الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب ترجع الى الاتفاق ( عدم وجود اتفاق التحكيم - بطلان اتفاق التحكيم - سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته ) / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية / عدم صحة إتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    424

التفاصيل طباعة نسخ

عدم صحة إتفاق التحكيم

   تفرض إتفاقية نيويورك فى المادتين الثانية والثالثة منها علي محاكم الدول الأعضاء فيها إلتزامين أساسيين: الأول: الإعتراف بكل إتفاق مكتوب بشأن نزاع يتصل بموضوع يُمكن تسويته عـــــن طريق التحكيم، وبإحالة أطراف هذا الإتفاق، بناءً على طلب أيهما، إلي التحكيم، وأن تأمر بوقف الدعاوي القضائية المتصلة بالنزاع  ما لم يتبين لها أن هذا الإتفاق لاغ وباطل أو غير نافذ أو غــــير قابل للتنفيذ، الثاني: الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها كأحكام مُلزمة..

   وبالنسبة للإلتزام الأول، فإنه يجوز وفقاً للشطر الثانى من نص المادة الخامسة (١)(أ) مــن الإتفاقية، رفض التنفيذ إذا أثبت المحاج بحكم التحكيم أن: ".. الإتفاق المشار إليـه في المــادة الثانية... غير صحيح، بمقتضى القانون الذى أخضع له الطرفان الإتفاق، أو إذا لم يكن هناك ما يُشير إلى ذلك، بمقتضى قانون الدولة الذي صدر فيها الحكم .

  وعلى هذا الأساس، سوف يتوجه هذا المطلب إلى التمييز بين إتفاقات التحكيم الباطلة، وغير النافذة، وغير القابلة للتنفيذ، وتحديد القانون الواجب التطبيق على صحة إتفاق التحكيم، وسوف تخصص لكل من هذين الموضوعين فرعاً مستقلاً .

  تشمل عبارة: "لاغ وباطل أو غير نافذ أو غير قابل للتنفيذ» للوهلة الأولي، طائفةً واسعة من

 الأسباب التي يُمكن إعتبار إتفاق التحكيم على أساسها غير صحيح.

   يمكن القول أنه لا يوجد حد فاصل بين الصور الثلاثة، ولذلك فهى تقف على قدم المساواة من حيث الأثر القانونى على صحة إتفاق التحكيم، ومع ذلك، فإنه يتعين التمييز بينها، بغض النظر عن عدم أهمية ذلك بطبيعة الحال من الناحية العملية.

    كما لم تنص هذه المادة أيضاً على معيار إثبات صحة - أو بطلان إتفاق التحكيم، إلا أن الصياغة المطلقة المستخدمة في عبارة هذا النص تشير إلى أن المحاكم - حتي في مرحلة الإحالة – قد تفحص مدى صحة إتفاق التحكيم وقابليته للتنفيذ فحصاً دقيقاً ، ولذلك تشير السوابق التي أفرزتها المحاكم الوطنية، إلى أن التدخل القضائى فى ظل الفقرة الثالثة من المادة الثانية لايزال مستمراً بسبب الغموض الذى يكتنف هذا النص، ومن هنا تتسم هذه السوابق بأهمية جوهرية، في صدد تحديد الفئات التي تندرج ضمن هذا النص، وهو ما نعرض له في الفقرات التالية.

أولاً : الإتفاقات اللاغية والباطلة“:

   ينبغى فى البداية عند الفصل فى مسألة صحة أو بطلان إتفاق التحكيم، التفرقة بين إتفاق التحكيم والعقد الرئيسي الذي يُعد الأول جزءاً منه، والإتجاه الحديث ينظر إلى إتفاق التحكيم على أنه عقد مستقل ومُنفصل عن العقد الأصلى ويرجع ذلك فى جزء منه إلى الإختلاف القائم بــين تنظيم إتفاق التحكيم والعقد الذى يتضمنه ، وهذا ما أكدته - على سبيل المثال - المحكمة العليا الأمريكية، حين قضت بأن شروط التحكيم فى ظل القانون الفيدرالى تعد مستقلة عن العقود التي وردت بها، وعادةً مايُشار إلى هذا المفهوم على أنه مسألة تتعلق بــ الإستقلال .

   وعلى هذا الأساس، فإن العقد الذى يشتمل على إتفاق التحكيم، يتضمن مــن ثم عقدين مستقلين، العقد الرئيسى الذى يشمل الإلتزامات التجارية التي تقع على عاتق الأطراف، والعقـــد الفرعى الذى يشمل الإلتزام بتسوية أى منازعات تنشأ عن هذه الإلتزامات وبسببها، بواسطة التحكيم " ، وتُقر مُختلف النظم القانونية بمفهوم إستقلال شرط التحكيم " ، كما أكدت على هذا المبدأ قواعد الأونسيترال  ، وكذلك القانون النموذجى للتحكيم التجارى الدولى.

  وفى ضوء هذا المفهوم، يُعد الكيان القانوني المستقل لإتفاق التحكيم ذو أهمية جوهرية في تطبيـق الإستثناء "لاغ وباطل الوارد بالإتفاقية.

   وبالنسبة للبطلان المتعلق بالشرط الكتابي، تُشير المادة الخامسة (۱) (أ) من الإتفاقية في شطرها الثاني إلى الإتفاق الوارد فى المادة الثانية من الإتفاقية، وتُعرف الفقرة الثانية من المادة الثانية من الإتفاقية، مُصطلح إتفاق مكتوب علي أنه يشمل .. أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي إتفـــاق تحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في رسائل أو برقيات مُتبادلة، إلا أن هذا التعريف لم يتحقق في عدد من القضايا.

