الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب بطلان حكم التحكيم / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / انفساخ الاتفاق 

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    200

التفاصيل طباعة نسخ

انفساخ الاتفاق 

وفقاً للقواعد العامة، فإن القوة القاهرة التي تحول دون تنفيذ العقد بسبب استحالة التنفيذ بصورة مطلقة، تؤدي إلى انفساخ العقد . ويطبق ذلك على اتفاق التحكيم.

ومن صور استحالة تنفيذ اتفاق التحكيم، أن يتعلق هذا الاتفاق بتسوية النزاع تحكيماً عن طريق إحدى مؤسسات التحكيم حصراً. ولكن عند وقوع النزاع، يتبين أن تلك المؤسسة قد انقضت شخصيتها المعنوية، وتمت تصفيتها قضائياً نتيجة إفلاسها مثلاً ، أو باتفاق مالكيها على تصفيتها تصفية اختيارية. ومثاله أيضاً أن تصبح تلك المؤسسة لا تتعامل بالتحكيم بالرغم من بقاء شخصيتها المعنوية ؛ أو يكون طرفا النزاع من جنسية واحدة، ويتفقان على التحكيم في دولة ثانية حصراً، وتطبيق قانون تلك الدولة على نزاعهما. وعند وقوع النزاع، تصبح تلك الدولة عدواً لدولة الطرفين بحيث يحظر التعامل معها ، أو ترفض تلك الدولة منح تأشيرة دخول للمحكم المصالح المتفق عليه بين الطرفين حصراً. في هذه الأحوال ومثيلاتها ، يمكن القول باستحالة تنفيذ اتفاق التحكيم، مما يؤدي إلى سقوطه أي انفساخه حكماً. 

كما يسقط الاتفاق حكماً لأسباب خاصة غير الأسباب المنصوص عليها في باب القواعد العامة ومثال ذلك، أن يتفق الطرفان على محكم بعينه دون غيره لإجراء التحكيم، إلا أن هذا المحكم يرفض المهمة الموكلة إليه أو يتنحى أو يعزل أو يحكم برده، أو يتوفى أو لم تعد تتوفر فيه الشروط القانونية التي تطلبها القانون في المحكم، أو بانقضاء مدة التحكيم دون حكم في هذه الأحوال، إذا لم يتفق الطرفان على محكم بديل، يمكن القول عندئذ بسقوط الاتفاق حكماً لحظـة وصول الأطراف إلى طريق مسدود بشأن تعيين البديل. ويطبق الحكم ذاته، إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من أكثر من محكم تم الاتفاق عليهم بعينهم، ويتوفر في أحدهم إحدى الحالات المذكورة. ويمكن القول بتطبيق هذا المبدأ في مختلف القوانين العربية ، مع العلم أن القانون اللبناني أشار إلى ذلك صراحة بقوله في المادة (781)، بانتهاء خصومة التحكيم في مثل هذه الأحوال، ما لم يوجد ، اتفاق خاص بين الخصوم على غير ذلك .

ومن الحالات المرتبطة بسقوط اتفاق التحكيم، حالة انقضاء مدة الاتفاق للجوء إلى التحكيم، ومع ذلك لا يتم اللجوء له خلالها. ومثال ذلك أن ينص عقد البيع على أن نزاع بين الطرفين تتم تسويته باللجوء إلى التحكيم، شريطة أن يتم هذا اللجوء خلال ثلاثين يوماً من تسليم البضاعة للمشتري. ولو فرضنا أنه تم تسليم المشتري بضاعة معيبة وانقضت المدة المذكورة دون أن يلجأ المشتري للتحكيم خلالها. والسؤال الذي يثور هنا، هو فيما إذا كان انقضاء المدة على هذا النحو،يؤدي إلى سقوط اتفاق التحكيم حكماً .

ونرى في الإجابة على هذا التساؤل حل المسألة حلاً عملياً، بالقول بتعليق نفاذ الاتفاق على إرادة الطرفين معاً. فإذا لجأ أحدهما إلى القضاء، تكون دعواه صحيحة بالرغم من معارضة الطرف الآخر، ويكون اتفاق التحكيم قد سقط بانقضاء مدته. وإذا لجأ إلى التحكيم وتقدم بصحيفة الدعوى أو بطلب للتحكيم، ولم يعترض الطرف الآخر على ذلك، بل أجاب على الصحيفة أو الطلب دون اعتراض ينقضي تعليق الاتفاق، ويصبح نافذاً بأحكامه وشروطه. وفي حال اعتراضه يقبل الإعتراض مع ما يترتب على ذلك من اعتبار الاتفاق ساقطاً من تاريخ انقضاء مدته. وهذا الاعتراض، يعتبر بمثابة دفع شكلي، ونرى وجوب إثارته قبل الدخول في أساس الدعوى.

