الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب ترجع الى تشكيل او تعين هيئة التحكيم / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية /  مخالفة تشكيل هيئة التحكيم لقانون الدولة التي جرى فيها التحكيم ، فى حالة عدم الإتفاق

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    630

التفاصيل طباعة نسخ

 مخالفة تشكيل هيئة التحكيم لقانون الدولة التي جرى فيها التحكيم ، فى حالة عدم الإتفاق

   وتوجز وقائع هذه القضية فى أن رئيس هيئة التحكيم كان يُدير بعضاً من الأعمال والأنشطة التجارية في دولة بورتريكو ، وقد كان المدعى عليه فى هذه القضية أحد عملائه، حيث كانت تربطه به صلة عمل تتعلق بهذه الأنشطة، ولم تكن هذه الصلة تتصف بالإستمرارية، بـل كانت متقطعة ومتفرقة، وقد إنقطعت التعاملات بينهما لما يقرب من عام كامل قبل اللجوء إلى التحكيم، ولم يكن أمر صلة العمل هذه التي تربط رئيس هيئة التحكيم" بـ"المدعى عليه، معروفاً لدى المدعى المحتكم كمالم يفصح أياً منهما – أو أى شخص آخر – عن هذه العلاقة، حــتى تاريخ صدور حكم التحكيم، إلا أن المدعى لم يتهم رئيس هيئة التحكيم بالتحيز والمحاباة، بل قام بالطعن على حكم التحكيم إستناداً للأسباب القانونية الواردة فى القسم العاشر من القانون الفيدرالي الأمريكي.

   وقد قررت المحكمة أنه يجب على المحكمين أن يفصحوا لأطراف النزاع عن أى تعاملات يكون من شأنها أن تُعطى إنطباعاً بإحتمال التحيز ، دون أن يؤدى ذلك تلقائياً إلى تنحية المحكمين، وأوضحت المحكمة أنه لابد لأى هيئة يُسمح لها بمقتضى القانون النظر في الدعاوى والمنازعات، أن تتحلى بالحيادية ليس هذا فحسب، ولكن أيضاً، يجب أن تتجنب حتى مجرد الظهور بمظهر التحيز، ولما كان من غير المقبول القول بأن هيئة التحكيم فى هذه القضية قد قضت بغير ميل ومن ثم فإنه من المنطقى القول بأنها قد إنجازت لأحد الأطراف على حساب الطرف الآخر ولذلك، قضت المحكمة العليا ببطلان حكم التحكيم. 

بيد أن الدائرة الثانية بمحكمة الإستئناف الأمريكية، رفضت على خلاف ذلك، القضاء ببطلان حكم تحكيم صدر فى قضية Marc Rich & Co. AG (Switzerland) v. Andros (Compania Maritima SA (Panama، عندما وجدت أن الأساس الأول للإدعاء بوجود "علاقة شخصية ومهنية تربط المحكم بأحد الأطراف يقتصر على أنهما قد عملا سوياً في تسعة عشر هيئة تحكيم، دون أن توجد أى صلة أخرى بينهما، وكأنه لا يكفى المحكمة هذا العدد الهائل من هيئات التحكيم التي عمل فيها سوياً - مُصادفة وبحسن نية – كُل من المحكم وأحد الأطراف لقيام شبهة التحيز والمحاباة لدي الأول نتيجة العلاقة الشخصية والمهنية التي تكونت فيما بينهما. 

   وفي قضية . Imperial Ethiopian Government v. Baruch - Foster Corp ، تبين للطرف الخاسر للتحكيم Baruch-Foster Corp ) - بعد صدور حكم التحكيم - أن العضو الثالث فى هيئة التحكيم كان قد قام من قبل بصياغة مشروع القانون المدنى للحكومة الأثيوبية التي تُمثل الخصم الذى قضى لصالحه في هذه القضية. 

  وبناءاً عليه، إدعت مؤسسة Baruch Foster Corp - دون جدوى مخالفة إتفاق التحكيم الذي يتطلب ألا تكون هناك أية روابط أو علاقات مباشرة أو غير مباشرة تربط بــين ”العضو الثالث في هيئة التحكيم، وأياً من أطراف النزاع، حيث أنه توجد علاقة مسبقة وخفية بين المحكم الثالث ( الذي تم إختياره من جانب المحكمين اللذين تم تعيينهما من جانب الطرفين) والطرف الكاسب، إلا أن الدائرة الخامسة بمحكمة الإستئناف الأمريكية، قضت مع ذلك بتنفيذ حكـــم التحكيم، ورفضت هذا الإدعاء لإبتنانه على دليل ضعيف، ولا أساس لها من الصحة، وأيـــدت المحكمة المحلية في قرارها برفضها الكشف عن وقائع بشأن موضوع النزاع لم تكن معروفة من قبل، لقيام هذا الرفض على أساس قانونى سليم .