   وفي قضية لاعب هوكي الجليد Alexander Ovechkin رفضت محكمــة كولومبيــــا الأمريكية تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضده من هيئة التحكيم بالإتحاد الروسى لهوكي الجليد في الولايات المتحدة، وذلك لعدم توافر إتفاق تحكيم مكتوب كما إشترطت الفقرة (٢) من المادة الثانية، حيث إرتأت المحكمة عدم توافر عقد موقع أو خطابات مكتوبة متبادلة بين الأطراف.

   وفي قضية أخرى، ورد بشأنها إتفاق تحكيم كان أبعد ما يكون عن الوضوح..، إكتشفت المحكمة المحلية الأمريكية في Ohio عدم وجود إتفاق تحكيم مكتوب بين الإتحاد الدولي لألعــاب القوى للهواة والعداء الأمريكي Harry Reynolds في النزاع  بشأن إختبار المخدرات وفقـــاً للمعنى المقصود في الإتفاقية.

  وفي قضية نرويجية، قدم طالب التنفيذ الحكم تحكيم صدر في لندن، رسائل البريد الإلكتروني وعقد إيجار، والذي كان قد أُعتبر في حكم التحكيم بمثابة إتفاق مبرم بين الأطراف، إلا أن محكمة إستئناف Halogaland في النرويج، إرتأت أن الطالب لم يُقدم: "أصل الإتفاق المشار إليه في المادة الثانية أو نسخة مُعتمدة منه، كما تقضى بذلك الفقرة (۱)(ب) من المادة الرابعة، فأعادت القضية إلى المحكمة الإبتدائية لتقييم مدي الإلتزام بالشروط المنصوص عليها في المادة الثانيـة مــن الإتفاقية.

   كما رفضت محكمة مُقاطعة Geneve بسويسرا تنفيذ حكم تحكيم لعدم توافر الشروط المتطلبة فى إتفاق التحكيم طبقاً لنص المادة ۲(۲) من إتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨، عندما قام أحد أطراف القضية ، وهو "بائع هولندى بإرسال إقرار أو خطاب تعزير مبيعاته للطرف الآخــــر، وهو مُشترِ سويسرى“، مُضمناً إياه شرط التحكيم، إلا أن المشترى لم يعاوده بالرد بمــا يفيـــد القبول، وبناءاً عليه، إنتهت المحكمة إلى القول بأنه لم تكن هناك مُستندات متبادلة بين الأطراف وفقاً لنص المادة ۲ (۲)، وبالتالي فلم يكن الإعتراف بحكم التحكيم أمراً ممكناً.

  كما أيدت المحكمة العليا الفيدرالية السويسرية حكم محكمة الإستئناف القاضي بعدم وجود إتفاق تحكيم بين الأطراف لعدم توقيع عقد الإيجار المتضمن شرط التحكيم، بالإضافة إلى عــــدم الإشارة إلى شرط التحكيم في مراسلات المدعي عليه، على الرغم من أنه قد أدي جــزءاً مـــن إلتزاماته في ظل عقد الإيجار .

  كما رفضت محكمة في Bavaria - ألمانيا، تنفيذ حكم تحكيم صدر من محكمة التجارة الأجنبية للتحكيم في Belgrade- يوغسلافيا، لأن العقود التي تحتوى علي شرط التحكيم تمت صياغتها - بشكل غريب من خلال نسخ تفاصيل التعاقد، وتوقيع المدعي علي صفحة ورقيــــة بيضاء تحمل إسم وعنوان مؤسسة المدعي عليه وخاتم الشركة والتوقيع الذي أرسله المدعي عليــــه بالفاكس إلي المدعي بناءً على طلب الأخير أثناء المفاوضات، ثم أرسلت هذه العقود لاحقاً بالفاكس إلي المدعي عليه إلا أنه لم يؤكدها أو يعترض عليها كتابةً، فقررت المحكمة أن هذه العقود لم توقــــع وأنه لا يوجد تبادل للمستندات بين الأطراف .

   كما رأت الدائرة الثانية بمحكمة الإستئناف الأمريكية فى قضية Kahn Lucas .Lancaster, Inc. v. Lark International Ltd- خلافاً لحكم سابق صادر من الدائرة الخامسة - بأن تعديل عبارة "موقع عليه من الطرفين ١٥١٧ المنصوص عليها في المادة ٢(٢) تطبق في كل من شرط التحكيم الوارد في العقد، وفى إتفاق التحكيم – على حد سواء.

  ويعني إستخدام الخطاب أو التلغراف أو التلكس فى إتفاق تحكيم نافذ طبقاً للإتفاقيات الدولية، وجود تبادل حقيقي بين الأطراف وليس إتصالاً من قبل طرف واحد فقط، ووفقاً لما ذكره Albert Van Den Berg فإن "تبادل الخطابات أو البرقيات، يُفيد حتماً وجود عرض للتحكيم، وأن هذا العرض مقبول كتابةً، وأن القبول الشفهي أو الضمني إلى الطرف المقترح لا يُعد كافياً لإجـراء التبادل  ، وقد تقدمت إحدى المحاكم المحلية الفيدرالية الأمريكية حديثاً باقتراح مؤداه أن تبادل رسائل البريد الإلكتروني، قد تفى بشرط الإتفاق المكتوب» طبقاً لإتفاقية نيويورك .

