الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب بطلان حكم التحكيم / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية / أسباب رفض الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    357

التفاصيل طباعة نسخ

أسباب رفض الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية

   يسمح التحكيم لأطرافه بإختيار القانون الإجرائى الواجب التطبيق على منازعاتهم، ولتنفيذ هذا الإختيار، فقد قدمت الدفوع الإجرائية والموضوعية أسباب رفض الإعتراف والتنفيذ الواردة في المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك، الحد الأدنى من وسائل الحماية للمحاكمة العادلة، رغبةً من واضعي الإتفاقية فى إسباغ الحماية على أحكام التحكيم الأجنبية الصحيحة وكفالة تنفيذها علـــى المستوى الدولى، فإذا ما توافرت أياً من أسباب رفض الإعتراف والتنفيذ، جاز للطرف المعارض للتنفيذ التمسك بأياً منها، وعلى هذا الأساس، سوف تقسم هذا الباب إلى فصلين أساسيين: حيث نعرض في الفصل الأول للدفوع الإجرائية التي يتعين على المعارض للتنفيذ إقامة الدليل عليها، ثم تتبع ذلك في الفصل الثانى بدراسة الدفوع الموضوعية التي تدخل في إختصاص قاضي التنفيذ، على أن يسبقهما فصل تمهيدى نعرض فيه لماهية هذه الدفوع من حيث بيانها، وخصائصها، والسلطة التقديرية لقاضي التنفيذ في رفضها.

  كفلت إتفاقية نيويورك لأطراف التحكيم التمسك بأحد الدفوع الإجرائية الخمسة الواردة في نص المادة الخامسه (۱) لرفض الاعتراف والتنفيذ، كما أجازت أيضاً محكمة التنفيذ أن ترفض الإعتراف والتنفيذ إذا ما تبين لها توافر أحد الدفعين الموضوعين الواردين في المادة الخامسة (۲) .

  وإذا كانت إتفاقية نيويورك لم تضع معياراً للمحاكمة العادلة، إذ جاءت نصوصها في هـذا الصدد يكتنفها الغموض، تاركةً لهيئات التحكيم الحرية فى إختيار كيفية إدارة الجلسات بصورة تضمن سيرها أمامها على نحو عادل، والذى يتجسد في تحقيق المساواة بين الخصوم وإعمال مبدأ المواجهة بينهم، ولذلك فإنه يحق للمحكمة فى مرحلة التنفيذ، ومن خلال الدفوع الواردة في إتفاقية نيويورك لرفض الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها مراجعة هذه الإجراءات لبيان ما إذا كانت هيئة التحكيم قد أخلت بأصول المحاكمة العادلة

  يجوز لمحكمة التنفيذ، أن ترفض الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه، إذا ماتبين لها من تلقاء نفسها عدم قابلية النزاع  للتحكيم أو مُخالفة الحكم للنظام العام طبقاً لقانون البلد المطلوب فيه الإعتراف والتنفيذ (المادة الخامسة (۲))، وفى هذا السياق، يتمتع قاضى التنفيذ بسلطة تقديرية تتيح لها رفض الإعتراف والتنفيذ وفقاً لمدلول كلمة "يجوز" الواردة فى النص الإنجليزي للمادة الخامسة من إتفاقية نيويورك.

   تتسم أسباب رفض التنفيذ الواردة فى المادة الخامسة من الإتفاقية بعدة سمات وهي : أنها قد واردت على سبيل الحصر (أولاً)، ويتفرع عن هذه السمة، أنه لا يجوز لقاضي التنفيذ فحص وقائع النزاع (ثانياً)، وأخيراً، فإن عبء إثبات توافر أياً من هذه الأسباب يقع على عاتق الطرف الذى يحتج عليه بالحكم ((ثالثاً).

أولاً: أسباب رفض الإعتراف والتنفيذ واردة على سبيل الحصر :

   تنقسم المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك إلى فقرتين: الفقرة الأولى: تضع أسباب رفض التـى على شكل قائمة تضمنتها البنود من (أ) إلى (هـ) منها، وتوجب هذه الفقرة على الطرف الذى يحتج عليه بحكم التحكيم، إثبات توافر أياً من هذه الأسباب، أما الفقرة الثانية: فتتيح للسلطة المختصة في الدولة المطلوب إليها الإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، من تلقاء نفسها أن ترفض الإعتراف والتنفيذ، إذا تبين لها عدم قابلية موضوع النزاع  للتسوية بطريق التحكيم، أو مخالفة حكم التحكيم للنظام العام طبقاً لقانون الدولة المراد التنفيذ فيها.

