في قضية & Hainan Machinery Import and Export Corp. v. Donald .Marthy te Ltd ، رفضت المحكمة العليا في سنغافورة الإدعاء المبدى من المدعى عليهم بأن المحكمين لم يتبعوا قواعد التحكيم واجبة التطبيق، مُشيرةً في ذلك إلى أن فهم المدعى عليهم لكيفية وطريقة سير التحكيم كان مُستنداً إلى ما كان مقرراً من إجراءه وفقاً للقواعد القانونيــة الإنجليزية، حال أنها لا تُطبق على أى تحكيم يجرى فى الصين وفقاً لقواعد لجنة التحكيم التجاري والإقتصادي الدولي الصينية.
وعلى نحو مُشابه وفى قضية China National Metal Products .Import/Export Company v. Apex Digital, Inc ،رفضت الدائرة التاسعة بمحكمة الإستئناف الأمريكية طلباً لرفض تنفيذ حكم تحكيم على أساس أن مقدم الطلب قد عجز عــن إثبات أن إجراءات التحكيم كانت مخالفة لإتفاق الطرفين.
وتعود ظروف هذه القضية إلى إثنين من عمليتى التحكيم المتوازية، إحداهما بدأتها شركة China National Metal وكانت تجرى في بكين والأخرى إستهلتها شركة Apex وكانت تجرى في شنغهاي، وكلاهما كانتا وفقاً لقواعد لجنة التحكيم التجارى والإقتصادي الدولي الصينية CIETAC
وعلى الرغم من إدعاء شركة Apex بأن إجراءات التحكيم وفقاً للجنة التحكيم التجاري والإقتصادى الدولى الصينية CIETAC تخالف إتفاق الطرفين الذى لم ينص على إحالة النزاع بينهما إلى عمليتي تحكيم مُختلفتين، إلا أن المحكمة الأمريكية إعتبرت أن عدم الفاعلية المزعومة للإجراءات المزدوجة يُعتبر غير ذى أهمية إستناداً إلى صياغة إتفاق التحكيم التي تطالب لجنـــة التحكيم التجاري والإقتصادى الدولى الصينية CIETAC بتفسير قواعدها .
إلا أن محكمة النقض الفرنسية في قضية . . Juliet v X ، قررت أن إلتزام هيئة التحكيم بالنسبة للفترة الزمنية المحددة لإصدار حكم التحكيم، ليس إلتزاماً ببذل عناية ولكنه إلتزام بتحقيق نتيجة، وتأكيداً على سيادة إتفاق الأطراف وفقاً لما نصت عليه المادة الخامسة (۱)(د) من إتفاقية نيويورك، أوضحت المحكمة أنه ينبغى على المحكمين إحترام إتفاق الأطراف وأن يتحققوا من إتباع ما ورد فيه بطريقة واضحة وأن الإلتزام الصارم بالحدود الزمنية من شأنه أن يؤدى إلى جعل حكم التحكيم واجب التنفيذ.
وكانت هيئة التحكيم فى هذه القضية قد أصدرت حكمها في النزاع بتاريخ ١٢ أبريل ۱۹۹۰، أي بعد إثنين وعشرون يوماً من الفترة الزمنية المتفق عليها بين الطرفين (في غضون أربعة أشهر بعد تعيين المحكم الثالث)، دون أن تتقدم بطلب لتمديد الفترة الزمنية المحددة ، حيث تم تعيين رئيس هيئة التحكيم فى ۲۱ نوفمبر ۱۹۸۹ ، مما كان ينبغى معه إصدار الحكم بحلول ٢١ مارس ۱۹۹۰، ولذلك فقد تم القضاء ببطلانه وباعتبار المحكمين مسئولين عن دفع مبلغ إجمالى ثمانية عشر ألف جنيه إسترليني كتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمدعين نتيجة الإخلال بالعقد.
وعلى الجانب الآخر ، يُعتبر حكم محكمة إستئناف ولاية بالثماريا - الألمانية، في قضية K Trading Company v. Bayerischen Motoren Werke AG، والمتعلق بحكم تحكيم تم إصداره بعد إنتهاء الفترة الزمنية المحددة المتفق عليها دليلاً على الإتجاه الذي يوضح أن هناك البعض من المحاكم التى تدقق النظر فى أثر المخالفة وليس فى حقيقة حدوث المخالفة بالفعل.