   ويُمكن أيضاً أن تتسبب مُشاركة وسيط في حدوث المشكلات فيما يتعلق بالإلتزام الوارد بالفقرة الثانية من المادة الثانية بالإتفاقية على نحو ما يتضح في القضيتين التاليتين، واللتين رفضت فيهما محكمة النقض الأسبانية التنفيذ :

   ففي القضية الأولي، والتي تخلص وقائعها فى أن إتحاد التعاون الإقتصادي Union de Epis-Centre) Cooperativas Agricolas كان قد باع إلي Aguicersa (Aguicersa) بعض السلع من خلال وسيط هو Calamand وشركاه (Calamand)، وفي ۱۷، ۱۸ أغسطس ۱۹۹۳ أرسل الوسيط نُسختي تأكيد إلي Epis Centre – اللتان أشارتا إلي العقد النموذجي رقم ١٩ باريس- والذى نص علي التحكيم في المنازعات بغرفة التحك بباريس، وفي ٣١ أغسطس ١ سبتمبر ۱۹۹۳ أرسلت Epis-Centre إلي Aguicersa - تأكيدين للمبيعات أحالت فيهما إلي العقد النموذجي رقم -۱۹ وطلبت من Aguicersa أن توقع عليهما وتعيدهما في حال القبول، إلا أن الأخيرة لم تقم بذلك، ثم قامت لاحقاً بإرسال فاكس وتلكس إلي Calamand تتضرر فيهما من عدم جودة البضائع التي تسلمتها مما أدى إلى نشأة النزاع  بينهما .

   وفي ٢٣ ديسمبر ۱۹۹٤ قضت هيئة التحكيم بالزام Aguicersa بأن تسدد مبلغ وقدره ۹۰۰,۰٢٥ فرنك فرنسي إلي Epis-Centre لمخالفة العقد، إلا أنه عند السعى في التنفيذ رفضت محكمة النقض الأسبانية ذلك، تأسيساً على أن Aguicersa لم توقع علي التأكيدات المرسلة من Calamand إلي Epis Centre أو علي تأكيدى المبيعات اللذين إستلمتهما مــــن "Epis-Centre

   وفي القضية الثانية .. كان (Barredo Hermanos SA (Barredo - "المشتري“- قد أبرم مع Delta Cereales Espana (Delta - "البائع" عقداً للمبيعات من خــلال وسيط“ – Bertran Trading ، وفي ٢٠ سبتمبر ١٩٩١ أرسـل الأخــــير إلي Barredo تأكيداً لطلب الشراء، ثم أرسلت Delta إلي Barredo لاحقاً نُسختين من عقد المبيعات أحدهما يجب توقيعه وإعادته، إلا أن Barredo إحتفظت لديها بكلا النسختين، وعندما نشأ النزاع بـــين الأطراف لجأت Delta إلى التحكيم أمام غرفة التحكيم الدولية بباريس طبقاً للعقد المبرم بينهما، حتى صدر الحكم لصالحها في ١٣ يوليه ۱۹۹۳ ، وعندما سعت فى تنفيذه، رفضت محكمة النقض الأسبانية ذلك، مُقررةً عدم وجود إتفاق تحكيم مكتوب بين الأطراف، على أساس أن Barredo لم تُعبر بأي حال عن نيتها في الإلتزام بشرط التحكيم الوارد في العقد النموذجي .

   وفي قضية أُخرى رفضت المحكمة العليا اليونانية ١٥٢٢ التنفيذ، لعدم الإلتزام بالفقرة الثانية من المادة الثانية، حيث إرتأت إستناداً إلى القانون اليوناني، أن إتفاق التحكيم الذي أبرمه الوكيل لا يُعد صحيحاً لعدم تلقيه تفويضاً كتابياً من مو وكله لإبرام إتفاق التحكيم نيابةً عنه، مُضيفةً إلى ذلك أنه كان يمكن تدارك هذا الوضع إذا ماكان الموكل قد حضر أمام المحكمين وشارك في الإجراءات  دون إبداء أي تحفظ .

   وتعكس أوجه الرفض المشار إليها سلفاً تفسيراً قضائياً صارماً لشروط تحرير إتفاقات التحكيم المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الثانية من إتفاقية نيويورك، وكان من الممكن تلافي هذه النتيجة من خلال إتباع تفسير أكثر سهولة ويسر كما أوصت بذلك الأونسيترال " .

  ويُمكن أن يرجع البطلان إلى إختيار هيئة تحكيم من خلال مؤسسة غير موجودة، حيث تتجه بعض المحاكم إلى رفض إحالة الأطراف إلي التحكيم في ضوء المشكلات التي تظهر أثناء عملية تعيين هيئة التحكيم .

     كما قد يتعلق البطلان بغموض إتفاق التحكيم، وعلى سبيل المثال، وفي إحدى القضايا، إعتبرت محكمة الإستئناف في Florence ، أن شرط "تحكيم مُتوقع يجب أن يتم في لندن طبقاً للقانون الإنجليزي يُعتبر غامضاً، وفى نظر المحكمة، فإن هذا الشرط يعني فقط أن الأطراف قـــد تنبأوا بإمكانية إحالة النزاع إلى التحكيم على أساس إتفاق آخر.