    ويُلاحظ أن الإطار العام للإتفاقية، والذى إنتظمه المشرع الدولى في المواد من الرابعة وحتي السادسة منها يتجه نحو تيسير تنفيذ حكم التحكيم، وهو ما يعكس إنحيازاً منه للتنفيذ، وبذلك يتضح أن أسباب رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبى الواردة بالمادة الخامسة  من إتفاقية نيويورك تتسم بأنها واردة على سبيل الحصر، حيث يجوز رفض الإعتراف أو التنفيذ فقط إذا إستطاع الطرف الصادر ضده حكم التحكيم، إثبات توافر أحد الأسباب الواردة بالمادة الخامسة(۱)، أو إذا إرتأت المحكمة من تلقاء نفسها عدم قابلية موضوع النزاع  للتسوية بطريق التحكيم، أو مخالفة النظام العام، طبقاً لقانون الدولة المراد التنفيذ فيها(المادة الخامسة(٢)).

   ومؤدى ذلك، أنه لايمكن الإستناد إلى أى أسباب قانونية أُخرى قد يكون منصوصاً عليها في قانون التحكيم المعمول به في دولة التنفيذ، والتي قد تكون قائمة فى سياق تنفيذ حكم التحكيم المحلى ، وبذلك يتضح أن قاضى التنفيذ لا يملك أى سلطة تقديرية لرفض تنفيذ حكم التحكيم عندما لاتتوافر أياً من تلك الأسباب الواردة في المادة (٥) من الإتفاقية .

   كما يتسق وجود المادة السابعة ضمن نصوص الإتفاقية أيضاً، مع وجهة النظر القائلة بأنه ينبغى تطبيق الأسباب الخاصة برفض التنفيذ على نحو ضيق يقتصر على ماورد بالإتفاقية، حيث يتم تفسير المادة السابعة على أنها تطالب محكمة التنفيذ بأن تمنح الطرف الكاسب في أي تحكيم ذات الحقوق التي كان سيحصل عليها هذا الطرف وفقاً لقانون مكان التنفيذ، وبمعنى آخر، فإنه إذا كان مـــن الممكن أن يصبح حكم التحكيم قابلاً للتنفيذ كحكم محلى بموجب القانون المحلى حينئذ يج تنفيذه بصرف النظر عن توافر أحد أسباب رفض التنفيذ الواردة فى المادة (٥) من الإتفاقية

   وعلى الرغم من ذلك، ففى إحدى القضايا إعتقدت المحكمة العليا في Queensland أن أسباب رفض التنفيذ الواردة فى المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك، تُعد تقديرية، وأنه لذلك يجوز رفض التنفيذ إستناداً لأسباب أخرى وأسندت المحكمة وجهة نظرها في ذلك لنص القسم ٨ (۲) من قانون التحكيم التجارى الدولى لعام ١٩٧٤ ، والذى يُطبق إتفاقية نيويورك في أستراليا.

   وقد أخفقت المحكمة بذلك في أن تأخذ في حسبانها، أن أسباب رفض التنفيذ المدرجة بالمــادة السالفة هي أسباب واردة على سبيل الحصر، ومن ثم فلايجوز إضافة أسباب أخرى لرفض التنفيذ، وتبدو المحكمة بذلك، وكأنها قد إستوحت وجهة نظرها من اللهجة المستخدمة في آلية التنفيذ الأسترالية، التي تُعد معيبة في هذا الجانب.

   وهذه السمة تتفرع عن السمة الأولى، وهى أنه لا يجوز للمحكمة المطلوب إليها الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه، أن تعيد فحص موضوع النزاع، ذلك لأن خطأ هيئة التحكيم في الوقائع أو القانون لا يندرج ضمن أسباب رفض الإعتراف أو التنفيذ، وفى هذه النقطة تحديداً فقد إبتعدت الإتفاقية عن العديد من النظم القانونية التى تسمح بالطعن على حكم التحكيم فيما يتعلق بالمسائل القانونية، أمام المحاكم الكانتة في مقر التحكيم، عالم ينفق الأطراف على غير ذلك .