ومن الحالات الأخرى الخاصة بسقوط اتفاق التحكيم، الحالة التي يصدر فيها حكم التحكيم النهائي، ولكن القضاء يبطل هذا الحكم لأحد الأسباب المنصوص عليها قانوناً . والسؤال المطروح عندئذ يتعلق بأثر القرار القضائي على اتفاق التحكيم.

ولا تتضمن القوانين العربية إجابة مباشرة على هذا التساؤل، ولكن عرضت قضية من هذا القبيل على محكمة التمييز في دبي، وقضت بشأنها بأنه يترتب على بطلان حكم التحكيم ولو لسبب في الشكل، عدم جواز طرح ذات النزاع مرة أخرى أمام ذات المحكم أو محكم آخر، إلا بموجب اتفاق تحكيم جديد بين الطرفين. وعندئذ يتم اللجوء للقضاء، الزوال السبب الذي حجب ولاية المحاكم عن نظر الدعوى. وهذا يعني أن إبطال حكم التحكيم قضائياً، يؤدي إلى سقوط اتفاق التحكيم. لأن القول بغير ذلك يعني، كما قالت محكمة التمييز في الحكم المذكور، دوران الخصوم في حلقة مفرغة. فصدور الحكم وإبطاله، يعني العودة ثانية إلى التحكيم، استناداً لذات الاتفاق. فإذا تم إبطال الحكم للمرة الثانية، نعود مرة أخرى للتحكيم، وهكذا إلى ما لا نهاية. فمن الطبيعي إذن، تقرير سقوط اتفاق التحكيم في مثل هذه الأحوال .

ويبدو أن القضاء في سوريا يتجه هذا الاتجاه، ولكن بطريقة غير مباشرة. ففي أكثر من حكم، قضت محكمة النقض بأنه في حال رفض إعطاء الحكم صيغة التنفيذ، يصار إلى إقامة دعوى بالموضوع ذاته أمام المحكمة المختصة . وهذا يعني، كما نرى، سقوط اتفاق التحكيم. ويمكن القول بأن هذا هو أيضاً توجه القوانين الأخرى التي تعطي للمحكمة صلاحية الفصل بالنزاع عند إبطال حكم التحكيم، مثل العراق وقطر والكويت ولبنان وليبيا

ونحن مع هذا التوجه كمبدأ عام . ومع ذلك، نرى التفرقة هنا بين وضعين: الأول: أن يكون قد تم طرح كافة منازعات الأطراف التي يشملها اتفاق التحكيم على التحكيم. وفي هذه الحالة، يسقط اتفاق التحكيم كاملاً إذا تم إبطال الحكم. الثاني: أن يكون الأطراف طرحوا جزءاً من منازعاتهم على التحكيم دون الجزء الآخر، ويصدر الحكم بشأن الجزء الأول ويتم إبطاله. وفي هذه الحالة، يسقط اتفاق التحكيم بالنسبة لذلك الجزء دون الجزء الآخر ومثال ذلك، أن يشمل اتفاق التحكيم عقدان، فيحصل نزاع يتعلق بعقد منهما تتم تسويته عن طريق التحكيم. فإذا أبطل الحكم ، سقط الاتفاق جزئياً فيما يتعلق بذلك العقد وليس العقد الآخر. وإذا نشب نزاع بين الطرفين حول العقد الآخر، تجوز إحالته إلى التحكيم استناداً لذات الاتفاق. 

إذا تمت تسوية النزاع موضوع اتفاق التحكيم كلياً، فمن الطبيعي أن يسقط اتفاق التحكيم تبعاً لذلك. فموضوع الاتفـاق هـو اللجوء إلى التحكيم لتسوية نزاع معين، وهذا النزاع قد تمت تسويته فعلاً عن طريق التحكيم، مما يؤدي إلى انقضاء الغرض منه، وبالتالي سقوطه. إلا أن موضوع الاتفاق، قد يكون تسوية أكثر من نزاع، وتعرض على هيئة التحكيم إحدى هذه المنازعات دون غيرها . ومثال ذلك أن يتعلق اتفاق التحكيم بعقدي مقاولة، أحدهما للتنفيذ في قطر والثاني للتنفيذ في البحرين، فينشب نزاع حول العقد المتعلق بقطر، وتتم تسويته عن طريق التحكيم. في هذا الفرض، يسقط اتفاق التحكيم جزئيا بالنسبة لعقد قطر، في حين يبقى قائماً بالنسبة لعقد البحرين. أو يكون موضوع الاتفاق عقد بيع من شقين: أحدهما خاص بالتزامات البائع والمشتري والآخر خاص بكفالات حسن التنفيذ، التي يتوجب على البائع تقديمها للمشتري ضماناً لتنفيذ التزاماته العقدية، وينشب نزاع يتعلق بالشق الأول وتتم تسويته بالتحكيم. في هذا الفرض أيضاً، يسقط اتفاق التحكيم بالنسبة لذلك الشق، في حين يبقى سارياً بالنسبة للكفالات.