الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب ترجع الى الاتفاق ( عدم وجود اتفاق التحكيم - بطلان اتفاق التحكيم - سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته ) / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / عدم وجود اتفاق على التحكيم أصلاً

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    349

التفاصيل طباعة نسخ

عدم وجود اتفاق على التحكيم أصلى


وتأخذ هذه الصور أشكالا متنوعة لعل من أبرزها حالة تمتك أحد الأطراف في مواجهة طرف آخر بشرط التحكيم على الرغم من عدم توقيع هذا الطرف الآخر على العقد الذي تضمن شرط التحكيم ولقد أدت هذه الصور، وفي حالة اقترانها في بعض المنازعات إلى قيام الطرف الذي لم يوقع أصلى على اتفاق التحكيم، ولكنه قام مع ذلك بالتوقيع على وثيقة المهمة acte de mission إلى إثارة التساؤل حول مدى اعتبار توقيع هذا الطرف على هذه الوثيقة بمثابة اتفاق على التحكيم (مشارطة تحكيم).
والواقع من الأمر أن الإجابة على هذا التساؤل وتحديد ما هي القيمة الفعلية للتوقيع على وثيقة المهمة والطبيعة القانونية لها، ومتى يمكن في بعض الحالات أن يعتبر التوقيع عليها بمثابة اتفاق على التحكيم، يتطلب أن نعرف أولا ما هي وثيقة المهمة وما هو الدور الذي تؤديه؟
تحديد ما هو المقصود بوثيقة المهمة
الوثيقة التي يتم توقيعها من قبل كل من الأطراف والمحكمين، وفي حالة عدم اتفاق الأطراف، يتم توقيعه من قبل المحكمين أو مؤسسة التحكيم، وتحدد فيها المسائل التي يتعين على محكمة التحكيم الفصل فيها.
ويرجع الأصل التاريخي لوثيقة المهمة التي تعد إحدى العلامات الرئيسية البارزة في التحكيم وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية في باريس، إلى القاعدة المعمول بها في بعض الدول ذات الأصل اللاتيني، والتي كان معمولا بها في القانون الفرنسي من قبل، والتي وفقا لها لا يعد شرط التحكيم ملزما لأطرافه إلا إذا تم تحديد الرضاء على الاتفاق على التحكيم بعد نشأة المنازعة، عن طريق إبرام مشارطة تحكيم.
إذ تنص المادة ١٨ من اللائحة الجديدة لغرفة التجارة الدولية بباريس على أنه:
1- بمجرد تسلم هيئة التحكيم لملف الدعوى من السكرتارية فإنها تقوم بوضع وثيقة تحدد مهمته على أساس المستندات المقدمة أوفي حضور الأطراف وعلى ضوء أقوالها الأخيرة. وتشمل الوثيقة:
أ- أسماء وألقاب وصفات الأطراف.
ب- عناوين الأطراف التي يجوز أن توجه إليها بصورة صحيحة جميع التبليغات والإعلانات أثناء سير التحكيم.
ج- عرض موجز لادعاءات الأطراف والقرارات الملتمس اتخاذها من قبلهم وبقدر الإمكان تحديد لكل مبلغ مطلوب على نحو أصلي أو عرضي.
د- تحديد نقاط النزاع الواجب الفصل فيها، ما لم تقدر محكمة التحكيم أن هذا الأمر غير مناسب.
ه- اسم المحكم ولقبه وصفته وعنوانه.
و- مكان التحكيم.

ز - الإيضاحات المتعلقة بالقواعد الواجبة التطبيق على الإجراءات وإذا دعا الأمر، الإشارة إلى تقويض المحكم بالصلح.

٢ - يجب على الأطراف وعلى المحكم أن يوقعوا على وثيقة المهمة وعلى المحكم خلال شهرين من تسلمه الملف أن يوافي محكمة التحكيم بالوثيقة موقعاً عليها منه ومن الأطراف وللمحكمة بناء على طلب مسبب من الهيئة أو من تلقاء نفسها، عند الاقتضاء، من المهلة المذكورة إذا رأت ضرورة لذلك.