 إلا أن مبدأ عدم جواز مراجعة موضوع حكم التحكيم لا يُعد مُطلقاً، حيث أنه يجوز للمحكمة أن تفحص الحكم من أجل التحقق من عدم توافر لغة أسباب التحول دون التنفيذ، مدل تجاوز هيئة التحكيم تسلطها ، أو للتحقق من عدم مخالفة النظام العام أو قابلية المحكيم في النزاع .

   ففي إحدى القضايا، أوجبت المحكمة العليا الإيطالية على طالب التنفيذ، إثبات وجود شرط التحكيم بالمخالفة لما نصت عليه إتفاقية نيويورك في الفقرة (۱) (أ) من المادة الخامسة، من أن عبء الإثبات يقع على عاتق الطرف الذي يحدد ضده حكم التحكيم، وإذا أخفق مقدم الطلب - طبقاً لرأى المحكمة - فى إثبات ذلك، فقد رفضت المحكمة المذكورة التنفيذ، ومؤدى ذلك أن هذه المحكمة قد ناهضت إتفاقية نيويورك، حين قلبت عبء الإثبات وجعلته على عاتق المحكوم له عند طلبه التنفيذ.

   ترجع كلمة "يجوز" الواردة فى النص الإنجليزى للمادة الخامسة من إتفاقية نيويورك العام ١٩٥٨ إلى المقترح الهولندى" الأصلى، ففى مؤتمر الإتفاقية لم تتم مناقشة كلمة "يجوز" على الإطلاق.

   وعلى الرغم مما لاحظه أحد أعضاء الوفود المشاركة في المؤتمر من أن كلمة "يجوز" تمنح سلطة تقديرية لقاضي التنفيذ، فإن Peter Sandres صاحب هذا المقترح - إرتأى على خلاف ذلك - أن كلمة "يجوز" وفى إطار فهمه لمضمونها - تشير إلى أحد متطلبات رفض التنفيذ المتمثلة في ضرورة قيام الطرف المعارض للتنفيذ أولاً باثبات أن واحداً أو أكثر من أسباب رفض التنفيذ يعد متوافراً بالفعل.

   فإذا ماتم إثبات ذلك، فإنه سوف يلى ذلك رفض التنفيذ، مؤكداً على عدم دهشته من أن النسخة الفرنسية السارية من إتفاقية نيويورك تنص على أنه : "سوف يتم رفضه"، مشيراً إلى أن كلمة "يجب" الواردة فى المادة (۹) من الإتفاقية الأوروبية لعام ١٩٦١ - والتي تتضمن تكراراً للأسباب المذكورة فى الفقرات من (أ) إلى (د) من إتفاقية نيويورك - تؤيد تفسيره لكلمة "يجوز" الواردة فى إتفاقية نيويورك.

   وأكد Peter Sandres على أنه بذلك يُمكن الحديث اليوم، عن إثنين من قوانين التحكيم الوطنية ذات الصلة عند طلب تنفيذ أحد أحكام التحكيم الأجنبية، أولهما: هو قانون دولة الأصل التي صدر فيها حكم التحكيم الأجنبى والذي يجوز أن يخضع لتوجيه الدعوى البطلان، وثانيهما هو قانون دولة التنفيذ عندما يتم طلب تنفيذ هذا الحكم.

  وخلص Peter Sandires إلى أن الكلمات "يجوز رفضها ... فقط الواردة في النص الإنجليزي للمادة (٥) لا تعطى لقاضي التنفيذ سلطة تقديرية في الموافقة على منح التنفيذ على الرغم من إثبات توافر واحداً أو أكثر من أسباب الرفض الواردة فى المادة (٥) (۱) من الإتفاقية وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن أن يستند الأمر بتنفيذ حكم تحكيم قضى بالغاته على إستخدام كلمة "يجوز" الواردة فى مطلع المادة (٥) من إتفاقية نيويورك إذا كانت المادة (۷) تسمح بتنفيذ مثل هذا الحكم في حالة ما إذا القانون المحلي لدولة التنفيذ يتضمن أحد نصوص الحقوق الأكثر تفضيلاً، إذ أن الإتفاقية لم تفسح المجال أمام منح التفيذ على الرغم من إثبات توافر أحد الأسباب المذكورة فى المادة (٥)(۱).

