الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب ترجع الى الاتفاق ( عدم وجود اتفاق التحكيم - بطلان اتفاق التحكيم - سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته ) / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / بطلان حكم التحكيم لتخلف شروط الصحة الموضوعية

  • الاسم

    ناصر شحاته حسن صالح
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    650
  • رقم الصفحة

    534

التفاصيل طباعة نسخ

بطلان حكم التحكيم لتخلف شروط الصحة الموضوعية يجد أساسه في القواعد الموضوعية التي وقعت المخالفة بشأنها 

يبين من حالات البطلان الواردة بنص المادة 1/53 من قانون التحكيم، أن بعض هذه الأسباب يعود إلى مخالفة الحكم لقاعدة موضوعية، تتعلق بجوهر حكم التحكيم ذاته كعمل إجرائي له مقتضياته الموضوعية، بحيث لا يقوم حكم التحكيم صحيحاً منتجاً آثاره إذا تخلف هذا الجوهر أو تعيبت مقتضياته الجوهرية.

لذلك فإن المشرع عندما نظم البطلان كطريق خاص للطعن في حكم التحكيم، لم يشترط وقوع ضرر، ولم يشترط سوى توافر إحدى الحالات التي نص عليها في الفقرة الأولى من المادة 53 من قانون التحكيم، حيث قرر بأنه " لاتقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية........أ)...ب).... ج)....... ".

ومؤدي ذلك أنه لا يكفي للقضاء ببطلان حكم التحكيم عند تخلف شروط الصحة الموضوعية عن الحكم نفي (المحكوم له في حكم التحكيم) وقوع الضررعلى (المحكوم ضده في حكم التحكيم)، أو إثبات تحقق الغاية رغم قيام تلك المخالفة.

وتتعلق شروط الصحة الموضوعية اللازمة لحكم التحكيم بجوهر الحكم ذاته، من حيث صلاحية القائم به والمحل الذي يرد عليه، وأهلية الخصوم في الدعوى التحكيمية، والتمثيل القانوني في تلك الخصومة، وغير ذلك مما يتطلبه القانون من مقتضيات وشروط موضوعية لازمة لصحة حكم التحكيم.

حالات البطلان المتعلقة بإتفاق التحكيم

التحكيم كنظام لتسوية المنازعات يقوم على الإتفاق وعلى مبدأ سلطان إرادة طرفيه وما تنصرف تلك الإرادة لتحقيقه منه، لذلك فإن إتفاق التحكيم سواء كان شرطاً أو مشارطة هو حجر الزاوية في هذا النظام، فبدونه لا وجود للتحكيم ولا ولاية للمحكمين للفصل في النزاع، وتبعاً لذلك وجود لحكم التحكيم ذاته.

الحالة الأولى: عدم وجود اتفاق على التحكيم(م ١/٥٣/ أ من قانون التحكيم)

الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم بمقتضى هذا الإتفاق منظمة أو مركز للتحكيم أو لم يكن كذلك".

ويرجع ذلك لما يترتب على هذا الإتفاق من آثار أهمها تحييد قضاء الدولة وعقد الإختصاص لهيئة التحكيم.

وقد قضى بأن التحكيم أصبح إختيارياً بعد صدور القانون رقم ٢٠٣ لسنة ۱۹۹۱ بشأن شركات قطاع الأعمال- مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر خطأ في تطبيق القانون- إنحسار إختصاص هيئات التحكيم (الإجباري) عن نظر الدعوى المطروحة وإختصاص هيئة القضاء العادي بها عند زوال القيد الذي كان مفروضاً عليه بالمادة (56) من القانون رقم 97 لسنة 1983 سيما وأن الأوراق قد خلت مما يفيد إتفاق طرفي الدعوى على اللجوء إلى التحكيم .

ويترتب على عدم وجود إتفاق التحكيم بطلان حكم التحكيم وفقا لنص المادة (1/53) من قانون التحكيم .

