نظمت أغلب التشريعات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي ، عملية الطعن بالقرار الصادر بموجب قواعدها ، وحصرته في أسباب أوردتها في موادها القانونية ، التي عند تحققها او تحقق إي سبب منها ، يحق للطرف الذي صدر قرار التحكيم ضده أن يرفع دعوى بطلان قرار التحكيم استنادا إلى هذه الأسباب الواردة بموجب القانون.
الأسباب الشكلية لبطلان قرار التحكيم التجاري الدولي
لقبول الطعن شكلا يجب أن يوجه فعلا ضد قرار تحكيم تجاري دولي ، على سبيل الحصر، وأن يرد ضمن المدة القانونية المحددة للطعن وان يقدم إلى المحكمة المختصة بنظر هذا الطعن . وعليه سوف نتناول هذه الأسباب الثلاثة تباعا.
المقصد الأول
أن يكون الطعن بقرار تحكيم تجاري دولي
يشترط ان يكون لأعمال الإحكام الخاصة ببطلان قرار التحكيم التجاري الدولي أن يكون الطعن موجها ضد قرار تحكيم تجاري دولي، أي لا يكفي أن يكون الطعن موجها ضد قرار تحكيم فقط ، وعليه في البدء يقتضي منا تحديد ما هو المقصود بالصفة الدولية لقرار التحكيم أولاً نبين بعدها ما هو المقصود بالصفة التجارية ثانياً ومن ثم نبين أهم النتائج التي تترتب على التميز بين التحكيم الوطني والتحكيم التجاري الدولي ثالثا.
أولاً: المقصود بالصفة الدولية لقرار التحكيم
لمعرفة الصفة الدولية لقرار التحكيم التجاري الدولي، علينا ابتداء معرفة أهم المعايير المتبعة لذلك وتمييزها عن التحكيم الوطني، وذلك لما تترتب عليه من آثار مهمة على التحكيم بصوره عامه، والتحكيم التجاري الدولي بصوره خاصة. فقد تعددت آراء الفقه لذلك فمنهم اخذ بمعيار مكان التحكيم، وأخذ جانب ثاني بالمعيار القانوني ، وجانب ثالث بمعيار جنسيه المحكمين ورابع بمعيار القانون الواجب التطبيق ، وخامس بمعيار اللغة والعملة وأخيرا اخذ جانب بمعيار اقتصادي لإضفاء الصفه الدولية على التحكيم التجاري الدولي.
أ - معيار مكان التحكيم
يقوم هذا المعيار على مكان صدور قرار التحكيم ، أو مكان إجراء التحكيم ، في إضفاء الصفة الدولية على التحكيم التجاري الدولي ، فإذا ما صدر قرار التحكيم أو تمت إجراءاته في خارج الدولة .
ب- المعيار القانوني
فإذا كانت العناصر القانونية للعقد على اتصال بأكثر من نظام (واحد) كانت هذه العلاقة تشتمل على عنصر أجنبي اعتبرت علاقة دولية وكانت كافية لإضفاء صفة الدولية على التحكيم. وعلى العكس منها أذا كانت العلاقة وطنية بكل عناصرها ، فأنها يثبت لها الصفة الوطنيه دون الصفة الدولية ، ويذهب البعض الى ان المعيار القانوني قد مر بمرحلتين هما المعيار القانوني التقليدي والمعيار القانوني الحديث.
أما عن المعيار القانوني التقليدي فسبق الاشاره إليه بأنه يعد العقد دوليا إذا اتصل بالعلاقة القانونية إي عنصر أجنبي .
أما المعيار القانوني الحديث فيعتمد على التفرقة بين العناصر القانونية المؤثرة والعناصر القانونية غير المؤثرة ، فاذا ما طرأ عنصر أجنبي على العلاقة القانونية فان هذا في حد ذاته لا يعد مؤشرا كافيا على أن التحكيم التجاري دوليا، ولكن يشترط لاعمال ذلك أن يكون العنصر الذي اتصل بالعلاقة القانونية فاعلا ومؤثرا.
