الأصل في حالة التشكيل الجماعي لهيئة التحكيم أن يصدر الحكم أعضاء الهيئة المذكورة. وقد تقدم القول أنه قد يتعذر تحقيق إجماع ومن ثم تعين البحث عن حل يضمن إصدار الحكم. بالإجماع فيتم التوقيع عليه من جميع تحقق حالة عدم أنه وهكذا نصت بعض لوائح التحكيم وتشريعاته على في الإجماع يصدر الحكم بالأغلبية التي تقوم بالتوقيع عليه من ذلك مثلاً المادة لائحة الجمعية (۳۱) من قواعد تحكيم ،اليونسترال، والمادة (۲۷) من الأمريكية للتحكيم (۸۸۸) والمادة (١/١٦) من لائحة مركز تسوية منازعات الإستثمار (CIRDI) والمادة (١/٢٥) لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس (ICC) والمادة (۳۱) من لائحة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA)، والمادة (٣/٢٦) من لائحة مركز لندن للتحكيم الدولي ،(LCIA) ومن التشريعات الحديثة قانون التحكيم المصري (المادة (١/٤٣، وقانون المرافعات الفرنسي الجديد (المادتان ١٤٧٠، ١٤٧٣)، والمادة (۳/۳۷) من قانون التحكيم الأسباني والمادة (١/١٠٥٧-٣) من قانون المرافعات الهولندي، والمادة (١/٦٠٦) من القانون النمساوي المعدّل بقانون ۲۰۰٦/۱/۱۳، وفي حالة عدم توقيع الأقلية على حكم التحكيم فإن جميع التشريعات سابقة الإشارة توجب إثبات اسباب ذلك في مدونات الحكم المذكور. وتجدر الإشارة إلى أن بيان أسباب عدم توقيع الأقلية يعتبر من بيانات الحكم الجوهرية ويترتب على إغفاله بطلان الحكم.
(هـ) الرأي المخالف Dissenting Opinion-Opinion dissidente عندما يصدر حكم التحكيم بأغلبية الآراء يثور التساؤل هل من حق المحكم المخالف في الرأي (الأقلية) إثبات رأيه المخالف لزملائه في وثيقة مكتوبة ومنفصلة عن حكم التحكيم يقدّمها إلى أطراف النزاع وتعرف في الإصطلاح بالرأي المخالف Dissenting Opinion؟ الفقه الأنجلو امريكي أن إثبات المحكم لرأيه المخالف على النحو المذكور مسألة طبيعية یری تتمشى مع نموذج أحكام المحاكم في نظام الـ(Common Law)، بينما يري فقه الـ (Civil Law) عدم ملاءمة هذا الإجراء وإن لم يقل بعدم مشروعيته. وقد ذهب بعض الفقه الفرنسي إلى حظر الآراء المخالفة للمحكم الأقلية قولاً بأنها تشكل إفشاء لأسرار المداولة – وقد اعترض البعض على هذا الرأي تأسيساً على أن إفشاء أسرار المداولة ليس من أحوال بطلان حكم أن إصدار رأي مخالف قد لا يتضمن بالضرورة إفشاء التحكيم، فضلاً عن لتلك الأسرار متى كان المحكم المخالف لا يكشف آراء زملائه.
