التنفيذ / اسباب بطلان حكم التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / بطلان حكم التحكيم لتخلف شروط الصحة الموضوعية والشكلية
أجاز المشرع الطعن في حكم التحكيم بطريق دعوى البطلان( م ٢/٥٢ من قانون التحكيم)، وتولى بنص المادة (53) منه بيان الحالات التي تقبل فيها دعوى بطلان الأحكام الصادرة في مصر سواء كان التحكيم داخلياً أو دولياً .
ويمكن رد أسباب البطلان كما وردت في قانون التحكيم إلى عدة مسائل، تتعلق بإتفاق التحكيم، والقانون المطبق على موضوع النزاع، وتشكيل هيئة التحكيم، وإجراءات التحكيم، وحكم التحكيم ذاته سواء فيما يتعلق بشكله أو موضوعه اذا تضمن مخالفة للنظام العام في مصر .
ويلاحظ أن المشرع قد جمع | أسباب البطلان في المادة (53) من القانون، إلا
أنه تجدر الإشارة الى أنه يتعين عند إعمال نطاق هذه المادة مراعاة الرجوع الى النصوص الأخرى الواردة في قانون التحكيم.
ولا يجوز تأسيس دعوى بطلان حكم التحكيم على أساس الخطأ في تطبيق القانون أو في مخالفته أو تأويله وتفسيره لأن ذلك يؤدى إلى تعييب الحكم بعدم العدالة وليس البطلان.
كما أن المشرع بنص المادة ( 1/53 ) من قانون التحكيم جاء بصياغة تعبر عن ذلك، عندما نص علي عدم قبول دعوي بطلان حكم التحكيم إلا في أحوال بعينها، فلا يجوز رفع دعوي بطلان حكم تحكيم لغيرها من الأسباب التي لم يرد النص عليها في تلك المادة، وهو ما عبرت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون التحكيم والتي جاء فيها، أن حكم المحكمين يخضع للطعن فيه بالبطلان في حالات عددتها المادة 53 علي سبيل الحصر.
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة استئناف القاهرة، بأن المادة ٥٢ من قانون التحكيم نصت علي أنه لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون، الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة علي أنه يجوز رفع دعوي بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين.....، وأياً كان وجه الرأي في ذلك فهو من الأمور التي لا تصلح سنداً لدعوي البطلان التي لا تملك المحكمة فيها مراقبة مدى سلامة تقدير ظروف الدعوى وإعمال النص القانوني السليم عليها بإعتبارأنها ليست محكمة الدرجة الثانية بالنسبة لحكم التحكيم وإنما المعروض هو دعوى بطلان حكم التحكيم ووردت حالات البطلان في المادة 53 من قانون التحكيم على سبيل الحصر، وليس من بينها ما أثارته الشركة الطاعنة بدعواها، ومن ثم تنتهي المحكمة إلى عدم قبول الدعوى .
وقضت محكمة النقض، بأن إتفاق التحكيم هو دستوره ومنه يستمد المحكمون سلطانهم للفصل في النزاع، فالعبرة في صحة حكم التحكيم هي بصدوره وفق إجراءات القانون فلا يبطله القصور في التسبيب أو الفساد في الإستدلال أو ايراده تقريرات قانونية خاطئة، لكونها لا تندرج تحت مسوغ رفع دعوى بطلان حكم التحكيم والمحددة طبقاً لنص المادة 53 من قانون التحكيم .
وأن هذه حالة عامة تشمل كل أسباب البطلان، ولهذا فإن دعوى البطلان تقبل إذا كان الحكم باطلاً أيا كان سبب هذا البطلان سواء كان ضمن الحالات المحددة التي أوردتها المادة 53 من قانون التحكيم أو لم يكن بينها.
رأي الباحث في المسألة :
في تقديرنا، أن التنظيم القانوني الخاص بالطعن بالبطلان في حكم التحكيم الذي نص عليه قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة 1994 إستثناء من حجية الأمر المقضي التي إكتسبها الحكم بمجرد صدوره، له طبيعته الخاصة التي يتعين أن ينظر إليها عند تقدير حصرية حالات البطلان الواردة في المادة 53 من هذا القانون من عدمه، فهذه الحالات وفق هذا التنظيم القانوني الخاص للطعن في حكم التحكيم حصرية، كون الطعن في هذه الحالة يقترب من طرق الطعن غير العادية في الأحكام.
وكما سبق أن بينا ،أن الطعن وفقاً للحالات المبينة في تلك المادة ليس كافياً لمواجهة كل حالات البطلان التي من الممكن أن تنال من حكم التحكيم وعلى وجه الخصوص الحالات التي يكون حكم التحكيم فيها منعدماً، فلم تشمل الحالات التي يصدر فيها حكم التحكيم بناء على إجراء ثم إتخاذه بطريق الغش أو مستندات مزورة.
وعلى ذلك فإن حصرية هذه الحالات وفق ما سبق لا تحول دون الطعن في حكم التحكيم إذا تحققت بشأنه إحدى حالات الإنعدام التي تعني أن حكم التحكيم غير موجود من الناحية القانونية ، لأن نص المادة 53 من قانون التحكيم يخلط بين حالات الإنعدام وحالات البطلان وسبيل التمسك بكل منها يختلف عن الآخر، فحكم التحكيم المنعدم لا يلزم الطعن فيه للتمسك بإنعدامه، ويكفي إنكاره عند التمسك بما إشتمل عليه من قضاء، كما يجوز رفع دعوي مبتدأة بطلب تقرير إنعدامه في أي وقت دون التقيد بالميعاد المقرر في قانون التحكيم لرفع دعوي البطلان ، أما حكم التحكيم الباطل فيكون بطريق دعوى البطلان بمفهومها الوارد في المواد ( ٥٢، 53، 54 من قانون التحكيم) بإعتبارها تنظيماً قانونياً خاصاً للطعن في حكم التحكيم ويجب رفع الدعوي خلال الميعاد المقرر لذلك بنص المادة (م1/54 من قانون التحكيم).
ولكل من دعوى إنعدام حكم التحكيم ودعوى بطلانه نطاقه، حيث تختلف كل منهما عن الآخرى في سببها ومحلها.فحكم التحكيم وفقاً للشكل الذي نص عليه القانون له وظيفته التي رمي إلى تحقيقها وهي تطبيق القانون في حالة معينة على نحو يحسم النزاع حولها وتستقر به الحقوق إستقراراً يحترمه الناس كما يحترمون القانون، وقيامه بهذه الوظيفة يفترض معه أن يكون الحكم مكتمل الأركان ويشتمل بذاته علي شروط صحته.
أضف إلى ذلك أن القول بأن الأسباب الواردة في المادة 53 من قانون التحكيم ليست حصرية، يتعارض مع ما قرره المشرع بنص المادة ٥٢ من القانون المشار إليه التي أقرت قاعدة عامة بعدم قابلية أحكام المحكمين للطعن عليها بالطرق العادية وغير العادية، بما مؤداه أن المشرع يرغب في البعد بحكم التحكيم عن دائرة الطعن فيه بأي طريق، ولكنه إزاء ما تم من إلغاء للطعن في حكم التحكيم بطريق إلتماس إعادة النظر وما سبقه من إلغاء للطعن فيه بطريق الإستئناف، جعل الطعن في حكم التحكيم فقط بطريق البطلان لأسباب حددها علي سبيل الحصر، ومن ثم فإن إفصاح المشرع عن قصده بشأن هذه الأسباب يغني عن الجدل حول حصرية تلك الأسباب من عدمه.
تانیا حالات البطلان ليست أسباباً لاستئناف حكم التحكيم
إن ما يميز دعوى بطلان حكم التحكيم، أن الخصومة فيها موجهة الى حكم التحكيم ذاته، ولا تشمل بحال منح محكمة البطلان سلطة الفصل في المسـأله التي سبق أن حسمها الحكم من جديد إن هي قضت ببطلانه، فهي دعوى قانون تراقب محكمة البطلان فيها مدى إتفاق الحكم مع ما إشترطه القانون وما توافقت عليه إرادة طرفا التحكيم بشأنه، فيقف دورها عند حد تقرير صحة أو بطلان حكم التحكيم .
فلا تعتبر محكمة البطلان محكمة الدرجة الثانية للهيئة التي أصدرت حكم التحكيم، لأن طريقة إتصالها بالدعوى تختلف من حيث الأساس القانوني الذي يجيزها عن طريقة إتصال محكمة الدرجة الثانية بالإعتراض على أحكام المحاكم.
فمحكمة البطلان تتصل بإعتراض المحكوم عليه على حكم التحكيم، من خلال دعوى البطلان ولأسباب محددة على سبيل الحصر ورد النص عليها في المادة 53 من قانون التحكيم، لأن المشرع رفع أحكام التحكيم إلى مصاف الأحكام الباتة وسبغ عليها القوة التنفيذية التي تستمدها من حجية الأمر المقضي المقررة لها بنص القانون، وجعلها غير قابلة للطعن عليها بأي من طرق الطعن العادية وغير العادية الواردة في قانون المرافعات.