   وفي قضية أُخرى، رفضت محكمة موسكو المحلية ، تنفيذ حكم تحكيم صادر مــن غُرفـــة التجارة الدولية بباريس، لأن إتفاق التحكيم لم يُعين بشكل صحيح المدعى في التحكيم، على الرغم من إنتمائه إلى نفس مجموعة الشركات.

  ويُمكن أيضاً، أن يكون بطلان إتفاق التحكيم راجعاً في بعض الدول إلى جريان التحكيم  خارج حدودها إذا ماكان يضم أطرافاً يحملون جنسيتها، فقد أوضحت نصوص مسودة الأمر الصادر من محكمة الشعب العليا الصينية SPC أن أى إتفاق تحكيم يكون غير صحيح عندما يكون الطرفان قد إتفقا على إحالة منازعاتهم إلى التحكيم الخاص، مالم تكن الأطراف المعنية مـــن مواطنى الدول الأعضاء في إتفاقية الأمم المتحدة للإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها لعام ١٩٥٨، وكانت قوانين هذه الدول لاتحظر التحكيم الخاص.

   ونظراً لأن هذا النص يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على جنسية الدولة التي يتبعها كُل من الأطراف، ومن ثم فإن إتفاقات التحكيم الخاص التى تضم أطرافاً صينيين ستكون غير صحيحة كذلك في نظر المحاكم الصينية، إذا ماجرى التحكيم الخاص فى دولة أجنبية، على الرغم من أن قانون- هذه الدولة الأجنبية التي تداعت فيها إجراءات التحكيم يسمح به.

  وبالتالي يتضح أن هذا الأمر الصادر من محكمة الشعب العليا الصينية لا يؤدى فقط إلى رفض التحكيم الخاص فى الصين، بل يُلقى أيضاً بظلاله على نفاذ أحكام التحكيم الصادر في التحكيم الخاص في دولة من دول الإتفاقية ، ولاشك فى أن هذا النهج الصارم بالنسبة لإتفاقات التحكيم الخاص، يُخالف أهداف إتفاقية نيويورك، وذلك من خلال فرض شروط إضافية لم ترد في المادة الخامسة منها، وذلك لرفض الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها.

  وأخيراً، يُمكن أن يكون بطلان الإتفاق قائماً على عدم تفويض هيئة التحكيم من قبل المحكمة، وهذا ماتبين في إحدى القضايا، حيث كان مُدعِ ألماني في تحكيم إنعقد بجمهورية الصين الشعبية قد طلب من المحاكم الصينية التصديق علي صحة شرط التحكيم الوارد في عقد فيديك للإنشاءات، إلا أن المحكمة العليا في مُقاطعة Jiangsu إرتأت خلافاً لذلك بطلان هذا الشرط في ظل القانون الصيني لأنها لم تمنح سلفاً تفويضاً لهيئة التحكيم، وفي ضوء هذا الحكم، رفضت محكمة إستئناف برلين في ألمانيا تنفيذ حكم التحكيم الصيني .

ثانياً : الإتفاقات غير النافذة“:

  الإتفاقات غير النافذة، هي تلك التي لاتعتبر معيبة فى جوهرها أو غير قابلة للتنفيذ، ولكنها تصبح غير قابلة التطبيق على النزاع  بسبب تصرفات واحد أو أكثر من الأطراف، في الوقت الذي يطلب فيه من المحكمة الإحالة إلى التحكيم ، ويُمكن أن يشمل ذلك حالات إنقضاء أثر إتفاق التحكيم : بسبب فسخ الأطراف له.

 ثالثاً: الإتفاقات غير القابلة للتنفيذ “

 تعتبر إتفاقات التحكيم غير قابلة للتنفيذ، عندما لايمكن إقامة دعوى التحكيم والسير في إجراءاتها ، ويتحقق ذلك، عندما يُثبت أحد أطراف الإتفاق.. أنه لايُمكن تنفيذه رغم إتجاه إرادة طرفيه إلى تنفيذه ، وبعبارة أخرى، فإن الإتفاقات التي تُعد «غير قابلة للتنفيذ»، هي التي: "لا يكون فيها محل التحكيم قابلاً للتنفيذ سواءً لأن شرط التحكيم يكتنفه الغموض الشديد ا، أو لوجود نصوص في العقد تتعارض مع نية الأطراف فى اللجوء إلى التحكيم أو لكونه غير محدد أو لأن المحكم المرشح لا يستطيع القيام بمهمته أو بسبب القانون المحل المتبع"، أو لأى سبب آخر من تصرفات واحد أو أكثر من الأطراف في مرحلة التحكيم.

  ويُمكن الإستدلال على صحة إتفاق التحكيم من خلال تحديد مدى إمكانية تحقيق الهدف الأساسي من إبرامه، أى ما إذا كان قابلاً للتنفيذ من عدمه، ويعتمد ذلك على تحديد إمكانية تسوية النزاع  وتنفيذ حقوق الأطراف من خلال التحكيم بدلاً من اللجوء إلى التقاضى والعبرة هنا، هـــى بمرحلة ماقبـــل صدور حكم التحكيم ومن ثم فلا عبرة بالعوامل التي تطرأ بعد صدور هذا الحكم، ولذلك، فلايُجدى الأطراف الإدعاء بعدم القدرة على تنفيذ الحكم النهائى للتهرب من آثار إتفاق التحكيم" .

