يقوم حكم التحكيم على جملة أركان يتعين توافرها بحيث إذا تخلف أي منها كان عرضة للطعن عليه بالبطلان ومن قبيل ذلك مـا تطلبــه قـانون التحكيم المصري من صدور حكم التحكيم كتابة بأغلبية الآراء بعد مداولة ، وأن يكون مسبباً وموقعاً من المحكمين ، فضلاً عن اشتماله علـى بعـض البيانات الأساسية كأسماء الخصوم وعناوينهم، وأسماء المحكمين وجنسياتهم وصفاتهم، وصورة من اتفاق التحكيم، وملخص طلبات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم، ومنطوق الحكم وتاريخ ومكان إصداره .
فإذا تخلف ركن من أركان حكم التحكيم أو بيان من بياناته الجوهرية كان ذلك سبباً لقبول طلب بطلانه. بيد أن التساؤل الذي يطرح نفسه علــى بساط البحث فيما نحن بصدده هو هل يترتب البطلان على مخالفة أي من الأركان أو البيانات السابقة ؟ أم يقتصر على تخلف البعض دون البعض الآخر؟
وفي معرض الإجابة على هذا التساؤل نحا فريق فقهي صوب التفرقة بين ما إذا كانت تلك القواعد التي تنتظم حكم التحكيم - تمس بشكل مباشر مصلحة الأطراف في خصومة التحكيم ، أم أنها مجرد قواعد تنظيمية لعملية إصدار الحكم وتسهيل تنفيذه بعد صدوره بحيث يترتب البطلان على النوع الأول دون الثاني.
وقد تبنى المشرع المصري في قانون التحكيم مبدأ صدور حكم التحكيم بعد المداولة بين جميع المحكمين بنصه في المادة ٤٠ على أن …. يصدر حكم هيئة التحكيم المشكلة من أكثر من محكم واحد بأغلبية الآراء بعد مداولة تتم على الوجه الذي تحدده هيئة التحكيم ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك".
ويستخلص من نص المادة ٤٠ سالفة الذكر أن المداولة إجراء ضروري لإصدار حكم التحكيم، يترتب على تخلفه البطلان ما لم تتجه إرادة الأطراف إلى غير ذلك... ومن ثم، فلا يجوز أن يصدر الحكم بغير مداولة ، كما يتعين أن تتم المداولة بين جميع المحكمين بحيث لا يجوز انفراد الأغلبية بإصداره حتى ولو كانت كافية لإصداره، وإنما يتعين أخذ رأى الأقلية، كما يتعين أن تتم المداولة بين جميع المحكمين بأشخاصهم بحيث لا يجوز للمحكم أن ينيب عنه شخص آخر في المداولة، فضلاً عن إجراء المداولة سراً بحيث لا يشترك فيها أو يحضرها غير المحكمين.. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة استئناف القاهرة في إحدى القضايا التحكيمية بأن المحكمين يخضعون لمــا يخضع له القضاء من قيود تتعلق بسرية المداولة حفظاً لهيبة الأحكام من ناحية، وضماناً لحرية المحكمين في إبداء رأيهم من ناحية أخرى، فضلا عن أن تلك السرية ترفع الحرج عن المحكمين أمام أطراف النزاع الذين اختاروهم ودفعوا لهم أتعابهم وطمع كل طرف أن يناصره على الأقل المحكم الذي اختاره… فسرية المداولات لهذه الاعتبارات الزم في التحكيم منها في القضاء الذي يتمتع بكامل الاستقلال عن الخصوم .
وجملة القول أن المداولة إذا تمت بالمخالفة لتلكم القواعد صدر حكم التحكيم باطلا، وأمكن الطعن عليه بالبطلان عملا بالبند "ز" من الفقرة الأولى من المادة ٥٣ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤.