وتقبل دعوى البطلان كذلك لتجاوز المحكمين ، سواء عند اتخاذهم اجراءات التحكيم ، أو عند تحديدهم للقانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ، أو عند تصديهم للفصل في النزاع باصدار الحكم.
فالحكم يجب أن يحدد الإجراءات التي سيتبعها وفقا للقانون واجب التطبيق عليها أو وفقا لاتفاق الأطراف على التفصيل الذي أوردناه عند الكلام في إجراءات التحكيم ، ولا يجوز له مخالفة هذه القواعد أو الخروج عليها.
وكان من الممكن النص على هذه الحالة بصورة واضحة وبسيطة ، لولا أن المشرع نص عليها بصورة جزئية وبصياغة تفتقر إلى الدقة والوضوح ، حينما قضى بقبول دعوى البطلان إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسب عدم إعلانه اعلانا صحيحا بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.
فاحترام مبدأ المواجهة يقتضي أيضا تمكين كل طرف من سماع أقوال خصمه وحضور مرافعته والاطلاع على كل مايقدمه من أوراق ومستندات، وعلى أي الأحوال .
ويشيع في أحكام التحكيم التي لا يتصف المحكمين فيها بالحيدة ، عند الفصل في منازعات على مبالغ طائلة ، الاتجاه إلى الهروب من القانون واجب التطبيق ، بالاتجاه إلى العديد من المبررات التي عرضنا لها في هذا الشأن.
لذا أحسن المشرع حينما قبل دعوى البطلان إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.
ويأتي تجاوز المحكم بما يؤدي إلى بطلان الحكم ، " إذا وقع بطلان في حكم التحكيم ، أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم"
وواضح أن المشرع يفرق بين بطلان الحكم وبطلان اجراءات التحكيم فبطلان الحكم يأتي في كل حالة تطلب فيها القانون شكلا في الحكم وإلا كان باطلا ، كما لو صدر خلوا من توقيع المحكمين أو من أحد البيانات الالزامية التي تطلب المشرع اشتمال الحكم عليها . إذ يفترض عدم تحقق الغاية من الاجراء في مثل هذه الحالات ، وهو مناط البطلان في القانون المصرى .
أما بطلان إجراء من إجراءات التحكيم فلا يتحقق إلا إذا لم تتحقق الغاية من الإجراء ، بحيث يكون العيب الذي شاب الاجراء قد انعكس على الحكم ، كأن يترتب على الإجراء غير الصحيح عدم تمكن الخصم من تقديم مستند أو الرد على تقرير أو مذكرة مقدمة من خصمة ، أو عرض وجهة نظره في المسألة المعروضة . بما يؤدي إلى صدور حكم في . "
ولاشك أن المحكم يتعين عليه التقيد بهذه الإرادة ، لأن سلطته في الفصل في النزاع مقيدة غير مطلقة . فتلتزم بالمدة التي اتفق عليها الأطراف ، وبالمكان الذي قبلوه ، واللغة التي سيتم بها التحكيم وبكافة ما يتفق عليه الأطراف.
وبالتالي فليس للمحكم أي سلطة خارج حدود المسائل التي اتفق الأطراف على حلها بالتحكيم ، وإذا تعرض للفصل في مسألة لايشملها اتفاق التحكيم أو تجاوز حدوده ، أمكن إبطال الحكم الذي يصدره على هذا النحو.
ولكن قد يمكن تجزئه الحكم ، أو فصل الأجزاء التي تدخل فيما اتفق الأطراف على حله بالتحكيم عن تلك التي تجاوز ما اتفقوا على حله بالتحكيم.
ولكن من المتصور أن يصدر الحكم مرتبط العناصر والأركان بحيث يستحيل أو يصعب تجزئته ، كما لو لم يبين مفردات وعناصر قضاؤه ، ففي هذه الحالة لا يكون هناك مفر من إبطال الحكم كله ، دونما تجزئة.