تنص قوانين الإمارات والبحرين وقطر على أن من أسباب إبطال حكم التحكيم، وقوع بطلان في إجراءات التحكيم إذا كانت هذه الإجراءات مؤثرة في الحكم. وعبّر عن ذلك القانون العراقي بالإشارة المخالفة الإجراءات التي تؤثر في صحة هذا الحكم. وهذا يعني أن إجراءات التحكيم تنقسم إلى قسمين: إجراءات باطلة تؤثر في الحكم، وإجراءات باطلة ليس لها أثر فيه. وعلى ذلك، إذا لم يؤثر الإجراء الباطل في الحكم، فيبقى الحكم صحيحاً ولا يخضع للبطلان والأمثلة على ذلك كثيرة، منها مخالفة هيئة التحكيم لإرادة الأطراف بالنسبة لمكان التحكيم داخل البلاد، كأن ينص الاتفاق على عقد جلسات التحكيم في مكان معين في دبي، ولكن تعقد هيئة التحكيم الجلسات في مكان آخر داخل دبي، أو ينص الاتفاق على أن يقدم المحتكم لائحة دعواه حتى الساعة (10) من صباح يوم معين، فيقدمها الساعة (11) من اليوم ذاته، أو ينص القانون على وجوب قيام المحكم خلال ثلاثين يوماً من قبوله لمهمته بتاريخ عقد أول جلسة تحكيم، ولكنه يقوم بذلك في اليوم الخامس والثلاثين خلافاً للنص.
وبالمقابل هناك أمثلة واضحة على الإجراءات التي يمكن اعتبارها مسبقاً مؤثرة في الحكم، مثل رفض هيئة التحكيم قبول اللائحة الجوابية والمستندات المرفقة بها، والمقدمة من المحتكم ضده خلال الموعد المحدد لذلك، أو إغفال الحكم نهائياً لكافة أوجـه دفـاع المحتكم ضده، أو استناده لأسباب وهمية لا وجود لها في ملف الدعوى، ولا يمكن استخلاصها من القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ،أو ، بوجه عام، عدم معاملة طرفي التحكيم على قدم المساواة، وعدم إعطاء أحدهما الفرصة الكاملة والمتكافئة لعرض دعواه وتقديم دفاعه خلافاً للمبادئ الأساسية في التقاضي. وقد نص القانون اللبناني على هذه الحالة بشكل خاص، بقوله بأن من حالات الطعن بإبطال الحكم، صدور هذا الحكم دون مراعاة حق الدفاع للخصوم. ومن حالات ذلك في الحياة العملية أن يتعذر على أحد طرفي الخصومة تقديم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغاً صحيحاً بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.
وأبسط صور هذه الحالة وأوضحها ، أن يتقدم (أ مثلاً) بطلب تحكيم لدى إحدى مؤسسات التحكيم (ب) ضد (ج) . فتقوم (ب) بتعيين هيئة التحكيم دون تبليغ (ج) ، وتعقد الهيئة جلساتها بحضور (أ)، وتصدر حكمها النهائي ضد (ج) دون حضوره أي جلسة من جلسات التحكيم بسبب عدم تبليغه أيضاً، مما يعني أنه تعذر عليـه تقـديم دفاعه في الدعوى التحكيمية. في هذا المثال، يكون الحكم عرضة للبطلان من جانب (ج).
