الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب بطلان حكم التحكيم / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / سقوط الاتفاق

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    189

التفاصيل طباعة نسخ

 

سقوط الاتفاق

نطاق سقوط الاتفاق 

نقصد بسقوط الاتفاق عدم وجوده بحيث يكون أو يصبح غير صالح للعمل به، إما منذ إبرامه وهذه هي حالة بطلانه، أو بعد إبرامه صحيحاً ونافذا، ولكنه يسقط لأي سبب مما سنشير إليه بعد قليل. ومتى تقرر سقوط اتفاق التحكيم بسبب البطلان أو لأي سبب آخر غير تسوية النزاع، فلا يؤدي ذلك إلى سقوط الحق موضوع النزاع، وإنما إلى تقرير عودة الاختصاص بنظر الدعوى للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع. .

وقد يسقط اتفاق التحكيم بالنسبة لأحد الأشخاص، في حين يبقى قائماً  بالنسبة لأشخاص آخرين. ومثاله أن يكون العقد عقد مقاولة بين ثلاثة أطراف صاحب العمل (أ) ، والمقاول الرئيسي (ب)، والمقاول من الباطن (ج). نشب نزاع بين (ب) و (ج) تمت تسويته تحكيماً بصورة شاملة. في هذه الحالة يسقط الاتفاق في العلاقة بين (ب) و(ج). في حين يبقى قائمـاً في علاقة (أ ) بكل من (ب) و (ج)، ما لم يتبين من طبيعة الاتفاق، أو الظروف المحيطة غير ذلك، بحيث إذا سقط بحق بعض أطراف الاتفاق، سقط بحق الآخرين حكماً. ومثال ذلك أن تكون العلاقة القانونية علاقة قرض بين الدائن (أ) من جانب، وبين المدين (ب) والكفيل (ج) من جانب آخر. في هذا الفرض، لو سقط اتفاق التحكيم بين (أ) و(ب) بالإقالة مثلاً، يفترض سقوطه أيضاً بالنسبة لـ (ج)، لأن كفالته لـ (ب) مرتبطة بالعلاقة بين (أ) و (ب) وتابعة لها. وبناءً عليه، لو أراد الدائن (أ) أن يرجع على الكفيل (ج) ، فليس أمامه سوى اللجوء للقضاء بعد سقوط اتفاق التحكيم.

وأحياناً يسقط اتفاق التحكيم، إلا أنه يعود للحياة ثانية. ومثال ذلك أن يكون هناك عقد يتضمن شرط تحكيم. وفيما بعد، يبرم الطرفان اتفاقية تسوية بينهما ، تتضمن شرطاً فاسخاً تتوفر فيه الشروط القانونية، مفاده أنه في حال إخلال أحد الفريقين بالاتفاقية الجديدة، تعتبر هذه الاتفاقية ملغاة، ويطبق العقد السابق. في هذا المثال، يعود العقد السابق للحياة بما فيه شرط التحكيم، ويكون الاختصاص في تسوية المنازعات للتحكيم، دون حاجة لإبرام اتفاق تحكيم جديد .

يصيب البطلان اتفاق التحكيم منذ نشأته، إذا تخلف ركن أو شرط من شروط انعقاده حسب القواعد العامة من رضا وأهلية ومحل وسبب وقد أشرنا فيما مضى لبعض الأمثلة على بطلان الاتفاق، ونشير هنا لبعضها ثانية باختصار، مع أمثلة أخرى. 

بوجه عام، يمكن أن نقرر قاعدة أساسية مفادها بطلان الاتفاق على التحكيم، إذا كان مخالفاً للنظام العام. ومثال ذلك انعدام أهلية أحد طرفي الاتفاق عند إبرام الاتفاق، سواء كان شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً.

