البطلان المطلق هو الجزاء الذي رتبه القانون نزولاً على اعتبارات المصلحة العامة، وهذا الجزاء هو جراء انعدام العقد لركن من أركانه، كركن الرضا أو المحل أو السبب، أو تخلف الرسمية في العقود التي تطلب الكتابة كركن أساسي وشكلي في العقد، أو عدم توافر شروط الركن.
وعلى هذا الأساس فإن البطلان المطلق يصيب العقد منذ نشأته فكأنه ولد مينا، وبالتالي لا يصلح لترتيب أي أثر من آثاره منذ إبرامه، وبالرجوع لما ذكر سلفاً يتبين أن البطلان المطلق يتقرر كجزاء في حالة انعدام الرضا وتخلف المحل والسبب، كما يتقرر كذلك إذا لم تتوافر في كل من المحل والسبب المشروعية، أو الشروط الأخرى التي تطلبها المشرع في كل ركن ومن ثم يتحقق البطلان.
وقد استقرت محكمة النقض المصرية في حكمها على أن تصرفات المجنون والمعتوه لا تأخذ حكم تصرفات الصبي غير المميز إلا بعد تسجيل قرار الحجر أو تسجيل طلب الحجر، وتكون باطلة بطلانا مطلقاً تصرفاته متى كانت حالة الجنون أو العته معلومة للمتعاقد الآخر أو شائعة قبل التسجيل.
ب . المحل: أن يكون محل العقد قد فقد شرطاً من شروطه، كان يكون المحل غير موجود أو غير قابل للوجود أو ليس بالإمكان تعيينه، أو لم يكن مشروعاً فيكون مخالفاً للنظام العام والآداب، وبالتالي يرتب القانون انتفاء وجود العقد مما يجعل العقد باطلاً بطلانا مطلقاً، أو كان عملاً مستحيلاً استحاله مطلقة، أو كان المحل غير معين وغير قابل للتعيين، فكل ذلك من شأنه أن يجعل العقد هو والعدم سواء .
ج . السبب: استلزم القانون أن يكون للالتزام سبب، فإذا تخلف السبب أو كان غير مشروع يكون حينئذ العقد باطلاً بطلانا مطلقاً.
وقد حذف المشرع الفرنسي مفهوم السبب كركن من أركان العقد، وذلك بالقانون الصادر في 10 فبراير ٢٠١٦ والمعمول به اعتبارا من أول أكتوبر ٢٠١٦، وبالتالي حذفه من القانون المدني بعدما كان منظما بموجب المواد من 1131 إلى 1133، وذلك بدعوى تعقيده وكذا انسجاما مع بعض النظريات التي ترى أن الاعتماد على السبب كركن لقيام العقد يجعله يتداخل من حيث الوظيفة مع ركن آخر وهو المحل، خصوصا عند البحث في مسألة سبب العقد وسبب الالتزام، إذ يمكننا القول إن هذا المقتضى يشكل انتصارا لنظرية الفقيه الفرنسي بلانيول والذي يعتبر فيها نظرية السبب التقليدية غير صحيحة وغير ذي فائدة. فالنص السابق للمادة 1108 من التقنين الفرنسي القديم تضع أربعة أركان لانعقاد العقد وهي الرضا والأهلية والمحل والسبب. وفي القانون الجديد أدمجت المادة الجديدة ١١٢٨ من التقنين المحل والسبب في ركن واحد عندما تطلبت أن يكون مضمون العقد مشروعا ومحددا وبالتالي أصبح أركان العقد الرضا والأهلية ومضمون العقد. ويكمن سبب إلغاء ركن السبب إلى أن وظيفته في نظرية العقد لم تكن واضحة تماما بالإضافة إلى تداخله مع مبادئ أخرى في العقد مثل الانعقاد والغلط. بالإضافة إلى ذلك فقد غاب ركن السبب في مبادئ قانون العقود الأوربي (PECL) ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننة (DCFR) وهذا المسلك الذي تبناه المشرع الفرنسي يجب أن يكون محل إطراء. فالسبب في قوانين الشريعة اللاتينية بقي ثابتا لفترة طويلة بحيث يقتصر تبرير وجوده اليوم على الجانب التاريخي ! فقط ، لا زال العقد مع ذلك يجب أن يقع على محل قابل لحكمه موجود أو قابل للوجود وقت التنفيذ (المادة الجديدة ١١٦٣ من التقنين المدني) كما لا زال من الممكن إبطال العقد لمخالفته للنظام العام (المادة الجديدة ١١٠٢ الفقرة الثانية من التقنين الجديد). من الجدير بالذكر هو التقنين المدني الفرنسي ، خلافا لكل التقنيات الاوروبية تقريبا، لم يعد يشير إلى الآداب العامة كأساس لإبطال العقد ما لم تكن جزءا من النظام العام .
