الأسباب الرئيسية التي تعرض القرار التحكيمي للبطلان أمام المحاكم الوطنية؟ وهل بالإمكان إزالة أو التخفيف من وطأة هذه الاسباب لتمرير العملية التحكيمية التي نظمها وقبل بها المشترع الوطني بالذات؟
لن يكون سهلاً الدخول في تفاصيل كل الأسباب وكذلك في طرح محاولات جريئة تقرّب العمل التحكيمي من السلطة القضائية، كما لن يكون سهلاً إقناع الحكومات المعنية» بما نحاول أن نقرأه أو نشرحه في ضوء معطيات أصبحت بديهية لا بل تشكل الأمر الواقع الذي لا يمكن إنكاره والذي أصبح قائماً بوضوح علي ظاهرة دولية كاسحة ألا وهي ظاهرة العولمة، والتي أخذت وتبعاً لعناصر تكوينها الإقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في الدخول ببساطة وبمنطق علمي هام عالم صياغة العمل التشريعي وبالطبع التأثير في القرارات القضائية الرسمية وبوضوح أكثر في تنامي وتعاظم أهمية القرارات التحكيمية الدولية في المجال التجاري!
لا يوجد أية شكوك حول الإنقسام الحاد، بين من يناصر تسهيل وتشجيع العمل التحكيمي وعدم عرقلته في مبدئه وإجراءاته وأحكامه، ومن يتشدد في ذلك، وللفريقين أسبابه وتعليلاته ولا نجد مبرراً لتكرار ما قلناه وقاله البعض قبلنا حول ذلك.
ولعله من المفيد لا بل من المنطقي أن نذهب مذهباً وسطاً بحيث لا نرى مبرراً لتعقيد عمل الهيئات التحكيمية بحجج تتمحور في معظمها حول مبدأ سلطان وسيادة القضاء في الدولة المعنية تجاه صلاحيات أعطاها القانون الوطني بالذات من خلال مواد قانون تجارة أو حتى بتشريع خاص للأعمال التحكيمية واعتراف واضح بأحكام المحكّمين بحيث أن جلب الشاهد مثلاً (بالنسبة إلينا) أمام هيئة تحكيم وعن طريق الجهات الرسمية المختصة، لا يعني انتقاصاً من هيبة السلطة القضائية؛ إذ أن خطوة كهذه تفعل عمل المحكم وتعجل بإنهاء العمل التحكيمي؛ وإلا نكون قد وصلنا إلى ما يناقض مبور وجود التحكيم سواء من الناحية العملية أم التشريعية... وإذا أردنا إيضاح وجهة نظرنا، فإن منطلقها هو في تحديد سلطات المحكم.
ذلك أن تلك السلطات لا تخرج عن كونها تتعاطى في إجراءات التحكيم.
- سير اجراءات التحكيم
- سلطة الإثبات وتقدير الأدلة والقرائن موضوع النزاع.
- اختيار القانون واجب التطبيق.
- بالنسبة إلى إجراءات التحكيم يجب أن تتوافر للمحكم السلطات الكافية للبدء بالإجراءات التمهيدية في كل المجالات غير المخالفة للقانون أو للنظام العام والآداب العامة، إضافة بالطبع إلى إدارة الجلسات وتحديد المواعيد وسبلها ووسائلها ومضاعفاتها. مع إعطائه الإمكانية المعقولة لاتخاذ تدابير مؤقتة وإجراءات تحفظية وبالتعاون - أحياناً . مع السلطات القضائية المختصة. - وبالنسبة إلى سلطة المحكم في مجال الإثبات، يجب منحه الإمكانية للإطلاع على مختلف القيود والوثائق والمستندات في أصلها أو بنسخ عنها، مع سماع الشهود وما يترتب من جزاءات على عدم حضورهم مثلاً المادة ۱/۷۷۹) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني كذلك الاستعانة بالخبراء دون التقيد بجدولهم الرسمي.
- أما بالنسبة إلى سلطة المحكّم في اختيار القانون واجب التطبيق، فيجب التفريق بين حالة القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وذلك الواجب التطبيق على موضوع النزاع. ففي الحالة الأولى، يجب مراعاة الطابع الإتفاقي للمحكمين، بالنظر إلى القواعد التي تحكم سير المنازعة في تحكيم الحالات الخاصة. وللمحكم هنا سلطته في اختيار أو إكمال القواعد الإجرائية لسير المنازعة بما يتناسب مع إنهائها.
وفي الحالة الثانية؛ يجب مراعاة الطابع الإتفاقي للمحكمين في تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ومنح المحكم السلطة الإستنسابية الأوسع في ذلك بالنظر لمعرفته بخبايا النزاع، خاصة إذا لم يتم اتفاق الأطراف على القانون أو أنه تم في ضوء قانون غير ملائم وغير منتج لحل النزاع، ولا شيء يمنع أن يتم هذا الإختيار
في ظل نصوص الإتفاقيات الدولية وقواعد التحكيم الدولي... من كل ما صار عرضه يلاحظ أن معظم قوانين واتفاقيات منح المحكم التحكيم سواء الوطنية أو المؤسساتية أو الدولية تكاد تجمع على سلطات معينة وواسعة في بعض الأحيان، وتوجب عليه التزامات وتقيده بإجراءات مشابهة وموحدة وإن كانت تختلف في صياغة أحكامها، وهذا التقارب بين أنظمة التحكيم المختلفة يدل دلالة واضحة على مدى أهمية التحكيم في عالمنا المعاصر مما بأن يوحي ن توحيد تلك القواعد بات قريبا وخاصة في ظل إجراء العولمة التي أخذت تتطور تطوراً واضحاً نحو مثل هذا التوحيد وسواء كان الوصول إليه عفواً أو إلزامياً....