    وقد انتقد البعض هذا التفسير للهجة الجوازية الواردة في النص الإنجليزي للمادة الخامسة من الإتفاقية مقرراً أن هذا : التفسير المشوش لا يبدو معياراً مقنعاً لأن هذا النص لم يُصاغ يستفس الطريقة المتبعة في النسخ الأصلية الأخري ... إذ لا يشتمل النص الفرنسي على إشارة صريحة إلى أي شكل من أشكال السلطة التقديرية القضائية» .

   وقد ألقى هذا الخلاف حول السلطة التقديرية لقاضى التنفيذ بآثاره على نطاق السلطة الممنوحة لقاضي التنفيذ فى إتفاقية نيويورك، مما يتعين معه وفى ضوء هذا التحليل لكلمة "يجوز"، إمعان النظر نحو تحديد هذا النطاق.

   وطبقاً للقانون الفرنسي فلايعد هذا الخلاف حول نطاق السلطة التقديرية بذى موضوع حيث أن المحاكم الفرنسية لاتطبق نص المادة الخامسة (۱) (هـ) من إتفاقية نيويورك، إذ نجد أن السوابق القضائية تؤكد بصورة جلية على أن تلك المحاكم لا تحرم الخصم من حقه في الإستفادة من حكم التحكيم، حتى وإن كان هذا الحكم قد تم وقفه، أو قضى ببطلانه في الدولة مقر المتحكيم " .

   أما في إنجلترا، فتكاد تكون هي الدولة الوحيدة التي تؤيد منح "السلطة التقديرية" لقاضي التنفيذ، ففي قضية Hilmarton ، قررت المحكمة العليا الإنجليزية أن القسم (۱۰۳)(۳) من قانون التحكيم الإنجليزى لسنة -۱۹۹٦ والذي يُطبق نص المادة (٥)(۲) من إتفاقية نيويورك تمنح السلطة التقديرية للقاضي المحلي، كما تأيد هذا الإتجاه في قضية Minmetals Germany GmbH .

 

  وفي قضية China Agribusiness Development قرر القاضي Longmore أن رفض تنفيذ حكم التحكيم الصادر طبقاً لإتفاقية نيويورك، هو أمر متروك لتقدير المحكمة، بينما جادل البعض بأن نفس الشيء ينطبق على نص القسم (۱۰۳)(۲) من ذات القانون والذي يُطبق نص المادة (٥) (۱) من الإتفاقية .

   إلا أنه في قضية Dardana Limited v. Yukos Oil Company ، اتخذت محكمة الإستئناف موقفاً أكثر حسماً، حين قررت أن السلطة التقديرية المخولة بموجب نص القسم (۱۰۳) (۲) من قانون التحكيم لسنة ١٩٩٦ ليست مطلقة .

وعلى النقيض من ذلك نجد أن المحاكم الألمانية، على سبيل المثال، ترفض الإعتراف بحكم التحكيم الذي قضى ببطلانه، فقد ذهبت المحكمة الفيدرالية العليا الألمانية إلى القول بأنها ملزمة برفض الأمر بالتنفيذ طبقاً لنص المادة الخامسة (۱) (هـ) ، ولذلك إتجهت محكمة إستئناف Rostock من بعدها وإلتزاماً بهذا المبدأ إلى رفض الأمر بتنفيذ حكم تحكيم ؛ كان قد قضى ببطلانه في روسيا، حيث صدر فيها ، إلا أن هذا النهج الذي سلكته المحكمة الألمانية قد قوبل بالنقد من قبل بعض الفقه الألماني

   وفى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي قضية . Liberty Re Ltd. Liberty Re Transamerica Occidental Life Insurance Company(Transamerica} والتي تخلص وقائعها فى أن شركة Liberty Re Ltd. Liberty Re - من برمودا - كانت قد أبرمت مع شركة Transamerica Occidental Life Insurance { Company Transamerica الأمريكية، إتفاق إتفاق Retro ، بموجبه وافقت Liberty Re على تجديد تأمين جزء من إعادة التأمين الذي كانت Transamerica قد قدمته الطرف ثالث شركة (The Equitable Life Insurance Company (Equitable، وقد اشتمل هذا الإتفاق على شرط تحكيم.