3- وإذا رفض أحد الأطراف المشاركة في وضع هذه الوثيقة أو توقيعها عرضت المسألة على محكمة التحكيم للتصديق عليها. فإذا تم التوقيع على وثيقة المهمة وفقاً لما هو وارد في الفقرة 2 المشار إليها أعلاه أو تم التصديق عليها من قبل المحكمة، فإن إجراءات التحكيم تسير في مجراها.

ويرى جانب من الفقه أن لوثيقة المهمة العديد من المزايا، أهمها تحديد المسائل التي يتعين على هيئة التحكيم الفصل فيها. فاتفاق الأطراف على التحكيم قد يكون متضمناً تحديداً واضحاً للمسائل المتنازع عليها والتي يتعين طرحها على المحكمة ومن هنا تبدو أهمية وثيقة المهمة التي تحدد على نحو كامل ومحدد ما هي المسائل المتنازع عليها ونطاقها، وهو ما يسمح بالتالي بتحديد مهمة المحكم بشكل واضح.

وتبدو أهمية هذا التحديد مع ما هو مقرر في العديد الأنظمة القانونية المعاصرة من إمكانية الطعن بالبطلان على حكم التحكيم بسبب مخالفة المحكم لحدود المهمة المخولة له. فوثيقة المهمة بتحديدها لنطاق مهمة المحكم على نحو واضح تتفادى سبباً من أسباب الطعن بالبطلان على حكم التحكيم وتؤدي بهذه المثابة إلى اتسامه بالصحة.

وعلى الرغم من هذه الميزة التي يصر جانب من الفقه على لفت الأنظار إليها فإن جانباً أن وثيقة المهمة لها من الأضرار في. أكثر مما لها من المزايا: إذ أنها تؤدي إلى تعقيد مهمة المحكم في الفصل في الدعوى بلا مبرر، وهي تعقيدات ما كانت لتثور في حالة عدم توقيع وثيقة المهمة، إذ أن دور المحكم كان سيقتصر على مجرد الفصل في الادعاءات المقدمة من الأطراف سواء في مذكراتهم أو مرافعاتهم المكتوبة والشفهية.

 

الأطراف وأياً ما كانت المزايا أو المساوئ التي يعددها البعض لصالح أو ضد نظام وليقة المهمة، فإن الحقيقة الثابتة هي أن هذه الوثيقة الموقعة من قبل والمحكمين تحدد المسائل التي يتعين على محكمة التحكيم أن تتحدد مهمته بالفصل فيها دون أن تتجاوزها.

ولم يقتصر الخلاف بين الفقه بشأن وثيقة المهمة حول ما تتمتع به من مزايا وما قد ينشأ عنها من مساوئ، بل إن هذا الخلاف قد تطرق إلى موضوع آخر على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للمسألة التي نحن بصدد بحثها بشكل مباشر، وهو تحديد الطبيعة القانونية لهذه الوثيقة وأثرها على وجود اتفاق التحكيم.

