الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب ترجع الى تشكيل او تعين هيئة التحكيم / الكتب / التحكيم التجاري متعدد الأطراف / مخالفة تشكيل هيئة التحكيم، أو مخالفة الإجراءات التحكيمية للاتفاق أو لقانون محل التحكيم

  • الاسم

    د. عاطف محمد الفقي
  • تاريخ النشر

    2007-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    293
  • رقم الصفحة

    244

التفاصيل طباعة نسخ

مخالفة تشكيل هيئة التحكيم، أو مخالفة الإجراءات التحكيمية للاتفاق أو لقانون محل التحكيم

   وعلى هذا فإن من أسباب الاعتراض على حكم التحكيم ادعاء المطلوب ضده التنفيذ أو إثباته مخالفة تشكيل هيئة التحكيم أو مخالفة الإجراءات التحكيمية للقواعد التي اتفق عليها الأطراف فى اتفاق التحكيم من حيث عدد المحكمين وصفاتهم، والقواعد الإجرائية الواجبة التطبيق.

  هذا ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذا السبب من أسباب رفض الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم التجارى الدولى هو الأكثر خطورة على أحكام التحكيم التجاري متعدد الأطراف عندما يكون هذا التعدد إجبارياً، حيث إن الضم الإجباري للتحكيمـات، وإعادة تشكيل هيئة التحكيم بعد هذا الضم واجراءات التحكيم المنضم كل هذه المسائل غالباً مايتم النظر فـيـهـا على نحو يخالف ماتم الاتفاق عليه سلفاً في اتفاق التحكيم.

  وبالتالي فإذا صدر حكم التحكيم متعدد الأطراف في دولة تجيز ضم التحكيمات بأمر من القانون أو من القضاء دون موافقة جميع الأطراف، كما الحال في بعض الولايات الأمريكية، أو فى القضاء الفيدرالى الأمريكي في معظمه، أو في هونج كونج أو فى هولندا ، فإن الطرف الذي لم يوافق علي هذا الضم وأجبر عليه يمكنه أن يعترض على حكم التحكيم المنضم على أساس أن الحكم الصادر قد خالف الإجراءات والتشكيل المتفق عليه في اتفاق التحكيم وذلك بالرغم من اتفاق هذا التشكيل مع قانون محل التحكيم، إذ الأولوية كما قلنا لاتفاق الأطراف.

   كما نصت المشارطة على معالجة حالة تقصير المدعى عليه في تعيين محكمه، وكذا حالة فشل المحكمان المختاران من قبل الأطراف في تعيين المحكم الثالث، حيث نصت على قيام قاضي المحكمة البحرية» في المدينة المشار إليها في شرط التحكيم كمكان للتحكيم، والتي حددها الجزء الأول من المشارطة بأنها مدينة لندن.

  وبعد نشوب النزاع قام كل من المؤجر والمستأجر بتعيين محكمه، بيد أن هذين المحكمين لم يعينا المحكم الثالث، وذلك على أساس أن المادة (١/٩) من قانون التحكيم الانجليزي ۱۹۵۰ تقضى بأن المحكم الثالث سيقوم بدور المحكم الفاصل الذى سيصدر الحكم عنه وحده فى حالة عدم اتفاق المحكمان المختاران من قبل الأطراف، ولما كان هذان المحكمان قادرين على إصدار الحكم بالاتفاق فيما بينهما، فقد قررا أن لا حاجة بهما إلى تعيين محكم ثالث، وبالفعل صدر حكم التحكيم فى لندن بمعرفة هذين المحكمين فقط.

   وعلى هذا فإنه إذا اتفق الأطراف في شروط تحكيمهم على حل النزاعات التي ستنشأ بينهم عن طريق التحكيم المنفصل دون ضم، وفق طريقة معينة لتشكيل هيئة التحكيم، فإن الضم الإجباري للتحكيمـات، ومن ثم إعادة تشكيل هيئة التحكيم المنضم كنتيجة لهذا الضم سيعرض الحكم الصادر في هذا التحكيم المنضم إلى الاعتراض عليه وعدم الاعتراف به ورفض تنفيذه، على أساس مخالفة إجراء الضم وتشكيل هيئة التحكيم لما تم الاتفاق عليه سلفاً من قبل الأطراف فى اتفاق التحكيم حتى ولو صدر الحكم متوافقاً مع قانون محل التحكيم، كالقانون الفيدرالى الأمريكي أو القانون الهولندى أو قانون هونج كونج الذى يجيز الضم الإجبارى ومن ثم يجيز إعادة تشكيل هيئة التحكيم، وذلك تأسيساً على المادة (١/٥/د) من اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ التي أعطت الأولوية لاتفاق الأطراف وغلبته على قانون محل التحكيم.

