الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب بطلان حكم التحكيم / الكتب / طرق وأسباب الطعن في حكم التحكيم دراسة قانونية مقارنة / أسباب الطعن في حكم التحكيم في الفقه الإسلامي

  • الاسم

    محمد علي فرح
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    124

التفاصيل طباعة نسخ

أسباب الطعن في حكم التحكيم في الفقه الإسلامي

   ذهب الفقهاء في الجملة إلى أن القاضي إذا خالف في حكمه نصا أو إجماعا كان قضاؤه فاقدا لشرط ووجب نقضه، إذ أن شرط الحكم بالاجتهاد هو فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله ، بدليل خبر معاذ رضي الله عنه أن رسول الله(ﷺ) لما بعثه إلى اليمن قال: " كيف تصنع أن عرض لك قضاء؟ قال اقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله (ﷺ) ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله ولا في كتاب الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال أجتهد رأيي لا آلو ولأنه إذا ترك الكتاب والسنة فقد فرط فمخالفة المتواتر من كتاب أو سنة إذا كان قطعي الدلالة كُفر ، فوجب نقض حكمه إذ لا مساغ للاجتهاد في مورد النص، وزاد بعض الفقهاء زيادات أخرى كالقياس الجلي وسيأتي تفصيله لاحقا، قال الحنابلة يحرم أن ينقض من حكم قاضي صالح للقضاء شيئا لئلا يؤدي إلى نقض الحكم بمثله وإلا أن لا يثبت حكم أصلا غير ما خالف نص كتاب الله أو سنة متواترة أو سنة آحاد أو خالف إجماعا قطعيا، بخلاف الإجماع السكوتي

ما ينقض من الأحكام

   ذهب الفقهاء إلى أنه يجب نقض الحكم إذا خالف نص في الكتاب أو السنة أو الإجماع باعتبار أنه قضاء لم يصادف شرطه فوجب نقضه ، وزاد المالكية على ما ذكر ما يشذ مدركه أي دليله، أو مخالفة القواعد، أو القياس الجلي الذي تقضي قواطع الأصول به ، وقيد القرافي ذلك بقوله: أن قول العلماء أن حكم القاضي ينقض إذا خالف القواعد أو القياس أو النص فالمراد منه إذا لم يكن لها معارض راجح عليها فإن كان لها معارض فلا ينقض الحكم، وقالوا إذا كان الحكم مخالفا للإجماع فلا يرفع الخلاف ويجب نقضه، مثال كما لو حكم بأن الميراث كله للأخ دون الجد فهذا خلاف الإجماع لأن الأمة كلها على قولين هما: المال كله للجد أو يقاسم الأخ وأما حرمان الجد بالكلية فلم يقل به أحد من الأمة ، فمتى حكم به حاكم بناء على أن الأخ يدلي بالبنوة والجد يدلي بالأبوة، والبنوة مقدمة على الأبوة نقضنا هذا الحكم.

    قال الماوردي إذا خالف نصا من كتاب أو سنة أو إجماع أو خالف من قياس المعنى القياس الجلي، أو خالف من قياس الشبه قياس التحقيق نقض به حكمه وحكم غيره لأن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدل عن اجتهاد في دية الجنين حين أخبره حمل بن مالك بن النابغة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة ، وكان لا يورث امرأة من دية زوجها حتى روى له الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فورثها عمر .   (ﷺ)

   وكان عمر رضي الله عنه لا يرى أن أصابع اليد سواء في الدية لاختلافها بحسب اختلاف منافعها ولم يكن عنده علم بما ورد فيها من سنة تقضي بأنها في ذلك سواء إلى أن علم بذلك فيما بعد فقد كان يقضى في الإبهام بثلاث عشرة، وفي الخنصر بست حتى وجد كتابا ثم أخبر أن النبي (ﷺ) قال : "وفي كل أصبع مما هناك عشرة من الإبل ، ونقض على رضي الله عنه قضاء شريح في ابني عم: أحدهما أخ لأم بأن المال للأخ متمسكا بقوله تعالى ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بعْضهمْ أوْلَى بِبَعْضٍ ) فقال له سيدنا على رضي الله عنه قال الله تعالى ﴿وَإِن كَانَ رَجُل یورتْ كَلَالَةَ أو امْرَأَةَ وَلَهُ أخاً وأخت فلكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا السدس فيحتمل أن عليا رضي الله عنه نقض ذلك الحكم لمخالفته هذه الآية.

  فهذه كلها آثار لم يظهر فيها في الصحابة مخالف فكانت إجماعا، وأن الكتاب والسنة أصل الإجماع.

   قال النووي إذا اتضح للقاضي أن الحكم خالف قطعيا كنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع أو ظنا محكما بخبر الواحد أو بالقياس الجلي فيلزمه نقضه، أما إذا تبين له بقياس خفي رأه أرجح مما حكم به وإنه الصواب فليحكم فيما يحدث بعد ذلك من أخوات الحادثة بما رأه ثانيا ولا ينقض ما حكم به أولا، بل يمضيه، ثم ما نقض به قضاء نفسه نقض به قضاء غيره وما لا فلا، ولا فرق بينهما إلا أنه يتبع قضاء غيره وإنما ينقضه إذا رفع إليه وله تتبع قضاء نفسه لينقضه. قال ما ينقض من الأحكام لو كُتب به إليه لا يخفي أنه لا يقبله ولا ينفذه لأنه إعانه على ما يعتقده خطأ، وقال بن القاص لا أحب تنفيذه وفي ذلك تنبيه بإمكانية تنفيذه، وصرح السرخسي (الشافعي) بنقل الخلاف فقال إذا رفع إليه حكم قاض قبله فلم ير فيه ما يقتضي النقض، لكن أدى اجتهاده إلى غيره فوجهان أحدهما: يعرض عنه وأصحها ينفذه وعلى هذا العمل كما لو حكم بنفسه ثم تغير اجتهاده تغيرا لا يقتضي النقض، وترافع الخصوم إليه فإنه يمضي حكمه الأول وإن أدى اجتهاده إلى أن غيره أصوب منه .

  يرى الحنفية أن المراد بمخالفة الكتاب مخالفة النص القرآني الذي لم يختلف السلف في تأويله كقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سبيلا فإن السلف اتفقوا على عدم جواز تزوج امرأة الأب وجاريته التي وطئها الأب فلو حكم قاضي بجواز ذلك نقضه من رفع إليه، وأن المراد بمخالفة السنة مخالفة السنة المشهورة كالحكم بحل المطلقة ثلاثا للزوج الأول بمجرد النكاح بدون إصابة الزوج الثاني، فإن اشتراط الدخول ثابت بحديث العسيلة .

   المراد بالمجمع عليه ما أجتمع عليه الجمهور أي جل الناس وأكثرهم، ومخالفة البعض غير معتبرة لأن ذلك خلاف لا اختلاف، وقالوا ينقض الحكم كذلك إذا كان حكما لا دليل عليه قطعا .