وبالتالي عند النظر في المعنى الأول (أن يكون السبب حقيقيا) يتضح أن السبب هنا ذات طابع موضوعي يلتزم به الطرفان معا، فسبب تسليم زيد لعمرو ملكية الشيء المبيع هو السبب الذي يبرر أداء للثمن، أما عند النظر في المغزى الثاني من السبب (والمتعلق بمشروعيته) فالأمر ينصرف إلى الطابع الشخصي أو الدافع إلى التعاقد فالغرض من شراء السيارة مثلا هونقل البضائع.
وهنا يتضح أن السبب وفق المنظور الشخصي يخص فقط أحد أطراف العلاقة التعاقدية دون الطرف الآخر، فعقد الكراء مثلا عندما ننظر إليه في اتجاه المكري يبقى دائما موضوعيا دون أن يكون شخصيا فالغرض من تعاقده هو تسلم أجرة السكن لا غير، لكن عندما ننظر إليه من طرف المكتري نجده يتغير من طابع موضوعي عندما يكون غرضه من العقد هو الانتفاع بالعين المكتراة على وجه المشروعية ويتحول إلى مفهوم شخصي إذا صار ذلك الانتفاع مجرد سبب صوري وراءه دافع غير مشروع، وهذا ما يبطل العقد حسب الفصل 1169 من القانون المشار إليه أعلاه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقدير وجود المقابل أو السبب يتعين أن يتم وقت إبرام العقد بكيفية مستقلة عن تنفيذ الالتزام من عدمه المضمن بالعقد. وهنا تظهر أهمية السلطة الرقابية للقاضي عند تقديره للسبب من الناحية الموضوعية حيث إن وقت إبرام العقد هو الذي يحدد مصلحة الأطراف منه، وبالتالي إذا تحقق السبب عند إبرام العقد وتخلف عند تنفيذه فلا يمكن للقاضي تفسير مرحلة انتفاء السبب في التنفيذ بناء على وقائع سابقة تمتد إلى وقت إبرام العقد، والعلة في ذلك أن استناده بناء على وقت إبرام العقد يكون مصيره البطلان، أما إذا تخلف السبب في مرحلة التنفيذ فقد يكون المجال مفتوحا لتعديله، أو أن يكون سببا للفسخ.
ولعل أهم ما دعا المشرع إلى هذا الدمج والاستغناء عن فكرتين كانتا على مدار ما يزيد على قرنين من الزمان حجر الزاوية في نظرية العقد، هو رغبته في تبسيط المفاهيم الأساسية لهذه النظرية إذ تتميز فكرة مضمون العقد بأنها تحقق ثلاث وظائف رئيسية هي التحقق من مشروعية العقد ووجود محل الالتزام والتعادل بين الأداءات في العقد. ولهذا فقد ارتأى المشرع أن بإمكان هذه الفكرة أن تقوم بذات الدور الذي كان يقوم به كل من فكرتي المحل والسبب، مع تفادي العديد من الصعوبات التي كانت تكتنف كلا منهما.
د . في حالة تخلف الشكل في العقود الشكلية: ويكون ذلك في الحالات التي يتطلب القانون فيها شكلا معينا للعقد، فعلى سبيل المثال عقد الشركة التي تشكل الكتابة (الشكلية) ركناً أساسيا لانعقاد العقد، وكعقد الرهن الرسمي حيث لا ينعقد إلا بورقة رسمية، وبالتالي يكون هذا الشكل ركناً لا ينعقد العقد دونه، مما يترتب على تخلفه بطلان العقد بطلاناً مطلقاً.
هـ . إذا تخلف التسليم في العقود العينية. مثال ذلك عقد هبة المنقول إذا لم يكن مكتوبا.
ومفاد ذلك كله أن البطلان المطلق متعلق بالنظام العام أي بطلان مقرر كجزاء لمخالفة قاعدة يقصد بها حماية المصلحة العامة، وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها، ومن حالات البطلان المطلق انعدام الإرادة كأن تصدر من شخص عديم الأهلية، والبطلان المطلق لا يتقادم ولا يقبل الإجازة. فبطلان العقد لتخلف الشكل هو بطلان مطلق، وهذا البطلان يجعل العقد في نظر المشرع معدوماً وليس له وجود قانوني، فالتصرف الباطل هو تصرف معدوم، والعدم لا يمكن إجازته.
الحالة الثانية البطلان النسبي:
البطلان النسبي هو خلل يلحق بالتصرف القانوني قابل من قبل الطرف الذي أضره هذا الخلل أو العيب أو يمرر هذا الخطأ أو العيب دون المطالبة بإبطاله، فهو بطلان مقرر لمصلحة خاصة للأفراد، يزول بنزول من له التمسك به أي بالإجازة الضمنية أو الصريحة.