والدفع بعدم وجود إتفاق على التحكيم أو بإنتفاء التحكيم، من الدفوع التي يسقط حق الخصم فيها إذا لم يتم التمسك بها أمام هيئة التحكيم خلال الميعاد المقرر لقبوله، فإن تنازل عنها المدعي الذي يتمسك به في دعوى البطلان صراحة أو ضمناً كانت دعواه غير مقبولة لثبوت سقوط الحق فيه أمام هيئة التحكيم، ويرجع ذلك إلى أن طلب القضاء ببطلان حكم التحكيم لهذا السبب، يرتبط بما ورد بنص المادة (۱/۲۲) من قانون التحكيم من أحكام تتعلق بالدفوع المتعلقة بإختصاص هيئة التحكيم أو الدفوع المبنية على عدم وجود إتفاق التحكيم أو بطلانه أو سقوط الحق فيه أو عدم شموله موضوع النزاع.

وتختص هيئة التحكيم بما لها من سلطة تستمدها من نص القانون بالفصل في هذا الدفع قبل الفصل في الموضوع ولها أن تضمه إلى الموضوع وتفصل فيهما معا بحكم واحد(م ۳/۲۲من قانون التحكيم) .

ويقع على المدعي في دعوى البطلان عبء إثبات أنه قد تمسك بهذا الدفع أمام هيئة التحكيم خلال الميعاد المبين بالمادة ١/٢٢ من قانون التحكيم ، ميعاد يجب ألا يجاوز المدة المقررة للمدعي عليه في الخصومة التحكيمية لتقديم دفاعه (م ٢/۳۰ من قانون التحكيم)، فإذا بدأت إجراءات خصومة التحكيم أمام هيئة التحكيم 

دون وجود إتفاق على الإلتجاء للتحكيم، فإن هذا العيب يزول إذا إستمر الخصم في الإجراءات أمام هيئة التحكيم، فإذا لم يكن قد تم التمسك به أمام هيئة التحكيم خلال المدة المحددة بالمادة ١/٢٢ من قانون التحكيم، أعتبر ذلك من قبيل الرضاء الضمني بالسير في إجراءات التحكيم، وبالتالي لا يجوز التمسك به سبباً لبطلان حكم التحكيم. وقضت محكمة إستئناف القاهرة، بأن عدم وجود إتفاق على التحكيم يبطل حكم التحكيم إلى درجة الإنعدام، لصدوره ممن ليست له ولاية إصداره، ويكون البطلان في هذه الحالة متعلقاً بالنظام العام، تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها .

وإستمرار الخصم في الإجراءات حتى صدور حكم التحكيم المنهي للخصومة أمام هيئة التحكيم، مع علمه بعدم وجود إتفاق التحكيم يسقط حقه في التمسك به سبباً لبطلان حكم التحكيم، ولا تملك محكمة البطلان القضاء به من تلقاء نفسها في هذه الحالة، فإن هي فعلت كان حكمها مخالفاً للقانون، خاصة مع وجود نص قانوني يحكم تلك المسألة (م١/٢٢من قانون التحكيم).

ويؤخذ على المشرع المساواة في الأثر بين عدم وجود اتفاق التحكيم ابتداء وبين بطلانه، لمخالفة ذلك للأساس الذي يقوم عليه نظام التحكيم ذاته وإعتراف القانون به سبيلاً موازياً لتقديم العدالة في صورتها الخاصة، فحيث يوجد الاتفاق على التحكيم يوجد التحكيم ذاته، فيدور معه ه وجوداً وعدماً، فإذا لم يوجد الاتفاق فلا وجود للتحكيم، ومن ثم تنعدم ولاية هيئة التحكيم، وإنعدام تلك الولاية يقتضي إنتفاء ولايتها بالنظر والفصل في الدفع بعدم وجود اتفاق التحكيم، ففاقد الشئ لا يعطيه، لإنعقاد الولاية للقضاء صاحب الولاية العامة.

ولذلك نرى بوجوب التفرقة بين حالة قيام الإتفاق على تسوية النزاع بطريق التحكيم وعدم وضوح عبارة هذا الإتفاق على النحو الذي يؤدي إلى عدم القدرة على التوصل إلى قصد الطرفين بشأن الإلتجاء إلى التحكيم لتسوية ذلك النزاع، وبين الحالة التي يكون فيها إتفاق التحكيم غير موجود من حيث الأصل، أو مخالفاً لقواعد الاختصاص الولائي المتعلقة بالنظام العام.