ج- معيار جنسية المحكمين والأطراف ومحل اقامتهم:
ويعد اختلاف محل الاقامة أيضا ضابطاً ومؤشراً على دولية ،التحكيم، فان ذلك يؤدي إلى إلحاق الصفة الدولية بالتحكيم التجاري .
ومن باب أولى يتعين استبعاد إي تأثير الجنسية المحكمين أو محل إقامتهم على الطابع الدولي للتحكيم التجاري ، غير أن في تقديرنا المتواضع للموضوع نرى أن محل الاقامة مؤشر فعال في كثيـــر مـــن حالات التحكيم ، لاضفاء الطابع الدولي على التحكيم التجاري ، إلا انه في جنسية المحكمين يجب التمييز بين فرضين الأول هو حالة تحكيم جرى بين طرفين الأول من جنسية واحدة ، حول علاقة قانونية تدور في إطار قانوني واحد وداخل دولتهم ولكن الطرفين قد اختار محكمــــا أجنبيا ، وجرى التحكيم في الخارج ، فهنا لا يمكن القول بدولية التحكيم التجاري كون أن الطرفين اختارا المحكم والمكان لا لشئ بل للتهرب من المنظومة القانونية لبلدهم ، اما الثاني فيمكن وجوده في حالة كانت جنسية الخصوم مختلفة وتختلف عن جنسية المحكمين ، فان هذا مؤشر يمكن إن يعطي على دولية التحكيم التجاري، وان كان في هذا الفرض مؤشر اقوي منه وهو مكان التحكيم، إذا أراد الاحتجاج بالحكم الصادر في دولة أخرى ، وبالتالي فإذا كان الإطراف قد اختاروا محكمــا مــن جنسية مختلفة وطبقاً لنظام تحكيم أجنبي، فان ذلك يكفي لإضفاء الطابع الدولي على التحكيم .
المعيار الاقتصادي
قانون المرافعات الفرنسي لسنه ۱۹۸۱ فنص في المادة (١٤٩٢) على أنه : يعتبر دوليا" التحكيم الذي يضع في الميزان مصالح التجارة الدولية".
ومن الجدير بالذكر ان توجه هذه التشريعات قد جاء منسجما مــع مــا أخذت به اتفاقية جنيف لسنة ١٩٦١ عندما نصت في المادة الأولى على انه: تطبق هذه الاتفاقية على اتفاقيات التحكيم المعقودة بهدف فض النزاعات الناشئة أو التي قد نشأت نتيجة لعمليات التجارة الدولية... وكذلك اتفاقيه واشنطن لعام ١٩٦٥ في مادة (٢٥) منها.
بعد استعراض المعايير المختلفة نستطيع القول بأن الصفة الدولية هي من المسائل المعقدة في الفقه القانوني، فاذا كان المشرع الفرنسي قد تبني موقف القضاء الفرنسى فى تبنى المعيار الاقتصادي ، إلا انه رغم ذلك نجد أن هناك اتفاقيات لها ثقل كبير فى ارساء قواعد التحكيم التجاري الدولي قد أخذت بمعايير مختلفة، مثل اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ ، واتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۳ ، والاتفاقية الأوربية لعام ١٩٦١، وكذلك المسلك الذي اتبعه واضعوا القانون النموذجي (unciral) للتحكيم الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، ونحن نميل مع هذا المعيار كونه توجه غالبية التشريعات .
ثانيا: المقصود بالصفة التجارية لقرار التحكيم :
وعليه فان قرار التحكيم الدولي المطلوب إبطاله، لا بد ان تتوافر فيه الصفة التجارية ، وبخلاف ذلك لا يمكن الطعن به بأسلوب الطعن على قرارات التحكيم التجاري الدولي.
هذا وقد بينت بعض التشريعات التجارية الأعمال التجارية، وأورد طائفة من الأمثلة على ذلك في نصوصها باعتبارها أعمالا تجارية.
وكذلك ذهبت اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الاجنبية على ان الدول المتعاقدة ستقتصر تطبيق هذه الأتفاقية على المنازعات القانونية التي تعد تجارية طبقا لقانونها الوطني، أي ان هذه المعاهدة قد اعتبرت أن معيار التجارية في المنازعات القانونية هي كون النزاع ذا صفه تجارية، استنادا لنصوص القانون ووفقا للمعايير التقليدية للعمل التجاري لكل من الدول المنظمة للاتفاقية أعلاه .
