الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب ترجع الى تشكيل او تعين هيئة التحكيم / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / أسباب ترجع لهيئة التحكيم

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    485

التفاصيل طباعة نسخ

أسباب ترجع لهيئة التحكيم

أ- تعيين المحكمين

تتفق بعض القوانين العربية، على أنه من أسباب بطلان حكم التحكيم، صدوره من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون. ويشمل جميع المحكمين وكل محكم منهم. فلو كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين، وكان تعيين واحد منهم مخالفاً للقانون، يكون الحكم عرضة للبطلان، حتى لو كان تعيين المحكمين الآخرين طبقاً للقانون والتعيين المخالف للقانون، قد يكون بسبب مخالفة إجراءات التعيين، أو بسبب عدم توفر الشروط القانونية في المحكم وفق ما هو مبين سابقاً. 

فالخصوم لهم الحق بالاتفاق على تعيين جميع المحكمين وأي واحد منهم، وليس للمحكمة التدخل في هذا التعيين، إلا في حالة عدم الاتفاق. وقد لا يتفق الخصوم على أسماء المحكمين، وإنما على إجراءات تعيينهم، كالقول مثلاً في التحكيم من هيئة ثلاثية، بأن كل طرف من الطرفين يعين محكمه، ويتم تعيين المحكم الثالث من قبل مركز دبي للتحكيم الدولي. ومن جانب آخر، تحدد القوانين محل البحث الأحوال التي تتدخل فيها المحكمة بتعيين المحكمين أو أحدهم. كما تنص هذه القوانين على الشروط التي يجب توفرها في المحكم، بحيث لا يجوز تعيين شخص محكماً، إذا تخلفت فيه أحد هذه الشروط وفق ما ذكرناه في موطن سابق من هذه الدراسة. فإذا تم تشكيل هيئة التحكيم على وجه مخالف للقانون أو الاتفاق) كان الحكم الصادر عن الهيئة عرضة لدعوى البطلان ويلاحظ أن بعض حالات البطلان لهذا السبب تتعلق بالنظام العام، في حين أن حالات أخرى غير ذلك.

فالشروط المنصوص عليها قانوناً ، والواجب توفرها في المحكم، تعتبر من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على خلافها، وهي الشروط التي أشرنا إليها سابقاً . ويضاف إلى ذلك الشرط الذي تطلبه القانون في أن يكون عدد المحكمين وتراً.

أما الحالات الأخرى غير المخالفة للنظام العام فيجوز لطرفي النزاع، أو لأحدهما حسب الأحوال التنازل عنها صراحة أو ضمناً، كما يجوز لهما الاتفاق على خلافها، سواء تم ذلك قبل صدور الحكم أو بعد صدوره. وبوجه عام، فإن الشروط الاتفاقية في المحكم، والتي تضاف للشروط القانونية، ليست من النظام العام .

ومثال ذلك، اتفاق الطرفين على أن يكون المحكم من جنسية معينة، ولكن يعين مركز التحكيم المحال له النزاع محكمـاً من جنسية أخرى، ولا يعترض طرفا النزاع أو أحدهما على ذلك.

 وإذا اتفق الطرفان على تسوية نزاعهما عن طريق التحكيم الطليق (الحر). ومع ذلك، يتقدم أحدهما بطلب لمركز دبي للتحكيم مثلاً، ويقوم المركز بإبلاغ الطرف الآخر بالطلب ولا يعترض على ذلك، ويتم تعيين المحكمين وفق قواعد المركز، أيضاً دون اعتراض من ذلك الطرف.

وإذا اتفق الطرفان على تسوية النزاع بواسطة محكم منفرد، ولكن يعين مركز التحكيم المعني ثلاثة محكمين لتسوية هذا النزاع، ولا يعترض أي من الطرفين على ذلك. ومن ذلك أيضاً ما جرى عليه العرف التحكيمي من أن المحكم الثالث يتولى رئاسة هيئة التحكيم. ولكن قد يتولى هذه الرئاسة محكم آخر غيره، وتسير إجراءات التحكيم على هذا الأساس، دون اعتراض أي من طرفي التحكيم.

في هذه الأمثلة ،وغيرها، تم تعيين هيئة التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق الطرفين أو للقانون أو للعرف ومع ذلك، لا يعتبر الحكم الصادر عن الهيئة قابلاً للبطلان ما دام أن هذه الحالات ليست من النظام العام، وعدم اعتراض الطرف المعني على المخالفة في حينه، يعد بمثابة تنازل ضمني منه عن ذلك .