   كما قد يُستخدم هذا الدفع فى هذه الحالة من قبل أحد الأطراف للقول بمخالفة تشكيل هيئة التحكيم للطريق الذي رسمه قانون الدولة التي جرى فيها التحكيم، وعلى سبيل المثال، قضت محكمة إستئناف القاهرة فى إحدى القضايا، ببطلان حكم التحكيم إستناداً إلى مخالفة تشكيل هيئة التحكيم للطريق الذي رسمه القانون في المادتين (۹) ، (۱۷) من قانون التحكيم المصرى، حيث أن تعيين محكم عن الشركة الطاعنة المحتكم ضدها كان بواسطة طلب على عريضة، ولم يُقدم للمحكمة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، وأن هذا الطريق يتصل باجراءات التقاضي، ومن ثم فإنه يتعلق بالنظام العام.

  وتتحصل وقائع النزاع فى هذه القضية فى أن شركة إيمكس للفنادق العائمة والمنتجعات السياحية (الطاعنة) كانت قد إستأجرت من شركة رواد للسياحة المطعون ضدها) الباخرتين السياحيتين كمفورت ۱، ۲ بموجب عقد مؤرخ ۱۹۹۹/۳/۱۰ ، ثم أبرم الطرفان لاحقاً العقـــد المؤرخ ۲۰٠٠/٣/١٢ ، والذى قامت بموجبه الشركة المطعون ضدها ببيع الباخرتين المذكورتين للشركة الطاعنة، مع الإحتفاظ بحق الملكية لحين الوفاء بكامل الثمن، وقد تضمن البند الثامن مـــن العقد الأخير النص على إحالة أية مُنازعات تنشأ بين الطرفين إلى هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة أفراد بحيث يعين كل طرف محكماً عنه، ثم يختار المحكمين المعينين محكماً ثالثاً مُرجحاً من بين رؤساء أو نواب رؤساء الهيئات القضائية الحاليين أو السابقين ويكون إختيارها ملزماً للطرفين ...

  وكأثر لإمتناع الشركة المشترية عن سداد أقساط الثمن المستحقة، وجهت إليها الشركة المطعون ضدها بتاريخ ۲۰۰۰/۱۲/۲٥ ، إنذاراً باعتبار عقد بيع الباخرتين المذكورتين مفــســـوخاً، ثم أتبعته بتاريخ ۲۰۰۱/٤/٨ بإنذارها بطلب التحكيم بينهما وياختيارها محكماً عنها، طالبةً مـــن الشركة الطاعنة إختيار محكم عنها خلال المدة المحددة فى قانون التحكيم المصرى، فأجابتها الأخيرة بأنها ترجيء تعيين محكمها لحين إنتهاء المفاوضات الودية مع مدير عام الشركة المطعون ضدها، وعلى إثر ذلك، تقدمت الشركة الأخيرة فى ۲۰۰۱/٥/٢٧ بعريضة للسيد المستشار/ رئيس محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية طلبت فيها تعيين محكم عن الشركة الطاعنة، لإمتناعها عن تعيين محكم عنها خلال المدة المنصوص عليها فى المادة (۱۷) من قانون التحكيم، وبتاريخ ۲۰۰١/٦/٢٣ صدر الأمر من رئيس المحكمة بتعيين محكم عن الشركة المطعون ضدها، ثم قــام المحكمان المختارين باختيار أحد الرؤساء السابقين لمحكمة النقض المصرية رئيساً لهيئة التحكيم، وبتاريخ ۲۰۰۱/١٢/٢٧ أصدرت الهيئة المذكورة حكمها في النزاع.

   وإذ لم تقبل الشركة الطاعنة هذا الحكم، فقد طعنت عليه بالبطلان أمام محكمة إستئناف القاهرة، لعدة أسباب من بينها : بطلان تشكيل هيئة التحكيم نتيجة لبطلان تعيين محكــم عـــن الشركة الطاعنة، وبتاريخ ۲۰۰٢/٤/٣٠ قضت المحكمة المذكورة بإجابتها إلى طلبها تطبيقاً لنص المادة ٥٣(هـ) من قانون التحكيم المصرى ، وأسست قضاءها فى ذلك على مُخالفة الحكــم المذكور لنص المادتين (۹) ،(۱۷) ، من قانون التحكيم المصرى .

