ولقد أورد المشرع المصري - في قانون التحكيم – النص على تلكـــم الحالات باعتبارها أسباباً تبرر الطعن بالبطلان على حكم التحكيم متى توافر سبب منها، وهو ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة ٥٣ من ذاك القانون فــــي بنودها د، و، ز" .. فضلاً عن الحالة الواردة بالفقرة الثانية من ذات المادة.
وطبقاً لنص المادة ٥٣ سالفة الذكر تتمثل حالات الطعن بالبطلان المتعلقة بحكم التحكيم فيما يلي:
(د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.
(و) إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، أو جاوز حدود هذا الاتفاق.
(ز) إذا وقع بطلان في حكم التحكيم، أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم.
وتتمثل الحالة الأخيرة من تلكم الحالات فيما تضمنته الفقرة الثانية من المادة ٥٣ من ذات القانون بنصها على أنه ... " وتقضى المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية .
ونتناول تلكم الحالات تباعاً في أربعة نقاط متتالية.
(۱) استبعاد حكم التحكيم للقانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على النزاع.
يمثل استبعاد حكم التحكيم للقانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع أحد أسباب الطعن بالبطلان على هذا الحكم.. وهو مــا تضمنه البند (د) من الفقرة الأولى من المادة ٥٣ من قانون التحكيم المصري بنصها على أنه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال التالية:
(د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.
فضلا عن قواعد غرفة التحكيم الدولية بباريس والتي نصت في المادة "١/١٧" منها على أنه " للأطراف حرية اختيار قواعد القانون التي يتعين على محكمة التحكيم تطبيقها على موضوع النزاع .. وهو ما سايره المشرع المصري في قانون التحكيم بنصه في الفقرة الأولى من المادة ۳۹ على أن... " تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان..
بمعنى أنها إذا لم يتغير الحكم حتى مع التزام المحكم بتطبيق قواعد القانون تطبيقاً صريحاً فلا يحكـــم بالبطلان.. وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتأييدها لما قضت به محكمة استئناف باريس من رفض إبطال حكم التحكيم الذي صدر في نزاع كـــان المحكم ملزماً بالفصل فيه طبقاً لقواعد القانون، وقدر فيه - طبقاً لقواعد العدالة — التعويض المستحق لأحد الخصوم تأسيسا على أن الحــل لــم يكـن ليختلف فيما لو عرض الأمر على القضاء ليفصل فيه طبقا لقواعد القانون .
وإذا بدا على هذا النحو حرية الأطراف في تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع محل التحكيم، فإن تلك القاعدة لا يمكن التسليم بها على إطلاقها بشأن التحكيم في منازعات العقود الإدارية نظرا لأن قواعد القانون الإداري التي تحكم تلك المنازعات تعد في مجملها قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، بل إنها تعد من وجهة نظرنا متعلقة بالنظام العام لتعلقها بالحفاظ على المصالح العامة للدولة وأشخاصها الاعتبارية العامة، لاسيما المالية منها .. فضلا عن أن تكون إرادة الإدارة بشأن تطبيق قواعد القانون الإداري على موضوع العقد محل التحكيم صريحة ومؤكدة بما يحول دون هيئة التحكيم وتطبيق قواعد أخرى لم تنصرف إليها إرادة ..الطرفين وهو ما يعطى لجهة الإدارة - إذا ما قامت هيئة التحكيم بتطبيق قواعد أخرى ـ الحق في الطعـن بالبطلان على الحكم التحكيم لاستبعاده للقانون الذي اتفق الطرفان على تطبيقه على النزاع محل التحكيم.
ويسير القضاء المصري في هذا الاتجاه.. ومن أبرز التطبيقات القضائية بهذا الصدد ما قضت به محكمة استئناف القاهرة بحكمها الصادر بجلسة ٥ ديسمبر ۱۹۹۵ من أنه إذا تضمن العقد النص على أن القانون الواجب التطبيق بمعرفة هيئة التحكيم هو القانون المصري، وكان الثابت أن العقد هو عقد إداري، فإن مفاد ذلك أن المقصود هو القانون الإداري المصري، فإذا أعمل حكم التحكيم القانون المدني المصري دون القانون الإداري فإنـه يكون قد استبعد القانون المتفق عليه في العقد مما يستوجب بطلانه.