ونرى أن حكم المادة ١/٢٢ من قانون التحكيم بشأن التمسك بالدفع بعدم وجود الإتفاق وسقوط الحق فيه في حالة عدم التمسك به خلال الميعاد المقرر لذلك، يتسق مع الحالة الأولى ويقبل معها سقوط الحق في التمسك به اذا تجاوز التمسك به الميعاد المقرر له، أما في الحالة الثانية فيكون التحكيم ذاته غير موجود، أو منعدماً لمخالفته قواعد الاختصاص الولائي، ومن ثم يكون ما يصدر عن هيئة التحكيم من عمل منعدماً لصدوره من هيئة ليست لها ولاية القضاء وغصباً لإختصاص السلطة القضائية .

وجدير بالإشارة إلى أن إتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الإعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها إفترضت في حكم المحكمين الأجنبي المطلوب تنفيذه في دولة القاضي صدوره إستناداً إلى إتفاق تحكيم توافرت له مقومات وجوده وصحته، فأقامت قرينة قانونية من شأنها نقل عبء إثبات كل إدعاء بإنعدام هذا الإتفاق أو عدم صحته إلى عاتق من يطلب تنفيذ الحكم ضده، وجعلت المرجع في ذلك-عدا الإدعاء بإنعدام أهلية أطرافه - القانون الذي إختاره الأطراف ليحكم إتفاقهم على التحكيم ذاته، أو ليحكم العقد الأصلي الوارد إتفاق التحكيم في إطاره، أو إلى قانون البلد الذي صدر فيه الحكم عند عدم وجود هذا الإختيار، وذلك وفقاً لقاعدة إسناد موحدة دولياً تكفل لهذا القانون وحده دون غيره - الإختصاص بحكم الإتفاق التحكيمي في كل ما يتصل بالشروط الموضوعية اللازمة لوجوده وصحته وترتيبه لآثاره – فيما خلا الأهلية .

الحالة الثانية: اذا كـان اتفاق التحكيم باطلاً أو قابلا للابطـال (م 1/53/أ  من قانون التحكيم)

إتفاق التحكيم هو وسيلة الخصوم لطرح النزاع على التحكيم وحجب الإختصاص بموجبه عن قضاء الدولة، وحتى يرتب هذا الأثر القانوني يتعين بإعتباره عقد ، أن يكون موجوداً وتتوافر له أركانه الموضوعية والشكلية التي يتطلبها القانون، فيجب أن تكون إرادة الأطراف سليمة خالية من عيوب الرضا كالغلط والتدليس والإكراه والإستغلال، كما يشترط أيضاً أن تكون المنازعة مما يقبل تسويته عن طريق التحكيم.

وعلى ذلك فعدم وجود الرضا أو تعييبه يؤدي إلى بطلان إتفاق التحكيم لمخالفة الشروط المطلوبة لصحتة حسب القواعد العامة الخاصة بشرط التحكيم ومشارطته، ويبطل إتفاق التحكيم أيضاً إذا لم يكن مكتوباً وذلك إعمالاً لنص المادة ١٢ من قانون التحكيم، ولا يشترط وفقاً لنص هذه المادة إفراغ إتفاق التحكيم في شكل معين، فيكون إتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان، أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات، أو غيرها من وسائل الإتصال المكتوبة، طالما كانت دالة علي إتجاه إرادة طرفيه علي الإلتجاء للتحكيم.

وقد تضمنت المادة 11 من قانون التحكيم النص على شرطين من شروط صحة إتفاق التحكيم، يترتب على تخلف أحدهما بطلان الإتفاق، يتعلق الأول منهما بأهلية إبرامه فيجب أن يثبت لكل من طرفيه أهلية التصرف في حقوقه ، أما الثاني فيتعلق بالمسألة محل هذا الإتفاق، فيجب أن تكون مما يجوز الصلح فيه، فمالا يجوز فيه الصلح لا يجوز فيه التحكيم.

 ويدخل في هذه الحالة ما تنص عليه المادة رقم (١/٥٣/ ب)، بقبول دعوى بطلان حكم التحكيم، إذا كان أحد طرفي إتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته.

الحالة الثالثة: اذاسقط اتفـاق التحكيم بانتهاء مدته(م 1/53/ أ مـن قـانون التحكيم

يتعين التفرقة في شأن سقوط إتفاق التحكيم بمضى مدته، بين الإتفاق على التحكيم قبل نشوء النزاع أو بعده، فلو تم الإتفاق على التحكيم بموجب شرط تحكيم أي قبل نشوء النزاع .