أما محكمة الدرجة الثانية في النظام القضائي المصري، فلها سلطتها التي تستمدها من المباديء الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي ذاته، بشأن الأحكام القضائية الصادرة من محاكم الدولة، وهو مبدأ التقاضي على درجتين، والذي يقوم على سلطة مخولة لمحكمة الدرجة الأولي في بحث موضوع الدعوى بشقيها الموضوعي والإجرائي والفصل فيها وفقاً لحكم القانون، ومنح الخصوم الحق في الطعن علي تلك الأحكام بالطريقة التي نص عليها القانون وهي الطعن بطريق الإستئناف، الذي ينقل الدعوي بحالتها إلى محكمة الدرجة الثانية التي يكون لها سلطة الفصل في موضوعها من جديد دون التقيد بما قضي به حكم محكمة الدرجة الأولي.
ونظراً لأن التحكيم إستثناء منأصل هو قضاء الدولة، فإن المشرع وعلى خلاف تمسكه بمبدأ التقاضي على درجتين بالنسبة لأحكام المحاكم، أخذ بقاعدة مطلقة في نظام التحكيم وهي التقاضي على درجة واحدة، في المواد الملغاة التي كانت تنظم التحكيم في قانون المرافعات، وأكد على ذلك في قانون التحكيم الحالي رقم ٢٧ لسنة 1994، عندما نص بالمادة ١/٥٢ منه أنه:" لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية".
ومن طرق الطعن المذكورة في تلك المادة الطعن بطريق الإستئناف، فلم يأخذ المشرع المصري في قانون التحكيم الحالي بنظام الإستئناف في مجال التحكيم، على خلاف ما كان عليه الحال في قانون المرافعات الملغي رقم 77 لسنة 1949،وما أخذت به بعض تشريعات التحكيم المقارنة مثل المادة ١٤٨٢ من قانون المرافعات الفرنسي الجديد المعدل بالمرسوم رقم 48 لسنة ٢٠١١ التي أجازت الطعن بالإستئناف في حكم التحكيم .
ونظراً لأن أسباب البطلان التي ورد النص عليها بالمادة 1/53 من قانون التحكيم جاءت محددة على سبيل الحصر بما يتفق والطبيعة الإستثنائية لنظام التحكيم ذاته، وحجية الأمر المقضي التي يتمتع بها حكم التحكيم، وكونها أسباب تتعلق بحكم التحكيم كعمل إجرائي قد ينال منه بعض العيوب التي تبطله، ولا تتعلق بموضوع النزاع أو بصحة أو خطأ ما قضي به الحكم، فإن دور محكمة البطلان يقف عند حد تقرير صحة أو بطلان حكم التحكيم دون أن يمتد إلى بحث الموضوع أو ما وقع فيه المحكمون من خطأ في تطبيق القانون أو في تحصيل وفهم الواقع في الدعوي .
فإنه يترتب على ذلك عدم جواز أن ينصب الطعن في حكم التحكيم على تعييب قضاءه بمخالفته للقانون أو الخطأ في فهم الواقع أو تكييفه أو تطبيق القانون، لأن هذه الأسباب تثير جدلاً موضوعياً يخرج عن نطاق سلطة محكمة البطلان، وتدخل في إختصاص هيئة التحكيم بما لها من سلطة تستمدها من إتفاق الطرفين ونص القانون، ولكي نمثل هذه الأسباب ليست من بين الأسباب التي ورد النص عليها حصراً في المادة 53 من قانون التحكيم .
فإذا إقتصر الطعن بالبطلان على غير الأسباب التي وردت بنص المادة 1/53 من قانون التحكيم قضت محكمة البطلان بعدم قبول الدعوى.
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة إستئناف القاهرة، بأن المشرع في المادتين (٥٢، 53) من قانون التحكيم نص على عدم قبول الطعن على أحكام التحكيم بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات، ولكنه أجاز إقامة دعوى بطلان حكم التحكيم لأسباب حددها على سبيل الحصر في المادة 53 من هذا القانون، ومؤدي ذلك أن هذه الدعوى لا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع فلا تمتد سلطة القاضي فيها إلي مراقبة حسن تقدير المحكمين وصواب أو خطأ اجتهادهم سواء في فهم الواقع أو تكييفه أو تفسير القانون وتطبيقه أو مدى سلامته وصحة أسبابه أو تناقضها لأن ذلك كله مما يختص به قاضي الإستئناف لا قاضي البطلان .