أما بالنسبة إلى حالات عدم قبول دعوى البطلان، فقد توصلت إلى نتائج معينة، منها حالة كون أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقداً للأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته، وهو السبب الثاني من أسباب البطلان، ورغم انتقاد بعض الفقه لهذا النص بحجة أنه تزيد على المطلوب، إلا أنني توصلت إلى نتيجة مفادها عكس ذلك بأن هناك نقصاً وكان الأجدر بالمشرع أن يستند في التحكيم إلى الأحكام الخاصة بالأهلية بالقانون المدني، ويتخذ من الجنسية مرجعاً لمعرفة القانون الواجب التطبيق على أهلية أطراف التحكيم، وسبب ذلك مرده أن المحكم، خلاف القاضي، لا يملك قانوناً وطنياً يستند إليه على احتمال أن يكون القانون الذي يحكم التحكيم هو القانون الأردني بمنازعة دولية، وبالتالي يعتبر القانون الشخصي هو قانون الموطن وليس قانون الجنسية، ومن ثم يكون حكمه معرضاً للبطلان، وعليه ينبغي أن يكون هذا القانون أكثر شمولية من الأحكام وبخاصة أن هذا القانون وضع وبالدرجة الأولى ليحكم النزاعات التجارية الدولية .
بين المشرع الأردني أن استبعاد قانون حكم التحكيم الذي اتفق الأطراف على تطبيقه سبب لرفع دعوى البطلان، وأردف بالنقطة التي تليها بنفس الحكم إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين علـى وجـه مخالف لهذا القانون أو لاتفاق الطرفين، ومن هنا تبين للباحث أن القانون لم يشر إلى حالة استبعاد هيئة التحكيم الإجراءات التي اتفق عليها الطرفان كسبب للبطلان.
وعليه يتضح القصور التشريعي على أساس أن التحكيم قوامه اتفاق الطرفين وإرادتهم في اختيار التحكيم ولا تنصرف إلى مجرد اختیار قانون ليطبق على اتفاقهم، وأن تنصرف أيضاً إلى ثقتهم في قانون معين وإلى أن يجري التحكيم بينهم استناداً إلى إجراءات ذلك القانون، وحجة ذلك أن القواعد الإجرائية لا تقل أهمية عن القواعد الموضوعية التي تطبق على موضوع النزاع.
نص المشرع الأردني على أن المحكمة المختصة بحسب المادة (49/ب) تقضي من تلقاء نفسها فيما تضمن ما يخالف النظام العام دون تمييز بين نظام عام دولي وداخلي وتوصل الباحث أن هذه التفرقة لا تزال في طور النشأة لم تأخذ منحى واضحاً، وإلى حين استقرار التفرقة يترك الأمر إلى تقدير واجتهاد القاضي الذي عليه أن يأخذ بالاعتبار النظام العام الدولي، كما تضمنت ذات المادة مسألة أخيرة وهي تترك أيضاً إلى تقدير القاضي الذي عليه أن يتعامل معها بمرونة وأن ينظر إليها من زاوية النظام العام الدولي لا من زاوية النظام العام الداخلي الا وهي قابلية المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها ، فما قد يقبل دولياً قد لا يكون كذلك داخلياً.