اختلف تقدير الفقه للطبيعة القانونية لوثيقة المهمة، وهو الخلاف الذي ينعكس بدوره على أثر هذه الوثيقة على القول بوجود اتفاق على التحكيم.
ويمكن التفرقة بين اتجاهين رئيسين:
الاتجاه الأول وفقا له تعد وثيقة المهمة بمثابة اتفاق يعبر عن رض الأطراف بخضوع المنازعة الناشئة بينهم للتحكيم. وعلى هذا النحو يعد ه الاتفاق بمثابة مشارطة تحكيم. فوثيقة المهمة بمجرد توقيعها من الأطراف، تعد ذات طابع تعاقدي تلزم الأطراف.
وبهذه المثابة، فإن وثيقة المهمة التي توقع عليها الأطراف، دون تحفظات، قد يكون من شأنها أن تعدل مضمون اتفاق التحكيم المبدئي، إما من أجل تضييق أو على العكس توسعة نطاقه، ولذلك فإنه يتعين على الأطراف عند توقيعها على المهمة ألا تعدل عن نطاق اختصاص محكمة التحكيم أو المحكم الوارد أصلى سواء بالتضييق أو الاتساع في الاتفاق المبرم بينهم عن طريق السهو. inadvertance
ويحرص هذا الفقه على التأكيد على أن رضاء الأطراف الوارد في وثيقة المهمة، باعتباره اتفاقا على التحكيم يفرض على الأطراف وعلى المحكمين ويحرص الملزمين باحترام إرادة الأطراف.
ويؤكد هذا الفقه على أنه بالنسبة للطرف الذي ينكر اختصاص محكمة ذلك يقوم بالتوقيع على وثيقة المهمة التي تشير إلى اعتراضه على هذا الاختصاص، فإن مثل ذلك التوقيع على الوثيقة لا يمكن اعتباره بمثابة تنازل عن التمسك في المستقبل بعدم اختصاص محكمة التحكيم أمام القضاء الوطني، حتى إذا كان هذا الطرف قد تحدث في موضوع المنازعة أمام محكمة التحكيم بشكل تحفظي.
بينما يذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بأن وثيقة المهمة لا تعد بمثابة مشارطة على التحكيم إذ لاحظ الأستاذ Goldman أنه وعلي خلاف المادة ١٤٤٧ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد، والتي وفقا لها تعد مشارطة التحكيم مصدر سلطة المحكمين، فإن سلطة هؤلاء الآخرين، وفقا لنظام غرفة التجارة الدولية بباريس تستمد قبل إعداد وثيقة المهمة، إذ إن المحكمين أنفسهم هم الذين يقومون بإعدادها وهو ما يفيد ضمنا أنهم لديهم السلطة للفصل في المنازعة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإنه في حالة رفض أحد الأطراف في المشارطة في إعداد الوثيقة أو في توقيعها فإن إجراءات التحكيم لا تتأثر مطلقا بمثل هذا الامتناع، على عكس الحال في القانون الفرنسي، إذ لا يتصور وجود التحكيم دون المشارطة على التحكيم.
ولقد أتيحت الفرصة للقضاء الفرنسي في تحديد الأثر القانوني المترتب على قيام أحد الأطراف بتوقيع وثيقة المهمة، في حالة عدم اشتراك هذا الطرف الاتفاق على التحكيم.
فلقد ذهبت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ١٢ يوليه ١٩٨٤، في قضية هضبة الأهرام إلى أن التوقيع على وثيقة المهمة من قبل الطرف الذي ينكر على محكمة التحكيم اختصاصها بالفصل في الدعوى لا يعتبر بمثابة مشارطة تحكيم ولا يحول دون حق هذا الطرف في التمسك مستقبلا أمام المحاكم الوطنية بعدم اختصاص محكمة التحكيم وهو القضاء الذي ايدنه محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ٧ يناير ۱۹۸۷.
ذلك ولقد ذهبت محكمة استئناف باريس مع في حكمها الصادر في ١٩ مارس ۱۹۸۷ في المنازعة القائمة بين الشركة الفرنسية Kis والشركة AB. Set R. Mawod إلى أن وثيقة المهمة المعدة من قبل المحكمين وفقا لنصوص المادة ١٣ من لائحة غرفة التجارة الدولية بباريس والتي تحدد المسائل المتنازع عليها. والتي يتعين على المحكمة الفصل فيها، والتي تم توقيعها من قبل الأطراف دون أن تبدي هذه الأطراف أية تحفظات بشأن اختصاص محكمة التحكيم تعتبر من الناحية القانونية بمثابة مشارطة تحكيم تصلح لأن يعتد بها من قبل المحكمين.
ولقد صدر هذا القضاء في الطعن بالبطلان المقام من الشركة الفرنسية Kis France ضد حكم التحكيم الصادر ضدها بإلزامها بدفع تعويض إلى الشركة السعودية ABS، مدعية أن حكم التحكيم قد صدر دون وجود اتفاق على التحكيم.