أما بالنسبة لإتفاق التحكيم التالي لنشوء النزاع (مشارطة التحكيم)، فإن النزاع يكون قد بدأ فعلاً فيتفق الطرفان على تسويته بطريق التحكيم ويحددان موضوع النزاع الذي ستفصل فيه هيئة التحكيم وكذلك المدة التي يجب أن تنتهى خلالها إجراءات التحكيم (م 45 من قانون التحكيم)، فإذا إنقضت هذه المدة ولم يتم مدها إتفاقاً أو قضاء فإن المشارطة تسقط ولو صدر حكم التحكيم بعد فوات هذه المدة يكون باطلاً.

الحالة الرابعة: اذا كان أحد طرفي التحكيم فاقد أو ناقص الأهليـة وقـت ابرامه(م ١/٥٣/ ب من قانون التحكيم)

تدخل هذه الحالة ضمن حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم التي ترجع لإتفاق التحكيم، حيث نصت الفقرة (ب) من المادة (53) من قانون التحكيم على: "(1)......(ب) إذا كان أحد طرفي إتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته".

ومقتضى هذه الحالة أن يكون نقص أو فقدان الأهلية قائماً وقت إبرام إتفاق التحكيم، فإذا كان أحد طرفي إتفاق التحكيم ناقص الأهلية أو فاقدها وقت إبرامه كان الإتفاق باطلاً ، أما إذا كان نقص أو فقدان الأهلية قد وقع أثناء سير الخصومة التحكيمية أمام هيئة التحكيم، فلا يترتب على ذلك البطلان وإنما يؤدى إلى إنقطاع الخصومة، وفي هذه الحالة تطبق القواعد العامة في إنقطاع الخصومة الواردة في قانون المرافعات بالمواد من 130 إلى 140 منه، وذلك عملا بنص المادة 38 من قانون التحكيم التي تنص على أنه: "ينقطع سيرالخصومة أمام هيئة التحكيم في الأحوال ووفقاً للشروط المقررة لذلك في قانون المرافعات المدنية والتجارية، ويترتب على إنقطاع الخصومة الآثار المقررة في القانون المذكور".

ويتم الرجوع في بيان أهلية طرفي التحكيم، عند نظر دعوى البطلان لهذا السبب، إلى القانون الذي يحكم أهليته، إعمالاً لنص الفقرة (ب) من المادة 53 من قانون التحكيم.

الحالة الخامسة: استبعاد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع(م ١/٥٣/ د من قانون التحكيم).

تنص الفقرة (د) من المادة 53 قانون التحكيم على بطلان حكم التحكيم إذا تم استبعاد تطبيق القانون الذي إتفق الأطراف على تطبيقه علي موضوع النزاع  

كما نصت المادة 39 من ذات القانون على إلتزام هيئة التحكيم بأن تطبق القواعد التي إتفق عليها الطرفان على موضوع النزاع، وإذا إتفقا على تطبيق قانون دولة معينة أتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على خلاف ذلك، أما إذا لم يتفقا على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع، طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر إتصالاً بالنزاع.

وقد جاء نص هذه الفقرة واضحاً، في جعله إستبعاد القانون الإتفاقي الواجب التطبيق على موضوع النزاع إحدى حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم، ولكنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى إستبعاد القانون الإتفاقي الواجب التطبيق على الإجراءات، وهو ما يثير التساؤل حول مدى إعتبار إستبعاد القانون الإجرائي سبباً لقبول دعوى بطلان حكم التحكيم؟

يقوم نظام التحكيم على إحترام مبدأ سلطان إرادة طرفيه، وحريتهما في إختيار القواعد القانونية التي يتم تطبيقها على النزاع - الموضوعية أو الإجرائية – ولهما في سبيل ذلك إختيار القواعد التي يرون أنها مناسبة لطبيعة النزاع محل التحكيم، وقد أوجب المشرع في جميع الحالات إحترام إتفاق الطرفين بإعتباره هو المحدد لنطاق ولاية هيئة التحكيم فيما يتعلق بالإجراءات أو الموضوع، إلا أن المشرع قصر الطعن بالبطلان على حالة إستبعاد القانون المتفق على تطبيقه على موضوع النزاع، دون إستبعاد القانون المتفق عليه بالنسبة للإجراءات، وهي تفرقة ليس لها ما يبررها قانونا أو عملاً، فكلاهما إتفاق الطرفين وإستبعاد أيهما يمثل إهداراً لإرادتهما ومن ثم يصح ، سبباً للطعن بالبطلان على حكم التحكيم .

