التنفيذ / اسباب ترجع الى الاتفاق ( عدم وجود اتفاق التحكيم - بطلان اتفاق التحكيم - سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته ) / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / إنقضاء ميعاد إصدار حكم التحكيم
المقصود بميعاد إصدار حكم التحكيم: المهلة المحددة لإصدار هذا الحكم، والتي تنتهي بانتهائها خصومة التحكيم، ووفقاً لذلك، فإن المقصود بإنقضاء ميعاد التحكيم دون صدور حكم التحكيم، هو أن الميعاد المتفق عليه بين الخصوم أو الذي نص عليه القانون - في حالة عدم وجود اتفاق ما بين الخصوم على ميعاد محدد لإصدار حكم التحكيم النهائي - قد أنقضى قبل صدور الحكم، فإذا ما صدر حكم التحكيم بعد انقضاء الميعاد، فإن هذا الحكم يكون عرضة للإبطال بسبب انتهاء مدة صدور حكم التحكيم .
وبناء على ما تقدم يتضح الفرق بين الحالة الأولى: وهي حالة سقوط اتفاق التحكيم الانتهاء المدة المحددة للجوء إلى التحكيم، والحالة الثانية : وهي حالة انقضاء ميعاد إصدار حكم التحكيم .
أما فيما يتعلق بمدة صدور حكم التحكيم، فيتفق كل من قانون التحكيم المصري، وقانون التحكيم الأردني، وكذلك قانون المرافعات الكويتي، وقانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني.
میعاد صدور حكم التحكيم في القانون المصري والأردني:
بداية لابد أن نعي أن تحديد مهلة إصدار حكم التحكيم يحقق ميزة جوهرية النظام التحكيم، هي سرعة الفصل في النزاع.
وفي ذات الوقت - يضمن هذا التحديد عدم إطالة أمد الخصومة التحكيمية إلى أجل غير مسمى، فيمنع بذلك خطر إنكار العدالة.
ولأجل تحقيق هذه الميزة منح المشرع المصري وكذلك الأردني - كما ذكرنا۔ أطراف اتفاق التحكيم حرية تحديد المهلة الزمنية للفصل في النزاع، إذ أن الأولوية الاتفاق الطرفين في تحديد المدة التي تنتهي بانتهائها مهمة هيئة التحكيم .
وقد صرح المشرع المصري بذلك صراحة في نص المادة (1/45) من قانون التحكيم والتي تنص على أنه: "1- على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الميعاد الذي إتفق عليه الطرفان..."، ويقابل هذا النص، نص المادة (1/37) من قانون التحكيم الأردني، والتي تنص على أنه: "أ.على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الموعد الذي اتفق عليه الطرفان.." ۔
ولأجل تحقيق عامل السرعة في إنجاز القضايا التحكيمية، وحماية التحكيم من بطء المحكمين أنفسهم أو تراخيهم، فقد تولى المشرع المصري، وكذلك الأردني مسألة تحديد ميعاد صدور تحكيم التحكيم في حال أن لم يكن هناك اتفاق بين أطراف اتفاق التحكيم على ذلك، أوجب المشرع المصري على هيئة التحكيم أن تصدر الحكم خلال مدة اثني عشر شهرا من تاريخ بدء إجراءات التحكيم (م1/45 قانون التحكيم المصري)، هذا مع مراعاة إن هذا الميعاد قابل للتمديد لأي وقت قد يتفق عليه الأطراف.
ولكن في حال إن كان هناك اتفاق بين طرفي التحكيم على ميعاد معين، أم طبق الميعاد القانوني في حال عدم وجود الاتفاق - فإنه يجوز لهيئة التحكيم، وفقاً النص المادة (1/45) من قانون التحكيم المصري.
ويلاحظ أنه لا يجوز لأطراف اتفاق التحكيم الاتفاق على تقييد سلطة هيئة التحكيم في مد هذا الميعاد، أو أن تكون فترة المد تقل عن ستة أشهر، ويمكن أن برد سبب هذا الاستثناء والخروج عن مبدأ سلطان إرادة الأطراف في أن المشرع - والحالة هذه - قدر أن هيئة التحكيم المتصلة بالنزاع هي الأقدر على معرفة ظروف النزاع، فاستعمل بعض المرونة في صلاحيتها في مد الميعاد.