ويبدو من الأحكام القضائية المتقدمة أن العبرة في اعتبار التوقيع على وثيقة التحكيم بمثابة مشارطة تحكيم من عدمه هي بمدى إصرار الطرف الذي يوقع على اتفاق التحكيم الأصلي وتحفظه وإنكاره لسلطة محكمة التحكيم سواء التوقيع على وثيقة المهمة ذاتها أو عند مثوله أمام محكمة التحكيم.

 

فإصرار الطرف المصري في قضية الأهرام على إنكار سلطة محكمة التحكيم، نظراً لأن الحكومة المصرية لم تكن موقعة على شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين كل من s.p.p و gothy، أدى إلى عدم اعتبار توقيعها على وثيقة المهمة والتي تحفظت فيها مصر على اختصاص المحكم، بمثابة رضاء على الخضوع على التحكيم وعدم اعتبار الوثيقة بمثابة مشارطة تحكيم وهو التكيف الذي يميل القضاء الفرنسي إلى ترجيحه الآن على الرغم من انتقاد الفقه جانب من الفرنسي لهذا التكيف على نحو ما أشرنا.

ومما تجدر ملاحظته أن القضاء في فرنسا يميل في إطار التحكيم الدولي وذلك على عكس ما ذهب إلى تقريره في إطار التحكيم الداخلي، إلى مد نطاق شرط التحكيم على الأطراف التي لم تقم بالتوقيع عليه. إذ ذهبت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ١٤ فبراير ۱۹۸۹، وأيضاً في قضائها  الصادر في ١١ يناير ۱۹۹۰ إلى أنه وفقاً للأعراف السائدة في إطار التجارة الدولية، فإن شرط التحكيم المدرج في عقد دولي له صحة وكفاية ذاتية تقتضي يمتد تطبيقه إلى الأطراف المتصلة بشكل مباشر في تنفيذ العقد، والمنازعات الناشئة عنه، وذلك بمجرد التحقق من أن مراكزهم التعاقدية وأنشطتهم والعلاقات التجارية المعتادة، القائمة بين الأطراف تدفع إلى الافتراض إلى أنهم قبلوا شرط التحكيم، الذي يعلمون بوجوده ونطاقه، على الرغم من عدم قيامهم بالتوقيع على العقد الذي تضمن هذا الشرط .

 

وتثور المشكلة أيضاً حالة ما إذا تم تجديد أو إبرام تصرف يتعلق بالعقد الذي يتضمن شرط التحكيم أن يتمسك أحد بأن هذا الشرط، بالتبعية لهذه التصرفات، أصبح باطلاً. ويتمسك أحياناً باستقلالية شرط التحكيم للدفاع عن النظرية التي وفقاً لها أن شرط التحكيم يظل باقياً حتى بعد التجديد أو التصرف الذي لم تلتزم محكمة الاستئناف على الأقل، في هذا الفرض، بتقدير ما إذا كانت إرادة الأطراف المعبر عنها وقت التجديد أو التصرف، تركت اتفاق وقيعها على التحكيم من عدمه.

ولقد أثار تحديد نطاق ومضمون اتفاق التحكيم الذي تم إنكار وجوده إلى نشأة العديد من المنازعات. فعلى سبيل المثال تثور الكثير من المشاكل بشأن تحديد نطاق المسائل التي يغطيها اتفاق التحكيم.

فلقد قبلت محكمة استئناف باريس في ۱۰ مارس ۱۹۸۸، بأن طالب التحكيم من حقه أن يخضع للمحكم المنازعة المتعلقة بفسخ التعامل والآثار المترتبة عليه، إذ أن الأمر يتعلق بطلب يتصل برابطة وثيقة بالادعاءات الأصلية للأطراف ويندرج بهذه المثابة في الإطار التعاقدي الذي رسمه اتفاق التحكيم.

وإلى جانب هذه الصورة الأولى من صور انعدام الأساس الاتفاقي لاختصاص المحكم والقائمة على عدم وجود اتفاق على التحكيم أصلاً يتخذ انعدام الأساس الاتفاقي لاختصاص المحكم صورة ثانية وهي صورة اتفاق التحكيم الباطل.

