التنفيذ / اسباب ترجع الى الاتفاق ( عدم وجود اتفاق التحكيم - بطلان اتفاق التحكيم - سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته ) / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / انعدام أساس اتفاق التحكيم
إن نقطة البداية في النظام القانوني للتحكيم هي وجوب التأكد من وجود اتفاق على التحكيم، لأن أساس تطبيق التحكيم، كوسيلة لحسم المنازعات، يعتمد على رضا وموافقة أطراف التحكيم عليه، وهذا الرضا لا يتحقق إلا إذا اتجهت إرادة الأطراف إلى اختيار التحكيم اختياراً حراً كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما.
التنظيم القانوني للتحكيم إنما يقوم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية فإرادة المتعاقدين هي التي توجد التحكيم وتحدد نطاقه من حيث المسائل التي يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم وغيرها.
فإن اتفاق التحكيم كغيره من العقود، يقوم على التراضي بين الأطراف، حيث يلتقي الإيجاب والقبول لاختيار التحكيم كوسيلة بديلة للقضاء لحسم النزاع الذي ثار أو قد يثور في المستقبل بمناسبة علاقة قانونية معينة، لذا فإنه يتوجب التحقق من تطابق إرادة الأطراف بالتجاء إلى نظام التحكيم، إذ لا يكفي لانعقاد الاتفاق اتجاه الإرادة المنفردة لأحد الأطراف بالالتجاء إلى نظام التحكيم.
وقد عرف المشرع المصري اتفاق التحكيم بأنه: "اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم التسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية".
واتفاق التحكيم بهذا التعريف هو عقد يخضع للضوابط العامة في العقود من حيث إشتراط توافر الرضا بين الطرفين.
هذا وقد يتم التراضي بين الأطراف على اختيار التحكيم، كوسيلة لحسم المنازعات بينهم قبل حدوث النزاع، فيرد اتفاقهم في هذه الحالة في شكل شرط أو بند من بنود العقد الذي ينظم علاقتهم الأصلية.
جواز اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم، سواء أكان هذا الاتفاق قبل قيام النزاع أم بعده، حيث تنص هذه المادة على أنه: "يجوز أن يكون إتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع سواء قام مستقلاً بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين. كما يجوز أن يتم إتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية .
وقد سار على هذا النهج أيضا القانون الأردني إذ أجاز الاتفاق على التحكيم بصورتيه الشرط والمشارطه.
وقد أجاز قانون المرافعات الكويتي – أيضاً – الاتفاق على التحكيم بصورتيه السابقتين.
وكذلك نصوص المادتين (1/762) و (1/763) من قانون أصول المحاكمات المدنية، وفيما يتعلق بالمشارطة؛ فقد أجازت المادة (765) من القانون نفسه، الاتفاق على التحكم بعد حدوث النزاع، حيث نصت على أن: "العقد التحكيمي عقد بموجبه يتفق الأطراف فيه على حل نزاع قابل للصلح ناشئ بينهم عن طريق تحكيم شخص أو عدة أشخاص.
وفيما يتعلق بالمشرع الفرنسي فقد أجاز أن يتم الاتفاق على التحكيم بصورة الشرط، وذلك حسب ما ورد في المادة (1442) من قانون المرافعات الفرنسي، والمتعلقة بالتحكيم الداخلي الوطني، والتي ورد فيها أن: "الشرط التحكيمي هو الاتفاق الذي يتعهد بموجبه أطراف عقد ما على أحالة أي نزاع قد ينشأ بينهم بمناسبة هذا العقد إلى التحكيم".
ووفقاً لما ورد في المادة (1447) من قانون المرافعات الفرنسي والمتعلقة أيضا بالتحكيم الداخلي الوطني، فإنه يجوز الاتفاق على التحكيم بصورة المشارطه، حيث ورد فيها أن: "مشارطه التحكيم هي الاتفاق الذي يتم بين الأطراف بعد حدوث النزاع على إحالة هذا النزاع إلى تحكيم شخص أو أكثر.
واتفاق التحكيم، سواء أكان شرطاً أم مشارطة، قد يخضع لقانون مختلف عن القانون الذي يحكم العقد الأصلي.
وإذا تم إبرام اتفاق تحكيم صحيحاً - سواًء أخذ شكل شرط أو مشارطة - فإنه من المؤكد أن يترتب عليه أثار قانونية معينة:
الأول: يتمثل في حق الأطراف في الالتجاء إلى التحكيم لتسوية ما قد يثور بينهم من منازعات.
الثاني: يتمثل في منع قضاء الدولة من نظر النزاع محل التحكيم، وذلك احتراماً للإرادة المشتركة لأطراف اتفاق التحكيم، فإذا التجأ أحد أطراف اتفاق التحكيم إلى القضاء، كان للمدعى عليه أن يدفع الدعوى بوجود الاتفاق على التحكيم، وعلى قضاء الدولة - في هذه الحالة - الامتناع عن نظر هذا النزاع عند طرحه عليه.
فالاتفاق على اللجوء للتحكيم لفض النزاع، لا يعني التنازل عن الحق في الالتجاء إلى القضاء، إنما يعني منح المحكم سلطة الحكم لحسم النزاع بدلاً عن القضاء، فإذا لم يتم التحكيم لسبب ما، أو لم يتمسك المدعى عليه باتفاق التحكيم عند رفع الدعوى من قبل الطرف الآخر أمام المحكمة، تكون السلطة القضائية هي المختصة بنظر النزاع.