ما لا ينقض من الأحكام

   لا ينقض من الأحكام كل حكم معتمد على دليل من القرآن أو السنة أو الإجماع، لأن في نقض الحكم في هذه الحالة لا يخرج عن كونه رد واطراح للدليل الشرعي وهو حرام وباطل، أو اجتهاد مخالف للنص سواء كان سبب مخالفة النص راجع للفهم الخاطئ له، أو نتيجة لقياس حكم لا نص فيه على حكم منصوص عليه وهو أيضا باطل إذ " لا مساع للاجتهاد في مورد  النص وكذلك الحكم فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإذا أصاب القاضي في حكمه فالأصل أنه لا ينقض، كما إذا حكم فيما يسوغ فيه الاجتهاد كان حكمه نافذا وحكم غيره من القضاة به نافذا لا يتعقب بفسخ أو نقض لأن هذا يعتمد على الاجتهاد وإعمال الرأي أي حصل في موضع الاجتهاد فنفذ، ولزم على وجه ،ولا يجوز إبطاله، لأنه لا مرجح لاجتهاد على اجتهاد، والأصل فيما روى عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالقضاء وينزل القرآن غير ما قضى فيستقبل حكم القرآن ولا يرد قضاءه الأول ، وما روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه إنه حكم بحرمان الإخوة الأشقاء من التركة في المشركة، ثم شرك بعد ذلك ولم ينقض قضاءه الأول، فلما قيل له في ذلك قال ذلك ما قضينا وهذا على ما نقضي، وقضى في الجد بقضايا مختلفة ولم يرد الأولى، ولأنه يؤدي إلى نقض الحكم بمثله وهذا يؤدي إلى اضطراب الأحكام وعدم ثوبتها أصلاً، لأن الاجتهاد قابل للتبديل دوماً فيخالف القاضي الثاني الذي قبله والثالث يخالف الثاني فلا يثبت الحكم فلا تنقضي المنازعات بين الناس نهائيا وهي حالة يعم بها الفساد فلذلك قرر العلماء القاعدة الفقهية: "الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، فقد ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : انه لقي رجلاً فقال له ما صنعت ؟ قال قضى على وزيد بكذا، فقال عمر لو كنت انا لقضيت بكذا وكذا، فقال الرجل فيما يمنعك والأمر اليك يا أمير المؤمنين؟ قال لو كنت أردك لكتاب الله وسنة نبيه لفعلت ولكن أردك إلى رأيي والرأي - مشترك، ولم ينقض عمر ما حكم به علي وزيد رضي الله عنهم

   عند الشافعية إذا حكم القاضي على خلاف قياس خفي وهو ما لا يزيل احتمال المفارقة ولا يبعد كقياس الأرز على البر في باب الربا بعلة الطعام، فلا ينقض حكمه المخالف لذلك القياس لأن الظنون المتعادلة لو قضى بعضها بعضا لما استمر حكم ولشق الأمر على الناس.

   قال الشافعي من أجتهد من الحكام فقضى باجتهاده ثم رأى قياسا محتملا أحسن عنده من شيء قضى به قبل والذي قضى به قبل يحتمل القياس فإن كان يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم ينقض الأول وحكم فيما يستأنف في القضاء الآخر بالذي أصوب .

  يفرق الحنفية بين الحكم في محل الاجتهاد والحكم المجتهد فيه، فالحكم في محل الاجتهادهو أن يكون الخلاف في المسألة وسبب القضاء، وأمثلته كثيرة كما لو قضى بشهادة المحدودين بالقذف بعد التوبة وكان القاضي شافعياً يرى سماع شاهدتهما، فإذا رفع إلى قاضي آخر لا يرى ذلك كحنفي مثلاً فيمضيه ولا ينقضه وكذا لو قضى لامرأة بشهادة زوجها وآخر أجنبي، فرفع لمن لا يجيز هذه الشهادة أمضاه، لأن الأول قضى بمجتهد فيه  فينفذ لأن المجتهد فيه سبب القضاء وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أو لا ؟ فالخلاف في المسألة وسبب الحكم لا نفس الحكم، وكذا لو سمع البينة على الغائب بلا وكيل عنه وقضى بها ينفذ قضاءه لأن المجتهد فيه سبب القضاء وهو أن البينة هل تكون حجة بلا خصم حاضر فإذا رآها صح .

  أما الحكم المجتهد فيه وهو ما يقع الخلاف فيه بعد وجود الحكم فقالوا أن حكم في فصل مجتهد فيه فلا يخلو أما أن يكون مجمعا على كونه مجتهدا فيه وإما أن يكون مختلفا في كونه مجتهدا فيه، فإن كان مجمعا على كونه محل الاجتهاد، فإما أن يكون المجتهد فيه هو المقضي به وإما أن يكون نفس القضاء، فإن كان المجتهد فيه هو المقضي به فرفع إلى قاضي آخر لم ينقضه الثاني ... ينفذه لكونه قضاء مجمعا على صحته، لما علم أن الناس على اختلافهم في المسألة اتفقوا على أن للقاضي أن يقضي بأي الأقوال الذي مال إليه اجتهاده، فكان قضاءه مجمعا على صحته، فلو نقضه إنما ينقضه بقوله وفي صحته اختلاف بين الناس فلا يجوز نقض ما صح بالاتفاق بقول مختلف في صحته ولأنه ليس مع الثاني دليل قطعي بل اجتهادي، وصحة قضاء القاضي الأول ثبتت بدليل قطعي وهو إجماعهم على جواز القضاء بأي وجه اتضح له، فلا يجوز نقض ما مضى بدليل قاضي بما فيه من شبهه، ولأن الضرورة توجب القول بلزوم القضاء المبني على الاجتهاد وأن لا يجوز نقضه، لأنه لو جاز نقضه برفعه إلى قاضي آخر يرى خلاف رأي القاضي الأول فينقضه ثم يرفعه المدعي إلى قاضي ثالث يرى خلاف رأى القاضي الثاني فينقض نقضه ويقضي كما قضى الأول فيؤدي ذلك إلى أن لا تندفع الخصومة والمنازعة أبدا، والمنازعة فساد وما أدى إلى الفساد فساد .

  فإن كان القاضي الثاني رد الحكم فرفعه إلى قاضي ثالث نفذ قضاء الأول وأبطل قضاء القاضي الثاني لأنه لا مزية لأحد الاجتهاديين على الآخر، وقد ترجح الأول باتصال القضاء فلا ينتقض بما هو دونه، كما أن قضاء الأول كان في موضع الاجتهاد والقضاء بالمجتهدات نافذ بالإجماع فكان القضاء الثاني مخالفا للإجماع فيكون باطلا، ولأنه لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والدعوى متى فصلت مرة بالوجه الشرعي لا تنتقض ولا تعاد فيكون قضاء الأول صحيحا وقضاء الثاني بالرد باطلا وشرط نفاذ القضاء في المجتهدات أن يكون في حادثة ودعوى صحيحة فإن فات هذا الشرط كان فتوى لا حكما . أما إذا كان القضاء نفسه مجتهدا فيه أو كان في محل اختلفوا في أنه محل اجتهاد فسيأتي توضيحه عند الكلام عن الحكم المختلف فيه.

