الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب ترجع الى الاتفاق ( عدم وجود اتفاق التحكيم - بطلان اتفاق التحكيم - سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته ) / الكتب / طرق وأسباب الطعن في حكم التحكيم دراسة قانونية مقارنة / بطلان الاتفاق لعدم تعيين المحل في شرط التحكيم: 

  • الاسم

    محمد علي فرح
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    242

التفاصيل طباعة نسخ

بطلان الاتفاق لعدم تعيين المحل في شرط التحكيم: 

   الشرط التحكيمي في الغالب هو جزء من عقد، وبالتالي فإن القانون الذي يسري على العقد هو ذاته القانون الذي يسري على الشرط التحكيمي إلا إذا أشار الشرط التحكيمي إلى خلاف ذلك، وهو كما معلوم يكون قبل النزاع وبالتالي فإنه لا يشترط في الشرط التحكيمي أن يشتمل على تحديد المسائل المتنازع عليها إذ ليس من المتصور أن يقوم الأطراف عند كتابة الشرط التحكيمي العلم بالمنازعة التي ستقع مستقبلا، فالمهم أن يكون محل الشرط التحكيمي معين ويلزم لصحة هذا الشرط أن يتم تحديد المحل الذي يحتمل أن يدور النزاع حوله فالا تفاق على عرض أي نزاع ينشأ بين الأطراف في المستقبل على محكمين دون تعيين المحل الذي يدور حوله النزاع يعتبر باطلا.

   في الشريعة الإسلامية فإن الشيء المعدوم الذي يستحيل وجوده في المستقبل لا يصلح أن يكون محلا للعقد عينا كان أو منفعة، أما الشيء الغير موجود وقت العقد ولكن يمكن وجوده في المستقبل فقد اتفق الفقهاء على انه يصلح أن يكون محلا للتعاقد أن كان منفعة لأن طبيعة المنفعة معدومة وقت العقد ولا يمكن أن توجد إلا في المستقبل.

   أما إذا كان هذا الشيء المعدوم الذي يمكن وجوده مستقبلا عينا مالية فقد اختلف الفقهاء فالحنفية والشافعية يرون بأنه لا يصلح أن يكون محلا للتعاقد في سائر العقود دون تفرقة بين عقود المعاوضات والتبرعات فأبطلوا بيع المعدوم وهبته ورهنه فمنعوا بيع ما لا يتيقن وجوده كبيع لبن البقر والغنم ، والإبل، قبل أن يحلب لأن الضرع قد يكون منتفخا ولا يحمل لبنا، وكذلك بيع النتاج مستدلين بحديث الرسول عليه السلام انه نهى عن بيع المعدوم، وحبل الحبلة أي بيع ولد الناقة وهو في بطن أمه، ومع ذلك فهم يرون أن الشرع اقر كثيرا من العقود التي لا وجود فيها لمحل العقد عند التعاقد، فقد اقر عقد السلم وهو شراء الشيء الذي لم يوجد بثمن عاجل حال فقد أجازه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله "من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم واقر عقد الاستصناع وهو الاتفاق مع أحد الصناع على أن يصنع شيئا مقابل أجر معين بخامات من عنده كما نفعل مع الحدادين والخياطين، فإنه مجمع على جوازه لحاجة الناس إليه مع أن المعقود عليه غير موجود وقت العقد، فهذه العقود وأمثالها عقود استثنائية شرعت استحسانا لا قياسا.

أما المالكية فقد اشترطوا وجود المحل في نوع واحد من العقود وهي عقود المعاوضات واستثنوا بيع المعدوم في الخضروات التي تظهر شيئا فشيئا كالخيار والباذنجان ونحوه لأن الأشياء تظهر شيئا فشيئا، فلو اشترطوا وجودها كلها ليصح البيع وقع الناس في ضيق شديد أما عقود التبرعات فيصح أن يكون محلها معدوما (أي غير موجود وقت العقد) فإذا وهب شخصا ما ينتجه نخله من الثمر صح عندهم.

  أما الحنابلة وخاصة ابن تيمية وابن قيم الجوزية فيجيزون التعاقد على غير الموجود مادام قد تعين بالوصف وارتفع الغرر، واكتفوا بمنع البيع المشتمل على الغرر الذي نهى عنه الشرع مثل بيع اللبن قبل أن يحلب وبيع الحمل في البطن دون الأم، وكذلك اجازا ابن تيميه وابن القيم بيع غير الموجود وقت العقد إذا كان محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة كبيع الدار على الخريطة، وعللوا ذلك بأن النهي قد ورد عن بيع غير الموجود لما فيه من الغرز ولأنه لم يثبت في الكتاب والسنة ولا في كلام الصحابة النهي عن بيع غير الموجود، وحيث أنهم يشترطون كون محل العقد معينا بالوصف بحيث ترتفع الجهالة وينتفي الغرر منه فلا يرون مبررا بعد ذلك لاشتراط وجود محل العقد وقت التعاقد حيث لا غرر.

