Electrik Kurumu Genel Müdürlügü General Directorate, Ankara، كانت هيئة التحكيم قد قضت - وبأغلبية الآراء - في تحكيم جرى فى زيورخ وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية لصالح شركة METEX إستناداً إلى تفسيرها لبند القانون المختار من جانب الطرفين، حيـث كـــان إتفاقهما قد تضمن النص على أن هيئة المحكمين سوف تلتزم كقاعدة عامة، بأحكام هذا العقد والقوانين التركية السارية، إلا أن الهيئة قررت أن الإشارة للقوانين التركية السارية لم يكن إختياراً للقواعد الإجرائية، مُطبقةً قانون الإجراءات السويسرى على التحكيم، بدلاً من القانون التركي، رغم أنه لا يوجد إختلاف جوهرى بين القانونين .

   وعندما سعت شركة METEX إلى تنفيذ هذا الحكم فى تركيا، قررت المحكمة التجارية في أنقرة، وأيدتها في ذلك محكمة الإستئناف - وبأغلبية الآراء - رفض التنفيذ، لأن هيئة التحكيم خالفت إتفاق التحكيم فى تحديد أن الأطراف قد اتفقوا على القانون التركي الموضوعى فقط، وبالتالي، جاءت الإجراءات مُخالفة لإتفاق التحكيم.

   وفى قضية Shaanxi Provincial Medical Health Products IE .Corporation v. Olpesa, S.A كانت Shaanxi قد أبرمت عقداً قامت بموجبـــه بـيــع بضائع معينة لشركة Olpesa ، وقد تضمن هذا العقد شرطاً ينص على إحالة المنازعات للتحكيم أمام لجنة التحكيم الإقتصادي والتجارى الدولى الصينية، وعندما نشأ نزاع بين الطرفين بشأن السداد من جانب Olpesa ، وأحيل إلى التحكيم، قضت هيئة التحكيم التابعة للجنة المذكورة في فبراير ١٩٩٧ لصالح Shaanxi بثمن البضاعة غير المدفوع مع الفائدة .

   وعندما سعت Shaanxi إلى تنفيذ حكم التحكيم في أسبانيا، نازعت Olpesa فيه إستناداً إلى المادة الخامسة (۱)(د) من الإتفاقية على أساس عدم حياد هيئة التحكيم لأن جهة التحكيم لم تأخذ في الإعتبار رغبة الأطراف في صدد تعيين أعضاء هذه الهيئة، وأن التحكيم بذلك جاء مخالفاً لإتفاق الطرفين، وقد رفضت المحكمة العليا هذا الإدعاء موضحةً أنه: "من الصعب القول بوجود سبب للرفض بموجب المادة الخامسة (۱) (د) من إتفاقية نيويورك حيث ... أن المدعى عليه حضر التحكيم وشارك فى تعيين أعضاء هيئة التحكيم، وهو مايعد إشارةً واضحة إلى أن تشكيل هيئــة التحكيم كان مُتفقاً مع رغبة الطرفين. 

   وإذا كانت المداولات التي تتم بين أعضاء هيئة التحكيم تعتبر بالمعنى الواسع، جزءاً مـــن إجراءات التحكيم ،، ومن ثم فإن مُخالفة مثل هذه الإجراءات فى حالة غياب الإتفاق، تعتبر مخالفة لقانون دولة التحكيم وعلى سبيل المثال، تنص المادة ٤٠ من قانون التحكيم المصرى على أن " يصدر حكم هيئة التحكيم المشكلة من أكثر من محكم واحد بأغلبية الآراء بعد مداولة تتم على الوجه الذي تحدده هيئة التحكيم، مالم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك. 

  وتطبيقاً لذلك، قضت محكمة النقض المصرية ، بوجوب صدور حكم المحكمين باشتراكهم جميعاً فيها، وإن كان لا يلزم إلا إجتماع رأي الأغلبية عليه بحيث لا يجوز أن يصدر من هذه الأغلبية في غيبة ،الأقلية ما لم يأذن لهم أطراف التحكيم أنفسهم بذلك لما ينطوي عليه ذلك من مخالفة  صريحة لنص الفقرة الثالثة من المادة ٥١٢ من قانون المرافعات فضلاً عن مخالفته للقواعد الأساسية في اصدار الأحكام . 

   كما قضت محكمة إستئناف القاهرة بأنه إذا كان الثابت من منطوق الحكم المطعون فيه وأصل محضر الجلسة التي صدر فيها، أن محكم الشركة المدعية قد أثبت عدم إشتراكه في المداولة بالنسبة للحكم الصادر فى موضوع التحكيم وإقتصار مداولته على طلب الرد دون غيره، كما أن محكم الشركة المدعى عليها وافقه فى أن المداولة لم تتم فى الموضوع، بما مؤداه أن المداولة في موضوع الحكم المطعون فيه لم تتم بين جميع أعضاء الهيئة، فإن الحكم يكون مخالفاً لنص المادة ٤٠ من قانون التحكيم، وللمبادىء الأساسية للتقاضى المتعلقة بالنظام العام ولمشارطة التحكيم، الأمر الذي يبطله.

