وتبدو أهمية التفرقة بين المسائل الإجرائية والموضوعية من زاويتين: الأولى : تظهر أهمية التفرقة بين القوانين التي تنظم المسائل الإجرائية
والموضوعية من حيث سلطة المحكم في الخروج على القاعدة القانونية أو قد يعفي المحكم من اتباع الأولى دون الثانية.
الثانية: وتظهر أهمية التفرقة من ناحية تحديد القانون الواجب التطبيق في نطاق القانون الدولي الخاص.
وترجع أهمية المسائل الإجرائية في مجال التحكيم لما تقرره التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية ولوائح مراكز التحكيم الدائمة من ضرورة مراعاة هذه المسائل، وإلا ترتب على مخالفة هذه الإجراءات بطلان الحكم ورفض الاعتراف به أو تنفيذه. هذا وتبدو الأهمية في ذلك معرفة القانون الواجب التطبيق على الإجراءات ليتسنى للمحكمة تطبيقه على الإجراءات أثناء سير الخصومة.
وتبدو هنا الصعوبة عند عدم اتفاق الأطراف على قواعد معينة تحكم إجراءات التحكيم، وفي ظل الحرية التي يتمتع بها المحكمون عند اختيار القواعد التي تحكم الإجراءات وفقا للمعاهدات الدولية والقوانين الوطنية ظهر اتجاه يرى إبعاد التحكيم.
إذ إن لتحديد مكان التحكيم أهمية قصوى. فكثيراً ما يتوقف عليه تعيين القانون واجب التطبيق على بعض المسائل الإجرائية. إذ تأخذ بعض الاتفاقيات الدولية بمعيار حدود حكم التحكيم لإثبات دوليته، كاتفاقية نيويورك.
أما بالنسبة للقانون الفرنسي، فقد ذهب إلى حد بعيد فيما يتعلق بحرية الأطراف في اختيار إجراءات التحكيم، فقد ميز بين التحكيم الداخلي والدولي بهذا الخصوص حيث أفرد لكل منهما نصاً خاصاً.
أما بالنسبة للتحكيم الدولي؛ فقد أقرت المادة (1/1494) من قانون المرافعات تحكيم، أو إلى قانون مرافعات معين. كما تضيف إليها الفقرة الثانية من نفس المادة بأنه في حالة غياب الاتفاق. فإن هيئة التحكيم هي التي تتولى تلك الإجراءات بطريق مباشر بالإحالة إلى قانون أو لائحة معينة. ويلاحظ أن القانون الفرنسي قد حرر التحكيم إقليميا من حيث الخضوع لقانون مقر التحكيم في حالة عدم الاتفاق بين الطرفين على الإجراءات، ومن ثم لم يعد لقانون مقر التحكيم اختصاص احتياطي.
وخلاصة القول إن المشرع المصري والمشرع الأردني قد رتبا بطلان حكم التحكيم في حالة عدم مراعاة بعض قواعد الإجراءات التي حددها القانون، سواء المصري أم الأردني، بشرط أن تكون هذه الإجراءات لها أثر على بطلان حكم التحكيم في المادة( 53/ 1/ ز) من قانون التحكيم المصري، و(المادة 49 /أ/ 7) من قانون التحكيم الأردني، فمخالفة قواعد الإجراءات التي حددها قانون التحكيم.
وإن أي مخالفة للقانون الإجرائي الذي اتفق الأطراف عليه أو نص القانون على أن يحكم النزاع يدخل ضمن هذا السبب، ويعرض بالتالي حكم التحكيم للبطلان.
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز الأردنية في قرار لها بأنه: "تحرير المحكم محضراً بإجراءات التحكيم أمر جوهري كي تستطيع المحكمة الإطلاع على هذا المحضر. وأن تعريف المحكمة فيما إذا اتبع المحكم في فصله في النزاع اتفاق التحكيم أو أنه فصل فيه دون مراعاة المبادئ الأساسية في التقاضي. وبالتالي فإن عدم تنظيم محضر تحكيم من قبل المحكم يثبت فيه كيفية السير في نظر النزاع يجعل قراره قراراً كيفية ويكون القرار الصادر عن محكمة الاستئناف برد طلب التصديق على قرار التحكيم لخروج المحكم عن صك التحكيم متفقة والقانون".