وكان الطرفان في هذه القضية قد أبرما إتفاقا يتضمن تقديم خدمة للسيارات ماركة BMW, في سوريا، وبعد حدوث نزاع بينهما لجأ بشأنه إلى التحكيم، أصدرت هيئته في أكتوبر ٢٠٠١، حكماً لصالح شركة K للتجارة حيث سعت لتنفيذه في ألمانيا، وعلى الرغم من إعتراضات شركة BMW بأن حكم التحكيم تم إصداره بعد خمسة أشهر من إنتهاء الفترة الزمنية المحددة لإصداره والموضحة في إتفاق التحكيم، أمرت محكمة الإستئناف فى ۲۳ سبتمبر ٢٠٠٤ بالتنفيذ مشيرةً إلى أن هذا الخلل لم يكن جوهرياً، ولم يكن هناك ما يدل على أن حكم هيئة التحكيم سيكون مختلفاً إذا كان قد صدر قبل خمسة أشهر، ووفقاً للمحكمة، لم يكن حكم التحكيم مستنداً على هذا الخلل في إجراءات التحكيم .
وفى الواقع، فإننا لانشاطر المحكمة البالفارية هذا الرأى ذلك أن تجاهل عنصر الزمن وأهميته والغرض منه فى الصفقات التجارية الدولية، وكذلك إغفال أهمية وقيمة إلى الوصول إلى الحقيقة وإلى نتيجة محددة فى النزاع والتي تقتضى إصدار حكم التحكيم فى غضون مدة زمنية محددة - وليس فقط إنتهاء الإجراءات، قد يؤدى إلى زيادة المخاطر التي تلحق بأطراف التحكيم التجاري الدولى إذا ما إستطالت هذه المدة دون ضابط لها، بغض النظر عن تأثير مخالفة إجراءات التحكيم على هذا الحكم – من عدمه -. -
إلا أنه يُمكن مع ذلك التغاضى عن حقيقة مُخالفة إجراءات التحكيم للإنفاق، عندما يجـــرى التحكيم فى مكان آخر خلاف المتفق عليه، ولم يُشارك أحد الأطراف بإرادته في هذه الإجراءات، وبالتالي، فإنه لايمكن تصور أن هذا الطرف سوف يلحق به أي ضرر بسبب تغيير مكان التحكيم، وقد كان ذلك هو الحال فى قضية Tongyuan (USA) International Trading Group ... Uni-Clan Limited، حيث نص العقد المبرم بين الطرفين على أن التحكيم يجرى وفقاً لقواعد لجنة التحكيم التجارى والاقتصادى الدولى الصينية في Shenzen أو Shanghi، وفى أبريل ۱۹۹۸ تم إحالة النزاع إلى التحكيم.
وعلى الرغم من أن شركة Uni-Clan كانت تعلم بإجراءات التحكيم، فإنها لم تشارك فيها إلا مرة واحدة عندما طلبت الإتصال بالمحكم المعين عنها، ثم عقدت هيئة التحكيم جلسة إستماع في بكين، أعقب ذلك إصدارها لحكمها فى ٦ أبريل ۱۹۹۹ لصالح شركة Tongyuan، والتي حصلت على أمر بتنفيذه في المملكة المتحدة.
وعند طرح النزاع على المحكمة العليا الإنجليزية، رفضت كافة أسباب رفض التنفيذ التي تساندت إليها شركة Uni-Clan مُقررةً أنه : " فى ضوء حقيقة أن البائعين قد إختاروا عـــدم المشاركة في الإجراءات، فإنه من المستحيل ... التسليم بوجود أى خلل فيما يتعلق بالإلتزام بالإتفاق المبرم بين الطرفين بشأن مكان التحكيم مما قد يضر بمصالح الطرف المعنى ... وإذا كـــان الأمر سيتم الفصل فيه وفقاً للسلطة التقديرية، فلا توجد أى أسباب جوهرية يُمكن أن تستند عليها المحكمة بشكل صحيح لرفض تنفيذ الحكم
كما وجدت المحكمة الإنجليزية، أن التحكيم الذى جرى في بكين "لم يكن له أي تأثير يُذكر على عدالة إجراءات التحكيم ولم يُسبب أى ضرر للبائع، وأن نقل إجراءات التحكيم من Shenzen أو Shanghi إلى بكين لم يؤثر على مسألة القانون المطبق على التحكيم.