اتفاق التحكيم الباطل

 

يشترط لوجود الاتفاق على التحكيم وصحته أن تكون إرادة الأطراف قد صدرت سليمة خالية من عيوب الرضا كالغلط، والتدليس والإكراه والاستغلال. ويشترط أيضاً قابلية المنازعة موضوع التحكيم للفصل فيها بهذا الطريق.

وسنعرض للمسألتين تباعاً:

 

تحقق الرضا بالتحكيم

فالرضا بالتحكيم شأنه في ذلك شأن أي رضا يتطلب بصدد إبرام أي تصرف قانوني قد يلحق به عيب من عيوب الإرادة يجعل من هذا الاتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال.

ولكن ما هو القانون الواجب التطبيق على مسألة، وجود الرضا وصحته وبطلانه؟

والواقع من الأمر أن الإجابة على هذا التساؤل المطروح تتوقف على الجهة التي يتعين عليها الفصل في مدى تحقق هذا الرضا من عدمه. فإذا أثيرت مسألة صحة الرضا بالتحكيم أمام المحكم وقرر هذا الأخير إعمال. فإن هذه المسألة تخضع للقانون المختار من قبل الأطراف ليحكم العقد الأصلي التنازع أو اتفاق التحكيم.

أما في حالة عدم اختيار الأطراف لقانون محدد ليحكم العقد الأصلي واتفاق التحكيم، فما هو القانون الذي يتعين إعماله؟

من المعروف أن مسألة وجود الرضا وصحته تدخل في إطار الفكرة المسندة الخاصة بالالتزامات التعاقدية وهو ما يؤدي إلى سريان القانون الذي يحكم العقد عليها، وبالتالي يسري عليها القانون الذي يسري على اتفاق التحكيم ذاته على اعتبار أن مسألة صحة الرضا وبطلانه تتعلق بهذا الاتفاق.

وبالرجوع إلى القانون المصري الجديد للتحكيم نجد أن هذا الأخير لم يحدد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم وإنما تعرض فقط لمسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، فأخضع هذه المسألة للقواعد التي يتفق عليها الطرفان، وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة، اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على غير ذلك (۳۹ - ۱).

وإذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع.

ويجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف التجارية في نوع المعاملة.

ويستطيع المحكم بهذه المثابة ودون المساس بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي يحكمه أن يخضع مسألة الرضا بالتحقيق وخلوه من العيوب التي قد تلحق به للقواعد القانونية التي اختارتها الأطراف لتحكم العقد الأصلي، إلا إذا كانت هذه الإرادة قد اختارت قانوناً آخر مختلفاً ليسري على اتفاق التحكيم عن ذلك الذي اختار القواعد التي تسري على العقد الأصلي.