وأوردت المحكمة فى مدونات حكمها أن البادى" من صياغة هذه النصوص والأعمال التحضيرية لقانون التحكيم المصرى، أن المشرع قد قَصَدَ إلى أن يكون طلب تعيين الحكم بطريق الدعوى التي تُرفع بصحيفة وتنظره المحكمة بكامل هيئتها بالإجراءات المعتادة لنظر الدعوى، وتصدر حكماً بتعيين المحكم، فإذا أعطى النص الإختصاص لمحكمة، فإن معنى ذلك إختصاص هيئة المحكمة، وليس ،رئيسها، وأن يكون نظرها للطلب بالصورة الطبيعية وهى الدعوى.

    وأضافت المحكمة قائلة أن: "النص على أن يكون إصدار القرار بتعيين المحكــم علــى وجـــه السرعة، لا ينطبق إلا إذا كانت هناك دعوى كما أن عدم قابلية ذلك القرار للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن يؤكد أن المقصود هو حكم بتعيين المحكم، وليس أمراً على عريضة بتعيينه، لأن طرق الطعن مقصورة على الأحكام وأن ماعبرت عنه نصوص المادة ١٧ من قانون التحكيم والأعمال التحضيرية المتعلقة بها .. هو الذي يتفق مع طبيعة نظام التحكيم في المواد المدنية والتجارية التي تقوم على إتفاق الطرفين وإختيارهما الحر، وأن تدخل محاكم الدولة في إختيار المحكمين هو من أجل إنجاح الإتفاق على التحكيم وتمكينه من إنتاج كافة آثاره عندما تعترضه عقبة تتعلق بتشكيل هيئة التحكيم، ولذا أوجبت المادة ۱۷ سالفة البيان على المحكمة أن تراعي في المحكم الذي تختاره الشروط التي إتفق عليها الطرفان وبديهي أن المحكمة لن تقف على تلك الشروط إلا إذا ضمنت إجراءاتها مبدأ المواجهة بمثول طرفى النزاع والإستماع إلى أوجه دفاع كل منهما لمعرفة ما تم عليه الإتفاق بينهما.....

   وأردفت المحكمة مُقررةً أن: قرار المحكمة بتعيين محكم - عن الطرف الذي قعد عن إختيار محكمه - يقتضى تحقق المحكمة من أن نزاعاً قد نشأ فعلاً بين الطرفين، وأن هناك إتفاق صحيح وقائم بينهما على التحكيم .."، وهو ما لا يتحقق فى نظرها إلا من خلال الإستماع إلى الطرف الآخر لإبداء مالديه من دفاع في هذا الخصوص ... 

   وهذا التفسير يناهض الفلسفة التي ينتهجها المشرع المصرى فى قانون التحكيم بصفة عامة، حيث أن مؤدى ما تضمنه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الإقتصادية عن مشروع قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ ، ومفاد ماجاء بالمذكرة الإيضاحية لذات القانون من أن قواعد المرافعات المدنية والتجارية لا تُحقق الهدف المنشود من التحكيم بما يتطلبه من سُرعة الفصل فى المنازعات، وماينطوى عليه من طبيعة خاصة إقتضت تيسير الإجراءات.

  هذا إلى أن المشرع المصرى فى قانون التحكيم قد منع المحاكم من التصدى لموضوع نزاع أبرم بشأنه إتفاق تحكيم ،صحيح، وإذا كان هذا الحكم واضحاً تمام الوضوح في مرحلة ماقبــل بــدء إجراءات التحكيم المادة ۱/۱۳) من قانون التحكيم، إلا أنه متى بدأت إجراءات التحكيم، فإنه يتعين طرح النزاع ببطلان إتفاق التحكيم بدايةً على هيئة التحكيم ذاتها إذا ما أبــــدى مــــن أحــــد أطراف التحكيم، وفى المواعيد التي حددها (المادة) (۱/۲۲ ، ۲) من قانون التحكيم)، ومن ثم فلايكون لمحاكم الدولة المختصة التعرض إبتداءاً لمدى صحة هذا الإتفاق من عدمه، إلا في حالة رفضه من قبل هيئة التحكيم، وطرحه عليها من خلال دعوى بطلان حكم التحكيم المنهى للخصومة كلها (المادة ۳/۲۲ من قانون التحكيم " ، ولذلك فإنها تكون ملزمة بهذا التدرج الزمني في توزيع الإختصاص بنظر الدفع ببطلان إتفاق التحكيم بينها وبين هيئات التحكيم. 