وفى إطار السلطة التقديرية التي تتمتع بها المحاكم الوطنية لرفض الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه، رفضت المحكمة المحلية لولاية كولومبيا الأمريكية فى قضية Compagnie des Bauxites de Guinee v. Hammermills Inc - سالفة الإشارة - الدفع المبــدى مـن شركة Barites بمخالفة المحكم لقواعد إجراءات غرفة التجارة الدولية من خلال إدراج مبلغ التكاليف القانونية المقررة عليه، فى حكم التحكيم، بعد إعتماد محكمة غرفة التجارة الدولية لمسودة هذا الحكم، مما يُرتب بالضرورة وجود مُخالفة للإتفاق المبرم بين الأطراف بموجب إتفاقية نيويورك.
إلا أن المحكمة إرتأت خلافاً ،لذلك أن المادة الخامسة (۱) (د) من الإتفاقية لا تسمح بمراجعة المحاكم لكل حكم إجرائي أصدره المحكم، وإبطال الحكم إذا تم إكتشاف أي مخالفة لإجراءات غرفة التجارة الدولية لتعارض هذا التفسير مع الترعة المؤيدة للتنفيذ التى تنتهجها الإتفاقية وإعتبرت المحكمة أن المعيار الملائم للمُراجعة يتمثل فى أن يكون إبطال حكم التحكيم بناء على مُخالفة إجرائية فقط إذا كانت هذه المخالفة تضر الطرف الشاكي بشكل جوهرى.
وعلى نحو مماثل رأت المحكمة العليا الإنجليزية فى قضية China Agri. v. Ballis سالفة الإشارة - وفى إطار السلطة التقديرية الممنوحة لها أنه : "من الواضح من خلال أحكام التشريع أن رفض تنفيذ حكم تحكيم خاضع للإتفاقية هو أمر متروك للسلطة التقديرية للمحكمة، وفى هذا السياق، يجب أن يكون مُناسباً القيام بتقييم مدى الضرر الذي لحق بشركة Balli بسبب إجراء التحكيم وفقاً للقواعد الحالية بدلاً من القواعد المؤقتة».
ونظراً لما للتحكيم متعدد الأطراف من أهمية، تتمثل في أنه يجنب قيام منازعات متفرقة موازية أو لاحقة، بين أكثر من طرفين، وهو ما يحدث دائماً فى منازعات عقود الأشغال الدولية، التي تتميز بشدة تعقيدها وتشابك العلاقات بين أكثر من طرفين، ومن ثم يغدو حسم هذا النزاع من خلال تحكيم واحد أمراً هاماً، باعتباره يحول دون صدور أحكام متضاربة، ولذلك تسمح بعض الأنظمة القانونية، كما هو الحال فى قانون الإجراءات المدنية الهولندى ، لهيئة التحكيم بدمج الإجراءات دون إستلزام موافقة الأطراف صراحةً على إجراء هذا الدمج.
كما تجلى الصراع بين حرية إختيار الأطراف التى لم تسمح صراحةً للمؤسسة التي يجرى في ظلها التحكيم، أو لهيئة التحكيم، بالقيام بمثل هذا الإجراء مرةً أخرى، في قضية Siemens ٢، وتخلص وقائع هذا النزاع فى أن شركة Dutco الإماراتية (شركة مُنشأة وفقاً لقوانين أبوظبى كانت قد تعاقدت مع شرکتی B.K.M.I و Simens AG&BKMI v. Dutcoالألمانيتين، لتنفيذ عقد تسليم مفتاح لمصنع للأسمنت لرب عمل في دولة سلطنة عمان، وقد تضمن العقد المبرم بينهما شرطاً بموجبه تتم تسوية أي نزاع ينشأ عن تنفيذ هذا العقد، بواسطة ثلاثة محكمين، يتم تعيينهم طبقاً طبقاً لقواعد التوفيق والتحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس ICC.