 إلا أنه في قضية ... .Deiulemar Compagnia di Navigazione,S.p.A .Transocean Coal Company, Inc., et al ، حيث كان المحكم الثالث قــــد خـــالف رأى الأغلبية، فقام المحكمان اللذين يُمثلان الأغلبية باستبعاده من صياغة هذا الرأى، مما حدا بالطرف المعارض للتنفيذ، إلى الإدعاء بأن كل من المحكمين قد إرتكب "سوء تصرف»، وذلك من خــلال إستبعاد المحكم الثالث من المداولات على الرغم من أن شرط التحكيم قد إستلزم نظر التحكيم من جانب هيئة مكونة من ثلاثة محكمين إلا أن المحكمة رفضت هذا الإدعاء، مقررةً أنها لم تجد في ذلك الإستبعاد ظلم واضح. 

   وتوضح العديد القضايا على أن عبء إثبات الدفع بمخالفة إجراءات التحكيم لقانون الدولة التي جرى فيها التحكيم، فى حالة غياب الإتفاق على هذه الإجراءات، يقع على عاتق الطرف المعارض للتنفيذ، مما ينبغى معه أن يؤخذ الرد على هذا الدفع على محمل الجد، سيما عندما يدعى أحد الأطراف أن حكم التحكيم قد خلا من الإشارة إلى أن إجراءات التحكيم كانت وفقاً للقوانين السارية في مكان التحكيم. 

  وعلى سبيل المثال، وفى قضية .Grow Biz International Inc. v. D.L.T .Holdings Inc., et al، وعندما سعت شركة Grow Biz لتنفيذ الحكم لصالحها بتاريخ 3 سبتمبر ۱۹۹۸ ، دفع المدعى عليهم بأن حكم التحكيم لم يوضح ما إذا كان التحكيم قد جرى وفقاً لقوانين جزيرة الأمير إدوارد أم لا ، إلا أن المحكمة العليا لمقاطعة جزيرة الأمير إدوارد - كندا، رفضت هذا الدفع المبدى مُقررةً أنه إذا كان حكم التحكيم لم يوضح ما إذا كانت الإجراءات المتبعة تتفق مع قوانين جزيرة الأمير إدوارد، فإن المدعى عليهم على الجانب الآخر، لم يوضحوا ما هي قوانين جزيرة الأمير إدوارد التي لم يتم إتباعها، وحيث أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعى عليهم، فقد كان من الواجب عليهم ذكر قوانين جزيرة الأمير إدوارد التي خالفها المحكم“ 

الخلاصة:

  رأينا من العرض السابق أن عملية التحكيم تخضع لرقابة القضاء بهدف التحقق من أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم قد جاءا على النحو الذى إتفق عليه الأطراف، أو وفقاً لقانون الدولة التي جرى فيها التحكيم فى حالة عدم وجود هذا الإتفاق، بحيث يصدر حكم التحكيم مستجمعاً أسباب قوته ونفاذه وكفالة حمايته على المستوى الدولى. 

  لذلك كله، فإنه إذا كانت المحاكم الوطنية تنهض بدور أساسي في عملية التحكيم، فإن هذا الدور ينبغى أن يجرى في ظل نظام يحفظ للتحكيم إستقلاله سواء أثناء تشكيل هيئته، أو أثناء جريان إجراءاته، بحيث يكون كُل من تشكيل الهيئة أو الإجراءات التي تسيرها هذه الهيئــة وفـقـــاً للضوابط السالفة التي حددتها إتفاقية نيويورك. 

   والملاحظ أن نص المادة الخامسة (۱) (د) من الإتفاقية لا يتضمن أية معايير تعين على تحديـــد ماهية القواعد الإجرائية التي تتسم بالأهمية ومبلغ أثرها بحيث يجوز لمحكمة التنفيذ حال مخالفتها من قبل المحكمين رفض الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه.

وقد أدى هذا القصور الشديد فى الإتفاقية بالنسبة لهذا الجانب إلى وجود عدم تناغم بين بعض الأحكام القضائية التى تناولت هذا الدفع على نحو ما تقدم بيانه، نتيجة التعارض المفترض بين إتفاق الأطراف والقواعد الآمرة في القانون الإجرائي السارى في دولة التحكيم كأثر للتداخل المحتمل بين نص كل من المادة الخامسة (۱) (ب)، ونص المادة الخامسة (۲) (ب)، مع نص المادة الخامــــــة (۱) (د)، بشأن إجراءات التحكيم . 

  مما ينبغي معه عند دراسة وضع إتفاقية جديدة للإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، ضرورة إعادة النظر فى هذا السبب من أسباب رفض الإعتراف و/أو التنفيذ لكي يشمل تحديداً للقواعد الإجرائية الجوهرية التى يترتب على مخالفتها إعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة الخامسة (۱) (د).