   بيد أن هذه النتيجة الواضحة كانت مثاراً لبعض الشكوك من قبل القضاء في بعض الدول، حيث أعطت بعض المحاكم الأولوية لقـانـون مـحـل التحكيم وفضلته على قانون الإرادة، وحكمت بتنفيذ الحكم رغم مخالفة الإجراءات وتشكيل هيئة التحكيم لاتفاق الأطراف طالما أنه يتفق مع قانون محل التحكيم .

  والتي تدور وقائعها حول عقد إيجار سفينة بين مالك بنمى ومستأجر إيطالي، يشتمل على شرط تحكيم يقضى بنظر النزاع أمام هيئة تحكيمية في لندن مشكلة من ثلاثة محكمين يعين المؤجر أحدهم، والمستأجر الثاني، ويعين الثالث من قبل المحكمان المختاران من قبل الأطراف.

   بيد أنه بعد نشوء النزاع قام المالك بتعيين محكمه، في حين رفض المستأجر تعيين محكمه، ومن ثم أسند إلى محكم المالك الفصل في النزاع بمفرده بموجب قانون التحكيم الانجليزى ١٩٥٠ ، وبالفعل قام المحكم بعملية التحكيم وأصدر حكم التحكيم بمفرده.

 ولما رفع المستأجر دعوى أمام محكمة استنئاف فينيسيا طالباً رفض الاعتراف بالحكم أو تنفيذه استناداً على نص المادة (١/٥/د) من اتفـاقــيــة نيويورك ١٩٥٨ لأن تشكيل هيئة التحكيم لم يكن متفقاً مع اتفاق التحكيم، رفضت المحكمة هذا الطلب واعترفت بالحكم على أساس أن تشكيل هيئة التحكيم كان متفقاً مع قانون التحكيم الانجليزي بوصـفـه قـانـون مـحـل التحكيم.

بيد أننا لو أمعنا النظر في هذه الأحكام سنجد أنها لم تخالف التفسير الواضح لنص المادة (١/٥/د) من اتفاقية نيويورك ١٩٥٨، وذلك لأن هذا التفسير يقضى بوجود معيارين للاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم: (أحدهما) اتفاق الأطراف على تشكيل هيئة التحكيم ، مع أولوية المعــيــار الأول على المعيار الثاني، بمعنى أن قانون محل التحكيم يلعب دوراً احتياطياً أو تكميلياً لقانون الإرادة، بحيث لايتم اللجوء لأحكام قانون محل التحكيم إلا إذا أغفل الأطراف الاتفاق على مثل هذه الأمور. وعلى هذا فإن اتفاق التحكيم إذا أغفل النص على إجراء ضم التحكيمـات أو على تشكيل هيئة التحكيم المنضم متعدد الأطراف، فإنه يجب أن تتفق هذه الأمور مع الأحكام الواردة في قانون محل التحكيم.

  (والثاني) أن الأطراف إذا عالجوا هذه المسائل في اتفاق التحكيم على نحو يتعارض مع معالجتها فى قانون محل التحكيم فينبغى تقديم الأحكام الواردة في اتفاق التحكيم، على الأحكام الواردة في قانون محل التحكيم بمعنى عدم الاعتراف بالحكم أو تنفيذه طالما صدر بعد تحكيم منضم أعيد فيه تشكيل هيئة التحكيم على نحو يخالف ماتم الاتفاق عليه حتى ولو كان ذلك متفقاً مع قانون محل التحكيم.

   فإذا نظرنا إلى القضايا الثلاث المشار إليها نجد أن الأطراف وإن لم يغفلوا النص في اتفاقات تحكيمهم على تشكيل هيئة التحكيم، إلا أنهم أغفلوا النص على معالجة الفشل أو القصور الحادث من أحد الأطراف في تعيين محكمه، أو الحادث من المحكمين المختارين سلفاً في تعيين المحكم الثالث وبالتالي كان لابد من حل لهذه المشكلة حتى لا يتعطل التحكيم نتيجة هذا الفشل أو القصور الذى قد يتسبب فيه أحد الأطراف بسوء نية، ولما كانت المادة (٥/١/٥) من اتفاقية نيويورك ۱۹۵۸ تجيز اللجوء إلى قانون محل التحكيم في غياب اتفاق الأطراف، فإنه يكون من الملائم اللجوء إلى قانون محل التحكيم لحل هذا القصور خاصة وأن الأطراف لم يتفقوا على إجراءات بديلة.

   وهكذا تظل إرادة الأطراف واتفاقهم على تشكيل هيئة التحكيم وعلى إجراءات التحكيم ومنها ضم التحكيمات هى مركز الثقل في مجال الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم المنضم ، الأمر الذي يشكل خطورة على هذا الحكم إذا صدر عن تحكيم منضم إجبارياً تغير فيه تشكيل هيئة التحكيم بموجب هذا الضم الإجباري في الدول التي تسمح به، وذلك عندما يراد تنفيذ هذا الحكم خارج هذه الدول، مما يغلق الباب الذي فتحته اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ لتسهيل الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وقد يتسبب على المدى البعيد في فقدان الثقة لدى المجتمع التجارى فى التحكيم التجارى الدولى متعدد الأطراف.