وفى ٩ فبراير ۱۹۹۹ حاولت Liberty Re إنهاء إتفاق Retro" بدعوى أن Transamerica قد خالفت التزاماتها، وفى سبتمبر ۲۰۰۲ أقامت Liberty Re دعوى تحكيم ضد Transamerica ، وفى مايو ۲۰۰٤ أصدرت هيئة التحكيم بالإجماع حكماً لصالح Liberty Re، وفى ٢٥ يونيو ۲۰۰٤ سعت الأخيرة لتنفيذ الحكم، إلا أن Transamerica إدعت بأن الفقرة الثانية من الحكم جاءت غير واضحة وطلبت وقف تنفيذ الحكم وإعادته إلى المحكمين للتوضيح.

  وقد وافقت المحكمة المحلية فى منطقة جنوب ولاية نيويورك برئاسة القاضي Naomi Rice Buchwald على التنفيذ، وقالت المحكمة فى البداية أن محاكم التنفيذ يجوز لها أن تراجع الأحكام فقط وفقاً لمدى محدود للغاية، ويجب ألا تتجاوز الحكم بأن تفصل في مسائل لم يتم البت فيها من قبل المحكمين، وذكرت المحكمة أنه في ظل إتفاقية نيويورك - التي تنطبق على القضية الراهنة، بما أن Liberty Re شركة في بيرمودا ، و Transamerica شركة فى أيوا، والأطراف ينشدون التنفيذ في نيويورك، فإنه يجب على المحكمة أن توافق على التنفيذ، مالم تتبين توافر أحد الأسباب السبعة للرفض الواردة على سبيل الحصر في الإتفاقية.

   وأضافت المحكمة أن Transamerica لم تدع توافر أحد هذه الأسباب، بل طعنت على حكم التحكيم إستناداً إلى غموضه ودفعت بأن الوقف مسموح به في ظل المادة السادسة من الإتفاقية، وأردفت المحكمة مقررةً أنه على الرغم من أنه ".. يجوز أيضاً للمحكمة المحلية أن تنظر في الطعون المقامة بشأن غموض الحكم عند النظر في طلب التأكيد ..... ومع ذلك فلاينبغي للمحكمة أن تسعى لصياغة تفسيرها الخاص حكم تحكيم غامض، وبناءاً عليه لا يجب على المحكمة أن تحاول تنفيذ حكماً يُعتبر غامضاً أو غير مُحدد " بل يجب عليها في هذه الحالة أن تعيد الحكم إلى المحكمين، لكى تعرف المحكمة ماهو المطلوب منها بالضبط للتنفيذ .... ومع ذلك فإنه يجوز تأكيد الحكم عندما تكون النية الحقيقية للمحكم واضحة....

    وخلصت المحكمة للقول بأنه "لهذه الأسباب نتفق مع Transamerica في أن الفقرة (٢) من الحكم تعتبر غامضة فيما يتعلق بالتزامات Liberty Re التالية للإنهاء، وعلى الرغم من أن هذه المحكمة يُمكنها أن تقدم رأيها بشأن التزامات Liberty Re اللاحقة على الإنهاء، ومإذا كان قد تم تعديلها في الحكم، إلا أن هذه الممارسة سوف تكون خارج نطاق مراجعتنا المحدودة للحكم ، وبناءاً عليه قررت المحكمة إعادة هذه المسألة على وجه التحديد، لتسويتها بمعرفة هيئة التحكيم. وفى حين تتجه المحكمة العليا فى هونج كونج إلى تفسير كلمة "يجوز" بأنها تعطى محكمة التنفيذ بوجه عام سلطة تقديرية فى تنفيذ حكم التحكيم من عدمه، حتى إذا توافرت أسباب رفض التنفيذ المنصوص عليها فى المادة الخامسة ، ذهبت محكمة استئناف هونج كونج، على خلاف ذلك، في قضية 1314Hebei Import&Export Corp. v. Polytek Engineering (2.Co.Ltd. (No ، إلى أن السلطة التقديرية لا تنطبق فى كل الأحوال، وأنها لن تنفذ حكم تحكيم إذا جاء مخالفاً للنظام العام مع إدراكها بأنه هذا السبب من أسباب رفض التنفيذ لا يتحقق إلا عند مخالفة المفاهيم الجوهرية للأخلاق والعدالة.

