أفردت المادة 53 من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ فقرتها الثانية لحالة خاصة من حالات الطعن ببطلان حكم التحكيم، ونعني بها الحالة المتعلقة بمخالفة حكم التحكيم للنظام العام، حيث جاء بها..." وتقضى المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية".
وقد كان المشرع المصري منطقيا لإيراده هذا النص حفاظا علــى مجموعة الأسس والمبادئ العليا للمجتمع والتي تشكل ملامح النظام العام لــه عبر إباحته للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان أن تتصدى لإبطال حكـم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام للدولة.
وداخل المجتمع الواحد من وقت لآخــر مــن ناحية أخرى، وإن كانت تلك الفكرة تتغيا حماية كيان وأسس الجماعة باعتباره أي النظام العام، صمام الأمان لصيانة تلك الأسس والمبادئ العليا للمجتمع ومصالحه العامة ... وقد عرفت المحكمة الإدارية العليا بحكمها في الطعن رقم ١٦٤٨ لسنة ٤٧ ق .ع - النظام العام "بأنه مجموع المصالح الأساسية للجماعة، أي مجموع الأسس والدعامات التي يقوم عليها بناء الجماعة وكيانها .
بيد أن يتعين على المحكمة حال قضائها ببطلان حكم التحكيم لمخالفته للنظام العام أن تبين وجه اتصال القاعدة التي خالفها الحكم بالنظام العام.
ويجدر التنويه فيما نحن بصدده بشأن التحكيم في منازعات العقود الإدارية أن جل قواعد القانون الإداري واجبة التطبيق على المنازعة محل التحكيم تعد من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام بحيث لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها. ومن ثم، يتعين على هيئة التحكيم إعمال تلك القواعد بشأن النزاع المطروح عليها وإلا وقع حكمها في دائرة البطلان مما يخول الخصوم الحق في الطعن عليه بالبطلان كما أن للمحكمة المختصة القضاء ببطلانه لمخالفته للنظام العام، فضلاً عن عدم إمكانية صدور الأمر بتنفيذه .
وبعد أن فرغنا من التصدي لحالات الطعن ببطلان حكم التحكيم طبقاً للمادة ٥٣ من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ يتضح لنا أنهـا غلبت الطعن على هذا الحكم للأسباب الإجرائية دون الموضوعية باستثناء حالة استبعاد المحكمين للقانون الموضوعي الذى اتفق الطرفان على تطبيقه على النزاع، دون أن يمتد ذلك لمخالفة هيئة التحكيم لأحكام العقد محل التحكيم والقانون الموضوعي الذي يحكمه، فضلا عن حالات الخطأ في تطبيق هذا القانون أو تفسيره أو تأويله مما يشكل قصورا في أوجه الطعن بالبطلان وبالتالي في مدى الرقابة القضائية على أحكام التحكيم وتصحيح ما قد يعتريها من أخطاء بهذا الصدد .. ذلك أن تحديد أسباب الطعن بالبطلان على هذا النحو يغلق أمام المحكوم ضده كل طريق لإصلاح الخطأ الذي يكون حكم التحكيم قد تردى فيه بشأن تطبيق القانون أو تفسيره أو تأويله مما يضعف الرقابة القضائية على حكم التحكيم عن تلك المفروضة على الحكم القضائي الصادر من محكمة ثاني درجة دون مبرر موضوعي بالمخالفة لمبدأ المساواة المقرر بمقتضى المادة ٤٠ من الدستور، ولما أرسته المحكمة الدستورية العليا بأحد أحكامها بهذا الخصوص بقولها.. الأصل أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم الخصومة عينها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها قواعد محددة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها ... وهو الأمر الذي يجعل لأحكام التحكيم مركزا أفضل من الأحكام القضائية في مجال الطعن عليها لإصلاح ما قد يشوبها من عيوب تتعلق بتطبيق القانون أو تفسيره أو تأويله.
وجملة القول أننا نهيب بالمشرع المصري أن يتدخل لتعديل المادة ٥٣ من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ بإضافة أسباب أخرى للطعن على حكم التحكيم بالبطلان أهمها مخالفته لأحكام القانون الموضوعي أو الخطأ : تطبيقه أو تفسيره، فضلا عن مخالفة حكم التحكيم لأي حكم قضائي نهائي أو حكم تحكيم نهائي آخر صدر بين الخصوم أنفسهم في ذات موضوع النزاع .. وهو الأمر الذي يكفل رقابة قضائية فعالة على أحكام التحكيم من ناحية ويجبر هيئات التحكيم على تحرى الدقة واحترام القواعد الموضوعية الحاكمة للنزاع من ناحية أخرى، لاسيما في حالات التحكيم بالقانون.