  يرى المالكية أن الحكم في النازلة موضوع الدعوى يرفع الخلاف فلا يجوز لمخالف فيها نقضها، فإذا حكم بفسخ عقد أو صحته لكونه يرى ذلك لم يجز لقاضي غيره ولا له نقضه، وهذا في الخلاف المعتبر من العلماء .

  ذهب الشافعية إلى أنه أن تبين له بقياس خفي رآه أرجح مما حكم به وإنه الصواب فلا ينقض حكمه بل يمضيه ويحكم فيما يحدث بعد ذلك بما رآه ثانيا .

ما اختلف في نقضه من الأحكام

   الأحكام التي يختلف الفقهاء فيها بين القول بنقضها والقول بعدم النقض متعددة ويتعذر حصرها وأهمها:

( أ ) الحكم المجتهد فيه

  قال الحنفية الحكم المجتهد فيه هو ما يقع الخلاف فيه بعد وجود الحكم فقيل ينفذ ، وقيل يتوقف على إمضاء قاضي آخر فإذا رفع إلى الثاني فأمضاه يصير كأن القاضي الثاني حكم في فصل مجتهد فيه فليس للثالث نقضه ولو أبطله الثاني بطل وليس لأحد أن يجيزه كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته أو كان القاضي محدودا في قذف لأن نفس القضاء مختلف فيه، وهذا إذا كان القضاء في محل أجمعوا على كونه محل الاجتهاد، أما إذا كان في محل اختلفوا أنه محل الاجتهاد كبيع أم الولد فعند أبي حنيفة وأبي يوسف ينفذ لأنه محل الاجتهاد وذلك لاختلاف الصحابة في جواز بيعها، وعند محمد لا ينفذ لوقوع الإجماع من المتأخرين على عدم البيع بعد اختلاف الصحابة في جواز البيع، وهذا يرجع إلى أن الإجماع المتأخر لا يرفع الخلاف المتقدم عند أبي حنيفة وأبي يوسف، أما محمد فيرى أن الإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم، فكان هذا الفصل مختلفا في كونه مجتهدا فيه، فإن كان من رأي القاضي الثاني من رأي الإمامين أبي حنيفة وأبي يوسف أنه مجتهد فيه ينفذ قضاؤه ولا يرده، وإن كان من رأيه كرأي الإمام محمد أنه خرج عن حد الاجتهاد وصار متفقا عليه لا ينفذ، بل ينقضه لأن قضاء الأول وقع مخالفا للإجماع فكان باطلا

   ذهب المالكية في المشهور عندهم ( في الطرر على التهذيب) والشافعية (في الأم ) والحنابلة إلى أنه إذا أجتهد لنفسه فيما يسوغ فيه الاجتهاد فحكم بما هو الصواب عنده، ثم تبين له باجتهاد ثاني أن الصواب خلافه فلا ينقضه لأنه لو كان له نقض هذا لرأيه الثاني لكان له نقض الثاني والثالث ولا يقف على حده ولا يثق أحد بما قُضى له به، وذلك ضرر شديد وخالف في ذلك ابن القاسم وغيره من المالكية فقالوا يفسخ الحكم .

   زاد المالكية على ما سبق أنه لو كان القاضي حكم بقضية فيها اختلاف بين الفقهاء، ووافق قولا شاذا نقض حكمه، إن لم يكن شاذا لم ينقض حكمه، قال القرافي: في معنى قول العلماء: أن حكم القاضي ينقض إذا خالف القواعد والقياس أو النص فالمراد: إذا لم يكن لها معارض راجح عليها، أما إذا كان لها معارض فلا ينقض الحكم إذا كان وفق معارضها الراجح إجماعاً، كالقضاء بصحة عقد القراض والمساقاة والسلم والحوالة ونحوها فإنها على خلاف القواعد والنصوص والاقيسة ، وقال بن عبد الحكم سمعت ابن القاسم يقول الذي يطلق إمرأته البتة فيرفع أمره إلى من لا يرى البتة فجعلها واحدة، فتزوجها قبل أن تنكح زوجا غيره أنه يفرق بينه وبينها، وليس هذا من الاختلاف الذي يُقر إذا حكم به وقال ابن عبد الحكم أراه وأرى أن يقر كل قضاء قضى به مما اختلف فيه كائنا ما كان لا يرجع القاضي عما اختلف فيه ولا إلى ما هو أحسن منه حتى يكون الأول خطأ بينا لم يأت فيه خلاف من أحد .

   ذهب الشافعية إلى أن قضاء القاضي المستند إلى اجتهاده المخالف خبر الواحد الصحيح الصريح الذي لا يحتمل إلا تأويلا بعيدا ينبو الفهم عن قبوله ينقض وقيل لا ينقض، مثاله القضاء بنفي خيار المجلس عند من يراه كالإمام مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لم يقولوا بإثبات خيار المجلس، وقالوا متى تم الإيجاب والقبول لزم البيع وليس لأحد المتبايعين فسخه، تفرقا أم لم يتفرقا ، وكذلك النكاح بلا ولي فقد ذهب ابو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية وزفر ومن وافقهم إلى صحة هذا الزواج مطلقاً إلا أن للولي حق الاعتراض فيما إذا كان لغير كفء ما تلد أو تحبل حبلاً ظاهراً، وذهب مالك والشافعي واحمد وإسحاق وكثير من العلماء إلى عدم صحة الزواج بعبارة المرأة أصيلة أو وكيلة ، وقيل : الأصح أن الحكم لا ينقض في مسألة النكاح بلا ولي وصححه في الروضة .. قال الماوردي أنه إذا ثبت أنه قضى باجتهاده فيما يسوغ فيه الاجتهاد ثم بان له فساد اجتهاده لم يجز نقض حكمه، ولا يجوز أن يحكم في المستقبل إلا باجتهاد ثاني دون الأول، ولو بان له فساد الاجتهاد قبل تنفيذ الحكم به حكم بالاجتهاد الثاني دون الأول مثال ذلك ما يقوله المجتهد في القبلة أن بان له بالاجتهاد خطأ ما تقدم من اجتهاده قبل صلاته عمل على اجتهاده الثاني دون الأول وإن بان له بعد صلاته لم يعد ما صلى واستقبل الصلاة الثانية بالاجتهاد الثاني .

   قال الحنابلة إذا رفع إلى قاضي حكم في مختلف فيه لا يلزمه نقضه لينفذ، لزمه تنفيذه في الأصح وإن لم يره المرفوع إليه صحيحا لأنه حكم ساغ الخلاف فيه، فإذا حكم به حاكم لم يجز نقضه فوجب تنفيذه وكذا لو كان نفس الحكم مختلفا فيه كحكمه بعلمه، وقيل: يحرم تنفيذ الحكم إذا كان القاضي الثاني لا يرى صحة الحكم، وفي المحرر أن لا يلزمه إلا أن يحكم به قاضي آخر قبله .