التشريعات ولوائح التحكيم التي اتخذت القلة موقفاً صريحاً من مسألة الرأي المخالف. وقد تعمد واضعو قانون اليونسترال ٢٢- وهناك عدد بالغ من النموذجي عدم التعرض لهذه المسألة نظراً لما تثيره من خلاف. ولعل قانون التحكيم الاسباني هو القانون الأوروبي الوحيد الذي يعترف بحق المحكم الأقلية في إثبات رأيه المخالف (۳/۳۷)، ويضاف إليه قانون التحكيم الدولي التركي رقم ۲۰٠١/٤٦٨٦ (المادة (٤/١٤) ، بينما سكت القانون الإنجليزي التعرض لهذه المسألة، وإن كان من الواجب عدم إعتبار هذا السكوت ذلك تجدر الإشارة إلى حكم رفضاً لها خصوصاً في بلد هو مصدرها. ومع حالة سكوت لائحة حديث أيدته محكمة الاستئناف الإنجليزية قضى بأنه في تحكيم جمعية تجارة الحبوب والغذاء (GAFTA) فإنه ليس من حق المحكم الامتناع عن التوقيع على الحكم بدعوى أن أصحاب الأغلبية رفضوا إثبات رأيه عن المخالف في مدوناته، وقد أضافت المحكمة القول في عبارات عامة أنه الخطأ الاعتقاد أن أحكام المحكمين يجب أن تتضمن ذكر الآراء المخالفة الرأي الأغلبية، وأنه من حق أصحاب الأغلبية تقرير إرفاق الرأي المخالف بالحكم أو عدمه دون أن يكون للمحكم الأقلية أي حق في هذا الخصوص. وقد اعترض البعض في ايطاليا على مسألة الرأي المخالف، وان كانوا يفضلون ذكر الأسباب المخالفة في مدونات الحكم دون الأخذ بها، ومع ذلك قضت محكمة النقض الإيطالية بأن إغفال إرفاق الرأي المخالف بحكم التحكيم لا يعتبر من أحوال البطلان المنصوص عليها في المادة (٨٢٩) من قانون المرافعات - ومفاد ذلك أن الرأي المخالف لا يعتبر جزءاً من أسباب حكم التحكيم التي أوجبها المشرع بنص أمر. وممارسة إصدار الرأي المخالف غير مألوفة في هولندا، ومع ذلك لها بعض التطبيقات في التحكيم الدولي، كما أن المادة (٤/٤٨) من لائحة المجمع الهولندي للتحكيم (NAI) لا تسمح بإصدار آراء مخالفة في غير التحكيم الدولي. وعلى الرغم من سكوت التشريع السويدي فإنه من المسلم به بصفة عامة أن للمحكم الأقلية أن يرفق رأيه المخالف بحكم التحكيم وهو ما تؤيده المادة (٤/٣٢) من لائحة مجمع التحكيم التابع لغرفة تجارة استوكهولم (cc stock).
وفي بلجيكا يجوز إثبات الآراء المخالفة من الناحية النظرية، بيد سرية المداولة تحظر نشرها أو إفشاءها. أما الفقه السويسري فإن المسألة تبدو خلافية فيه نظراً لسكوت المادة (۱۸۹) من القانون الدولي الخاص الفيدرالي. فهناك من يرى أن الاعتراف بالرأي المخالف مسألة تتعلق بإجراءات التحكيم، وبالتالي فإنه في حالة عدم وجود اتفاق للأطراف بشأنها يكون لأغلبية المحكمين السماح بإصدار رأي مخالف أو رفض ذلك.
وفي رأينا يجب على المحكمين إتخاذ قرارهم بالنسبة إلى السماح بالرأي المخالف أو منعه عند بدء إجراءات التحكيم أو على الأقل قبل البدء في إجراء المداولة وقبل أن يتكون رأي الأغلبية بشأن نقاط النزاع المعروضة - كما أنه إذا لم يكن في الإمكان استبعاد مسألة الآراء المخالفة من التطبيق في العمل فإنه لا أقل من عدم تشجيع هذه الممارسة لأنها تتعارض مع واجب المحافظة على سرية المداولة، وتشجع عدم حيدة المحكم وتكشف عن تحيره وغيرته على مصالح الطرف الذي إختاره محكماً، فضلاً عن أن اصدار رأي مخالف سواء ضمن مدونات الحكم أو مرفقاً قد يُضعف حكم التحكيم عن طريق بيان الحجج التي تساند الطعن فيه. وإذا كان من بد لإصدار رأي مخالف فإننا نفضل إثباته في مدونات الحكم دون إشارة إلى صاحبه مع عدم الأخذ به من الأغلبية.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى ما هو مقرر من أن الرأي المخالف لا جزءاً من حكم التحكيم ولا يعدو أن يكون مجرد تعبير عن رأي صاحبه .