كما يلاحظ أنه من سلطة هيئة التحكيم - أيضاً - مد الميعاد أكثر من مرة في حال كانت قد مدت الميعاد لأقل من ستة أشهر، إلا أنه يتعين ألا يتجاوز مجموع المدة الكلية - التي مدتها على ستة أشهر. هذا ما لم يكن هناك اتفاق بين الأطراف على تخويل هيئة التحكيم سلطة مد الميعاد لأكثر من مرة، وأن تزيد في كل مرة عن مدة الستة أشهر، إذ إن تقييد المشرع لهيئة التحكيم في ألا تزيد مدة الميعاد عن ستة أشهر يقتصر على حالة عدم وجود اتفاق بين الخصوم على منح هيئة التحكيم صلاحية مد الميعاد .
وما يجدر الإشارة إليه هو أن كل من المشرعين المصري (المادة 2/245 من قانون التحكيم والأردني (المادة 37/ب من قانون التحكيم) قد أجازا لأي من أطرافه اتفاق التحكيم أن يلجأ إلى القضاء المختص وأن يطلب منه إصدار أمراً بتحديد ميعاد إضافي أو إنهاء إجراءات التحكيم في حالة انتهاء الأجل المحدد اتفاقاً أو قانوناً، دون صدور الحكم المنهي للخصومة..
والحقيقة أن موقف المشرع المصري في هذا الصدد يثير تساؤلاً مؤداه، ماذا لو قدم أحد الأطراف طلباً إلى رئيس المحكمة المختصة، يطلب فيه إصدار أمراً بتحديد میعاد إضافي، بينما تقدم الطرف الآخر بطلب لإنهاء الإجراءات، وصدر الأمر بتحديد میعاد إضافي، فهل يملك - والحالة هذه - الطرف الآخر الذي صدر الأمر بمواجهته تجاهل هذا الأمر والالتجاء إلى القضاء قبل انتهاء الميعاد الإضافي؟
ذهب بعض الفقه - إجابة على السؤال المطروح - إلى القول إن حق الأطراف في اللجوء إلى القضاء يكون مقصوراً على حالة صدور الأمر بإنهاء الإجراءات، إذ أن المشرع قد ترك السلطة لرئيس المحكمة المختصة.
بيد أن رأي آخر في الفقه المصري يرى خلاف ذلك؛ إذ يرى بأنه من حق الأطراف اللجوء إلى القضاء المختص في الحالتين، أي في حالة صدور الأمر بميعاد إضافي أو بإنهاء الإجراءات، ويؤسس هذا القول على أساس أن نص المادة (2/45) من قانون التحكيم المصري، لم تقصر حق الأطراف في اللجوء إلى القضاء على حالة صدور الأمر بإنهاء الإجراءات، ولذا فإنه لا يجوز سلب الأطراف إمكانية اللجوء إلى القضاء، وفي حالة أن صدر الأمر بمنح ميعاد إضافي، إذ أن المشرع قد منح الأطراف هذا الحق فلا يجوز حرمانهم منه.
المشرع الأردني لا يجيز لأحد الأطراف اللجوء إلى القضاء، إلا إذا صدر قرار من المحكمة المختصة بإنهاء الإجراءات، كما نلاحظ أنه قد أجاز لأي من طرفي التحكيم الطلب من المحكمة المختصة تحديد ميعاد إضافي ولأكثر من مرة.
ومن وجهة نظرنا نعتقد بأن موقف المشرع الأردني في هذا الشأن محل نظر، وذلك على أساس أنه لا يخلو من سلب الإرادة أحد الأطراف، ويتعارض مع مبدأ سلطان الإرادة الذي يقوم عليه نظام التحكيم، بالإضافة إلى أن إعطائه السلطة التقديرية للمحكمة في تمديد ولاية هيئة التحكيم، أو إنهائها، مع صلاحيتها في تحديد ميعاد إضافي لأكثر من مرة، يفضي إلى أن يصبح الأطراف في أسر التحكيم، لا يستطيعون الخروج منه، إلا بقرار إخلاء سبيل من المحكمة، أو من هيئة التحكيم.
