التنفيذ / اسباب بطلان حكم التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 20 / عمل المحكـم شبيه بالعمـل القضائي – الاستقلالية والحيـدة مطلوبتـان في المحكـم عـدم توافرهـمـا - بطلان حكم التحكيم.
حيث يلزم المحكم بممارسة مهمته التحكيمية بعلم وضمير مهني، فعلـى الـرغـم مـن ان المحكم ليس قاضيا ولا تكون له صفته، فإنه يؤدي عملا شبيها بالعمل القضائي، ومن ثم يتطلب في المحكم، شأنه في ذلك شأن القاضي، وكأصل عام، الحيدة. حياد المحكم واستقلاليته هما جوهر المهمة التحكيمية، من أجل الحصول علـى محاكمـة عادلة وتأمين الحقوق الاساسية لأطراف التحكيم. مخالفة مبدأ الحيدة ملموسة وظاهرة في الاوراق دون تعمق أو تمحيص دقيق، لأن محكم المحتكمة لم يكن مؤهلا للمشاركة في هيئة التحكيم، ومن ثم تقضي المحكمـة ببطلان حكـم التحكيم موضوع دعوى الطعن بسبب عدم صلاحية الهيئة التي أصدرته.
(محكمة استئناف القاهرة، الدائرة السابعة التجارية، الدعوى رقم (1) لسنة 130 قضائية.
جلسة 3 يونيو 2013)
من حيث أن الوقائع تتحصل بالقدر الكافي لحمل المنطوق في أنه بسبب نزاع حول تنفيـذ مقاولة إنشاء ما يعرف ببرج المروة (ب) بشارع المحولات بالهرم محافظة الجيزة - مجمع سكني إداري تجاري- التجأ المقاول "الشركة المصرية الهندسية للإنشاءات (رانس) إلى رفع دعوى تحكيمية ضد صاحب العمل (جمعية الأفق للإسكان التعاوني بالجيزة) وذلك أمام مركز تحكــم الإتحاد التعاوني الإسكاني المركزي، وقيد التحكيم فيه تحت رقم 6 لسنة 2011 (تحكيم النزاع). وبتاريخ 2012/10/21 أصدرت هيئة تحكيم ثلاثية حكمها ضد الجمعية المحتكم ضدها، وحيـت طعنت الجمعية في ذلك الحكم بالبطلان أمام هذه المحكمة بالدعوى الحالية، وذلك بصحيفة أودعت قلم الكتاب في 2013/1/5 بطلب القضاء ببطلانه وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذه، وأسست الطاعنة دعواها على حجج تتحصل في بطلان تشكيل هيئة التحكيم وذلك أن الأستاذ المحامي/ أشرف عبد الحليم عبد الرحيم، وهو محكم الشركة المحتكمة (رائس المدعى عليها) لم يتوافر فـي شـخـصه شرط الحيدة، لأنه كان محاميا عن الجمعية (المدعية) في عدة قضايا سابقة تمس بشكل مباشـر النزاع التحكيمي وعناصره ودقائقه، ومن ثم فله رأيه المسبق في كل ذلك، ويسبب خلافات مالية فقد أنهت الجمعية وكالته عنها مما أوجد عداوة بينه وبين الجمعية، وهذا كله يجعله غير صالح وممنوعاً من أن يكون محكماً في تحكيم النزاع، لذلك فقد اعترضت الجمعية على تسميته محكمـاً عن الشركة المحتكمة وقامت باتخاذ إجراءات رده، ومع ذلك استمرت هيئة التحكيم في مواصلة السير في دعوى التحكيم وأصدرت حكمها المطعون فيه، بل أن المحامي المذكور، وعلى وجـه الخصوص، سبق له أن حضر قبل تسميته محكماً- في جلسات تحكيم النزاع بالتحديد بجلسة 2011/10/9 - بصفته محام عن الشركة المحتكمة. وحيث إن الدعوى (دعوى البطلان أو الطعن بالبطلان على حكم التحكيم) نظرت على نحو ما هو مسطر بمحاضر الجلسات، ورغم إعلانها لم يحضر أحد عن المدعى عليها، وقدم الحاضر عن الجمعية المدعية صورة من حكم التحكيم المطعون فيه وأوراقه بما في ذلك محضر الجلسة التحكيمية السابق الإشارة إليه الثابت به حضور الأستاذ أشرف عبد الحليم المحامي عن الشركة المحتكمة ، قبل تنحي محكم هذه الأخيرة في 2012/5/9، وصورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 2 لسنة 2012 مدني كلي الجيزة بتاريخ 2012/1/27 والقاضي برد المحكم أشرف عبد الحليم المسمى من قبل الشركة المحتكمة في التحكيم رقم 6 لسنة 2011 مركـز التحكيم بالإتحاد التعاوني للإسكان، وجاء بالحكم أن المحكم المردود كان فيما قبل تحكيم النزاع محاميـاً
عن الجمعية وتقاضي منها أتعابا عن وكالته عنها، وقررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة اليوم.