وتدخل هذه الحالة ضمن الحالات التي تخرج فيها هيئة التحكيم عن مقتضي ما إتفق عليه طرفا التحكيم، لأن المشرع أجاز للأطراف الإتفاق علي التحكيم ومنحهما الحق في تحديد قانون معين تلتزم هيئة التحكيم بتطبيقه علي موضوع النزاع، وجعل إستبعادها لهذا القانون سبباً لبطلان حكم التحكيم. وتطبيقاً لذلك، قضت محكمة إستئناف القاهرة، إذا استبعد الحكم تطبيق القانون المصري المتفق علي تطبيقه ومنه أحكام القانون المدني المتعلق بالفوائد مقرراً عدم الحكم بها فإنه يكون باطلاً لأنه قد إستبعد القانون القانون الواجب التطبيق .

ويشترط لقيام هذه الحالة تحقق الشرطين التاليين:

الشرط الأول : أن يكون الأطراف قد إتفقوا صراحة علي تطبيق قانون معين

علي موضوع النزاع .

فإذا لم يوجد مثل هذا الإتفاق فلا مجال للتمسك بها سبباً لبطلان حكم التحكيم، ويكون

لهيئة التحكيم وفقاً لنص المادة ٢/٣٩ من قانون التحكيم الحق في تحديد القاعدة القانونية التي ترى أنها الأنسب لموضوع النزاع. ويجب مراعاة أن هذه الحالة تتوافر إذا إتفق الطرفان على تطبيق فرع معين من فروع القانون الواجب التطبيق بإتفاق الطرفين علي موضوع النزاع، فإذا إتفق الطرفان علي تطبيق أحكام القانون المدني وطبقت هيئة التحكيم فرع آخر من فروع القانون كان حكمها باطلاً لإستبعاد القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع.

ويرجع ذلك إلي أن هيئة التحكيم ليس لها خيار في تطبيق القانون الذي ترتأيه، إلا في حالة عدم إتفاق الطرفين، فالمشرع عندما نص علي إلتزام هيئة التحكيم ويرجع

بتطبيق القانون الذي إتفق الطرفان على تطبيقه علي موضوع النزاع (م 1/39 من

قانون التحكيم) ألزمها بهذا الإتفاق، وألزمها بتطبيق القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين إلا إذ إتفق علي غير ذلك.

وهو ما يوجب في تقديرنا- قيام هيئة التحكيم بتطبيق فرع القانون الذي ينطبق علي طبيعة المعاملة والعقد محل المنازعة، والقول بغير ذلك يجعل ما أورده المشرع بالمادة 39 /3 من قانون التحكيم بشأن وجوب مراعاة شروط العقد والأعراف الجارية في نوع المعاملة ليس ذي قيمة قانونية، لأن العرف الجاري في المسائل المدنية غير العرف الجاري في المسألة التجارية أو الدولية وغيرها، وليس في ذلك أسباب البطلان، لأن إستبعاد القانون الواجب التطبيق وشروط العقد التي لا تخالف النظام العام مما يعد سبباً لبطلان حكم التحكيم.

الشرط الثاني: إستبعاد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي إتفق الطرفان صراحة علي تطبيقه علي موضوع النزاع.

فإذا قامت هيئة التحكيم بتطبيق القانون المتفق عليه بين الطرفين، إلا أنها أخطأت في إختيار القاعدة القانونية الصحيحة في هذا القانون عند تطبيقها على موضوع النزاع، أو أنها اختارت القاعدة الصحيحة ولكنها أخطأت تطبيقها أو خالفتها أو أخطأت في تأويلها، فلا تتوافر هذه الحالة لخروج مثل هذه الحالات من نطاق أسباب دعوي بطلان حكم التحكيم، طالما أن هيئة التحكيم التزمت بتطبيق القانون الذي إتفق عليه الطرفان.

ويجري هذا الفقه تفرقة دقيقة في الحالة التي تقوم فيها هيئة التحكيم ودون إستبعاد صريح للقانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع، بتطبيق شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة بشكل قاصر عليهما، لا سيما أن تطبيق هذه القواعد هو محض تنفيذ للإلتزام الواقع علي عاتق هيئة التحكيم التي يلزمها القانون بوجوب مراعاتها عند الفصل في موضوع النزاع، وهو ما يثير التساؤل حول صحة أو بطلان ما قامت بها هيئة التحكيم عند تطبيقها شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية على نوع المعاملة .