وفي الجانب الآخر وفي حال إن قامت هيئة التحكيم بإصدار الحكم بعد انتهاء المهلة المحددة اتفاقاً أو قانوناً لصدوره، فإن هذا الحكم يكون قد صدر من هيئة
بيد أنه يشترط لقبول دعوى بطلان حكم التحكيم والحالة هذه ألا يكون المدعي قد تنازل عن مهلة التحكيم المحددة اتفاقاً أو قانوناً، سواء أكان هذا النزول صراحة أم ضمنا أثناء إجراءات التحكيم.
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة استئناف القاهرة بأن: (عدم الاعتراض على امتداد ميعاد التحكيم طوال نظره وحتى حجز الدعوى للحكم بعد نزولاً عن الحق في الاعتراض على مد مدة نظر التحكيم طبقاً للمادة 8 قانون التحكيم رقم 27 لسنة
1994 وموافقة ضمنية منها على من تلك المدة حتى جلسة المرافعة الأخيرة.
أمام المحكم ومتابعة إجراءات التحكيم بعد انقضاء المدة المتفق عليها يعتبر موافقة على تمديد مدة التحكيم التي يجوز تحديدها باتفاق الطرفين.
موقف القانون الكويتي:
سبق القول إن المشرع الكويتي - شأنه في ذلك شأن المشرع المصري والأردني - قد منح أطراف اتفاق التحكيم ابتداء حرية الاتفاق على أجل معين يتعين على هيئة التحكيم احترامه، وأن تصدر الحكم النهائي خلاله.
ويبدو واضحاً من هذا النص إن المشرع الكويتي لم يترك السلطة لهيئة التحكيم مطلقاً في تحديد ميعاد التحكيم، في حال عدم وجود اتفاق بين الأطراف على ذلك، بل ألزمها أن تصدر الحكم خلال ستة أشهر، تبدأ من تاريخ إخطار أطراف اتفاق التحكيم بجلسة التحكيم.
وجدير بالذكر أن المشرع الكويتي لم يسمح لأي من طرفي التحكيم اللجوء إلى القضاء، ليطلب منه میعاد إضافي في حالة انتهاء الميعاد المحدد لصدور الحكم، وكذلك لم يسمح لهيئة التحكيم أن تقوم بذلك، أو تقوم من تلقاء نفسها بمد ميعاد التحكيم الأصلي، ما لم يكن هناك اتفاق بين الأطراف على تفويضها بمد الميعاد.
ومن وجهة نظرنا نعتقد بأن المشرع المصري والأردني قد اتخذا الجانب الأصوب عندما قررا إعطاء هيئة التحكيم قدرا من الحرية - ستة أشهر- في مد ميعاد التحكيم إذا رأت ضرورة لذلك.
وما يجدر الإشارة إليه بأنه في حال إن انتهى الميعاد الأصلي، ولم يتفق الأطراف معا على مد الميعاد ، فإنه ووفقاً لنص المادة (1/181) من قانون المرافعات، يجوز لمن شاء من الخصوم رفع النزاع إلى المحكمة المختصة بنظره لولا وجود التحكيم، أو المضي فيه أمامها إذا كان هذا النزاع مرفوعاً من قبل.
ولا يفوتني - في هذا الصدد - أن أذكر أنه في حال إن خالفت هيئة التحكيم إرادة الأطراف، وأصدرت الحكم بعد انقضاء الميعاد المحدد لصدوره، فإنه يجوز طلب بطلان حكم التحكيم.
موقف القانون اللبناني:
وإن كان قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني - كما ذكرنا - يتفق مع القانون المصري والأردني والكويتي في إعطاء أطراف اتفاق التحكيم ابتداءً الحرية من تحديد ميعاد التحكيم، إلا أنه أنفرد ببعض الأحكام عن القوانين السابقة: فمن جهة لا يسمح لهيئة التحكيم بمد ميعاد التحكيم من تلقاء نفسه.