   كما ذهبت محكمة النقض المصرية إلى أن "الأمر الصادر ... والذي يعتبر حكم المحكم واجب النفاذ يقصد به مُراقبة عمل الحكم قبل تنفيذ حكمه من حيث التثبت من وجود مشارطة التحكيم، وأن المحكم قد راعى الشكل الذى يتطلبه القانون، سواء عند الفصل في النزاع  أو عند كتابة الحكم، دون أن يخول قاضى الأمور الوقتية حق البحث فى الحكم من الناحية الموضوعية ومدى مطابقته للقانون".

ولهذا: "لا يملك القاضي عند الأمر بتنفيذ أحكام المحكمين التحقق من عدالتها أو صحة قضائها في الموضوع، لأنه لايعد هيئة إستئنافية في هذا الصدد ، وعلى نحو مماثل، رأت محكمة بيروت الإبتدائية فى إحدى القضايا ، أن رئيس المحكمة: "عندما يمنح الصيغة التنفيذية للقـــرار التحكيمي، فإنه يُمحصه فقط من حيث الظاهر ....

  وهكذا يبين أن هناك إختلاف بين فى موقف الفقه والقضاء بالنسبة لنطاق ومجال السلطة التقديرية الممنوحة لحكمة التنفيذ، وهو ما يعزى بصفة أساسية إلى الصيغة الجوازية التي جاء عليها صدر الفقرتين الأولى والثانية من المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك، على خلاف الحال بالنسبة للنص الفرنسي الذي جاء يحمل نصاً يفيد عدم وجود سلطة تقديرية للمحكمة في رفض الإعتراف والتنفيذ إذا ما توافرت أحد شروطه، وقد أدى ذلك إلى تضارب التفسيرات، وتباين المعاملة التي يلقاها حكم التحكيم في الدول المختلفة.

إلا أن الحال لم يكن كذلك في الإتفاقية الأوروبية لعام ١٩٦١، حيث تفادي واضعوها تكرار ذات الخطأ الذى حملته إتفاقية نيويورك بين جنبات نصوصها بشأن أساس ونطاق السلطة التقديرية المتاحة لقاضي التنفيذ فى رفض الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها.

   لا يخول إبطال حكم التحكيم إستناداً إلى مخالفة النظام العام أو لأي حجة أخرى لم يكن منصوصاً عليها في المادة (۹) من الإتفاقية ؛ للمحكمة المختصة بالاعتراف والتنفيذ الحق في أن ترفض منح الأمر بالتنفيذ، حيث أن الحالات الواردة بهذه المادة بذاتها أسباب رفض الإعتراف والتنفيذ التي تضمنتها المادة الخامسة فقرة (۱) من إتفاقية نيويورك فيما عدا أسباب الرفض الواردة بالفقرة (٢) من المادة الخامسة وعدم قابلية موضوع النزاع  للتحكيم ومخالفة النظام العام، ولذلك فإن بطلان حكم التحكيم بسبب مخالفة بالنظام العام وفقاً لقانون دولة المقر لأبعد سبباً لرفض الإعتراف والتنفيذ طبقاً للإتفاقية الأوروبية.

   وقد أكدت المحكمة العليا النمساوية في العديد من الأحكام على أن الإتفاقية الأوروبية - على نحو مُتعمَّد ومدروس - لم تتضمن نصاً مُناظراً ومُماثلاً لنص المادة (٥) (۱)(هـ) من إتفاقية نيويورك ؛ مشددة على أن إبطال حكم التحكيم بسبب مخالفة النظام العام في دولة المنشأ ؛ لايعد من الأسباب الواردة على سبيل الحصر في المادة {۹} من الإتفاقية الأوروبية، ومن ثم ؛ فإن إبطال حكم التحكيم لمثل هذا السبب لأيجيز رفض إصدار الأمر بالتنفيد في دولة أخرى عضو من دول الإتفاقية الأوروبية.

  ومع ذلك فلا تسري الإتفاقية الأخيرة في حالة وجود نصوص أكثر الحيازاً منها للتنفيذ في القوانين الداخلية المعمول بها في الدول الأعضاء ، حيث انها تعبر آلية إضافية، وبالتالي، يمكن إستبعاد المادة ٩ (١) بشكل خاص في حالة الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتقبلها في فرنسا أو بلجيكا، إذ لا بعد الطعن بالبطلان على هذه الأحكام علية على الإطلاق في سبيل الإعتراف بما طبقاً للقانون الداخلي المعمول به في هاتين الدولتين أياً كانت الأسباب التي تساعد إليها الحكم الصادر ببطلان حكم التحكيم.