   وتعتبر إتفاقات التحكيم المعيبة، أى التى يكتنفها التناقض أو الغموض أحد الأمثلة البارزة على إتفاقات التحكيم غير قابلة للتنفيذ "، ومع ذلك فقد أجازت بعض المحاكم الفرنسية والألمانية مثل هذه الإتفاقات فقد قُضى بأن الإشارة الي مؤسسات تحكيم غير موجودة مثل "غرفة بلجراد التجارية" ، أو "الغُرفة المركزية الألمانية للتجارة "، على أنها تعتبر عادةً إشارة إلي مؤسسات التحكيم الرائدة في الدولة أو في المكان المشار إليه في إتفاق التحكيم

   وعلى نحو مُشابه توصلت المحكمة العليا النمساوية إلى صحة إتفاقات التحكيم التي تتضمن الإشارة إلى مؤسسات تحكيم غير موجودة مثل محكمة التحكيم فى غرفة التجارة والصناعة بالإتحاد السوفيتي السابق مُعتبرةً أن محكمة التحكيم المشكلة حديثاً في غرفة التجارة والصناعة في الإتحاد الروسي هي الخلف القانونى للمؤسسة السابقة " ، وفى ذات الإتجاه، فسرت محكمة إستئناف Ontario، الإحالة إلى مؤسسة التحكيم التابعة لغرفة التجارة البولندية على أنها تشير إلى رغبــة الأطراف في الخضوع لمؤسسة التحكيم المختصة في الغرفة الوطنية للتجارة الأجنبية التى تولـــــت إختصاص الغُرفة السابقة "

  ومع ذلك، فقد رفضت إحدى المحاكم الألمانية تنفيذ إتفاق التحكيم في مواجهة طرف من سلوفينيا كان قد أقام دعوي قضائية في ألمانيا، مُقررةً أحقية هذا الطرف في إنهاء الإتفاق نتيجة لتغير الظروف كأثر للحرب التي إندلعت في يوغسلافيا السابقة، وأنه قد مارس هذا الحق عندما أقــــام دعواه أمام المحاكم الألمانية، وأن الأطراف عندما أبرموا إتفاق التحكيم كانوا يرغبون في اللجوء إلى التحكيم لتسوية مُنازعاتهم بديلاً عن المحاكم، ولم تتجه إرادتهم إلي جعل مُمارسة الحقـــوق أكثــر صعوبة أو حتى إستبعاد مُمارستها .

   كما قد يؤدى عدم توافر الموارد المالية للمُشاركة فى دعوى التحكيم، مثل تكاليف إجراءات التحكيم أو أتعاب المحامين في الدعوى، إلى جعل الإتفاق على التحكيم غير قابل للتنفيذ، وفي هذا الصدد، يتعين التمييز بين مشكلة عدم كفاية الموارد المالية، وتلك المتعلقة بأثر شهر إفلاس أحــــد الأطراف في التحكيم.

  ففي أغلب الأحيان، تكون عدم كفاية الموارد المالية نتيجةُ مُباشرة لشهر إفلاس أحد الأطراف، أو كأثر لبدء إجراءات شهر الإفلاس، إلا أن الوضع لا يكون دائماً هكذا، فقد تنعدم لدي هــذا  الطرف الموارد المالية اللازمة لتسيير الإجراءات حتى عندما لا يكون قد أُشهر إفلاسه، وعلي الجانب الآخر، لا يعني شهر إفلاسه، أنه لا يملك بالضرورة الموارد المالية الكافية للشروع في إجراءات التحكيم أو المشاركة فيها، إذ قد يكون لديه رغم ذلك الأموال الكافية، كما قد يرغب دائنيه في تمويل الدعوي حفاظاً على ماقد يكون مُستحقاً لهم من حقوق قبله.

  وقد تباينت آراء المحاكم حول أثر عدم توافر الموارد المالية للمُشاركة في دعوى التحكيم على إتفاق التحكيم، حيث رفضت محكمة الإستئناف الإنجليزية إعتبار عدم قدرة الطرف المفلس علــــى تنفيذ إلتزاماته طبقاً للعقد مؤدياً لجعل إتفاق التحكيم غير قابل للتنفيذ ، كما رفضت الدائرة الثامنة بمحكمة الإستئناف الأمريكية الدفع المبدى من المدعى بأن عدم قدرته علي سداد تكاليف التحكيم تؤدى إلى جعل إتفاق التحكيم "غير منطقي“ .

  وعلى الجانب الآخر، قررت محكمة النقض الهندية وكذلك المحكمة العليا في بومباي بأن عدم توافر العُملة الأجنبية يجعل إتفاقات التحكيم المقدمة في موسكو ولندن "غير قابلـة للتنفيذ، نظراً لأن الطرف الهندي لن يستطع التمسك بحقوقه في دعوي التحكيم الأجنبية. وعلى نحو مشابه، قررت المحكمة العليا الألمانية بأن شهر إفلاس أحد الأطراف يُعد سبباً لعدم قابلية إتفاق التحكيم للتنفيذ، مؤكدةً على أن إتفاق التحكيم لا ينبغي أن يؤدى إلى إنكار العدالة على نحو يخل بالحق الدستورى فى إقرارها.