(ب) عدم علم القاضي باختلاف الفقهاء

  قال الحنفية إذا رفع إلى قاضي حكم قاضي آخر نفذه أي ألزم الحكم والعمل بمقتضاه لو مجتهدا فيه عالما باختلاف الفقهاء، فلو لم يعلم لم يجز قضاؤه ولا يمضيه الثاني في ظاهر المذهب، ولكن في الخلاصة : ويفتى بخلافه وكأنه تيسيرا .

   أضاف ابن عابدين إذا قضى المجتهد في حادثة له فيها رأى مقرر قبل قضائه في تلك الحادثة التي قصد فيها المتفق عليه فحصل حكمه في المحل المختلف فيه وهو لا يعلم، ثم بان أن قضاءه هذا على خلاف رأيه المقرر قبل هذه الحادثة فحينئذ لا ينفذ قضاؤه، وأما إذا وافق قضاؤه رأيه في المسألة ولم يعلم حال قضائه أن فيها خلافا فلم يقل أحد من علماء الإسلام بأنه لا ينفذ قضاؤه خلافا لمن زعم ذلك .

   ذهب الحنابلة إلى أنه لا ينقض حكم القاضي بعدم علمه الخلاف في المسألة لأن علمه بالخلاف لا أثر له في صحة الحكم ولا بطلانه حيث وافق الشرع .

(ج) الحكم في الدعوى بخلاف إرادة القاضي

  إذا أراد القاضي الحكم بشيء فأخطأ في حكمه نتيجة لانشغاله أو لسهوه ينقض حكمه عند المالكية إذا ثبت ذلك ببينة، أما إذا لم تكن بينه فينقضه الذي أصدره دون غيره، وكذلك ينقض حكمه إذا حكم بالظن والتخمين من غير معرفة ولا اجتهاد .

   قال الحنفية إذا قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة رواية واحدة، وإذا كان عامدا ففيه روايتان عنه الأولى نفاذ الحكم أن الخطأ ليس في حكم بيقين لأن رأيه في مسألة مجتهدا فيها وهو بذلك يحتمل الخطأ، وإن كان بدى عنده الصحة ورأى غيره يحتمل الصحة وإن كان الظاهر عنده خطأ فليس واحد منهما خطأ بيقين، فكان حاصله قضاء في محل مجتهد فيه فينفذ ، والرواية الثانية أن حكمه لا ينفذ أن كان قد حكم مع اعتقاده أنه غير حق فهو بذلك عبث فلا يعتبر، وبهذا أخذ شمس الأئمة الاوز جندي وبالأول أخذ الصدر الشهيد وقال أبو يوسف ومحمد لا ينفذ في الوجهين لأنه قضى بما هو خطأ عنده

(د) إذا خالف ما يعتقده أو خالف مذهبه

   إذا حكم القاضي المجتهد بخلاف مذهبه ولم يكن ذلك عن غفلة أو نسيان فيحمل على أنه اجتهد فأدى اجتهاده إلى خلاف مذهبه فقضى به، وبذلك فلا يجوز لقاض آخر نقض حكمه، أما إذا لم يكن مجتهداً وحكم في مجتهد فيه مخالفا لمذهبه أو رأى مقلده فقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن القاضي ينقض هو حكمه دون غيره، قيد الشافعية ذلك بأن يكون المقلد غير متبحر، وأن تكون المخالفة للمعتمد عند أهل المذهب، وإنه لو حكم بغير مذهب من قلده لم ينقض بناء على أن للمقلد تقليد من شاء .

   قال الحنابلة أن كان القاضي متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة دليل أو قلد من هو أعلم أو أتقى منه فحسن ولم يقدح في عدالته .

   قد جاء في شرح مجلة الأحكام العدلية ليس للقاضي أن يحكم بخلاف رأي المجتهد الذي أمر بالعمل بمقتضى رأيه في المسائل المجتهد فيها، فإن عمل وحكم لا ينفذ حكمه، لأنه لما كان غير مخول له بالحكم بما ينافي ذلك الرأي لم يكن القاضي قاضيا للحكم بالرأي المذكور.

   عند المالكية إذا حكم القاضي سواء كان في رتبة المجتهد أو المقلد في قضية ثم جدت أخرى مماثلة فليس من اللازم أن يحكم القاضي المجتهد في الدعوى الجديدة بذات حكمه السابق إذ أن له فسحة الاجتهاد في القضية الجديدة ويحكم بخلاف ما سبق وان حكم به، وللقاضي المقلد الحكم بما سبق حكم به في الدعوى السابقة من راجح قول مقلده، وكذلك للقضاة من أصحاب المذاهب الأخرى أن يحكموا بغير حكمه إذا حكم بخلاف ما لا يعتقد صحته يلزمه نقضه لاعتقاده بطلانه، فإن اعتقده صحيحا وقت الحكم ثم تغير اجتهاده وكانت النازلة محل اجتهاد ولا يوجد نص ولا إجماع فيها لم ينقض حكمه وهذا ما ذهب إليه الحنابلة .

(هـ) أحكام القاضي غير الكفء

  اختلف الفقهاء في نقض أحكام القاضي المفتقر للكفاءة العلمية بسبب جهله بالأحكام الشرعية أو لنحوه فهل تبطل أحكامه كلها ما وافق منها الشرع أو خالفه ؟ أم يقتصر البطلان على الأحكام التي الحكم المخالف للشرع؟

    يرى الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكية إلى أن أحكامه كلها تنقض وإن أصاب فيها، لأنها صدرت من قاضي مفتقر لصلاحية الحكم ومنهم من استثنى من حالة أن يكون القاضي تم تعيينه من ذو شوكة بحيث ينفذ حكمه مع الجهل أو نحوه وقال: إنه لا ينقض ما أصاب فيه وهو الظاهر .

    ذهب بعض المالكية وبعض الحنابلة على قصر بطلان أحكامه على تلك التي صدرت بالمخالفة للصواب كلها سواء كانت في نازلة مما يجوز فيها الاجتهاد أم لا يجوز، لأن افتقاره للكفاءة العلمية يجعل تعيينه غير صحيح وبالتالي فإن حكمه غير صحيح وقضاؤه كعدمه، لا يتعارض إبطال قضاياه مع قاعدة عدم نقض الاجتهاد بالاجتهاد لأن الأول ليس باجتهاد ولا ينقض ما وافق الصواب لعدم الفائدة في نقضه فإن الحق وصل إلى مستحقه والحق إذا وصل إلى مستحقه بطريق القهر من غير حكم لم يغير فكذلك إذا كان رجوع الحق بحكم وجوده كعدم وجوده لا يؤثر فالعبرة برجوع الحق وشرط بعضهم ضرورة أن يكون مثل هذا القاضي يشاور العلماء في أحكامه وإن كان لا يشاورهم فتنقض كلها والمذهب أنه أن شاور العلماء مضى قطعا ولم يتعقب حكمه ومنهم من يرى بأن أحكامه لا تنقض إلا ما خالف منها القرآن أو السنة أو الإجماع وهو ما جرى عليه العمل وساد من زمن ولا يسع الناس غيره .