وإذ نشب نزاع بين الطرفين تقدمت الشركة الإماراتية بطلب للتحكيم أمام غرفة التجارة الدولية إدعت فيه إخلال إحدى الشركتين الألمانيتين بالتزاماتها التعاقدية، وطلبت إلزامهما بالتعويض، وقد تضمن طلب التحكيم طلبين مُستقلين أحدهما ضد الشركة الأولى، والآخر ضد الشركة الثانية، ثم قامت بتعيين محكمها، وطالبت غرفة التجارة الدولية بدعوة الشركتين المحتكم ضدهما للإنفاق على تعيين محكم عنهما.
إلا أن الشركتين B.K.M.I و Simens إعترضتا، وطالبتا بإجراء تحكيم مستقل خاص بــــل منهما على حدة، فقامت غرفة التجارة الدولية بإعذارهما بضرورة تعيين محكم واحد عنهما، وفقاً لما نص عليه فى شرط التحكيم، وإلا تولت الغرفة تعيين المحكم بدلاً منهما، فقبلت الشركتين ذلك، وقامتا بتعيين المحكم، مع إبداء التحفظ بالمنازعة في صحة الإجراءات لاحقاً.
وعندئذ، قامت غرفة التجارة الدولية بتعيين المحكم الثالث الذى يرأس هيئة التحكيم " ، ثم أصدرت الأخيرة حكمين أولهما تمهيدياً كان يتعلق بالإختصاص، أي بصحة تشكيلها، بينما كـــان ثانيهما فاصلاً في موضوع النزاع، فقامت الشركتان الألمانيتين بالطعن بالبطلان على الحكـــم التمهيدى المتعلق بالإختصاص أمام محكمة إستئناف باريس، على أساس عدم صحة تشكيل هيئــة التحكيم، نظراً لقيام غرفة التجارة الدولية بضم الطلبين المقدمين، مما حرمهما من حقهما الطبيعي في تعيين محكم عن كل منهما، بينما تمكنت شركة Dutco من تعيين محكمها، وهو مايخل بمبدأ المساواة بين الخصوم، باعتباره من المبادىء المتعلقة بالنظام العام الدولى .
وفي حكمها الصادر بتاريخ ٥ مايو ،۱۹۸۹ ، رفضت محكمة استئناف باريس الطعن، وأيدت حكم التحكيم، مُقررةً أنه يتضح من عبارات شرط التحكيم أن الخصوم قد إرتضوا أن ينضم أكثر من خصم في رابطة واحدة، وأن يختاروا بإتفاقهم باعتبارهم طرفاً واحداً، محكماً واحداً ليمثلهم في الخصومة، على أن يقوم الطرف الآخر بإختيار محكمه، فإذا ماقامت غرفة التجارة الدولية بضم الطلبين، وإلزام الشركتين الطاعنتين باختيار محكم واحد عنهما، فإنها لم تفعل سوى ما اتفق عليه الخصوم في شرط التحكيم، ولا يعد فى ذلك مُخالفةً لمبدأ المساواة بين الخصوم في إختيار محكمين عنهم، على الرغم من أنهم قاموا بتعيين محكم مُشترك عنهم .
إلا أن هذا القضاء لم يلق قبولاً لدى الشركتان الألمانيتان فطعنت عليه أمام محكمة النقض الفرنسية ، حيث قضت الأخيرة بإلغاء حكم محكمة الإستئناف مُقررة أن: "مبدأ المساواة بين الخصوم فى إختيار المحكمين يُعد من المبادىء المتعلقة بالنظام العام، ولا يجوز التنازل عنه قبل نشأة النزاع، وإنما يُمكن فقط بعد نشوب النزاع، وإنتهت المحكمة إلى إعتبار أن حكم محكمة إستئناف باريس قد تضمن خرقاً لمبدأ المساواة، مما أدى بها لإلغائه.
و فى قضية ADGAS ، والتى تتحصل وقائعها فى أن شركة أبو ظبي للغاز الإماراتية كانت قد أقامت تحكيماً ضد إحدى شركات المقاولات الأمريكية باعتبارها المقاول الرئيسي في عقد من عقود الأشغال العامة لمصنعها للغاز بأبو ظبي، وذلك لوجود عيوب بالتنكات المنشأة الحفظ الغاز، إلا أن الشركة الأمريكية أنكرت هذا الإدعاء مُقررةً أنه إذا كان هناك خطأ ما في هـذا الشأن، فإنه يجب أن يُنسب إلى المقاول من الباطن اليابانى الجنسية باعتباره القائم على التوريد والتركيب.