    يشترط قانون المعاملات المدنية أن يكون محل الالتزام موجودا إذا كان شيئا أو ممكن الوجود وهو بذلك يكون قد انحرف عن الرأي السائد المعروف في قواعد الفقه الإسلامي، وهو يقترب بما أخذ به بن تيمية وابن قيم الجوزية في جواز التعاقد على غير الموجود وقت التعاقد مادام يتعين بما يمنع الغرر. 

   بصفة عامة في رأيي أن القانون يتفق في مجمله مع الفقه الإسلامي والاختلاف في بعض التطبيقات كما في بيع المحصول الزراعي قبل أن ينبت، والمنزل قبل أن يتم بناءه، والكتاب قبل أن يطبع، فكلها بيوع يعتبرها القانون صحيحة لإمكانية وجود محل العقد في المستقبل لكنها في نظر جمهور الفقهاء غير صحيحة لعدم وجود المحل وقت التعاقد وان كانت صحيحة في رأي الفقيهين ابن تيمية وابن قيم الجوزية. استبعد القانون من جواز التعامل في الأشياء المستقبلية، التعامل في تركة مستقبلية، فنص في المادة (2/78) بعدم جواز التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو كان ذك برضاه إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون. 

   يمكن للأطراف الاتفاق على عرض جميع المنازعات المتعلقة بعقد معين التي تنشأ بينهم ، فيكون نطاق التحكيم قاصرا على هذا العقد، وأيضا يمكن أن يحددوا نوع من المنازعات الناشئة عن عقد معين كتلك المتعلقة بتنفيذ العقد أو تفسيره وفي هذه الحالة فإن نطاق التحكيم يتحدد بهذه المنازعة دون سواها ومن التطبيقات القضائية في ذلك حكم محكمة استئناف القاهرة التي قضت بأنه إذا كان شرط التحكيم قد حدد نطاق اتفاق التحكيم بإثبات الأضرار والخسائر الناشئة عن الحادث المضمون بوثيقة التأمين وتقدير قيمتها دون الحكم بالإلزام، فإن هيئة التحكيم بقضاؤها بإلزام المحتكم ضدها بالمبلغ المقضي بالحكم المذكور تكون قد جاوزت حدود المهمة التي يشملها اتفاق التحكيم الأمر الذي يعيب ذلك الحكم بعوار البطلان .

  كذلك إذا كان شرط التحكيم مقتصرا على المنازعات الناشئة عن تفسير العقد أو تنفيذه فإن الشرط لا يغطي المنازعات المبنية على المسؤولية غير العقدية، أو تلك التي تقوم على بطلان العقد أو بسبب فسخه أو اتفساخه ، وكذلك فإن الاتفاق على التحكيم لحسم جميع المنازعات التي حدثت بين الطرفين بسبب قيام الشركة التي نشئت بينهم لا يمتد إلى طلب فسخ عقد الشركة، وكذلك إذا كان اتفاق التحكيم قد قصر التحكيم على التعويض المستحق لأحد الطرفين في مواجهة شركة ضامنة والناشئ عن ضمان هذا الأخير للمبالغ المستحقة لهذا الطرف من شحنات الأرز التي يرغب في تصديرها للخارج، فإن هيئة التحكيم لا ولاية لها إلا في الحكم بالتعويض وفقا للمسؤولية التعاقدية الناشئة عن عقد ضمان الائتمان، فإن تجاوز الهيئة سلطتها وقضت بالتعويض وفقا لأحكام المسؤولية التقصيرية المبنية على خطأ مشترك لكل من طرفي التحكيم يتمثل في خطأ المحتكم ضدها في إبرام عقد الضمان مع الشركة الضامنة وخطأ المحتكمة في اختيارها هذه الشركة وتحويل الشحنة التي صدرتها للخارج وتعذر استرداد قيمتها فإن هذا القضاء يتعلق بمسألة لا يشملها اتفاق التحكيم بما يضحي معه قضاؤها واردا على غير محل من خصومة التحكيم وصادرا من جهة لا ولاية لها بالفصل فيه وافتئاتا على الاختصاص الولائي للقضاء العادي صاحب الولاية العامة في النظر والفصل في المنازعات المدنية والتجارية .

  يعتبر من أهم عناصر الشرط التحكيمي تحديد القانون المطبق على الشرط التحكيمي وبيان كيفية تعيين المحكمين والمكان الذي سيتم فيه التحكيم والإجراءات التي ستطبق على سير الخصومة والقانون الذي يجب تطبيقه لحسم النزاع وهذه العناصر يمكن تجاوزها في حالة أن يحيل الشرط التحكيمي لقانون أو لائحة مركز تحكيم يتضمن معالجة لكل تلك العناصر.

107