وحيث أن دعوى البطلان أقيمت في الميعاد وقد استوفت أوضاعها الشكلية المقررة فـي
القانون، فالمحكمة تقبلها شكلا.وحيث يلزم المحكم بممارسة مهمته التحكيمية بعلم وضمير مهني. فعلى الرغم من أن المحكم ليس قاضياً ولا تكون له صفته؛ فإنه يؤدي عملاً شبيهاً بالعمل القضائي، ومن ثم يتطلب في المحكم، شأنه في ذلك شأن القاضي، وكأصل عام، الحيـدة، شرط الحيدة بحسبانه مسألة شخصية أو حالة ذهنية نفسية تعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف المسبق مع وجهة نظر أحدهم، فهو ليس بكلمة تردد في القضاء بغير معنى. مبدأ الحيدة هذا يفهم ضمنا من المبادي القانونية العامة، ويفرضه المنطق السديد حتى بغير نص في القانون، وذلك بحسبانه أمراً يقتضيه المركز القانوني للمحكم، وتتأسس الحيدة في حقيقة الأمر على قاعدة أصولية دينية حضارية - وإن أوردتها التشريعات الوضعية قوامها وجوب اطمئنان الخصوم إلى من يفصل فيما شجر بينهم سواء كان قاضياً أو محكما، وإن حكمه (القاضي أو المحكم) لا يصدر إلا عن الحق دون تحيز أو هوى. وحتى يتاح لمبدأ الحيدة هذا أن ينتج كل آثاره، فهناك مبدأ ثان يكمله، وهو ضروري مثله، إذ أن الإخلال به قد يؤدي إلى إفراغ مبدأ الحيدة من مضمونه، هذا المبدأ (المكمل لمبدأ الحيدة) يتعلق باستقلال المحكم بما في ذلك استقلاله عن الخصوم أصحاب المصلحة في النزاع، شرط الاستقلال يدفع بشكل عام مظلة التأثير على المحكم وهو أمر يدعم ويوفر الحيدة المطلوبة. فحياد المحكم واستقلاليته هما جوهر المهمة التحكيمية، من أجل الحصول على محاكمة عادلة وتأمين الحقوق الأساسية لأطراف التحكيم، فعدم استقلال أو عدم حياد المحكم بعدا سببا لإبطال حكم التحكيم في مختلف الأنظمة القانونية التحكيمية، لأن تشكيل محكمة التحكيم يكون والحال هذه معيبا (المادة 53/هـ من قانون التحكيم المصري).
لما كان ما تقدم وكانت الجمعية طالبة الإبطال قد اعترضت الأستاذ أشرف عبـد الحـلـيـم كمحكم عن الشركة المحتكمة فور تسميته بسبب اعتبارات ذات أهمية تتصل بعـدم اسـتقلاليته وتنبئ بجد عن الخشية من الحيازة، ولكنه لم يمتنع عن مباشرة الإجـراءات، وعليـه بـادرت الجمعية برده لأسباب معلنة على النحو الذي سبق ذكره - إلا أنه لم يتنح، بل تابع مع باقي هيئة التحكيم السير في الإجراءات وإصدار الحكم المطعون فيه، وكان الثابت ما قدمته الجمعيـة المدعية من أسباب سائغة لها أصلها في الأوراق- وجود رابطة قوية بين المحكـم المـردود والشركة التي سمته، بل أن له علاقات غير منكورة بالجمعية المحتكم صدها من شأنها التأثير في نزاهته وتجرده، وتدعو إلى التشكيك في حياده في الدعوى التحكيمية. لذلك يكون سبب الإبطال المبني على التشكيل المعيب لمحكمة أو هيئة التحكيم مقبولا، فمخالفة مبدأ الحيدة ملموسة وظاهرة في الأوراق دون تعمق أو تمحيص دقيق، لأن محكم المحكمة لم يكن مؤهلا للمشاركة في هيئـة التحكيم، ومن ثم تقضي المحكمة ببطلان حكم التحكيم موضوع دعوى الطعن بسبب عدم صلاحية الهيئة التي أصدرته، وتلزم المدعي عليها المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع ببطلان حكم التحكيم رقم 6 لسنة 2011 مركز تحكيم الإتحاد التعاوني الإسكاني المركزي الصادر بتاريخ 2012/10/21ء والزمت الشركة المدعى عليها المصاريف القضائية.