  وإذا كان من المتعارف عليه في التحكيم التجارى الدولى، ألا يمتد نطاق شــرط التحكيم ليتضمن أشخاصاً لا يُعتبرون أطرافاً فيه، أو إلى علاقات أو مسائل أخرى تقع خارج نطاقه، ومع ذلك، فقد إتجهت بعض المحاكم إلى تقرير أن إستحالة تسوية كافة المسائل محل النزاع في دعوى واحدة تؤدى إلى جعل إتفاق التحكيم إما عديم الأثر" أو "غير قابل للتنفيذ»١٥٩١، بينما إتجهت محاكم أُخرى على خلاف ذلك إلى أن الدعاوى المتعددة الأطراف وإمكانية صدور أحكام متناقضة، لا تؤدى إلى جعل هذا الإتفاق غير قابل للتنفيذ“

.القانون الواجب التطبيق على صحة إتفاق التحكيم

   على الرغم من أن إتفاقية نيويورك تتناول القانون الواجب التطبيق على الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، إلا أنها لاتعالج بشكل مُباشر القانون الواجب التطبيق علـــى تنفيـذ إتفاقات التحكيم الدولية، رغم أهميته القصوى بالنسبة للمحاكم التى تواجه الدفع بأن هذا الإتفاق لاغ وباطل أو غير نافذ أو غير قابل للتنفيذ، وبالتالي، فإن التساؤل يدور حول المعايير القانونية الواجب تطبيقها في أياً من هذه الحالات، ومع ذلك، فإن وجهة النظر السائدة هی أن الإتفاقية تسري من حيث المبدأ علي الأمور المتعلقة بوجود وصحة إتفاق التحكيم وقابليته للتنفيذ.

   وعلى هذا الأساس، فإن المادة الثانية من الإتفاقية تسري بجلاء - حتي ولو كان ذلك بشكل عام علي المسائل المتعلقة بالشكل الكتابي لإتفاق التحكيم، وعلى الإلتزام بإحالة الأطراف للتحكيم، وعلى أسباب رفض تنفيذ إتفاقات التحكيم ، وبالتالي، فإن الإتفاقية – وباعتبارها قانوناً خاصاً lex specialis- تسود علي القانون المحلي العام فيما يتعلق بالمسائل التي تتناولها.

   وفى ضوء خلو الإتفاقية من النص بشكل مُباشر على القانون الواجب التطبيق على تنفيذ إتفاقات التحكيم الدولية، فقد تباينت آراء المحاكم الوطنية فى هذا الصدد، حيث رفضت بعض المحاكم تطبيق القانون المحلي الذي يفرض شروطاً تتعلق بالشكل الكتابي لإتفاق التحكيم والتي تُعد لأشد صرامة من تلك التي تفرضها الإتفاقية.

   بينما أقرت المحاكم الأخرى، بأن الإتفاقية لم تُنشأ نظاماً مستقلاً بذاته بحيث ينطبق علي صحة شرط التحكيم وقابليته للتنفيذ، وبالأحرى، لم تتضمن الإتفاقية سوي المعيار السلبي الذي قد تستند إليه المحاكم في رفض تنفيذ إتفاقات التحكيم ، وهكذا فإن القانون المحلي هو الذي يُقرر ما إذا كان إتفاق التحكيم لاغياً أو باطلاً أو غير نافذ أو غير قابل للتنفيذ".

  وفى الواقع، وبعيداً عن الإلتزام الوارد فى الإتفاقية ، فإن المحاكم الوطنية في غالب الأحيان ترفض الرجوع إلي قانون الدولة التي سيصدر بها حكم التحكيم باعتبار أنه قد يكون من المستحيل معرفة هذا القانون علي الأقل – في مرحلة الإحالة إلى التحكيم ، ولذلك، قامت هذه المحاكم بإبتكار مجموعة من قواعد تنازع القوانين لتحديد القانون الذي يحكم إتفاق التحكيم "

  حيث لجأت بعض المحاكم إلى إتباع منهج قانون القاضي، بينما إتجهت محاكم أُخرى إلى إتباع منهج القانون المختار، كما أخذت بعض المحاكم الأُخرى بمنهج المعيار الدولي الموحد، في حـــين إعتنقت محاكم أخيرة منهج المعيار الشامل الذى يقوم على تحقيق التوازن بين المنهجين الأخيرين، ومع تعدد المناهج أو المعايير المتبعة في تحديد القانون الواجب التطبيق، فلاتوجد إجابة واضحة بشأن المعيار الملائم فى ظل المادة ۲ (۳) من الإتفاقية .

أولاً : منهج قانون القاضي:

غالبا ما تطبق المحاكم - في الفترة السابقة علي تشكيل هيئة التحكيم - قانون القاضى، علــي المسائل المتعلقة بوجود إتفاق التحكيم وصحته وقابليته للتنفيذ على الرغم من أن هذا الإختيار يسمح للأطراف باستخدام الحيل القانونية لتعطيل تنفيذ الإتفاق.

  ينطوي هذا المنهج علي تطبيق معايير القانون الوطني التي بموجبها يَحْكُمُ القانون الموضوعى, العقد محل النزاع، ويُمكن أن نجد تطبيقاً لهذا المنهج في قضية Bakwin&Erie International Trading Co. v. Sotheby 's، وفي هذه القضية، كان المدعي قد تعرض لسرقة خمس لوحات زيتية، فتم دفعه لإبرام عقد يتضمن إعادة واحدة من هذه اللوحات التي كان قد رسمها الفنان الفرنسى Paul Cezanne ، لقاء تنازله عن ملكيته للوحات الأربعة الأخــــري، وإشتمل العقد علي شرط للتحكيم أمام غرفة التجارة الدولية وإختيار القانون السويسري.