   ومن ثم فلا يجدى هذه المحكمة التحدى بأن قرار المحكمة المطعون عليه بتعيين محكــم – عــن الطرف الذي قعد عن إختيار محكمه - يقتضى التحقق من أن نزاعاً قد نشأ فعلاً بين الطرفين، وأن هناك إتفاق صحيح وقائم بينهما على التحكيم، وهو ما لا يكون فى نظرها إلا من خلال: "الإستماع إلى الطرف الآخر لإبداء مالديه من دفاع فى هذا الخصوص .."، إذ أن التحقق من صحة هذا الإتفاق – من عدمه – كما ذكرنا - هو من شأن هيئة التحكيم إبتداءاً، إذا مادفع أحد أطــراف التحكيم ببطلانه مما كان حرياً معه بهذه المحكمة ألا تستجيب لطلب البطلان على هذا الأساس، سيما وقد سقط حقه فيه لعدم طرحه إبتداءاً أثناء سير الإجراءات على هيئة التحكيم.

   هذا إلى أن إعتبار مُخالفة تشكيل هيئة التحكيم للقانون الذي يسرى على إجراءات التحكيم يُعد سبباً كافياً لرفض تنفيذ الحكم، حتى ولو كان مُطابقاً لإتفاق الأطراف، يُعيد إلى الأذهان ماكانت قد ذهبت إليه المادة الأولى (ج) من إتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۷ من إعتبار تشكيل هيئــة التحكيم صحيحاً إذا ماجاء موافقاً لإتفاق الأطراف وللقانون الذي يحكم إجراءات التحكيم معاً، وهو مايلقى بعبء ثقيل على عاتق طالب التنفيذ. 

  بيد أن ذات المحكمة قد ذهبت في إحدى القضايا " في الإتجاه المقابل، حيث لم يقم المحتكم ضده فيها باختيار محكمه، مما حدا بالمحتكم إلى إقامة دعوى إلى القضاء على سند من نص المادة (۱۷) من قانون التحكيم المصرى، لتعيين محكم عن المحتكم ضده، وبالفعل صدر الحكم بتعيين شخص معين تبين فيما بعد أنه متوف قبل صدور الحكم الأخير بعدة سنوات.

  وعليه، فقد قام المحتكم بالتقدم بطلب على عريضة إلى قاضي المتابعة بالمحكمة لإختيار محكم، بدلاً من الآخر الذى عينته المحكمة ثم تبين وفاته، فأمر القاضى المذكور بإختيار المحكــم صــاحب الدور في جدول المحكمين، وتولى هذا المحكم مباشرة إجراءات التحكيم، حتى أصدر حكماً فيها. 

  وعلى الرغم من إستقرار هذه المحكمة فى العديد من أحكامها على أن المحكمة المختصة بنظر مثل هذا النزاع طبقاً لنص المادة (۱۷)، هي محكمة استئناف القاهرة، مالم يتفق الطرفان على إختصاص محكمة إستئناف أخرى، وأن تعيين المحكم يجب أن يصدر فى دعوى ترفع بالإجراءات المعتادة، وأن هذه المادة يجعل الحكم باطلاً إعمالاً للمادة ٥٣(١) (هـ) من ذات القانون ، ورغم حقيقة إنعدام الحكم الصادر بالتعيين لصدوره بالنسبة لشخص متوف قبل صدور هذا الحكم، وتوافر مخالفة نص ذات المبررات التى ساقتها المحكمة فى أحكامها السابقة في القضية الراهنة. 

  فقد قضت هذه المحكمة برفض دعوى البطلان إستناداً إلى أن قرار قاضي المتابعة بتعيين المحكم صاحب الدور ماهو إلا تنفيذ الحكم المحكمة بتعيين المحكم المتوفى، وذلك على الرغم من إستقلال القرار الثاني الصادر بالتعيين عن الحكم الأول الصادر بتعيين المحكم المتوفى دون أن يكون إمتداداً له، وهو ماينطوى ضمناً – وبشكل غير مباشر على إقرار تلك المحكمة بصحة القرار الصادر بالتعيين على عريضة.