   قال الحنفية أن القاضي لو قضى بخلاف الشرع الشريف وأعطى بذلك حجة لا ينفذ الحكم المذكور ولا يعمل بالحجة المذكورة والحالة هذه قال الله تعالى ﴿وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أنزل الله فأولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وقال عليه الصلاة والسلام: "القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار أي قاضي عرف الحق وقضى به فهو في الجنة وقاضي عرف الحق فقضى بخلافه فهو في النار وكذا قاضي قضى على جهل .

(و) صدور الحكم من قاضي معروف بالظلم

   اختلفت آراء الفقهاء في الأحكام التي تصدر من قاضي معروف ومشهور في سمعته وحاله بالظلم وعدم العدالة عالما كان أو جاهلا، ظهر جوره أو خفي هل تنقض أحكامه كلها صحيحها وخطئها أم تنقض أحكامه الخاطئة دون غيرها؟

   هناك من يقرر إلى أن أحكامه كلها ترد صوابا كانت أو خطأ، كالمالكية والحنابلة في المذهب، لأنه لا يؤمن حيفه وان يكون أظهر الصواب والعدل في قضائه واشهد على ذلك ويكون باطن أمره فيه الجور والحيف واستثنى المالكية من ذلك ما إذا ظهر الصواب والعدل في قضائه، وكان باطن أمره فيه كان صحيحا مستقيما وشهد بذلك من عرف القضايا فإن أحكامه تمضى ولا ترد لأنها إذا رد وقد ماتت البينة وانقطعت الحجة، كان ذلك إبطالا للحق وقال أصبغ في ذلك: هكذا سمعت ابن القاسم وأصحابنا يقولون غير أني أرى أقضية الخلفاء والأمراء وقضاة السوء جائزة ما عدل فيه منها وينقض منها ما تبين فيه جور أو أستريب ولم يتحقق إلا أن لم يعرف القاضي بالجور فترد كلها ما عرف بالجور فيها أو جهل وحكي ابن رشد في القاضي غير العدل ثلاثة أقوال:

الأول: فسخ أحكامه مطلقاً وهو قول ابن القاسم.

الثاني: عدم فسخها مطلقا وهو اختيار القاضي إسماعيل الذي يذهب إلى أن القضاء يُحمل على الصحة ما لم يثبت الجور وفي التعرض لذلك ضرر للناس ووهن للقضاة فإن القاضي لا يخلو من أعداء يرمونه بالجور فإذا مات أو عزل قاموا يريدون الانتقام منه بنقض أحكامه فلا ينبغي للسلطان تمكينهم من ذلك.

الثالث رأى أصبغ وهو أن يمضى من أحكامه ما عدل فيه ولم يسترب فيه وينقض ما تبين فيه الجور أن استريب .

   ذهب بعض الحنابلة وهو المستفاد من أقوال الشافعية إلى أنه ينقض حكم من شاع جوره إذا ثبت من إدعى عليه أنه حكم بغير الحق

   نص الحنفية على أنه أن كان القاضي تعمد الجور فيما قضى وأقر به فالضمان في ماله سواء كان ذلك في حق الله أو في حق العبد ويعزر القاضي على ذلك لارتكابه الجريمة العظيمة ويعزل عن القضاء ونص أبي يوسف على أنه إذا غلب جوره ورشوته ردت قضاياه وشهادته .

   (ن) الحكم لبطلان في ذاته أو إجراءاته :

   إذا حكم القاضي لنفسه أو لأحد أصوله أو فروعه أو زوجته أو من لا تقبل شهادته له فالفقهاء لهم في ذلك رأيان : 

  الرأي الأول: نقض الحكم لكونه باطلا لمكان التهمة بخلاف ما إذا حكم عليهم فينفذ حكمه لانتفاء التهمة وقد ذهب إليه كل من الحنفية والحنابلة والمختار عند المالكية والشافعية وزاد الحنفية والشافعية أنه لا ينفذ حكمه لنفسه أو شريكه في المشترك.

    الرأي الثاني: ينفذ حكمه لهم بالبينة لأن القاضي أسير البينة فلا تظهر منه تهمة وقد ذهب إلى هذا الرأي المالكية في مقابل المختار والشافعية في مقابل الصحيح وزاد المالكية أنه كان الحكم قد صدر استنادا لاعتراف المدعى عليه يجوز الحكم عليه لابنه أو غيره مما ذكر أما إذا كان صدور الحكم يتطلب بينة فلا يجوز للقاضي الحكم لهم لأنه يتهم بالتساهل فيها.

   ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والمشهور في المذهب عند الشـ الشافعية إلى نقض الحكم إذا اثبت المحكوم عليه ما ادعاه من وجود عداوة بينه وبين القاضي أو بينه وبين ابنه أو أحد والديه وجوز الماوردي الحكم في هذه المسألة بقوله : أن أسباب الحكم ظاهرة بخلاف شهادته على عدوه.

 (ح) طعن المحكوم عليه في البينة

   إذا استند حكم القاضي على بينة صحيحة لم يجز نقض الحكم، وإن اعترى البينة ما يعيبها نظر: هل يؤدي ذلك لنقض الحكم أم لا ؟ وقد فصل الفقهاء ذلك على الوجه التالي: 

كون الشاهدين كافرين أو صغيرين

  لا خلاف بين الفقهاء في نقض الحكم إذا بُني على شهادة شاهدين ظهر كونهما كافرين أو صغيرين فيما عدا الجنايات التي تحصل بين الصغار بشروطها عند من يقول بها. 

ظهور أن الشاهدين فاسقين بعد الحكم:

   كذلك فسق الشهود وعدم عدالتهم عند المالكية والشافعية في الأصح عندهم وهو المذهب عند الحنابلة من الأسباب المؤدية إلى بطلان الحكم، ولم يختلفوا أن الفاسق تقبل شهادته إذا عرفت توبته أما الحنفية فقد اختصوا نقض الحكم بحالة المحدودين في قذف فعندهم لا تقبل شهادتهم وإن تابوا وقالوا: أنه وإن كان لا يجوز للقاضي أن يحكم بشهادة الفاسقين لكنه إذا قضى بموجبهما لا ينقض حكمه إلا فيما ذكر .

   يرى بعض الحنابلة لنقض الحكم ضرورة ثبوت فسق الشهود ببينة ولا يبطل في رواية البعض الحكم المستند على العلم الشخصي في العدالة أو بظاهر عدالة الإسلام وفي الأخرى يبطل .