ومن أسباب البطلان إستحالة تنفيذ اتفاق التحكيم ابتداء، مثل الإحالة إلى مؤسسة لا تعمل بالتحكيم أصلاً، كالإحالة حصراً إلى التحكيم وفق قواعد جامعة الدول العربية، أو جامعة الإمارات، أو جامعة دمشق. أو الاتفاق على إحالة النزاع لشخص طبيعي حصراً كمحكم، ثم يتبين أنه كان متوفياً وقت إبرام الاتفاق. 

ومثاله أيضاً أن يكون موضوع النزاع التحكيمي غامضاً أو مجهولاً جهالة فاحشة، كأن يرسل أحد الطرفين كتاباً للآخر يعرض عليه فيه إحالة الأمر إلى التحكيم، فيوافقه الآخر على ذلك دون بيان هذا الأمر. أو تكون عبارات التحكيم غامضة، بحيث يصعب تطبيق الاتفاق ، كأن ينص الاتفاق على أن أي خلاف يحال لمحكمة التحكيم المختصة، دون بيان المقصود من العبارة الأخيرة.

ومثاله كذلك أن تكون الإحالة إلى مؤسسة تحكيم لا وجود لها على أرض الواقع، كالاتفاق على إحالة النزاع إلى المركز العربي للتحكيم في دولة الإمارات، في حين لا وجود لمثل هذا المركز لا في الإمارات ولا خارجها . ولكن إذا كانت الإحالة أخطأت في اســـــم مـؤســـــــة التحكيم، أي كان هناك غموض في هذا الاسم بحيث يمكن جلاؤه ، فتكون المسألة عندئذ مسألة تفسير، تخضع لقواعد التفسير التي سبق وأشرنا إليها . مثل الاتفاق على التحكيم وفق مركز دبي للتحكيم التجاري الدولي، في حين أن اسمه هو مركز دبي للتحكيم الدولي دون كلمة "تجاري"، أو وفق مركز مصر الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي في القاهرة، مع أن اسمه هو مركز القاهرة. وكذلك، فإن تغيير اسم مؤسسة التحكيم، أو أن تصبح مؤسسة أخرى هي الخلف القانوني لها ، فلا يؤثر ذلك على اتفاق التحكيم، وإنما تكون المؤسسة باسمها الجديد، أو المؤسسة الخلف للمؤسسة السلف هي المسؤولة عن التحكيم. ومثال ذلك، مركز دبي للتحكيم الدولي، الذي أصبح الخلف القانوني لمركز دبي للتحكيم، بعد أن كان تابعاً لغرفة تجارة وصناعة دبي.

ومن أمثلة بطلان اتفاق التحكيم كذلك، كون موضوع النزاع مما لا يجوز التحكيم فيه مثل النزاع بين الوكيل الإماراتي والموكل الأجنبي، حول تنفيذ الوكالة المسجلة لدى وزارة الاقتصاد الوطني، على النحو الذي بيناه سابقاً  ؛ أو إذا ورد اتفاق التحكيم على مسألة لا يجوز الصلح فيها، مثل أنصبة الورثة والموصى لهم.  

ومن أمثلته أيضاً، أن يشترط الاتفاق بأن يكون المحكم هو أحد الخصمين، بحيث تجتمع فيه صفتي الخصم والمحكم مع .

وفي عقود التأمين، تنص القوانين العربية عموماً على أن شرط التحكيم يكون باطلاً، إذا لم يرد في اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة، المطبوعة في وثيقة التأمين .

ومثاله كذلك أن يكون هناك غموض في اتفاق التحكيم الذي يحيل تسوية النزاع لإحدى مؤسسات التحكيم، في حين يوجد أكثـر مـن مؤسسة تحمل الاسم ذاته، ولا توجد أي إشارة في الاتفاق، يمكن من خلالها تحديد المؤسسة المقصودة منه ومثال ذلك أن ينص العقد بين تاجر من أبو ظبي وآخر من دبي على إحالة أي نزاع ناجم عن العقد للتحكيم عن طريق غرفة التجارة، أو مركز التحكيم، مع العلم أنه يوجد غرفة تجارة ومركز تحكيم في كل إمارة من هاتين الإمارتين. فإذا تقدم أحدهم للتحكيم أمام إحداهما ، فبمقدور الطرف الآخر، إن شاء، إثارة الدفع بجهالة شرط التحكيم جهالة فاحشة، وبالتالي سقوطه .