كما قضت بأن "العقد القابل للإبطال بسبب نقص الأهلية أو لعيب شاب الإرادة له وجود قانوني إلى أن يتقرر بطلانه، ولا يستطيع أن يطلب إبطاله سوى من تقرر البطلان لمصلحته – ناقص الأهلية أو من شاب إرادته عيب - لما كان ذلك وكان المطعون ضدهم الأربعة الأول – وهم ليسوا طرفاً في عقد الإيجار المؤرخ ١٩٦٦/٢/١- قد طلبوا إبطاله تأسيساً على أن إرادة وزارة الأوقاف المؤجرة - قد شابها عيب الغش والتدليس، وإذ استجاب الحكم المطعون فيه لطلباتهم وقضى بالبطلان لعيب شاب إرادة المؤجرة فإنه يكون قد خالف القانون".
وعلى ذلك فالبطلان النسبي يكون في حال تخلف أحد شرطي صحة الرضا وهما الأهلية وخلو الإرادة من العيوب أي في الحالات التالية:
1 - إذا صدر التعبير عن الإرادة من شخص ناقص للأهلية، مثال: (قيام صبي مميز بإبرام تصرف دائر بين النفع والضرر – بيع -)، ويأخذ حكم هذا الصبي كل من السفيه وذي الغفلة.
2 - إذا تعيبت إرادة أحد المتعاقدين، بغلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال. يلاحظ من ذلك أن العقد الباطل بطلانا مطلقا يكون معدوماً منذ إبرامه، أما بالنسبة للعقد الباطل بطلاناً نسبياً أو القابل للإبطال فإنه يمر بمرحلتين؛ في المرحلة الأولى وهي قبل تقرير البطلان يكون العقد منتجاً لآثاره كعد صحيح ولكنه بالمقابل يكون فقط مهددا بالزوال إذا تمسك بالبطلان من كان البطلان لمصلحته ومن حقه، وفي المرحلة الثانية يتحدد مصير العقد بصفة نهائية ويدور المصير نحو احتمالين:
1- أن تتم إجازته من قبل من له الحق في التمسك ببطلانه، وبالتالي يزول الخطر المهدد بالإبطال ويتأكد العقد ويستمر في إنتاج آثاره باعتباره عقدا صحيحا.
2- أن يتمسك بالإبطال من قرر الإبطال لمصحته، فإن قرر الإبطال بطل العقد وسار البطلان بأثر رجعي من تاريخ إبرامه وبذلك تزول جميع الآثار التي ترتبت عليه من ذاك الوقت.
مما سبق يتضح أن للبطلان النسبي عدة أوجه منها أن يكون أحد طرفي العقد ناقص الأهلية أو تكون إرادته معيبة بأحد الإرادة الإكراه، التدليس، والاستغلال، مما يعطي الحق للطرف المتضرر أن يطالب عيوب الغلط وهي بإبطال العقد.
1. فبالنسبة للغلط، فهو اعتقاد خاطئ يقوم في ذهن المتعاقد فيصور له الأمر على غير حقيقته ولولاه لما كان أقدم على التعاقد من الأصل ونحن هنا نشير إلى الغلط الجوهري الدافع للتعاقد، كالغلط في صفة جوهرية للشيء والغلط في ذات المتعاقد أو صفته.
وفي ذلك قضت محكمة النقض بأن "المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن الغلط الذي يعيب الإرادة وفقاً للمادة ١٢٠ من القانون المدني يشترط فيه أولا أن يكون غلطاً جوهرياً واقعاً على غير أركان العقد. ثانياً لا يستقل به أحد المتعاقدين بل يتصل بالمتعاقد الآخر وثبوت واقعة الغلط على هذا النحو مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقدير الأدلة فيها كما أنه له سلطة تقدير وسائل الإكراه المبطل للرضا أو الغلط المبطل للعقود، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن لم يثبت لديه أن الطاعنة الأولى قد شاب إرادتها عيب من عيوب الإرادة وهي الغلط والغش والتدليس والإكراه بنوعيه المادي والمعنوي وكان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق وكاف لحمل قضائه فإن ما ورد بسبب النعي لا يعدو أن يكون جدلاً سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها موضوعياً في لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ويضحى النعي هذا الشأن على غير أساس".