نص المادة (٥) من قانون التجارة العراقي رقم ٣٠ لسنة ١٩٨٤، الذي أورد ستة عشر فقرة تناولت الأعمال التجارية، إذ كانت بقصد الربح ، ويُعد هذا القصد متوافرا ما لم يتم إثبات العكس، وكذلك انظر نص المادة (۲) من قانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤. إذ نصت على أنه يكون التحكيم تجارياً في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي، عقدية كانت او غير عقدية، ويشمل ذلك على سبيل المثال ترويج السلع او الخدمات والوكالات التجارية وعقــــود التشييد والخبرة الهندسية او الفنية ومنح التراخيص الصناعية والسياحية وغيرها مثل التكنولوجيا والاستثمار وعقود التنمية وعمليات البنوك والتأمين والنقل وعمليات تنقيب واستخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد أنابيب الغاز او النفط وشق الطرق والإنفاق واستصلاح الأراضي الزراعية وحماية البيئة وأقامة المفاعلات النووية".
نصت الفقرة (۳) من المادة الأولى من اتفاقيه نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ إحكام المحكمين لعام ۱۹٥٨ ، على أنه " لكل دولة عند التوقيع على الاتفاقية أو التصديق عليها أو الانضمام إليها او الإخطار بامتداد تطبيقها عملا بنص المادة العاشرة أن تصرح على أساس المعاملة بالمثل ستقر تطبيق الاتفاقية على الاعتراف وتنفيذ إحكام المحكمين الصادرة على إقليم دوله أخرى متعاقدة كما ان للدولة ان تصرح أيضا بأنها أيضا ستقصر تطبيق الاتفاقية على المنازعات الناشئة عن روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية التي تعقد تجارية طبقا لقانونها الوطني".
وبهذا تكون الصفة التجارية لمنازعة التحكيم التجاري الدولي في نص المادة الأولى الفقرة الثالثة من اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ المنظمة بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين تعتمد على اعتبار العلاقة القانونية موضوع النزاع تجارية استنادا للقانون الداخلي للدولة ، أي القانون التجاري والعرف التجاري والمعايير التقليدية للعمل التجاري.
إما فيما يتعلق بالصفة التجارية، ووفقا للقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة لعام ١٩٨٥ ، فنصت المادة الحادية عشر الفقرة الأولى منه على انه ينطبق هذا القانون على ان التحكيم التجاري الدولي مع مراعاة إي اتفاق نافذ مبرم بين هذه الدولة وأية دولة أو دول أخرى".
وقد اعتمد القانون على مبدأ التوسع في تفسير مصطلح التجارة بحيث يكون التفسير واسعا شاملا بمجمل المسائل الناشئة عن العلاقات القانونية ذات الطابع التجاري ) . كذلك اتجه مشروع قانون التحكيم التجاري العراقي الدولي في المادة (٤/١) الى تعريف التحكيم التجاري الدولي ونظم موضوع نزاع التجارة الدولية.
جاءت حاشية المادة الأولى من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام ١٩٨٥ لتفسير مصطلح التجاري : ينبغي تفسير مصطلح (التجاري) تفسيرا واسعا بحيث يشمل المسائل الناشئة عن جميع العلاقات ذات الطبيعة التجارية تعاقديه كانت او غير تعاقدية. فالعلاقات ذات الطبيعة التجارية تشمل دون حصر المعاملات الآتية: أي معاملة تجارية لتوريد السلع او الخدمات او تبادلها ، اتفاقات التوزيع، التمثيل التجاري او الوكالة التجارية، إدارة الحقوق لدى الغير، التأجير الشرائي، تشييد المصانع الخدمات الاستشارية الأعمال الهندسية إصدار الترخيص، الاستثمار التمويل الإعمال المصرفية، التأمين اتفاق او امتياز الاستقلال المشاريع المشتركة وغيرها من إشكال التعاون الصناعي او التجاري، نقل البضائع او الركاب جوا وبحرا او بالسكك الحديدية او بالطرق البرية.