والحالة العكسية لهذا المثال، أن يتم تبليغ (ج) بالدعوى ضده تبليغاً صحيحاً، ويعطى الفرصة الكافية لتعيين محكم من جانبه، كما يعطى الفرصة تلو الأخرى لتقديم دفاعه لحضور جلسات التحكيم وتقديم دفاعه أمام هيئة التحكيم، ويتم تبليغه من وقت لآخر بالمعلومات اللازمة والمستندات والبينات الأخرى المقدمة من (أ) معإعطائه الفرصة للرد على كل ذلك، إلا أن (ج) يقف موقفاً سلبياً ، دون رد أو حضور أو تقديم أي دفاع أو بينة ولا عذر له في ذلك. ومن ثم يصدر الحكم ضده. ومن الأمثلة على ذلك أيضاً، حضور المحتكم ضده لجلسات التحكيم وتمثيله فيها تمثيلاً صحيحاً، إلا أنه يهمل في تقديم دفاعه لأسباب ترجع له بالرغم من إتاحة الفرصة له، أو تطلب منه هيئة التحكيم تقديم دفاعه وبيناته بلغة التحكيم، إلا أنه أصرّ على تقديمها بلغة أخرى ورفض نتيجة ذلك تقديمها بلغة التحكيم، أو قررت الهيئة عقد جلسات التحكيم، حسب الاتفاق، في دولة معينة، متاح له الوصول لها بسهولة، إلا أنه أصر على عقد الجلسات في دولة أخرى وامتنع عن تقديم دفاعه، احتجاجاً على قرار هيئة التحكيم. في هذه الأمثلة، ليس لـ (ج) الطعن ببطلان حكم التحكيم الذي يكون صحيحاً ونافذاً في مواجهته.
وكذلك الأمر لو تم تبليغ (ج) تبليغاً غير صحيح بالدعوى التحكيمية ضده ولكن بالرغم من ذلك، شارك بالتحكيم وبإجراءاته، وأعطي الفرصة الكافية لتقديم دفاعه وقدمه فعلاً. في هذا الفرض، ليس لـ (ج) الطعن ببطلان حكم التحكيم الذي صدر ضده على أساس أن تبليغه بالدعوى كان غير صحيح فالعبرة ليست بالتبليغ من عدمه، ولا بكون التبليغ صحيحاً أو غير صحيح، وإنما بعدم تقديم الطرف المعني لدفاعه، ،، بسبب عدم تبليغه بالعملية التحكيمية على النحو المذكور.
ويلحق بحالة التبليغ حالة أخرى، وهي عدم تقديم الطرف المعني لدفاعه لأي سبب آخر خارج عن إرادته. ومثال ذلك، قيام السلطات المعنية في دولة ما بسجن (ج) أثناء التحكيم، ومنعه من الاتصال بأحد، مما أدى إلى تعذر مشاركته بالعملية التحكيمية، أو يجري التحكيم في دولة ما هي في حالة حرب مع دولة (ج)، وتحظر تلك الدولة على رعايا دولة (ج) الدخول لأراضيها. في هذه الأمثلة وغيرها، إذا تعذر على (ج) تقديم دفاعه لهذا السبب أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته، فيكون حكم التحكيم عرضة للبطلان.
وفي القانون الليبي حسب المادة (7/769) ، يكون الحكم قابلاً للإبطال إذا لم يراع المحكمون قواعد المرافعات التي التزموا مراعاتها، والتي ينص القانون على أن مخالفتها توجب البطلان ونرى أن ذلك يشمل في القانون الليبي قواعد الإجراءات الأساسية مثل
المساواة والمواجهة وتكافؤ الفرص بين الخصوم ويشمل أيضاً، كما هو الحال في قوانين الإمارات والبحرين وقطر مخالفة أي قاعدة إجرائية كان يتوجب إتباعها، بحيث تؤثر المخالفة في الحكم على النحو المذكور.
وبالرغم من أن القانون اللبناني لا ينص على مخالفة الإجراءات كسبب لإبطال الحكم، إلا أننا نرى تطبيق ذلك فيه بشرط أن تؤثر المخالفة في الحكم. بحيث لو لم تقع هذه المخالفة لتغير الحكم. فهذا ما يقتضيه منطق العدالة، وما جرى عليه العمل في التحكيم. فإذا كانت مخالفة إجراءات التقاضي تعيب الحكم القضائي، حتى لو لم تؤثر فيه، فمن باب أولى أن مثل هذه المخالفة لإجراءات التحكيم، تعيب الحكم التحكيمي متى كانت مؤثرة فيه.
وكما نرى، فإن من أوجه المخالفات الجوهرية في الإجراءات استبعاد هيئة التحكيم القانون الموضوعي الواجب التطبيق على النزاع وفق ما بينا سابقاً، مما يؤدي إلى قابلية إبطال حكم التحكيم