   وذهب ابن قدامة وأبو الوفاء أنه إذا تم الطعن بفسق الشهود قبل الحكم لم يحكم القاضي بشهادتهما ولو ظهر بعد الحكم لم ينقضه 

إهمال القاضي التقصي عن حال الشهود:

  إذا ادعى المحكوم عليه إهمال القاضي التقصي عن حال الشهود واحضر ما يوجب إسقاط شهادة من شهد عليه فإن أثبت أنه آثار ما يجرحهم عند سماع الخصومة كالفسق وما تسقط به العدالة سمعت ونقضت شهادتهم وبطل الحكم عند الشافعية وكذا عند الحنفية وفي نقضه عند المالكية قولان للإمام مالك وبالنقض قال ابن القاسم وبعدمه قال أشهب وسحنون

شهادة الزور : 

   عند الحنفية ينفذ حكم القاضي المبني على شهادة الزور ظاهرا أو باطنا إذا كان المحل قابلا والقاضي غير عالم بزورهم وذلك في العقود كالبيع والنكاح والفسوخ كالإقالة والبطلان قول سيدنا على رضي الله عنه لتلك المرأة شاهداك زوجاك ، وقال الصاحبان وزفر ينفذ ظاهرا فقط وعليه الفتوى لأن شهادة الزور حجة ظاهرا لا باطنا فينفذ القضاء كذلك لأن القضاء ينفذ بقدر الحجة، أما إذا علم القاضي بكذب الشهود فلا ينفذ حكمه أصلا.

   قال المالكية ينقض الحكم إذا ثبت بعد الحكم كذبهم أن أمكن وذلك قبل الاستيفاء فإن لم يثبت الكذب إلا بعد الاستيفاء لم يبق إلا غرم الشهود الدية أو المال ولا يتأتى نقض الحكم .

قال الحنابلة إذا ثبت أن الشهود شهود زور وجب نقض الحكم

الرجوع عن الشهادة:

 

  لا خلاف بين الفقهاء في عدم نقض الحكم إذا رجع الشهود عن شهادتهم وكان رجوعهم بعد الحكم أن كان المقضي فيه من الأموال، أما أن كان الحكم في قتل أو قطع أو نحوهما كان رجوع الشهود بعد الحكم وقبل الاستيفاء فينقض الحكم لحرمة الدم ولقيام الشبهة وإذا كان بعد الاستيفاء فلا ينقض الحكم، ويلزم الشهود بالضمان أو القصاص حسب الأحوال ، ويعلل ابن فرحون ذلك بأن الحكم قد ثبت بقول عدول، ودعوى الشهود بعد ذلك الكذب، اعتراف منهم بأنهم فسقة والفاسق لا ينقض الحكم بقوله فيبقى الحكم على ما كان عليه(انتهى التعليل) وفي رأيي أن هذا التعليل ضعيف فكما لا ينقض الحكم بقول الفاسق فالأولى أن لا يستند القاضي في حكمه على قول الفاسق (الكاذب). 

تهمة الشاهد لموضع المحبة أو العداوة الدنيوية:

   ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا تقبل شهادة الأصل لفرعه والفرع لأصله، ومما اختلفوا في تأثير التهمة في شهادتهم شهادة الزوجين أحدهما للآخر فإن مالك ردها وأبا حنيفة لأن الانتفاع متصل عادة وهو المقصود فيصير شاهداً لنفسه من وجه أو يصير متهماً، وأجازها الشافعي وأبو ثور والحسن، وقال ابن أبي ليلى تقبل شهادة الزوج لزوجه ولا تقبل شهادتها له، وبه قال النخعي .

  نص الحنابلة على أنه أن ظهر أن الشاهد ابن المشهود له أو ولده والقاضي لا يرى الحكم به نقضه بعد إثبات السبب ولم ينفذه لأنه حكم بما لا يعتقد أشبه لو كان عالما بذلك وإن كان يرى الحكم به لم ينقضه لأنه يحكم بما أداه إليه اجتهاده فيما هو سائغ فيه، أشبه بباقي مسائل الخلاف وهذا إذا كان القاضي مجتهدا. 

شهادة العدو على عدوه:

   يقال قبلت القول إذا حملته على الصدق ولا يختلف جمهور الفقهاء في أن العداوة الدنيوية تمنع من قبول الشهادة.

   قال الحنفية على ما جاء في مجمع الأنهر نقلا عن القنية أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع ما لم يفسق بسببها أو يجلب بها منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة وما في الواقعات وغيرها إختيار المتأخرين وأما الرواية المنصوصة فبخلافها، فإنه إذا كان عدلا لا تقبل شهادته لأن المعادة لأجل الدنيا حرام فمن ارتكبها لا يؤمن من التقول عليه وهو الصحيح وعليه الاعتماد وفي كنز الرؤوس شهادة العدو على عدوه لا تقبل، وقال ابو حنيفة تقبل إذا كان عدلاً وان كان بينهما عداوة بسبب أمر الدنيا .

قال الشافعية لو عادى من سيشهد عليه وبالغ في خصامه ولم يحبه ثم شهد عليه لم ترد شهادته لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى ردها ولو أفضت العداوة إلى الفسق لردت مطلقا. 

   اختلف الفقهاء فيما إذا ظهر بعد الحكم أن الشاهد كان عدوا للمشهود عليه، قال ابن نجيم: وذكر ابن الكمال في إصلاح الإيضاح أن شهادة العدو لعدوه جائزة عكس شهادة الأصل والذي يظهر عدم نقض الحكم لأن القاضي إذا حكم بشهادة الفاسق نفذ قضاؤه .

الحنابلة يقولون أن نقض الحكم يتوقف على ما يراه القاضي من أن هذه الشهادة مقبولة أو غير مقبولة كما هو الحال في شهادة الأصل والفرع.

يرى الغزالي من الشافعية نقض الحكم في هذه الحالة

(ط) الدفع من المحكوم عليه بأن له بينه لم يعلمها :  

   إذا ادعى المحكوم عليه بأن لديه بينة لم يكن يعلمها قبل الحكم وطلب سماعها ونقض الحكم فعند الحنفية لا تقبل دعواه ولا تسمع بيئته، فقد سئل نجم الدين النسفي عن رجل ادعى دينا في تركة ميت وصدقه الوارث في ذلك وضمن له إيفاء الدين ثم ادعى الوارث بعد ذلك أن الميت قد كان قضى المال في حياته وأراد إثبات ذلك بالبينة قال: لا تصح دعواه ولا تسمع بيئته هكذا في المحيط .

   عند المالكية يقول ابن فرحون في تبصرة الحكام إذا أتى المحكوم عليه ببينة لم يعلم بها ففيها ثلاثة أقوال: قال ابن القاسم في المدونة يسمع من بينته فإن شهدت بما يوجب الفسخ 

   وقال سحنون: لا يسمع منها، وقال بن المواز: أن قام بها عند ذلك القاضي الحاكم نقضه وإن قام عند غيره لم ينقضه .

   نص الشافعية على أنه إذا قام المدعى عليه ببينه بعد بينة المدعي وتعديلها فقد أقامها في أوان إقامتها، فإن لم يقمها حتى قضي للمدعى وسلم المال إليه نظر: أن لم يسند الملك إلى ما قبل إزالة اليد فهو الآن مدعى خارج، وإن أسنده واعتذر بغيبة الشهود ونحوها فهل تسمع بينته وهل تقدم اليد المزالة بالقضاء؟ وجهان أصحها نعم، وينقض القضاء الأول لأنها إنما أزيلت لعدم الحجة وقد ظهرت الحجة فلو أقام البينة بعد الحكم للمدعي وقبل التسليم إليه سمعت بينته وقدمت على الصحيح لبقاء اليد حسا .

