(1)إجراء هيئة التحكيم معاينة فى حضور أحد الأطراف وفى غيبة من الطرف الآخر:
رفضت محكمة إستئناف هونج كونج فى قضية polytek Engineering Company .Ltd. v. Hebei Import&Export Corp، تنفيذ حكم تحكيم صدر في ظل قواعد مركـــز التحكيم التجارى والإقتصادي الصيني ببكين CIETAC مخالفته للنظام العام، حيث أن رئيس هيئة التحكيم والخبراء الذين عينتهم هيئة التحكيم، قاموا بزيارة المصنع في حضور طاقم العمـــل التابع للمدعى، وأجروا مُعاينته في غيبة من المدعى عليه الذى لم يتم إخطاره، ولاشك في أن هذه القضية تُعد مثالاً تقليدياً على أن هيئة التحكيم لم تتحلى بالحياد في سير إجراءات التحكيم، بمــا يُمثل إخلالاً بقواعد المحاكمة العادلة التى يُعد المساس بها إنتهاكاً لمبادىء النظام العام.
(2) عدم إستقلال رئيس هيئة التحكيم
قضت محكمة إستئناف باريس في حكم حديث لها " ، بإبطال حكم تحكيم صادر من غرفة التجارة الدولية لصالح شركة مقاولات إيطالية Tecnimont ضد إحدى الشركات اليونانية، نتيجة قيام علاقة هذه الشركة بمكتب رئيس هيئة التحكيم السيد /Sigvard Jarvin، وذلك على أساس عدم إفصاح المحكم المذكور عن تلك الظروف التي كان من شأنها التأثير في حيدتـه واستقلاله.
وقد أشاد البعض بهذا الحكم على أساس أنه يؤكد على أهمية وجود علاقة ثقــة بــين الأطراف وبين المحكمين أساسها الشفافية والاستقلال، وعلى جدوى الإفصاح باعتباره من أبرز إلتزامات المحكم التي يتعين عليه القيام بها ليس فقط عند التعيين، ولكن أيضاً أثناء إنعقاد خصومة التحكيم.
ومع ذلك، فإننا نرى أنه . يتعين أن يكون المعيار فى تقدير مدى حياد المحكم وإستقلاله في نظر الدعوى معياراً موضوعياً مُجرداً، رداً، بالنظر إلى الظروف التى يُمكن أن تؤثر فقط فى حكم المحكمين أو تثير الشكوك في أذهان الأطراف فيما يتعلق باستقلالهم، وبالتطبيق على ظروف هذه القضية، فإنه في ضوء إقرار رئيس هيئة التحكيم في بيان الحيدة والإستقلال المقدم إلى الأطراف عند تعيينه عن أن مكتبى Jones Day's في واشنطن وميلانو، قاما بتمثيل الشركة الأم لشركة Tecnimont في مسألة إنتهت بالفعل، وفى غياب غمة دليل على إنعدام الإستقلال، سيما وأنه لم يُمثل الشركة من خلال مكتب Jones Day's بالصين وعملاً بمبدأ حسن النية، فإنه يصعب القول بعدم حياده.
وعلى خلاف الحكم الأخير، وفي قضية Fertilizer ، ذهبت المحكمة المحلية لولاية أوهايو الأمريكية، في رأى بالغ التطرف يُناهض قواعد الحياد والإستقلال التي يتعين أن تتوافر في المحكم، إلى القول بأن: "عدم الحياد الفعلي أو الإنحياز أو عدم الإفصاح عن وجود علاقات مسبقة بين المحكم والطرف الكاسب، لايُفسد حكم التحكيم بشكل كبير“:
(3) تعيين المحكم الوحيد من جانب أحد الطرفين دون الآخر:
في عام ١٩٨٥ قررت محكمة Hamburg الإبتدائية بأن هيئة التحكيم في إحدى الجمعيات- عندما تتألف بشكل حصرى من أعضاء الجمعية - لاتفى بمتطلبات الإستقلال والحيدة، عندما يكون عليها أن تفصل فى نزاع بين أحد أعضائها، وآخر غير عضو بها.
وعلى الجانب الآخر ، قررت المحكمة الفيدرالية العليا الألمانية في قضية Charerer v. Shipowner، بأن النظام العام الإجرائي الألماني الذى ينص على إلتزام هيئات التحكيم وكذلك القضاء بإقامة العدل بحيدة ،وتجرد لم تتم مُخالفته في الحالة التى يتم فيها تعيين المحكم الوحيد مـــــن جانب أحد الطرفين فقط، بموجب القسم ۷ (ب) من قانون التحكيم الإنجليزى لعام ١٩٥٠ وتساندت المحكمة في حكمها إلى الآتى : أولاً : أن المدعي عليه عجز عن إثبات عدم حياد المحكم، وثانياً: أن تعيين المحكم الوحيد من جانب المدعي وحده كان بسبب تقصير المدعي عليه في ذلك.