وإذا كان اتفاق التحكيم في صيغة مشارطة، فإن المشارطة يجب أن تتضمن موضوع النزاع ولو بصورة مجملة، وإلا كان إتفاق التحكيم باطلاً، على النحو المبين سابقاً. وذكرنا فيما مضى، أن النصوص التي تبطل الاتفاق لهذا السبب منتقدة، خاصة تلك التي تجيز تحديد موضوع النزاع، أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم. وعلى ذلك، نرى تفسير النص على البطلان هنا، بأنه يتعلق فقط في حالة عدم بيان موضوع النزاع، لا في المشارطة، ولا أثناء المرافعة، وهو فرض يندر وجوده في الحياة العملية.

وقد يلحق البطلان بجزء من اتفاق التحكيم وليس كله. وفي هذه الحالة، يبطل الاتفاق في الجزء الباطل، في حين يكون صحيحاً في الباقي تطبيقاً للقواعد العامة في العقود، ما لم يكن الاتفاق كلاً لا يتجزأ ، بحيث يتعذر فصل الجزء الباطل عن الجزء الصحيح. ومثال البطلان الجزئي أن العديد من القوانين حددت حالات بطلان حكم التحكيم، ثم نصت على أن تنازل الخصوم عن رفع دعوى البطلان قبل صدور الحكم النهائي لا يمنع، مع ذلك، هؤلاء الخصوم من رفع دعوى البطلان بعد صدور الحكم والتطبيق العملي لهذا الوضع أن يشترط الأطراف في اتفاق التحكيم، أن حكم التحكيم نهائي ويلتزم الأطراف بتنفيذه، ويتعهدون بعدم الطعن به بما في ذلك الطعن بالبطلان. فإذا تضمن اتفاق التحكيم شرطاً من هذا القبيل، يكون البند الخاص بتسوية النزاع عن طريق التحكيم صحيحاً، في حين يكون شرط عدم الطعن بالحكم بالبطلان غير صحيح أي باطلاً. 

ومن الأمثلة الأخرى التي يمكن أن نسوقها على البطلان الجزئي لاتفاق التحكيم، ما يلي:

الاتفاق على مكان للتحكيم حصراً حيث لا يجوز ذلك، كأن يكون هذا المكان تابعاً لدولة يحظر القانون التعامل معها. ويلحق بهذه الحالة الاتفاق على تطبيق قانون دولة أجنبية على النزاع حصراً، في حين يحظر القانون الوطني ذلك لسبب أو لآخر. 

الاتفاق حصراً على ما يسمى بسلطة تعيين للمحكمين لا وجود لها ، أو لا تسمح القواعد القانونية بمثل هذا التعيين كالقول مثلاً أنه في حال أخفق أحد الطرفين بتعيين محكمه، يتولى مركز التحكيم الإنساني في الإمارات، أو مجلس الأمن الدولي تعيينه، في حين لا يوجد في الحالة الأولى مركز بهذا الاسم في دولة الإمارات، كما أنه ليس من مهام مجلس الأمن تعيين المحكمين في الحالة الثانية. 

الاتفاق على عدد زوجي من المحكمين، في حين يشترط القانون أن يكون عددهم وترا .

الاتفاق بموجب اتفاق تحكيم واحد على التحكيم بشأن عقدين أحدهما لا يجوز التحكيم فيه، كأن يكون عقد وكالة تجارية في القانون الإماراتي وفق ما هو مبين سابقاً ) ، في حين يجوز التحكيم في الآخر.

الاتفاق على التحكيم بالقانون والصلح بعقد واحد لا يذكر فيه أسماء المحكمين، في هذه الحالة يكون الاتفاق على التحكيم بالصلح باطلاً، في حين يكون صحيحاً بالنسبة للتحكيم بالقانون.