 ويري هذا الفقه التمييز بين ما إذا كان مثل هذا المسلك من جانب هيئة التحكيم يشكل أو لا يشكل مساساً بالقواعد التي تتعلق بالنظام العام في الدولة من عدمه؟ .

فإذا وجد في مثل هذه الحالات مساساً بالنظام العام فإن حكم التحكيم يكون باطلاً لمخالفته النظام العام وليس بسبب إستبعاد القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع، إذ أنه في هذا الفرض لم يتم إستبعاد القانون بشكل صريح، وإنما طبقت شروط العقد والأعراف الجارية في نوع المعاملة إعمالاً لنص المادة 3/39 من قانون التحكيم. أما إذا كان إعمال هيئة التحكيم للشروط التعاقدية لا يمس النظام العام في الدولة فإن إعماله لها بشكل قاصر مع عدم إستبعاد القانون المتفق عليه بشكل صريح لا يبدو في نظر هذا الفقه سبباً لبطلان حكم التحكيم.

رأى الباحث في المسألة:

الواقع أنه يتعين أن ينظر في تفسير نص المادة (1/53/د) من قانون التحكيم، التي تنص علي بطلان حكم التحكيم إذا إستبعد القانون الذي إتفق الطرفان على تطبيقه على موضوع النزاع، بما يتفق وطبيعة نظام التحكيم، حيث يكون ما إتفق عليه الطرفان هو المرجع في كل ما يتعلق به من إجراءات أو تحديد للقواعد الموضوعية والإجرائية ونطاق إختصاص وولاية هيئة التحكيم في النزاع، ويقع على عاتق هيئة التحكيم عند الفصل في الموضوع الإلتزام بها جميعاً طالما أنها لا تخالف النظام العام أو الآداب.

فالقانون يوجب إحترام إرادة طرفي التحكيم طالما كانت بعيدة عن مخالفة النظام العام والآداب، وهو ما يتعين معه- إعمالاً للطبيعة الإتفاقية التي يقوم عليها هذا النظام - ألا يقتصر تفسير عبارة القانون الواجب التطبيق علي النزاع علي قانون الدولة الموضوعي المتفق عليه فقط، دون القواعد الخاصة التي إتفق الطرفان عليها بإعتبارها

قانونهما الخاص،الذي يرجع إليه إبتداء ويكون واجب التطبيق حتي ولو خالف نص

القانون في الحالات التي يجوز فيها ذلك.

فمما لا خلاف عليه أن نص العقد هو شريعة المتعاقدين وهو قانونهما الخاص الذي يعلو علي نص القانون طالما لم يخالف النظام العام والآداب ، وتسري علي إتفاق الطرفين بشأن موضوع النزاع القواعد العامة للعقود بشأن طرفيه وسببه ومحله، فيجب أن تتوافر بشأنه شروط الصحة اللازمة قانوناً.

ونعتقد أن حالة إستبعاد القانون الواجب التطبيق على الموضوع الواردة بنص المادة رقم(١/53/ د) من قانون التحكيم ترتبط بقاعدة مكملة ورد النص عليها بالمادة39 من قانون التحكيم، والتي تنص علي أنه: " 1. تطبق هيئة التحكيم علي موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليه الطرفان، وإذا اتفقا علي تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق علي غير ذلك. ٢..... 3. يجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة".

فقد جاءت عبارة هذا النص واضحة في وجوب إلتزام هيئة التحكيم بالقواعد الموضوعية التي يتفق عليها الطرفان، وكذا وجوب مراعاة شروط العقد محل المنازعة التحكيمية والأعراف الجارية في نوع المعاملة، ومن ثم فلا يجوز قيام هيئة التحكيم بإستبعاد شروط العقد محل المنازعة عند الفصل في النزاع، لأن ذلك مما يدخل في نطاق مخالفة هيئة التحكيم لما إتفق عليه الطرفان.

ويجب أن تتم التفرقة من وجهة نظرنا بين حالتين:

الحالة الأولى: الحالة التي تستبعد فيها هيئة التحكيم شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية على نوع المعاملة صراحة.

وهنا يتعين التمييز بين فرضين:

الأول: مخالفة شروط العقد محل النزاع للنظام العام، فلا تثريب علي حكم التحكيم إن هو إستبعدها، لأن تطبيقه إياها في هذه الحاله يصمه بالبطلان لمخالفة النظام العام.