ويمكن للمحكم في حالة عدم اختيار الأطراف القانون ليحكم اتفاق التحكيم من حيث الموضوع أن يخضع هذا الاتفاق من حيث صحته وخلوه من عيوب الرضا، للقانون الذي يرى أنه الأكثر اتصالا بالاتفاق على التحكيم.
أما إذا أثيرت مسألة صحة الرضا وبطلانه أمام القضاء المصري في حالة الطعن بالبطلان على حكم التحكيم فهل يختلف تقدير المحاكم المصرية بهذه المسألة عند تقدير المحكم ولا سيما في حالة قيام هذا الأخير بتطبيق نص المادة ۳۹ على صحة اتفاق التحكيم على الرغم من أن هذا النص لا يعالج مشكلة صحة اتفاق التحكيم وإنما يحدد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع؟
والواقع أن هذا التساؤل تبدو أهميته بالنظر إلى أن القاضي المصري عند تقريره لمسألة صحة الرضا بالتحكيم سيقوم بإعمال نص المادة ۱۹ من القانون المدني الخاصة بالالتزامات التعاقدية. وبداهة لن تكون هناك أدنى مشكلة بين الحل الذي طبق فيه الحكم على اتفاق التحكيم قانون الإرادة، فالمادة المذكورة تكرس هذا الحل التقليدي بشأن الالتزامات التعاقدية.
ولكن نقطة الخلاف سوف تركز في حالة عدم وجود إرادة صريحة أو ضمنية، ففي هذا الفرض ستطبق محكمة التحكيم على اتفاق التحكيم، متأثرة بنص المادة، ۳۹ القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه أكثر اتصالا بالنزاع بالإضافة إلى الأعراف التجارية التي قد توجد بشأن اتفاق التحكيم بينما الحل الذي تضعه المادة ١٩ هو الإشارة إلى تطبيق قانون دولة الموطن المشترك أو قانون محل إبرام العقد.
وعلى الرغم من الخلاف بين الحل الذي يكون المحكم قد اتبعه وبين الحل الذي يتعين على القاضي المصري إعماله فإنه يتعين مع ذلك التذكرة بأن الحل الوارد في هذه المادة وإن كان يسري على العقود بصفة عامة، فإن هناك طائفة من العقود ذات الطبيعة الخاصة، تخرج عن نطاق إعمال هذه القاعدة.
ومما لا شك فيه أن اتفاق التحكيم يدخل في طائفة العقود التي تحتم طبيعتها عدم إخضاعها للقواعد العامة في التنازع الواردة في المادة 19 مدني.
والواقع أن هذا الحل ليس بغريب على القانون المصري الاتفاقي والذي احتراما لمعاهدة نيويورك الموقعة عام، ۱۹۵۸ والتي أنت بقاعدة إسناد احتياطية تعالج كافة الحالات الأخرى التي لا يوجد بصددها قانون اختاره الأطراف بالتطبيق إلى قاعدة الإسناد الأصلية الواردة في المادة ١/٥ منها، يستبعد إعمال قاعدة الإسناد الوطنية التي تحكم العقود عموما والتي تشير إلى تطبيق قانون آخر غير القانون الذي نصت عليه القاعدة الاحتياطية الواردة في المادة أ/ ١/٥ والتي تشير إلى قانون الدولة التي يصدر فيها حكم التحكيم.
وبهذه المثابة فإن إعمال المحكم في حالة عدم الاختيار الصريح أو الضمني للقانون الذي يحكم اتفاق التحكيم للقواعد الواردة في نص المادة ٣٩ للفصل في مدى صحة الرضا بالاتفاق على التحكيم أو بطلانه، حل يقره القانون المصري الوضعي وفقا للتفسير السائد فقها وقضاء المادة 19 من القانون المدني والذي يخرج. العقود ذات الطبيعة الخاصة من نطاق إعمالها.
ولا يكفي للقول بوجود. على التحكيم وصحته تحقق الرضاء التحكيم مشروعا، الخالي من العيوب، وإنما يشترط علاوة على ذلك أن يكون محل الاتفاق على أن بمعنى ينصب على موضوع يكون قابلا للفصل فيه من خلال التحكيم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من أن تكون الأطراف التي أبرمت هذا الاتفاق يمكن أن تخضع للتحكيم.

قابلية المنازعة للفصل فيها عن طريق التحكيم

 

قابلية المنازعة للفصل فيها عن طريق التحكيم تعد أحد الشروط الأساسية المتطلبة لصحة الاتفاق على التحكيم ولانعقاد الاختصاص للمحكم للفصل فيه. فإذا لم تكن المنازعة قابلة للفصل فيها عن طريق التحكيم وفقاً للقانون الذي يرى المحكم ضرورة إعماله فإنه يتعيَّن عليه أن يحكم بعدما الاختصاص بنظر المنازعة.

وبصفة عامة يطبق المحكم على مسألة مدى قابلية المنازعة للتحكيم قانون دولة المقر، على اعتبار أنه القانون الذي يتعين مسايرة حكمه له تحوطاً لاحتمالات الطعن عليه بالبطلان أمام المحاكم الوطنية لدولة المقر. وكذلك فإنه يأخذ بعين الاعتبار أيضاً قانون الدولة المحتمل أن يطلب من محاكمها إصدار الأمر بتنفيذه هذا الحكم. فالمحكم يراعي في الكثير من الأحيان فعالية الحكم الذي يصدره في هذه الأنظمة القانونية المعنية بالاعتراف به وتنفيذه.