   وهذا التفسير الضيق لنص المادة (١/٥/د) من اتفاقية نيويورك الذي يعطى الأولوية لموافقة الأطراف ويقدمها على قانون محل التحكيم، يتفق مع نية واضعى اتفاقية نيويورك الذين أرادوا تفوقاً وسمواً لاتفاق الأطراف على قانون محل التحكيم، وهو الأمر الذي اعترفت به المحاكم القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا التي أصدرت الأحكام المشار إليها والتي تأخذ بتفسير واسع لنص هذه المادة، وذلك حينما قصدت تقديم قانون محل التحكيم للتغلب على المصاعب التي قد يثيرها أحد الأطراف بسوء نية لتعطيل تشكيل هيئة التحكيم ومن ثم لشل فاعلية هذا التحكيم.

 أما القول بغير ذلك والادعاء بأولوية قانون محل التحكيم على إرادة الأطراف، فإنه يتعارض مع قصد واضعى اتفاقية نيويورك ١٩٥٨، ويمثل ردة أو تراجعاً إلى ماقبل إقرار هذه الاتفاقية، والعودة إلى اتفاقية جنيف ۱۹۲۷ التي كانت تقرر رفض الاعتراف أو التنفيذ الحكم التحكيم الأجنبي إذا خالف تشكيل هيئة التحكيم أو إذا خالفت إجراءات التحكيم اتفاق الأطراف وقانون مكان التحكيم، وهو الحكم الذى أراد واضعوا اتفاقية نيويورك إلغاء واستبداله بنص المادة (١/٥/د) الذي يجعل من اتفاق الأطراف المعيار الأساسي، ويجعل من قانون محل التحكيم المعيار التكميلي الذي لن يتم اللجوء إليه إلا عند عدم اتفاق الأطراف على تشكيل هيئة التحكيم أو على الإجراءات التحكيمية.

   وخلاصة القول أن حل هذه المعضلة يكمن، كما في غيرها من المشاكل المثارة بمناسبة التحكيم التجارى متعدد الأطراف في الاهتمام باتفاق التحكيم المبرم بين الأطراف، وذلك بتضمينه بشكل تفصيلى وبقدر الإمكان القـواعـد الواجب اتباعها لتسيير وإدارة العملية التحكيمية من تقرير لإجراء الضم، وما يترتب عليه من كيفية إعادة تشكيل هيئة التحكيم المنضم إلى غير ذلك من إجراءات التحكيم، وذلك حتى يتم تنفيذ حكم التحكيم المنضم بسهولة ويسر إذ الأولوية كما ذكرنا لما تم الاتفاق عليه بين الأطراف.

   ومن ناحية أخرى فإنه يجب الاهتمام كذلك باختيار القانون الواجب التطبيق على محل التحكيم، وكذا الاهتمام باختيار هذا المكان إذ ينعكس هذا الاختيار على اختيار هذا القانون، الأمر الذي ينبغي على الأطراف الاهتمام به والإلمام بقواعده قبل اختياره، ومراعاة عدم تضاربه على قدر الإمكان مع القواعد المتفق عليها لتسيير إجراءات التحكيم، وتشكيل هيئة التحكيم متعدد الأطراف، وذلك نظراً للطبيعة التكميلية لهذا القانون وتطبيقه عند عدم معالجة الأطراف لهذه المسائل في اتفاق التحكيم، وذلك حرصاً على الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم متعدد الأطراف في سهولة ويسر.

   فإذا فشل الأطراف في معالجة إجراءات التحكيم وكيفية تشكيل هيئة التحكيم وغيرها من المسائل الشائكة التي يثيرهــا التحكيم التجاري متعدد الأطراف فى اتفاق التحكيم، فإن البـديـل قـد يـتـمـثـل في إخضاع التحكيم لهذا المركز التحكيمي النظامي أو ذاك أو لهذه اللائحة التحكيمية أو تلك أو لسلطة التعيين المحددة سلفاً للقيام بهذه المهام بدلاً من الأطراف.

   فإن تعذر هذا وذاك فلا مناص من نظر التحكيمات بشكل منفصل، إلا في الدول التي تقر قوانينها أو محاكمها الضم الإجباري للتحكيمات، وهو كما رأينا يخالف الأساس التعاقدى للتحكيم، ويخالف كـافـة الاتفـاقـيـات الدولية المتعلقة بالتحكيم، فضلاً عن غالبية قوانين التحكيم الوطنية التي تجعل التحكيم اختيارياً، وترفض الاعتراف بحكم التحكيم الصادر عن تحكيمات منضمة إجبارياً أو ترفض تنفيذها لإصدارها على غـيـر اتفاق من الأطراف الذي يشكل مركز الثقل في التحكيم التجاري الدولي كقضاء خاص للفصل فى المنازعات التجارية متعددة الأطراف.