فأقامت الشركة الإماراتية تحكيماً AD HOC في لندن أمام محكــم فـــرد ضد الشركة الأمريكية، التى أقامت بدورها تحكيماً آخر مُنفصلاً ضد المقاول من الباطن الياباني الجنسية، كـــان محله العقد من الباطن، وكان مقره لندن أيضاً، إلا أن رب العمل رفض إدخال المقاول من الباطن إلى التحكيم المشترك، كما رفض الأخير نفس الحل.
وعند طرح النزاع على القضاء الإنجليزي، قضت محكمة إستئناف لندن، بأنه إذا كان هناك ثلاثة أطراف في النزاع أمام المحكمة الإنجليزية، فلابد من أن يكون الأطراف الثلاثة أمام القضاء في نفس المنازعة ونفس الإجراءات، إلا أنه إذا كانت المنازعة ستحسم عن طريق التحكيم، فإنه لا يمكن ضم التحكيم فى نزاع واحد لنظر هما معاً، دون رضاء الأطراف، باعتباره أهم عناصر التحكيم.
ومن ناحية أخرى، فقد تقدم المقاول الأمريكي بطلب للمحكمة لتعيين محكم فرد ليقوم بحسم النزاعين بحكم واحد، فأجابته المحكمة إلى طلبه مقررةً أنه من الأفضل أن يتم حسم النزاع بتحكيم واحد يضم شتات المنازعتين، ليصدر فيهما حكماً واحداً تجنباً لتعارض الأحكام، الذي يمكن أن يحدث، فيما لو عرض على جهتين تحكميتين مختلفتين .
كما تكرر هذا الوضع في الحكم الصادر في ۲۳ مارس ۲۰۰٤ في القضية الشهيرة Karaha Bodas Company, L.L.C. v. Perusahaan Pertambangan Minyak Dan Gas (Bumi، Negara (Pertamina ، حيث أيدت فيه الدائرة الخامسة بمحكمة الإستئناف الأمريكية ، الحكم النهائي للمحكمة المحلية بجنوب ولاية تكساس الأمريكية، على الرغم مما إدعته Pertamina من أن هيئة التحكيم قد قامت بدمج إدعاءات المدعي KBC الواردة في عقدين منفصلين في دعوى تحكيم واحدة.
وكان النزاع فى هذه القضية قد إشتمل علي ثلاثة شركات هـــى : (Karaha (KBC Perusahaan Pertambangan Minyak Dan Gas Bumi Negara Bodas Co. (Pertamina) و (Perusahaan Listrike Negara (PLN، وتقوم شركة KBC باستكشاف وتطوير مصادر الطاقة الحرارية الجوفية للتربة وبناء محطات توليد الطاقة الكهربائية مستخدمة في ذلك مصادر الطاقة الحرارية الأرضية، بينما تُعتبر Pertamina شركة للنفط والغاز والطاقة الحرارية الأرضية مملوكة لجمهورية إندونيسيا، أما شركة PLN فهي مؤسسة للكهرباء ذات منفعة عامة مملوكة لحكومة إندونيسيا .
وفي نوفمبر ١٩٩٤ ، وقعت KBC علي عقدين لإنتاج الكهرباء من مصادر حرارة التربة في إندونيسيا، وبموجب عقد العمل المشترك (Joint Operation Contract (JOC، حصلت KBC علي حق تطوير مصادر الطاقة الحرارية الأرضية في منطقة كارها في إندونيسيا؛ وكان علي Pertamina إدارة المشروع وأن تنقل الكهرباء المتولدة عنه، وبموجب عقد بيع الطاقة (Esc) Energy Sales Contract ، وافقت pln علي شراء الطاقة المتولدة من Pertamina لمدة ثلاثون عاماً، وقد إحتوى كلا العقدين علي شرطى تحكيم واسعى النطاق يكادا أن يكونا متطابقين، يقضيان بلجوء الأطراف إلى التحكيم في أي منازعات في جنيف سويسرا، وفقاً لقواعد تحكيم الأونسيترال UNCITRAL.