  وعندما أقام المدعي دعواه أمام المحكمة الملكية في لندن، طلب المدعي عليه إحالة النزاع  إلي التحكيم فتولت المحكمة دراسة القانون المختار ، وقررت أن القانون السويسري، بموجب الشرط الوارد في العقد المبرم بين الأطراف، هو الذى يسري علي مسألة ما إذا كان إتفاق التحكيم يُعد في حد ذاته باطلاً ولاغياً، وخلصت إلى "بطلان الإتفاق بسبب الإكراه المادي»، وفقاً لأحكــام هــــذا القانون.

  وعلى نحو مماثل، وفى قضية Shin-Etsu Chemical Co. Ltd. V. Aksh .Optifibre Ltd، أجرت المحكمة العُليا الهندية مُراجعة ظاهرية لصحة إتفاق التحكيم، حيث- طبقت القانون الموضوعي الياباني - والذي كان الأطراف قد إختاروه في الشرط المنصوص عليه في العقد، وكما هو الحال فى القضية السابقة لم تتوقف المحكمة أمام مسألة المعيار الواجب تطبيقه عند دراسة صحة الإتفاق في ضوء نص المادة الثانية فقرة (۳)، حيث إفترضت مُنذ البداية أن مسألة البطلان تتطلب تطبيق منهج القانون المختار .

  كما إتجهت بعض المحاكم الأمريكية إلى تطبيق القواعد الموضوعية الفيدرالية الواردة في المادة الثانية من قانون التحكيم الفيدرالي علي إتفاقات التحكيم الدولية الخاضعة لإتفاقية نيويورك، دون إجراء أي تحليل بشأن القانون المختار ، حيث صدرت بعضاً من الأحكام في إطار دراسة ما إذا كان إتفاق التحكيم يُعد باطلاً ولاغياً" في ظل المادة الثانية (٣) من الإتفاقية ، على الرغم من أن هذا المنهج لا يستند إلي التحليل التقليدي للقانون المختار، على نحو ماتم في القضيتين الأخيرتين.

  عندما تقوم المحاكم التي تتبنى هذا المعيار بدراسة الدفوع المتعلقة بعدم صحة إتفاق التحكيم، فإنها تقوم بتطبيقه دون النظر إلى القانون الموضوعى الواجب التطبيق على العقد محل النزاع  ، وهذه الفكرة مستمدة من مبدأ الإستقلال، تأسيساً على أنه إذا كان إتفاق التحكيم قابل للفصل عـــن العقد الرئيسي، وبالتالي عن نصوص القانون المختار في ذلك العقد، ومن ثم، فإنه يكون مستقلاً تماماً عن القانون الوطنى، ولذلك فإنه ينبغى الفصل في شأن صحته فقط طبقاً لمعيار دولى موحد، ويُشار إلى هذا المعيار باسم "منهج القواعد المادية».

  وقد تطور هذا المنهج من خلال مجموعة من الأحكام الصادرة من بعض المحاكم الفرنسية والأمريكية والهندية، فقد أكدت محكمة إستئناف باريس فى البداية، وفى سياق قيامها بتحديد نطاق إتفاق التحكيم، وأثره بالنسبة للأطراف غير الموقعين على أن هذا الإتفاق، في الإطار الدولي، يكون صحيحاً وفعالاً فى حد ذاته ، وفى مرحلة أُخرى، إتخذت ذات المحكمة خطوة هامة نحو تطبيق منهج القواعد المادية "المعيار الدولى الموحد على المسائل المتعلقة بصحة إتفاق التحكيم، ومُفاده أن النظام العام الدولى يُشكل القيد الوحيد على صحة إتفاق التحكيم الدولى .

  كما قررت الدائرة الرابعة بمحكمة الإستئناف الأمريكية على أنه: "عند تطبيق جملة "لاغ وباطل أو غير نافذ أو غير قابل للتنفيذ"، فإننا ندرك الإعتبارات التي تقوم عليها الإتفاقية، وكما أشارت المحكمة العليا: "يتمثل الهدف من الإتفاقية – والغرض الرئيسي من سن القانون الأمريكي الذي يُنفذها، هو الحث علي الإعتراف بإتفاقات التحكيم التجارية الواردة في العقود الدوليــة وتنفيذها، وتوحيد معايير الإلتزام بإتفاقات التحكيم وتنفيذ أحكام التحكيم في الدول الأعضاء، وبالتالي، فلاينبغي علينا التقيد فقط بالسياسة المؤيدة للتحكيم عند تفسير المادة الثانية (۳)، بـــل ينبغى أيضاً الحث علي تبني المعايير التي يمكن تطبيقها بشكل موحد علي الصعيد الدولي.

   وقد إعتنقت المحاكم الأُخري هذا النهج المتحرر، حيث لاحظت محكمة دلهي العليــــا علــــي سبيل المثال أن "إتفاقية نيويورك تُرسي تقنيناً موحداً للإعتراف بإتفاقات وأحكام التحكـــيـم وتنفيذها، كما لاحظت المحكمة أن هذا المعيار المشترك» للإعتراف بإتفاقات وأحكام التحكيم وتنفيذها يُساعد علي "توليد الثقة لدى الأطراف الذين قد لا يكونوا مُعتادين علي القوانين السائدة في مختلف الدول التي يُمارسون فيها نشاطهم التجاري...