ويُعلق البعض على حكم محكمة هامبورج الإبتدائية، بالقول بأنه لايُعد في الغالب سابقةً ، جيدة ، ومن الممكن أن يُثير تعيين محكم من قبل نفس الطرف في تحكيمات موازية شكوكاً تتعلق بالنزاهة والإستقلال، والمثال على ذلك هو ما فعله المحكم الذى يرأس هيئة تحكيم في فرنسا بما محكم فرنسي وآخر إيطالى، حيث قام بإرسال معلومات خاطئة لهيئة التحكيم التي تنظر تحكيمــاً آخــــر مناظر في روما، مما أثر على حكمها بشأن الإختصاص، وإذ عُرض الحكم الأخير الصادر في روما، على محكمة إستئناف باريس رفضت التنفيذ لمخالفته النظام العام بسبب عدم حياد المحكم، وقــــد أيدتها في ذلك محكمة النقض الفرنسية .
وكان من الممكن على المحكم الذى رأس هيئة التحكيم التي إنعقدت في فرنسا، في هـذه القضية، أن يتجنب النتيجة التي آل إليها حكم التحكيم، إذا كان قد تصرف بشكل يتناسب مع أمانة المسؤلية التي ألقاها عليه طرفى التحكيم، وذلك بالإلتزام بإرسال المعلومات على وجه صحيح للهيئة الأُخرى التي إنعقدت في تحكيم مناظر في روما.
وفي قضية أخرى، تتعلق بعقد أُبرم بتاريخ ١٥ يونيو ۱۹۹۰، تعهد بموجبه المدعى عليه بإيجـــاد عارضين لتجارة السلاح في معرض يُنظمه المدعى عليه في تركيا، وقام Dr. E – والذي كان يعمل محامياً للمدعى، ثم صار فيما بعد مُحامياً للمدعى عليه - بصياغة بنود العقد، حيث إشتمل علـــى بند يحيل كافة المنازعات إلى Dr. E، باعتباره محكماً وحيداً، لا يمكن رده تحت أية ظروف، مـــع وجود شرط قيمته مبلغ مليون فرنك سويسرى، تُدفع للمحكم المذكور فى حالة مخالفة هذا الشرط.
وإذ نشأ نزاع بين طرفي العقد بشأن تأجير منصات العرض التي تم جمعها من العارضين، وأُحيل إلى التحكيم كما هو منصوص في العقد، أصدر Dr. E - المحكم الواحد بتــاريخ ١١ يونيـــو ۱۹۹۱ حكماً في أنقرة، قضى بأن يُسدد المدعى عليه للمدعى مبلغ ١,٤٦٣,١٣١ فرنك سويسرى، فسعى المدعى عليه إلى إلغاء حكم التحكيم في تركيا، إلا أن المحكمة العليا التركية قضت في ١٤ يوليو ١٩٩٢ برفض طلب الإلغاء.
وعندما تقدم المدعى لتنفيذ حكم التحكيم في سويسرا بعد صدور حكم المحكمة العليا التركية، إكتشفت المحكمة الإبتدائية أن مُخالفة شرط التحكيم للنظام العام السويسرى جاءت صارخة إلى حد بعيد، فرفضت لذلك التنفيذ، وقد أيدتها في ذلك محكمة إستئناف زيوريخ".
(٤) إثبات عدم حياد المحكم:
قررت المحكمة العليا الألمانية فى نزاع بين طرف هولندى وآخر ألمانى، أن ظهور الإنحياز لايعد سبباً كافياً في حد ذاته لرفض تنفيذ حكم التحكيم، وترتيباً على ذلك، إعتبرت المحكمة أن: مشاركة محكم غير مُحايد يجب أن يكون مؤثراً بشكل ملموس على التحكيم، من خلال مخالفة مبدأ إقامة العدالة على نحو نزيه، ويجب إثبات أن المحكم غير المحايد قد تحامل على أحد الأطراف، وأن هذا التحامل قد أثر بالفعل على قرار المحكم.
وفى هذا السياق، يؤكد البعض ، على أن "المحاكم تميز بصفة عامة بين الحالة التي توجد فيها ظروف قد تسفر عن عدم الحياد من جانب المحكم (التحيز الظاهرى)، والحالة التي يكون المحكم قــــد تصرف فيها بالفعل بطريقة غير مُحايدة التحيز الفعلى، وكقاعدة عامة، فإن هذه الأخيرة فقط هی الحالة الوحيدة الذي تكون فيها المحاكم على إستعداد لرفض تنفيذ حكم التحكيم.
كما وجدت المحكمة العليا في Hong Kong برئاسة القاضي |Kaplan ، في قضية Paklito Investment Ltd. v. Klockner East Asia Ltd ، توافر مُخالفة إجرائية جسيمة في التحكيم الذى جرى فى ظل قواعد المركز الإقتصادي الصيني للتحكيم التجاري
الدولى(CIETAC)، حيث تبين لها أن هيئة التحكيم لم تُعطى للمدعى عليهم فرصة للتعقيب على تقارير الخبير الذي عينته، ولإبداء دفاعهم، أو تقديم الإعتراضات أو تفنيد الأدلة أو تقديم أدلة جديدة، رغم تقديمهم طلباً بذلك، وهوما يرقي إلي درجة الحرمان من الفُرصة العادلة للإستماع إليهم رغم تقديمهم طلباً بذلك . ، ورفضت لذلك التنفيذ.