وفي عام ۱٩٩٧ ، وبسبب إنهيار الإقتصاد الإندونيسى مُتأثراً بالأزمة المالية الأسيوية، ونتيجةً للتقلبات الهائلة التي طرأت على سعر الصرف الأجنبي، رأت PLN أنه يستحيل عليها الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بشراء الطاقة، فأوقفت حكومة إندونيسيا المشروع على إثر ذلك لأجل غير مسمى، وهو ماحدا بـ C بتاريخ ١٩٩٨/٤/٣٠ إلى الشروع فى إتخاذ إجراءات التحكيم ضد PLN مُدعيةً عليها بالإخلال بعقود بيع الطاقة، وعلي الرغم من مُعارضة Pertamina قيام هيئة التحكيم بضم إدعاءات KBC المرفوعة طبقاً لعقد العمل المشترك (Joc ) وعقد بيع الطاقة (Esc) في دعوى تحكيم واحدة، فقد خلصت الهيئة في حكمها النهائى إلى أنه بموجب كـــل مـــن العقدين المذكورين (Joc و Esc) فقد وافقت كل من Pertamina و PLN علي مخاطر الخسارة الناجمة عن الإجراءات الحكومية، وقضت ! KBC بنفقاتها وبأرباحها التي كانت قد خسرتها .
وإذ لم تمتثل PLN لتنفيذ حكم التحكيم، سعت KBC في إتخاذ إجراءات التنفيذ أمام القضاء الأمريكي، حيث أمرت المحكمة المحلية لجنوب ولاية تكساس الأمريكية بتنفيذه .
بيد أن Pertamina لم تقبل هذا القرار فطعنت عليه أمام الدائرة الخامسة بمحكمة الإستئناف الأمريكية لعدة أسباب من بينها: أن إجراءات إختيار المحكمين لم تتم وفقاً لإتفاق الأطراف، وأن هيئة التحكيم -قامت على نحو غير صحيح - بضم الإدعاءات الناشئة عن عقدين منفصلين واللذين يتضمنان شرطى تحكيم مُنفصلين فى دعوى تحكيم واحدة، مطبقةً في ذلك قانون الإجراءات السويسرى الذى يُجيز الدمج، على الرغم من أن كلا العقدين لم يُجيزا صراحةً دمج الإدعاءات، بمايُخالف نص المادة الخامسة (۱) (د) من إتفاقية نيويورك.
وقد أيدت محكمة الإستئناف القرار الصادر من المحكمة المحلية بالتنفيذ، مقررةً أن تطبيق قانون الإجراءات السويسرى قد جاء صحيحاً، وتبعاً لذلك، فإن قرار الدمج كان مناسباً، وأشارت المحكمة إلى أن هيئة التحكيم قامت بإجراء تحليل دقيق لعقود الأطراف وخلصت من ذلك إلى أن كلا العقدين مندمجين، إذ أن: "الأطراف لم تقصد تنفيذ عقدين مستقلين، بل قصدت تنفيذ مشروع واحد يتكون من إثنين من الأطراف وثيقى الصلة“.
وأيدت محكمة الإستئناف هيئة التحكيم فيما قررته من أن البدء في تحكميين منفصلين يُعد أمراً غير طبيعي، ويُمكن أن يؤدى إلى مخاطر إصدار أحكام متناقضة، وبالإضافة إلى ذلك، فإنه سيؤدى إلى زيادة نفقات كافة الأطراف المعنية، وهو عنصر يُمثل عبئاً في ضوء الصعوبات التي يواجهها الإقتصاد الأندونيسي“.
وأشارت محكمة الإستئناف كذلك، إلي أن حكم التحكيم يُقدم دعماً واسعاً لقرارات هيئات التحكيم التي تنتهى إلي دمج إثنين من العقود، وبالتالي إجراء الأطراف لتحكيم واحد، وأضافت المحكمة مُقررةً أن المحاكم تحجم عن القضاء ببطلان أحكام التحكيم الصادرة في ظل إتفاقيـة نيويورك بناءً على المخالفات الإجرائية، إستناداً إلى الترعة المؤيدة للتنفيذ التي تشتمل عليهـا الإتفاقية، وأنه فى هذه القضية على وجه التحديد، فقد أكدت هيئة التحكيم في قرارها الأولى، أنه على الرغم من دمج الإدعاءات المطروحة، فإنه لابد من النظر بشكل مستقل إلى موقف كــل طرف، عند دراسة موضوع الدعوى وعلى أساس الأوضاع القانونية والتعاقدية لكل منهما، وخلصت المحكمة إلى أن حكم التحكيم يعكس وفاء الهيئة بوعدها، وبالتالي، فلايوجد هنالك أى إخلال ناشيء عن الدمج، بما من شأنه أن يُبرر رفض تنفيذ حكم التحكيم.