أما الفرض الثاني: ألا يكون في هذه الشروط ما يخالف النظام العام والآداب، فيكون إستبعادها مبطلاً لحكم التحكيم.

الحالة الثانية: الحالة التي تطبق فيها هيئة التحكيم تلك الشروط على نحو مخالف أو بطريقة خطأ نتيجة الخطأ في فهم حالة النزاع أو تفسير تلك الشروط .

وفي هذه الحالة لا مجال للقول ببطلان حكم التحكيم، لأن مراعاة تلك الشروط لا يعني القضاء بما لا يخالفها، ما لم يصل الخطأ إلي درجة المسخ المبطل للحكم.

فالخطأ في تطبيق القانون الذي يصل لحد المسخ الذي تكشف عنه أسباب التحكيم،يعتبر سبباً لبطلان حكم التحكيم وفقاً لحكم المادة 1/53 د من قانون التحكيم، ويشترط أن يكون للمسخ الذي يدخل في مدلوله إستبعاد القانون المتفق علي تطبيقه، أثره الواضح علي الحل الذي خلص إليه المحكم في حكمه .

الحاجة الى تعديل تشريعي

إن صراحة نص الفقرة (د) من المادة 1/53 من قانون التحكيم لا تحتمل تفسير أو تأويل، وبالتالي فإن إستبعاد القانون المتفق على تطبيقه على موضوع النزاع، وحده دون إستبعاد القانون المتفق عليه بالنسبة للإجراءات هو ما يعتبر سبباً لقبول دعوى بطلان حكم التحكيم، عدا ما يتعلق بإجراءات تشكيل هيئة التحكيم على وجه مخالف للقانون أو لإتفاق الطرفين.

وإزاء تلك التفرقة غير المبررة من المشرع، بين القانون المتفق على تطبيقه على الموضوع والقانون المتفق على تطبيقه على الإجراءات، علي الرغم من استبعاد أي منهما أو كلاهما يمثل إهداراً لإرادة طرفي إتفاق التحكيم،ومن ثم يصح سبباً للطعن ببطلان على حكم التحكيم. والاقتصار على استبعاد القانون الواجب التطبيق علي الموضوع سبباً لقبول دعوى بطلان حكم التحكيم.

والباحث يتوجه بدعوة المشرع إلى التدخل بتعديل هذه الفقرة، بإضافة إستبعاد لقانون المتفق على تطبيقه على إجراءات التحكيم إلى حالات البطلان وبالتالي نقترح أن تكون الفقرة (د) من المادة 53 من قانون التحكيم على النحو التالي: (د): إذا إستبد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي إتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع أو على إجراءات التحكيم".

الفرع السادس : إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها إتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الإتفاق (م ١/٥٣/ و من قانون التحكيم)

تعكس هذه الحالة أن الأصل في التحكيم هو إتفاق الأطراف، فلهم حرية تحديد نطاق المسائل التي يقبلون حلها بالتحكيم، فنظام التحكيم يقوم على مبدأ إحترام إرادة طرفي التحكيم، وإعتراف القانون بهذه الإرادة، وهو ما يوجب على المحكمين ضرورة الإلتزام بحدود هذا الإتفاق وعناصر النزاع التي حددها الأطراف في إتفاق التحكيم .

ونظراً لأن التحكيم كنظام لتسوية المنازعات، يمثل إستثناء من الأصل العام، وهو إختصاص قضاء الدولة صاحب الولاية العامة بالفصل في المنازعات ، فإن المحكمين كأفراد عاديين لا يملكون حرية الخروج عن نطاق عناصر النزاع التي حددها أطراف التحكيم بالفصل في مسائل أخرى حتى ولو كانت مرتبطة بموضوع النزاع المطروح عليهم.

وتفترض هذه الحالة وجوب قيام الأطراف بتحديد موضوع النزاع تحديداً نافياً للجهالة، ويكون ذلك إما في بيان الدعوى المشار إليه بالمادة 30 من قانون التحكيم، إذا كان الإتفاق على التحكيم سابقاً على نشوء النزاع (م ٢/۱۰ تحكيم)، وإما في إتفاق التحكيم إذا كان لاحقاً على نشوء النزاع (مشارطة التحكيم)، ويترتب على عدم تحديد موضوع التحكيم بطلان إتفاق التحكيم والحكم الذي يصدر بشأنه.