(ى) إذا لم يعين القاضي من قبل ولى الأمر

   إذا اتفق أهل بلد خلا من قاضي على أن يقلدوا عليهم قاضيا، فإن كان الإمام موجودا بطل التقليد ومن ثم تبطل جميع أحكامه وإن كان ليس ثمة أمام صح التقليد ونفذت أحكامه عليهم فإن تجدد بعد نظره أمام لم يستدم النظر إلا بإذنه ولم ينقض ما تقدم من أحكامه وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة.

الجهة التي تنقض الحكم

  إذا تضمن الحكم ما يوجب نقضه فيجوز أن ينقضه القاضي الذي أصدره أو من يعرض عليه من القضاء، كالقاضي الذي يخلف سلفه فتعرض عليه أحكام سلفه أو قاضي التنفيذ الذي يكتب إليه لتنفيذ الحكم.

   إما أن يجمع ولي الأمر عددا من الفقهاء للنظر في حكم بعينه أصدره من تلحقه الشبهة

وتفصيل كل ذلك فيما يلي:

( أ ) نقض القاضي أحكام نفسه : 

  الأصل أن القاضي إذا حكم فليس له أو لغيره نقض حكمه إلا إذا خالف نصا أو إجماعا ولكن بعض الفقهاء نصوا كما سبق بيانه على أنه إذا تبين له أنه وهم في قضائه أو نسي أو قضى بخلاف رأيه وهو لا يذكر ولكن على ما قضى به بعض الفقهاء ولم تكن بينة فينقضه بنفسه دون غيره، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء خلافا للإمام أبي حنيفة الذي يقول بمضي هذا الفصل ولا يرجع فيه. 

  القاعدة: أن كل قضاء لا يعرف خطؤه إلا من جهته كمخالفته لرأيه السابق فلا ينقضه سواه ما لم تشهد بينة بذلك فينقضه هو وغيره .

(ب) نقض القاضي أحكام غيره:

   ليس على القاضي تتبع أحكام القاضي قبله لأن الظاهر السداد، فهو مولى للفصل في القضايا الجديدة دون المحكوم فيها، لكن أن وجد فيها مخالفة صريحة للكتاب والسنة والإجماع والقياس الجلي نقضها ، والقاعدة أن ما نقض به قضاء نفسه نقض به قضاء غيره وما لا فلا ولا فرق بينهما.

(ج) نقض الأمير والفقهاء حكم القاضي

   نص الحنفية والمالكية على أنه يجوز في بعض الأحوال جمع الفقهاء للنظر في حكم القاضي جاء في معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام لعلاء الدين الطرابلسي الحنفي متوفي 844هـ .

   وإذا اشتكى على القاضي في قضية حكم بها ورفع ذلك إلى الأمير فإن كان القاضي مأمونا في أحكامه عدلا في أحواله بصيرا بقضائه فأرى أن لا يتعرض له الأمير في ذلك ولا يقبل شكوى من شكاه ولا يجلس الفقهاء للنظر في قضائه فإن ذلك من الخطأ أن فعله ومن الفقهاء أن تابعوه على ذلك، وإن كان عنده متهما في أحكامه أو غير عدل في حاله أو جاهلا بقضائه فيعزله ويول غيره .

  قال ولو جهل الأمير فأجلس فقهاء بلده وأمرهم بالنظر في تلك الحكومة وجهلوا هم أيضا أو أكرهوا على النظر فنظروا فرأوا فسخ ذلك الحكم ففسخه السلطان أو رد قضيته إلى ما رأى الفقهاء، وأرى لمن نظر في هذا بعد ذلك أن ينظر في الحكم الأول: فإن كان صوابا لا اختلاف فيه أو كان مما اختلف فيه أهل العلم أو مما اختلف الأئمة الماضون فأخذ ببعض ذلك فحكمه ماض والفسخ الذي تكلفه الأمير والفقهاء باطل وإن كان الحكم الأول خطأ بيناً أمضى فسخه وأجاز ما فعله الأمير والفقهاء، ولو كان الحكم الأول خطاً بيناً أو لعله قد عرف من القاضي بعض ما لا ينبغي من القضاة ولكن الأمير لم يعزله وأراد النظر في تصحيح ذلك الحكم بعينه فحينئذ يجوز للفقهاء النظر فيه فإذا تبين لهم أن حكمه خطأ بين فليردوه ،قال وإن اختلفوا على الأمير فرأى بعضهم رأياً ورأى بعضهم رأياً غيره لم يمل مع أكثرهم ولكن ينظر فيما اختلفوا فيه فما رأه صوابا قضى به وأنفذه، وكذلك ينبغي للقاضي أن يفعل إذا اختلف عليه المشيرين من الفقهاء وقد تقدم قريباً .

   ولو كان القاضي لم يكن فصل بعد في الخصومة فصلا فلما أجلس معه غيره للنظر فيها قال: قد حكمت لم يقبل ذلك منه لأن المنع عن النظر في تلك الحكومة وحدها فتلزمه بمنزلة ما لو عزل ثم قال كنت حكمت لفلان على فلان لم يكن ذلك بقوله إلا ببينة تقوم على ذلك. 

   قال ولو كان القاضي المشتكي في غير بلد الأمير الذي هو به وحيث يكون قاضي الجماعة فهذا كما تقدم ينظر فإن كان القاضي معروفا مشهورا بالعدل في أحكامه والصلاح في أحواله أقره ولم يقبل عليه شكوى ولم يكتب أن يجلس معه غيره ولا يفعل هذا بأحد من قضاته إلا أن يشتكي منه استبداد برأي أو ترك رأى من ينبغي له أن يشاوره فينبغي له أن يكتب إليه أن يشاور في أموره وأحكامه من غير أن يسمى له واحد أو يجلس معه أحداً. 

   إن كان ذلك القاضي غير مشهور بالعدل والرضا وتظاهرت الشكية عليه كتب إلى رجال صالحين من أهل بلد ذلك القاضي فأقدمهم للمسألة عنه والكشف عن حاله فإن كان على ما يجب أمضاه وان كان على غير ذلك عزله .

  وإن كتب الامير إلى ناس يأمرهم بالجلوس معه في تلك الحكومة ففعلوا وأختلف رأيهم فيها فإن كان الأمير كتب إلى ذلك القاضي والأمناء أن يرفعوا إليه ما اجتمعوا عليه واختلفوا فيه ففعلوا ذلك ثم كان هو منفذ الحكم في ذلك فذلك له، وإن كتب إليهم أن ينظروا معه ثم يجتهدوا ويحكم بأفضل ما يراه معهم جاز له أن يحكم بالذي يراه مع بعض من جلس معه فيكون ذلك لازما لمن حكم به عليه وإن لم يجتمع على ذلك جميع من أمر بالنظر معه في ذلك، وإن كان حكمه على مثل ما كان عليه قبل أن يجلسوا معه وقد اجتمعوا على خلافه لم أرى أن يحكم بذلك لأنه الآن على مثل ما اشتكى منه ولكن يكتب بذلك من رأيه ورأي القوم إلى الأمير فيكون هو الأمر بالذي يراه والحاكم فيه دونهم جاء في تبصرة الحكام في أصول الاقضية ومناهج الأحكام لإبراهيم ابن الإمام شمس الدين ابي عبد الله محمد بن فرحون اليعمري المالكي المتوفي في سنة 799هـ ، ذات ما أورده الطرابسي بعاليه بالحرف واليك ما أورده ابن فرحون المالكي للمقارنة والنظر.