أن اتفاق التحكيم يمثل أساس نظام التحكيم بصفة عامة، فإن جريان التحكيم دون وجود اتفاق تحكيم سوف يوصم مهمة المحكم بالعدم وسيكون حكمه بدون أساس مما يفتح المجال للنعي عليه بالبطلان.
ولم يبتعد قانون المرافعات الكويتي عن هذا الحكم إذ نصت صراحة الفقرة (أ) من المادة (186) على أنه: "يجوز لكل ذي شأن أن يطلب بطلان حكم المحكم الصادر نهائياً وذلك في الأحوال الآتية ولو اتفق قبل صدوره على خلاف ذلك.
يمكننا القول بأن النصوص القانونية السابقة تفترض أن يلجأ أحد الأطراف إلى التحكيم، دون أن يكون ثمة اتفاق بينه وبين خصمه على حل نزاعهما عن طريق التحكيم، أي عدم تلاقي الإرادتين من الأساس على فض النزاع - بطريق التحكيم.
مثال ذلك: لو تمسك أحد الأطراف في مواجهة الطرف الآخر بشرط التحكيم على الرغم من عدم توقيع هذا الأخير على العقد الذي يتضمن شرط التحكيم، أو أن يصدر الإيجاب من أحد الأطراف، ويقابل برفض أو بقبول تضمن بعض التعديلات لم تلق قبولاً من الطرف الآخر، ففي هاتين الحالتين لم يتم اتفاق على التحكيم كما يمكن أن تتحقق هذه الحالة إذا استند أحد الأطراف على مستند لا يعتبر اتفاق تحكيم، ومثال ذلك: خطاب النوايا أو المراسلات التي لا يستخلص منها اتجاه الإرادة إلى إبرام الاتفاق على التحكيم، ففي مثل هذه الحالات قد يزعم أحد الطرفين أن المستند أو المراسلات تعتبر اتفاق على التحكيم، بينما ينكر الطرف الآخر ذلك، ويمكن أيضاً أن يدعي أحد الطرفين أن الاتفاق المبرم بينه وبين الطرف الآخر ليس اتفاق على التحكيم، وإنما هو اتفق على أن تدخل الشخص المنصوص عليه في الاتفاق بوصفه خبيراً أو وسيطاً وليس محكمة، أي إنه اتفق على اللجوء إلى الخبرة الفنية وليس على اللجوء إلى التحكيم.
ويرى البعض أن مجال هذه الحالة لا ينحصر فقط في لجوء أحد الأطراف إلى التحكيم وهو على علم بأنه لا يوجد بينه وبين خصمه أي اتفاق على ذلك، وإنما يمتد مجالها ليشمل صورة أخرى تتحقق - في الغالب - عند وجود ظروف وملابسات تجعل أحد الخصوم يعتقد بوجود مثل هذا الاتفاق على خلاف الحقيقة.
ويرى البعض في صدد تعليقه على الحكم المذكور إنه كان من الأفضل لو اعتبرت المحكمة أن عدم النص على التحكيم في العقد يدل على عدم رغبة المتعاقدين في طرح المنازعات الناشئة عن هذا العقد إلى التحكيم ما لم يتبين أن عدم النص على التحكيم لم يكن أمرا مقصودا، ويضيف بأنه لا يمكن الأخذ بما قضت به المحكمة في ضوء قانون التحكيم المصري على أساس أن هذا القانون يشترط أن تكون إرادة الأطراف صريحة في اختيار نظام التحكيم كطريق لفض منازعتهم.
ومن ثم يرى البعض بأن السكوت في حال أن وجه أحد طرفي العقد الأصلى إيجاب لطرف الآخر يعرض فيه فض نزاعهم عن طريق التحكيم، وحدد موعد لرد على هذا الإيجاب وانتهى هذا الموعد بغیر رد يعد قبولاً بالتحكيم.
بيد أن البعض الآخر يرى خلاف ذلك، إذ يرى بأنه إذا صدر الإيجاب بالتحكيم واقترن بميعاد معين للقبول وانقضى الميعاد دون قبول فإن اتفاق التحكيم لا ينعقد، إذ لا يعتبر سكوت الموجه إليه الإيجاب قبولاً للتحكيم.
وخلافاً للرأي الأخير قضت محكمة النقض الفرنسية في قضية تتعلق ببيع دولي لم ينص فيه على التحكيم وبعد تنفيذ العقد أرسل البائع إلى المشتري قائمة الحساب وذكر في ذيلها أنه يقترح إحالة أي نزاع بشأن الحساب على تحكيم يجري في إنجلترا وحدد ميعاداً للرد على هذا الإيجاب ولم يرد المشتري في الميعاد فاعتبرت المحكمة سكوته قبولاً للتحكيم.
ومن جهتنا نعتقد بأن السكوت لا يعد قبولاً في اتفاق التحكيم، وهذا يعني - وكما جاء في أحد الأحكام الحديثة المحكمة النقض المصرية - بأن الاتفاق على التحكيم لا يفترض ويلزم أن يعبر بوضوح عن انصراف إرادة الخصوم إلي إتباع طريق التحكيم.
إن سبب عدم وجود اتفاق تحكيم لا يصلح سبباً لإبطال حكم التحكيم إلا إذا كان الطرف المتمسك بهذا العيب غائباً، ولم يحضر إجراءات التحكيم، أو حضر ونازع في وجود الاتفاق.
ومما يجدر ذكره أيضاً أنه لو افترض صدور حكم من هيئة تحكيم في نزاع ما دون وجود اتفاق على التحكيم بين الأطراف، وفات موعد الطعن المقرر لرفع دعوى البطلان فإن هذا الحكم غير قابل للتنفيذ، إذ يلزم لإمكانية تنفيذ حكم التحكيم.