   وقد عارض Ulrich Haas إتجاه بعض المحاكم للأخذ بمنهج القواعد المادية القائم علــى التفسير المستقل للمادة (۲(۳) من الإتفاقية، والذى يُقصر مُراجعة المحاكم على بعض أسباب عدم صحة إتفاق التحكيم المعترف بها على الصعيد الدولى، معتبراً أن هذا النهج يغدو بلاأساس في ضوء نص الإتفاقية ذاتها.

   وقد أدى هذا النقد إلى تبنى بعض المحاكم الأمريكية لمعيار ،آخر يهدف إلى تحقيق الموائمة بين المعيارين الأخيرين، تقوم دعائمه على الدفوع المحايدة على الصعيد الدولى.

  فإنه لا يُسمح للخصوم إلا بالدفوع العقدية المعترف بها بوجه عام مثل الإكراه، إلا أنه يتطلب أن يتم الفصل بشأنها بالإحالة إلي القواعد المادية التي إختارها الأطراف لكي تسري علي إتفاقهم "

  ويلقى هذا المعيار قبولاً واسعاً لدى بعض المحاكم الأمريكية، ففي قضية Sylvain Lee ... Ceramiche Ragno رفضت الدائرة الأولى بمحكمة الإستئناف الأمريكية الدفع بأن إتفاق التحكيم قد جاء باطلاً ولاغياً، علي أساس أن تشريع بورتوريكو ينص علي أن شروط التحكيم التي تنصب علي موضوع مُعين تُعد باطلة ولاغية » ، كما أوضحت الدائرة العاشرة بمحكمة الإستئناف الأمريكية فى قضية Riley v. Kingsley Underwriting .Agencies, Ltd عدم ضرورة إجراء دراسة شاملة للنظام العام الوطني في مرحلة ماقبل الإحالة لأن المحكمة قد تصدر حكمها دائماً في مرحلة التنفيذ إذا كان حكم التحكيم يُخالف النظام العام.

   بيد أنه في قضية Rhone Méditerranée v. Achille Lauro' ، أعطت الدائرة الثالثة بمحكمة الإستئناف الأمريكية مجالاً لدراسة مُقتضيات النظام العام في مرحلة ماقبل الإحالة، بغض النظر عن كون المراجعة القضائية في هذه المرحلة تُعد بطبيعتها مُراجعة ظاهرية، وتبنت المحكمة المعيار الشامل المتبع في قضية Sylvain Ledee والذي يقتصر علي دفوع البطلان المحايدة علي الصعيد الدولي".

  وقد إنتقد Ulrich Haas المعيار الشامل كأساس للفصل في الدفوع المتعلقة بالبطلان، مُقرراً أن: "المشكلة في هذا المعيار هى أنه لا يمكن إلا أن نتوقع أن المحاكم التي تنظر القضية سوف تواجه صعوبة إجراء تحليل للقانون المقارن من أجل تحديد أسباب البطلان المعترف بها على الصعيد الدولي، وتلك التي لا تحظي بهذا القبول الدولي الواسع النطاق.

   إلا أن هذا النقد لا يُعد صحيحاً، حيث أنه يُهدر السمة الأساسية في المعيار الشامل، ألا وهي أن المحاكم لا تأخذ في إعتبارها سوي الدفوع العقدية المعترف بها دولياً، والمستمدة من الإعتبارات المحدودة للنظام العام، وليس الدفوع المعمول بها داخل دائرة إختصاصها .

الخلاصة:

   أن هناك عدم إتساق واضح فى تفسير المحاكم الوطنية للمادة الثانية بمافيها عبارة "لاغ وباطل أو غير نافذ أو غير قابل للتنفيذ، وللحالات التي تطويها الصور التى يكون فيها إتفاق التحكيم غير صحيح، وذلك فى ضوء خلو المادة المذكورة من تحديد إتفاقــــات التحكيم التي تشملها الإتفاقية، ومن النص بشكل مُباشر على القانون الواجب التطبيق على تنفيذ إتفاقات التحكيم الدولية، ومن تحديد الطرف الذي يقع عليه عبء إثبات صحة – أو بطلان إتفاق التحكيم، ومعيار هذا الإثبات.

    ونتيجة لذلك، فقد جاءت آراء المحاكم الوطنية لإتفاقات التحكيم التي تسرى عليها الإتفاقية متباينة، حيث قامت هذه المحاكم بإبتكار مجموعة من قواعد تنازع القوانين لتحديد القانون الذي يحكم إتفاقات التحكيم، وهو ما أدى إلى إختلاف الحلول القانونية، وإنعكس بالتالي على تنفيــــذ أحكام التحكيم الناتجة عن هذه الإتفاقات.

   ولذلك فإننا نرى عند وضع إتفاقية جديدة للإعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها، ضرورة تجاوز المثالب التي يطويها نص المادة الثانية من إتفاقية نيويورك، من خلال تحديد القانون الواجب التطبيق على إتفاقات التحكيم الدولية في حال عدم الإتفاق، وتحديد الإتفاقات التي تسرى عليها الإتفاقية الجديدة، والتجاوب مع مُعطيات العصر الراهن من حيث الإعتراف باتفاق التحكيم التحكيم الدولى دون إشتراط شكل مُعين له، بحيث يتم النظر إلى هذا الإتفاق في ضوء التطورات التي لحقت بوسائل الإتصال الحديثة.