وعلى ذلك فليس للمحكم أي سلطة في الخروج عن حدود المسائل التي إتفق الأطراف على عرضها على التحكيم، فإذا تعرض للفصل في مسألة لا يشملها إتفاق التحكيم أو تجاوز حدوده، كان ذلك سبباً لإبطاله.

ويرجع سبب إلتزام هيئة التحكيم بحدود ما تم الإتفاق عليه بين طرفي التحكيم بشأن النزاع الذي يشمله التحكيم، إلي أن التحكيم طريق إستثنائي من أصل هو إختصاص قضاء الدولة صاحب الولاية العامة، ومنه تستمد هيئة التحكيم ولايتها التي يحميها القانون للفصل في النزاع المعروض عليها، والإستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه، لذلك يقع علي هيئة التحكيم عبء الإلتزام بما تضمنه الإتفاق، فلا يجوز لها أن تمد إختصاصها إلي غير ما إشتمل عليه الإتفاق .

فإختصاص هيئة التحكيم بالفصل في المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد محل المنازعة لا يمتد ليشمل المنازعة حول إنهاؤه أو إبطاله أو فسخه، فإن هي فعلت كان حكمها في هذا الشق من الحكم المتعلق بالفسخ أو الإبطال أو الإنهاء باطلاً، ما لم يكن حكمها في مسألة التنفيذ قد شابها بطلان لسبب من الأسباب الواردة بنص المادة 53 /1 من قانون التحكيم، وإذا فصلت هيئة التحكيم في مسألة لا يشملها إتفاق التحكيم أو تجاوزت نطاقه كانقضاؤها بشأنه وارداً علي غير محل من خصومة التحكيم وصادراً من جهة لا ولاية لها بالفصل فيه لدخوله في إختصاص جهة القضاء صاحبة الولاية العامة في نظره.

ويجب ملاحظة أن مجرد إعتماد المحكم في حكمه على وسائل وحجج لم يثيرها الخصوم، لا يشكل تجاوزاً منه لحدود مهمته، فهو لا يتجاوز هذه المهمة إلا إذا حكم لأحد الأطراف بما لم يطلبه .

وتخضع هذه الحالة للقاعدة المكملة الواردة بنص المادة (۱/۲۲) من قانون التحكيم التي توجب أن يتم التمسك بعدم شمول إتفاق التحكيم لموضوع النزاع، إذا لم يتمسك به الخصم خلال الميعاد المقرر بنص المادة ۲/۲۲ تحكيم، فإن إستمر في إجراءات التحكيم عد ذلك تنازلاً منه عن حقه في الإعتراض، ويسقط حقه في التمسك به سبباً لبطلان حكم التحكيم، ويقع على عاتق من يتمسك بهذا العيب أن يثبت أنه قد تمسك به خلال الميعاد المقرر قانوناً (م ۲/۲۲ من قانون التحكيم) .

وقد أخذ المشرع بفكرة البطلان الجزئي لحكم التحكيم في المادة (١/53/ و تحكيم) إذا أمكن فصل الأجزاء الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن الأجزاء غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة فقط .

وهذا النص إنما يأتي في إطار رغبة المشرع في عدم إهدار حكم التحكيم كلما كان ذلك ممكناً، ويعتمد تطبيقه على مدى إمكانية فصل الأجزاء الخاضعة للتحكيم عن تلك غير الخاضعة له، وهو مما يدخل في نطاق سلطة محكمة البطلان تحت رقابة محكمة النقض في هذا الشأن، فإذا رأت محكمة البطلان إمكانية القيام بهذا الفصل، قضت ببطلان الجزء غير الخاضع للتحكيم ما لم يثبت مدعى البطلان أن هذا الشق لا ينفصل عن جملة الإتفاق، أو كان الشق الآخر الذي يخضع للتحكيم، متوافراً بشأنه إحدى حالات البطلان الأخرى المنصوص عليها بالمادة 53 من قانون التحكيم .

ويدخل تقدير ما إذا كان حكم التحكيم قد فصل في مسائل لا يشملها إتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الإتفاق، في السلطة التقديرية لمحكمة البطلان، بما لها من سلطة في تفسير إتفاق التحكيم للوصول الي تحديد نطاق ولاية هيئة التحكيم وسلطتها للفصل في موضوع النزاع.