 

ويُفرق عادة بين عدم قابلية المنازعة للفصل فيها من خلال التحكيم إلى صفة أحد الأطراف كأن يكون هذا الطرف شخصاً من أشخاص القانون العام كالدولة أو أجهزتها أو هيئاتها العامة والمشروعات العامة التجارية والصناعية، ويطلق على عدم قابلية المنازعة للفصل فيها بواسطة التحكيم القائمة على هذا السبب عدم القابلية القائمة على اعتبار الشخصي.

فمن المعروف أن هناك حظراً قائماً في بعض الأنظمة القانونية المتأثرة بالقانون الفرنسي بالنسبة لهذه الأشخاص المذكورة والتي لا تملك أهلية كافية في مجال الاتفاق على التحكيم وتحتاج وفقاً لبعض الأنظمة القانونية، كالقانون الإيراني، إلى صدور موافقة خاصة.

وإلى جانب هذا النوع من عدم قابلية المنازعة للاتفاق على التحكيم بشأنها، المستندة إلى هذا الاعتبار الشخصي، فإن هناك بعض المنازعات لا يمكن الالتجاء إلى التحكيم ليفصل فيها بسبب موضوعها ويطلق على هذا النوع من عدم القابلية للتحكيم عدم القابلية الموضوعية أو عدم القابلية القائم على طبيعة المنازعة محل الاتفاق على التحكيم L'arbitrabilite objective ou. ratione materiale

وتثور مشكلة قابلية المنازعة للفصل فيها من خلال التحكيم في أكثر من لحظة. فقد تثور أولاً أمام محكمة التحكيم ذاتها.

كذلك فإن الطرف الذي يتراءى له عدم قابلية المنازعة للفصل فيها بواسطة التحكيم، يمكنه الالتجاء إلى القضاء الوطني الذي يتعين عليه أن يفصل صحة الدفع الذي يتمسك فيه المدعى عليه بعدم اختصاص هذا القضاء بالاستناد إلى عدم صحة اتفاق التحكيم.

كذلك فإن الاحتجاج بعدم قابلية المنازعة للفصل فيها من خلال التحكيم يمكن أن يتمسك بها المدعى عليه أمام المحكمة المعروض عليها اتخاذ إجراءات الاعتراف وتنفيذ حكم المحكم، بل إن للقاضي الوطني أن يثير هذه المسألة من تلقاء نفسه ويحكم برفض إصدار الأمر بالتنفيذ لعدم قابلية المنازعة موضوع التحكيم للفصل فيها من خلال هذا الطريق.

ويفرق الفقه عند تحديده للنظام القانوني الذي يحكم مسألة مدى قابلية موضوع المنازعة للفصل فيه من خلال التحكيم بين قابلية المنازعة من حيث م الطرق أو القابلية الشخصية والقابلية الموضوعية وسنعالج كلاً. الأمرين من تباعاً:

قابلية المنازعة موضوع التحكيم لخضوعها للتحكيم بالنسبة لأشخاصها

تتضمن العديد من الأنظمة القانونية الوطنية نصوصاً تقيد أو تستبعد المنازعات التي تكون الدولة ذاتها أو مؤسسة عامة أو هيئة عامة من الخضوع فلتحكيم، وتجعل الاختصاص بنظر المنازعات التي تكون هذه الأشخاص طرفاً فيها للقضاء الوطني، بل ويحدد بعضها اختصاص جهة القضاء الإداري مجلس الدولة بهذه المنازعات على نحو قاصر عليه.

وسوف تعالج في هذا المقام موقف كل من القانون الفرنسي والقانون المصري والقانون اللبناني بخصوص مدى جواز قبول التحكيم في خصوص العقود الإدارية الدولية.

119