كما خلصت إلى ذات النتيجة، المحكمة الإبتدائية لدى المحكمة العليا لمنطقة هونج كونج الإدارية الخاصة ، وذلك في إطار إجراءات تنفيذ مُشابهة قامت بها KBC ضد Pertamina حيث عارضت الأخيرة أيضاً فى التنفيذ، تأسيساً على عدم وجود إتفاق مكتوب يُجيز ضــم الإدعاءات الناشئة عن العقدين Joc و Esc في تحكيم واحد لنظره أمام محكم واحد مشترك تم تعيينه لكل من Pertamina و PN ، وعلى نحو يُخالف الطريقة المنصوص عليها لتعيين المحكمين في كلا العقدين، إلا أن المحكمة رأت أن هذا السبب لا أساس له، ولذلك فقد أمرت هي الأخرى بالتنفيذ.
وتشترط الأغلبية العظمى من قوانين الدول الوطنية ، وأنظمة التحكيم الأجنبية والدولية ، ضرورة أن يكون حكم التحكيم النهائى مُسبباً، مالم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، لكون ذلك هو الضمانة الأوفى للخصوم فى مواجهة هيئة التحكيم، ولحثها على العناية بحكمها وتوخى الدقة فى إصداره، غير أن هناك من بين قوانين بعض الدول " مالا يشترط مثل هذا التسبيب.
وقد إنعكس هذا التباين على أحكام المحاكم الوطنية، ففى قضية . Vold.v .Broin&Associates, Inc ، والتي عُرضت على القضاء الأمريكي، حيث كانا الطرفين قد إتفقا مع المحكم على ضرورة إشتمال حكمه على أسبابه، إلا أنه خالف ذلك مصدراً إياه دون أسباب، فقررت إحدى المحاكم الأمريكية أن سلوك المحكم فى ظل قانون التحكيم الفيدرالى الأمريكي، يرقى بهذه المثابة إلى مرتبة الخطأ الموضوعى ويُشكل تجاوزاً للسلطة، لأن المحكم لم يُصدر حكماً "متبادلاً ونهائياً وباتاً ، وإعتبرت المحكمة أن الحكم يُعتبر بلا أسباب لعدم إشارته إلى نصوص العقد المعنى أو القانون الواجب التطبيق، ولأنه لم يناقش الأدلة، كما لم يقدم تفسيراً للآراء الخاصة التي اعتنقها الحكم.
وتقدم هذه القضية تفسيراً واضحاً لما يمكن أن يُشكل حكماً مُسبباً»، أي يستوفى الشرط الوارد في إتفاق الأطراف، وهو تفسير هيئة التحكيم لحكمها، إلا أن هذا التفسير يُعد في ذات الوقت واسعاً وشاملاً، ولذلك فإن تطبيق مثل هذه التعريفات وبسبب نطاقها الواسع، يُمكن أن يترتب عليها وفى بعض الظروف أن تُصبح عقبة خطيرة في طريق التنفيذ، بحيث تعتبر مصدراً للتشويش مما يفضي إلى تقويض عملية التحكيم، فضلاً عن أن وصف المحكمة لعدم التسبيب بأنـــه تجاوز للسلطة لا يتسم بالدقة، إذ أن المحكم عندما لا يضع تسبيباً لحكمه رغم إتفاق الأطراف على ذلك، أو يصوغ تسبيباً مبتسراً، فإنه بذلك يكون قد خالف مضمون الإتفاق.
وقد أوردت محكمة إستئناف القاهرة ۲۲٦٠ ، صوراً أخرى لإنعدام التسبيب مقررةً: أن أسباب الحكم يجب أن تُبنى على أوراق فى ملف الدعوى تؤدى إلى النتيجة التى وصل إليها الحكم، لذا، فإن خلو الحكم من الأسباب هو عيب شكلى يؤدى إلى بطلانه وكذلك لو كان التسبيب خاطئاً أو مشوهاً أو غامضاً أو مُبهماً أو عاماً مُجملاً، وأكدت المحكمة على أنه حتى يعتبر الحكم مسبباً، ينبغي أن يتضمن رداً على إدعاءات الخصوم وأوجه دفاعهم الجوهرية، ولايهم بعد ذلك مضمون هذا الرد أو مدى ملاءمته أو سلامته من ناحيتى القانون والواقع لغايات البطلان .