وتتمتع محكمة الموضوع بسلطة تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في المتعاقد، حيث إنها من مسائل الواقع، وقضت محكمة النقض بأنه "إذا كان تقدير وسائل الاكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في المتعاقد هو من مسائل الواقع التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع التقديرية بشرط أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله. لما كان ذلك، وكان عدم وفاء الطاعنة بالتزامها بسداد الأجر كاملاً للمطعون ضدها لا يعد إكراها على تقديم الاستقالة إذ تستطيع اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ذلك خاصة مع المستوى العلمي والفكري لمن هم في مكانتها ولم تقم الدليل على وقوع ثمة إكراه عليها، فضلاً عن أن المطعون ضدها تقدمت باستقالتها قبل ثلاثة أشهر فقط على تاريخ انتهاء عقد عملها على نحو ما أورده الحكم الابتدائي مما يبين معه أن استقالتها جاءت عن إرادة حرة دون إكراه.
وقضت محكمة النقض بأن "المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه يشترط في التدليس أن تكون الوسائل الاحتيالية هي الدافعة إلى التعاقد بحيث لولاها لما أبرم المدلس عليه العقد، وتقدر جسامة تلك الوسائل وأثرها بمعيار ذاتي يعتد بحالة المدلس عليه من حيث سنه وجنسه وذكائه وخبرته وظروف الحال فالعبرة بعيب الرضا الذي ولدته تلك الوسائل لدى من وقعت عليه فإذا توافر فيه معنى الغلط الجوهري الدافع إلى التعاقد توافر المقصود بالتدليس سواء انصب على أصل العقد أم انصب على أحد شروط العقد واستظهار وجود الطرق الاحتيالية ومدى تأثيرها على إفساد التعاقد يعود لقضاء الموضوع يسترشد فيه بحالة المتعاقد الشخصية".
4 . وأخيرا الاستغلال كعيب من عيوب الإرادة، وقد نصت على هذا العيب المادة ١٢٩ من القانون المدني بقولها "إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل طيشا بينا أو هوى جامحا، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد. ٢. ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة...".
ويشار إلى أنه وفقا لنص المادة 140 من القانون المدني فإن الحق في إبطال العقد ليس حقا مؤبدا إنما هو حق مقيد بمدة ثلاث سنوات يتوقف بده سريانها على السبب الذي يتأسس عليه طلب الإبطال، فإذا كان طلب الإبطال يستند إلى وجود نقص في الأهلية فإن مدة الثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يزول فيه سبب نقص الأهلية، أما إذا كان طلب الإبطال يستند إلى وجود غلط أو تدليس فإن هذه المدة تبدأ من يوم اكتشاف الغلط أو التدليس، وفي حالة استناد طلب الإبطال إلى وجود عيب الإكراه فإن المدة تبدأ اعتبارا من انقطا الإكراه، وفي كل الأحوال لا يجوز التمسك بالحق في طلب الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد.
ثانياً: التمييز بين نوعي البطلان
هنالك معياران للتمييز بين نوعي البطلان؛ المعيار الأول يعتمد على التمييز بين شروط الانعقاد وشروط الصحة، والثاني يعتمد على غاية أو هدف القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها. فبالنظر إلى المعيار الأول يعتبر العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً حال تخلف أحد أركانه، أو تخلف أحد شروط ركني المحل والسبب. وإذا توافرت للعقد أركانه توافرت شروط المحل والسبب، إلا أنه اختل شرط من شروط صحة التراضي، فإن العقد، له وجود قانوني، مرتب لآثاره بالكامل، حتى يطلب من تقرر البطلان لمصلحته إبطاله، وعندها نكون أمام العقد الباطل بطلاناً نسبياً أو العقد القابل للابطال، فإذا أبطل زال العقد بأثر رجعي والبطلان وصف بأنه نسبي لأن التمسك بالإبطال لايتقرر إلا لمصلحة أحد المتعاقدين، سواء كان ذلك عن طريق الدعوى أو عن طريق الدفع، بعكس العقد الباطل بطلانا مطلقاً فلكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان.
إلا أن هذا المعيار المعتمد في التمييز بين نوعي البطلان ينتقد من جهـة كونه ليس معياراً واضحاً حاسماً للتفرقة بين أحوال البطلان المطلق وأحوال البطلان النسبي وأنه لايمكن - وفقاً له – الفصل بينهما فصلاً واضحاً في بعض الحالات.
وعلى هذا، ظهر معيار حديث، يرى وجوب الاعتماد على المصلحة التي تحميها القاعدة القانونية التي جاء العقد مخالفاً لها، فإذا كان هدف هذه القاعدة حماية المصلحة العامة، كانت مخالفتها مؤدية إلى بطلان العقد بطلاناً المصلحة الخاصة، كان البطلان المترتب على مطلقاً، وإن كانت تحمي مخالفتها بطلاناً نسبياً. لذا يكون هذا الاتجاه قد ربط بين فكرة المصلحة العامة وبين البطلان المطلق، فما يكون وجوده جوهرياً مرتبطاً بالمصلحة العامة التي تخص المجتمع بأسره، تكون مخالفته مