التنفيذ / اسباب بطلان حكم التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / بطلان احكام التحكيم الدولية من منظور الاختصاص الدولي والوطني / دور القضاء المساعد في بطلان حكم التحكيم
سوف نقوم في هذا المبحث بالإجابة على التساؤل هل دعوى البطلان التي ترفع فى مواجهة حكم التحكيم تختلف في طبيعتها عن دعوى البطلان التي توجه إلى الأعمال القانونية أم لا؟
أن غالبية التشريعات الحديثة تتجه إلى الاستغناء عن طريق الطعن المقرر بالنسبة للقضاء في مجال إصلاح حكم التحكيم والاقتصار على رفع دعوى ببطلان حكم التحكيم، وقد حددت هذه التشريعات تحديداً حصرياً للأسباب التي يمكن أنَّ تبنى عليها دعوى البطلان، وسوف نشير إليها في موضوعها عند عرض أسباب دعوى البطلان.
إن حكم التحكيم الصادر من المحكم باعتباره نوعاً خاصاً من العدالة، فهو لا يتواءم بسهولة مع طرق الطعن في الأحكام التي تهدف إلى إعادة فض النزاع من قاضى الطعن بعد إلغاء الحكم المطعون فيه في الأحوال التي يتم فيها ذلك، نظراً لوجود الاتفاق الإرادى كأساس تعاقدى لحكم المحكم الذى يهدف إلى البعد عن قضاء الدولة، وعلى ذلك فرقابة قضاء الدولة على حكم التحكيم تقتصر على رقابة المشروعية أو الصحة.
.وأسباب البطلان سواء فى القانون المصرى أو الفرنسي قد ترجع إلى الأساس الاتفاقى لحكم المحكم أو إلى الطبيعة القضائية لهذا الحكم ففي الحالة الأولى مثلاً ما يتعلق بأطراف التحكيم من حالات تجيز طلب بطلان حكم التحكيم بمقتضاها، وهذا إذا كان أحد طرفي التحكيم وقت إبرامه فاقد للأهلية أو ناقصها وتوجد حالات أخرى تتعلق بموضوع التحكيم تتمثل في استبعاد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق.
موقف المشرع المصرى
لموقف المشرع بإلغاء طريق الطعن بالاستئناف تجاه أحكام مستندين في ذلك إلى أنَّ الأساس التعاقدي للتحكيم يشير إلى اتفاق الأطراف على استبعاد إصلاح حكم التحكيم
عن طريق هذا القضاء .
وبصدور قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ النافذ، أغلق المشرع المصرى سبب الطعن في الأحكام التحكيمية بكافة الطرق المقررة للطعن في الأحكام القضائية، ولم يعد ممكنا سوى رفع دعوى يطالب فيها إبطال حكم التحكيم وذلك من خلال نص المادة (٥٢) والتي جاء فيها (١- لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية. (٢- يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين).
ثم عدد القانون أسباب البطلان فى المادة (٥٣) والتي نصت على أنه:
١- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:
أ- إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بانتهاء مدته.
ب إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين.
ج- إذا فعل حكم التحكيم فى مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز في حدود هذا الاتفاق ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غيـر الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.
د- إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم.
۲- وتقضى المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.
وباستقراء النص المذكور يتضح أنَّ المشرع المصرى قد صنف حالات البطلان الواردة تحديداً فى تلك المادة إلى أربعة حالات منها تلك التى ينشأ فيها البطلان على صدور حكم التحكيم غير مستند إلى اتفاق صحيح على التحكيم، ومنها أيضاً حالات يرجع فيها البطلان إلى عيوب في إجراءات التحكيم، بينما تقتصر حالة على استبعاد هيئة التحكيم تطبيق القانون الذى اتفق على تطبيقه على موضوع النزاع، وأخيرا حالة كون الحكم تضمن مــا يخالف النظام العام في مصر، وهي وردت في القانون على سبيل الحصر.
موقف المشرع الفرنسي
ومن جانبنا فنحن نؤيد موقف المشرع الفرنسى فيما ذهب إليه في أنــه لا يجوز سلك طريق دعوى البطلان، إلا إذا أغلق طريق الاستئناف، فضلاً عن ذلك فإنَّ المشرع الفرنسى وفقاً للحالة الخامسة من الحالات التي تجيز رفع دعوى البطلان وهي كالحالات البطلان التي رتبهـا المشرع نتيجة مخالفة القواعد المنصوص عليها بالمادة (١٤٨) من قانون المرافعات الفرنسي، والتي تتعلق بخلو الحكم من الأسباب أو تعيبها المادة (١/١٤٧١) من قانون المرافعات الفرنسي، أو تخلف أحد البيانات الخاصة بالمحكمين أو تاريخ الحكم المادة (١٤٧٢) من قانون المرافعات الفرنسي، أو عدم توقيــع المحكمين على الحكم المادة (١٤٧٣) من قانون المرافعات الفرنسي.
ويلاحظ أنَّ المشرع الفرنسي في تلك الحالة أكثر دقة من المشرع المصري في معالجته لتلك المسائل، حيث إنَّ المشرع المصرى بالحالة السابعة من الحالات البطلان ذكر بطلان حكم التحكيم ولم يحددها، الأمر الذي يجب معه البحث في نصوص التحكيم المتفرقة بالقانون الفرنسي الذي حددها بدقة.
موقف المشرع العراقي
وردت النصوص المتعلقة بالتحكيم ضمن قانون المرافعات المدنية العراقي رقم ١٩٦٩/٨٣ النافذ فى المواد من (٣٥١ - ٢٧٦)، والقانون العراقي من القوانين التي لم تجز الطعن على أحكام التحكيم وإنما أجاز التمسك ببطلان حكم التحكيم عند طرحه على المحكمة المختصة لغرض تصديقه، وقد وردت أسباب البطلان على سبيل الحصر في المادة (۲۷۳) والتي نصت على أنه يجوز للخصوم عندما يطرح قرار المحكمين علـــى المحكمة المختصة أنَّ تمسكوا ببطلانه، وللمحكمة من تلقاء نفسها أنَّ تبطله في الأحوال الآتية:
1- إذا كان قد صدر بغية بينة تحريرية أو بناء على اتفاق باطل، أو إذا كان القرار قد خرج عن حدود الاتفاق.
2- إذا خالف القرار قاعدة من قواعد النظام أو الآداب أو قاعدة من قواعد التحكيم المبينة في هذا القانون.
3- إذا تحقق سبب من الأسباب التى يجوز من أجلها إعادة المحاكمة.
4- إذا وقع خطأ جوهري في القرار أو في الإجراءات التي تؤثر في صحة القرار .
ومع أن القانون العراقي، استنادا إلى نص المادة (۲۷۳) أعلاه قد أورد أسباب البطلان على سبيل الحصر إلا أنه قد أدرج ضمنها الحالة التي يتحقق فيها سبب من الأسباب التى يجوز من أجلها إعادة المحاكمة .
وردت أسباب إعادة المحاكمة على أنه لايجوز الطعن بطريق إعادة المحاكمة في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف أو من محاكم البداءة بدرجة أخيرة أو محاكم الأحوال الشخصية إذا وجد سبب من الأسباب الآتية ولو كان الحكم المطعون فيه قد حاز على درجة البتات: ۱- إذا وقع من الخصم غش في الدعوى كان مــــن : التأثير في الحكم. ٢- إذا حصل بعد الحكم إقرار كتابى بتزوير الأوراق التي أسس عليها أو قضى بتزويرها. ٣- إذا كان قد بنى على شهادة شاهد وحكم عليه بشهادة زور 4- إذا حصل طالب الإعادة بعد الحكم على أوراق منتجة في الدعوى كان خصمه قد حال دون تقديمها.
وبدأ بنا أنَّ هذا يمثل إدراكاً من المشرع العراقي لأهمية الحالات التي يجوز بتحقيق إحدها إعادة المحاكمة ؛ كحالة وقوع غش من الخصم أثر فـــي الدعوى أو بناء الحكم على أوراق ثبت تزويرها، أو حالة ظهور أوراق منتجة فى الدعوى كان الخصم قد احتجزها.
ولم يشر القانون العراقي إلى إمكانية رفع دعوى أصلية بطلب بطلان التحكيم إذ أنه اشترط لتنفيذ حكم التحكيم أنَّ تصادق عليه المختصة أصلاً بنظر النزاع وذلك بناء على طلب أحد الخصوم وفق ما قضت به المادة (۲۷۲ - ف ۱) من قانون الرافعات المدني العراقي .
نص المادة ۲۷۲ من قانون المرافعات العراقي على أنه لا ينفذ قرار المحكمين إلا في حق الخصوم الذين حكموهم وفى الخصوص الذي جرى التحكيم من أجله).
ومع أنَّ العراق لم ينضم إلى الآن لاتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية ولا لاتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة على الاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى لسنة ١٩٦٥ ، إلا أنه انضم إلى اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لعـــام ۱۹۸۳، وكذلك انضم العراق إلى اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجارى لسنة ۱۹۸۷ التي صادق عليها العراق بالقانون رقم ١٩٨٨/٨٦.
ونعتقد أنه في ظل غياب النص القانوني الواضح لا مانع من اعتبار حكم التحكيم الدولى مساويا للحكم القضائى الأجنبي الذي يصدر خارج العراق، وبالتالي يطبق قانون أحكام المحاكم الأجنبية العراقي عليه ما لم يكن هناك اتفاقية دولية تلزم العراق لهذا النقض.