انقضاء الميعاد وفقا لأحكام القانون الفرنسي:
إذا نظرنا إلى المشرع الفرنسي نجده قد منح الأطراف الأولوية ابتداءً من الاتفاق على الأجل الذي يتعين خلاله على هيئة التحكيم أن تصدر حكم التحكيم المنهي للخصومة، وذلك وفقا للمادة (1/1456) من قانون المرافعات والمتعلقة بالتحكيم الداخلي .
كانت هيئة التحكيم مشكله من محكم فرد - أو اليوم الذي يعلن فيه أخر المحكمين قبوله لمهمته - في حالة تعددهم - ما لم يتفق الأطراف على مد المدة أكثر من ذلك.
ومما يذكر أن المشرع الفرنسي لم يمنح هيئة التحكيم سلطة مد الميعاد من تلقاء نفسها، بل يتعين عليها الرجوع إلى القضاء والطلب منه ذلك، إذ أن المشرع قد أوجب على هيئة التحكيم إذا رأت أن المدة غير كافية لإصدار الحكم أن تحصل على أمر من رئيس المحكمة المختصة.
وفيما يتعلق بطلب مد ميعاد التحكيم فإنه يتعين تقديمه قبل انقضاء مدة التحكيم الأصلية) ، كما أنه لا يشترط أن يقدم الطلب من قبل كامل هيئة التحكيم.
وفي ضوء ذلك يتضح إن سلطة مد الميعاد المحدد اتفاقاً أو قانوناً، لإصدار حكم التحكيم وفقاً لأحكام القانون الفرنسي دون الرجوع إلى القضاء، يقتصر على أطراف الخصومة فقط، وفي هذا الخصوص قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه: يحظر على المحكمين مد الميعاد الذي حدده الطرفان لإصدار حكم التحكيم من تلقاء أنفسهم، وقالت في ذلك إن قيام المحكمين بمد ميعاد التحكيم من تلقاء أنفسهم.
ويرى البعض وبحق – أن موقف قانون التحكيم المصري في منح هيئة التحكيم نفسها سلطة مد الميعاد بدلاً من اللجوء إلى القضاء، أفضل من موقف القانون الفرنسي، الذي لم يمنح هيئة التحكيم هذه السلطة، على أساس أن المشرع المصري بذلك قد تفادي إضاعة الوقت، الذي يستغرقه اللجوء إلى القضاء في مسألة قد لا تستحق في بعض الأحيان اللجوء إلى القضاء بسببها.
وفي الجانب الآخر، إذا لم يصدر الحكم وفقاً لما تم بيانه، فإنه يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم بالاستناد على نص المادة (1/2/1484 ) من قانون المرافعات الفرنسي المتعلقة بالتحكيم الداخلي.
وصفوة القول إن القوانين السابقة تمنح الأطراف ابتداءً حق تحديد ميعاد التحكيم، وفي حال إن لم يكن هناك اتفاق على ميعاد بين الأطراف، تحدد هذه القوانين ميعاد محدد لصدور الحكم، إذ لم تترك الأمر لهيئة التحكيم لتحديده، وتختلف هذه القوانين في مدى جواز قيام هيئة التحكيم بمد الميعاد من تلقاء نفسها.
ومن جهة أخرى منح المشرع اللبناني والفرنسي، هيئة التحكيم سلطة اللجوء إلى القضاء لطلب مد ميعاد التحكيم، شأنها في ذلك شأن أطراف اتفاق التحكيم، في حين لم يجز المشرع المصري والأردني لهيئة التحكيم ذلك مقتصراً أمر الطلب من القضاء بتحديد ميعاد إضافي على أطراف التحكيم، أما المشرع الكويتي فلم يجز اللجوء إلى القضاء لطلب مد ميعاد التحكيم سواء للأطراف أو هيئة التحكيم علي الإطلاق .