ومن أوجه صدور الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون، أن يتفق الأطراف على محكم بالذات، ويقوم هذا المحكم بالتحكيم فعلياً، ولكن عند صدور الحكم يتم توقيعه من قبله باعتباره جزءاً من شركة أو مؤسسة، وهو ما يكثر وقوعه بالنسبة لشركات المحاسبة بشكل خاص . في هذه الحالة، يكون الحكم عرضة للبطلان، حتى لو كانت الشركة هي شركة شخص واحد مالكها الوحيد هو المحكم، بل حتى لو لم تكن لها شخصية معنوية مستقلة عن المحكم ، وإنما هي مؤسسة فردية مملوكة بالكامل للمحكم. 

ومن أوجه ذلك أيضاً أن القوانين العربية محل البحث، نصت على أن الجهة المختصة بتعيين المحكم في حال عدم تعيينه من قبل الأطراف، هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع . وعليه، لو قام رئيس المحكمة ذاتها بأي صفة كانت بتعيين المحكم بدلاً من المحكمة، يكون التعيين مخالفاً للقانون ويؤدي ذلك إلى إبطال حكم التحكيم ، بافتراض أن الطرف الآخر المعني قد اعترض على هذا التعيين ولم يوافق عليه.

وهناك مسألة يثور الخلاف بشأنها ، وهي مدى جواز قيام أحد الطرفين، أو حتى كليهما، بالاتفاق على تعيين محكم ليس حيادياً أو مستقلاً . عن أحدهما. وسبب هذا الخلاف أن من المبادئ الأساسية في التحكيم، أن يكون المحكم حيادياً ومستقلاً عن طرفي النزاع. فلو فرضنا أنه نشب نزاع بين (أ) و (ب) وكان يتوجب إحالته لثلاثة محكمين. قام (أ) بتعيين (ج) محكماً عنه ، مع أن (ج) هو مستشاره القانوني. فهل يجوز ذلك؟ وهل يجوز لأي من الطرفين رد هذا المحكم فيما بعد؟ وهل يكون حكم التحكيم الذي شارك فيه (ج) عرضة للبطلان؟

وللإجابة على ذلك، سبق وذكرنا بأنه أصبحت من التقاليد، بل الأعراف التحكيمية، أن يصرح (ج) ، المرشح ليكون محكماً عند قبوله لمهمته كتابة، بأنه حيادي ومستقل عن أطراف النزاع، وأنه لا توجد أي ظروف من شأنها إثارة شكوك حول ذلك. وهذا يعني بأنه ليس هناك ما يمنع من تعيين محكم توجد شكوك حول حيدته واستقلاله، ما دام أنه صرح بذلك ولم يعترض الأطراف أو أحدهما على تعيينه  . ولكننا نرى بأن هذه القاعدة، أي قاعدة صحة تعيين المحكم في ظروف كهذه، مقيدة بقاعدة أساسية، وهي أن لا يصل المحكم في هذه الحالة إلى درجة عالية من عدم الاستقلالية بحيث يصبح هو نفسه، ولو عملياً ، الخصم والحكم في آن واحد . فمسألة انفصال شخصية الخصم عن شخصية المحكم في التقاضي، من المبادئ الأساسية في التقاضي، وهي من النظام العام التي لا يجوز مخالفتها لا في القضاء ولا في التحكيم. وإذا جاز في التحكيم استثناء تعيين محكم غير مستقل تماماً عن أحد طرفي النزاع، بسبب طبيعة التحكيم الخاصة، فيجب أن لا يصل الأمر إلى درجة أن يكون المحكم هو نفسه الخصم. ومثال ذلك، أن يكون أحد طرفي النزاع شركة شخص واحد، ويتم تعيين مالكها محكماً منفرداً لتسوية النزاع بينها وبين الغير في هذه الحالة، يكون الحكم عرضة للبطلان، حتى لو كان التعيين باتفاق الطرفين.

ولكن قد لا يصرح المحكم بحيدته واستقلاله قبل تعيينه محكماً، أو يصرح بذلك خلافاً للواقع. وهنا نفرق بين أمرين: الأول - أن لا يعلم طرف التحكيم المعني بذلك إلى حين صدور حكم التحكيم. في هذه الحالة، يجوز لذلك الطرف الطعن ببطلان الحكم، على أساس أن تعيين المحكم كان بصورة مخالفة للقانون الثاني - أن يعلم الطرف المعني بذلك أثناء إجراءات التحكيم وقبل صدور الحكم. في هذه الحالة، يجوز له رد المحكم حسب الأحكام والشروط المنصوص عليها قانوناً. فإذا انقضت مدة الرد دون تقديم طلب الرد يسقط الحق به ، بل ويسقط أيضاً الحق برفع دعوى بطلان حكم التحكيم لهذا السبب. ومرة أخرى، فإن هذه النتيجة مقيدة بما سبق وذكرناه، من أن عدم استقلالية المحكم، يجب أن لا تصل إلى درجة أن يصبح المحكم والخصم شخصاً واحد.