 وفي مختصر الواضحة قال ابن حبيب قال مطرف وإذا اشتكى على القاضي في قضية حكم بها ورفع ذلك إلى الأمير: فإن كان القاضي مأمونا في أحكامه عدلا في أحواله بصيرا بقضائه فأرى أن لا يعرض له الأمير في ذلك ولا يقبل شكوى من شكاه ولا يجلس الفقهاء للنظر في قضائه فإن ذلك من الخطأ أن فعله ومن الفقهاء أن تابعوه على ذلك، وإن كان عنده متهما في أحكامه أو غير عدل في حاله أو جاهلا بقضائه فيعزله ويول غيره، قال مطرف ولو جهل الأمير فأجلس فقهاء بلده وأمرهم بالنظر في تلك الحكومة وجهلوا هم أيضا أو أكرهوا على النظر فنظروا فرأوا فسخ ذلك الحكم ففسخه الأمير أو رد قضيته إلى ما رأى الفقهاء فأرى لمن نظر في هذا بعد ذلك أن ينظر في الحكم الاول: فإن كان صوابا لا اختلاف فيه أو كان مما اختلف فيه أهل العلم أو مما اختلف الأئمة الماضون فأخذ ببعض ذلك فحكمـه مـاض والفسخ الذي تكلفه الأمير والفقهاء باطل وإن كان الحكم الأول خطأ بيناً أمضى فسخه وأجاز ما فعله الأمير والفقهاء، ولو كان الحكم الأول خطاً بيناً أو لعله قد عرف من القاضي بعض ما لا ينبغي من القضاة ولكن الأمير لم يعزله وأراد النظر في تصحيح ذلك الحكم بعينه فحينئذ يجوز للفقهاء النظر فيه فإذا تبين لهم أن حكمه خطأ بين فليردوه، وإن اختلفوا على الأمير فرأى بعضهم رأياً ورأى بعضهم رأياً غيره لم يمل مع أكثرهم ولكن ينظر فيما اختلفوا فيه فما رآه صوابا قضى به وأنفذه.

   كذلك ينبغي للقاضي أن يفعل إذا اختلف عليه المشيرين من الفقهاء قال مطرف ولو كان القاضي لم يكن فصل بعد في الخصومة فصلا فلما أجلس معه غيره للنظر فيها قال: قد حكمت لم يقبل ذلك منه لأن المنع عن النظر في تلك الحكومة وحدها فتلزمه بمنزلة ما لو عزل ثم قال كنت حكمت لفلان على فلان لم يكن ذلك بقوله إلا ببينة تقوم على ذلك.

   قال مطرف ولو كان القاضي المشتكي في غير بلد الأمير الذي هو به وحيث يكون قاضي الجماعة فهذا كما تقدم ينظر فإن كان القاضي معروفا مشهورا بالعدل في أحكامه والصلاح في أحواله أقره ولم يقبل عليه شكوى ولم يكتب أن يجلس معه غيره ولا يفعل هذا بأحد من قضاته إلا أن يشتكي منه استبداد برأي أو ترك رأى من ينبغي له أن يشاوره فينبغي له أن يكتب إليه أن يشاور في أموره وأحكامه من غير أن يسمى له واحد أو يجلس  معه أحداً.

   إن كان ذلك القاضي غير مشهور بالعدل والرضا وتظاهرت الشكية عليه كتب إلى رجال صالحين من أهل بلد ذلك القاضي فأقدمهم للمسألة عنه والكشف عن حاله فإن كان على ما  يجب أمضاه  وإن كان على غير ذلك عزله.

  قال: ولو جهل الأمير وكتب إلى ناس يأمرهم بالجلوس معه في تلك الحكومة ففعلوا وأختلف رأيهم فيها فإن كان الأمير كتب إلى ذلك القاضي والأمناء أن يرفعوا إليه ما اجتمعوا عليه واختلفوا فيه ففعلوا ذلك ثم كان هو منفذ الحكم في ذلك فذلك له، وإن كتب إليهم أن ينظروا معه ثم يجتهدوا ويحكم بأفضل ما يراه معهم جاز له أن يحكم بالذي يراه مع بعض من جلس معه فيكون ذلك لازما لمن حكم به عليه وإن لم يجتمع على ذلك جميع من أمر بالنظر معه في ذلك، وإن كان حكمه على مثل ما كان عليه قبل أن يجلسوا معه وقد اجتمعوا على خلافه لم أرى أن يحكم بذلك لأنه الآن على مثل ما اشتكى منه ولكن يكتب بذلك من رأيه ورأي القوم إلى الأمير فيكون هو الأمر بالذي يراه والحاكم فيه دونهم، وقد سئل بن القاسم في ذلك كله فقال فيه مثل قول مطرف الذي تقدم.

 طلب المحكوم عليه فسخ الحكم عنه :

   يجوز للقاضي إبطال الحكم المخالف للشرع أن كان متعلقا بحق من حقوق الله تعالى كالطلاق بدون طلب هذا فيما يمكن تداركه وان لا يمكن تداركه ففي بعض صوره الضمان أن كان يتعلق بحق آدمي فلا يجوز للقاضي نقضه إلا بمطالبة صاحبه وقد أخذ بذلك الشافعية والحنابلة.

   وزاد الشافعية بضرورة إعلام القاضي الخصمين بما بوجه المخالفة التي وقع فيها وإن علما بذلك لأنهما قد يعتقدا عدم قابلية الحكم للإبطال وهذا ما ذهب إليه سائر الأصحاب وصححه النووي خلافا لابن سريج الذي قال أنه لا يلزمه تعريف الخصمين، فإن علما وترافعا إليه نقض الحكم.

صيغة النقض 

   صرح الشافعية أن صيغة النقض هي نقضته أو فسخته أو نحو ذلك كأبطلته، ولو قال باطل أو ليس بصحيح فوجهان عند الشافعية وقالوا ينبغي أن يكون نقضا، وهم في ذلك يذهبون إلى عدم صحة الحكم من أساسه .

تسبيب حكم النقض

  لا يكون إبطال القاضي للحكم بدون سبب إذ لا بد من سبب، ويجب ذكره، لئلا ينسب إليه الجور والهوى بنقضه الأحكام التي حكم بها غيره من القضاة .

تسجيل حكم البطلان

   يستلزم كما يسجل الحكم عند صدوره أن يسجل الحكم أيضا عند إبطاله بواسطة القاضي، ليكون تسجيل الثاني مبطلاً للأول كما صار الحكم الثاني ناقضا للأول .

107