كما قضت محكمة إستئناف القاهرة فى هذا السياق، بأن العبرة في صحة حكم التحكيم هو بصدوره وفقاً لإجراءات القانون، فلا يبطله القصور في التسبيب أو الفساد في الإستدلال أو إيراده تقريرات قانونية خاطئة، كما لايُفسده عدم الرد على دفاع قانوني للخصم، فإن النعى على الحكم بهذا السبب، وأياً كان وجه الرأى فيه لا يندرج ضمن أى من الحالات التي تسوغ رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الواردة فى المادة ٥٣ من قانون التحكيم، ومن ثم يضحى هذا النعى على غير أساس.
وهذا الحكم الأخير محل نظر، ذلك أن إيراد تقريرات قانونية خاطئة على نحو يكون قد أثر في بنيان الحكم، أو عدم الرد على دفاع قانونى جوهرى للخصم يُمثل دون شك مُخالفةً صريحة لضمانات التقاضي الأساسية والتي كفلتها القوانين ولوائح التحكيم المختلفة، وكذلك مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان بما يمكن أن يؤدى إلى رفض الإعتراف به ورفض تنفيذه، أو القضاء ببطلانه.
وفى هذه القضية، لم تقم هيئة التحكيم بإيراد الأسباب التي استندت إليها في حكمها، على نحو ما توجبه قواعد التحكيم الدولية لجمعية التحكيم الأمريكية، بما يدل على أنها قد ألمت بواقع الدعوى المطروح عليها وفحصت الأدلة المقدمة فيها، فطلب أحد الأطراف رفض التنفيذ إستناداً إلى القسم (٣٦) من قانون التحكيم التجارى الدولى فى كولومبيا البريطانية المتعلق بتنفيذ إتفاقية نيويورك .
وهذا التمييز الذى شيدته المحكمة فى بناء قرارها ليس لها من أساس صحيح، إذ أنه عندما يتفق الأطراف على كيفية سير الإجراءات سواء بطريقة مُباشرة أو من خلال الإحالة إلى قواعد مؤسسة تحكيمية معينة، والتي توجب ضرورة تسبيب حكم التحكيم، فإن لازم ذلك هو أن الأطراف يتوقعون إلتزام هيئة التحكيم بالشروط الشكلية المنصوص عليها فى هذه القواعد، ومن ثم، يصبح تقديم هذه الأسباب جزءاً من عملية التحكيم ككل.
إلا أن البادي أن المحكمة قد تجاهلت أن إصدار الحكم وتحرير أسبابه، هما جزء لا ينفصم عن عملية التحكيم ككُل، التي قد تبدأ بإيداع الطلب، وتنتهى بصدور حكم التحكيم خلال المدة المحددة للتحكيم، إلا أن المحكمة لم تتفهم ذلك، وقامت بقطع أوصال الإجراءات عن بعضها البعض إبتغاء الوصول إلى نتيجة مُحددة هي بالتأكيد فى صالح التنفيذ حتى وإن كان ذلك على خلاف إتفاق الطرفين، ولم تبادر في هذه الحالة إلى مُمارسة سلطتها التقديرية في رفض التنفيذ، رغم توافر موجباتها إستناداً إلى الأساس الوارد فى القسم (٣٦) – سالف الذكر .
هذا إلى أنه لا يخفى مالأهمية قيام هيئة التحكيم بتسبيب حكمها من بعث الطمأنينة لدى كــل أطرافه لدى إطلاعهم على مدوناته من أن الهيئة التي أصدرته قد ألمت بواقع النزاع المطروح عليها و محصت ماقدم إليها فيه من أدلة وما أبداه الخصوم من دفاع جوهرى خلال إجراءات التحكيم، وحصلت من كل ذلك ما يؤدى إليه، وأوفته ما تقتضيه من عناية، ثم أنزلت حكم القانون عليه، وذلك حتى يكون الحكم موضع إحترام أطرافه وطمأنينتهم حاملاً بذاته دلائل صحته وعدالته.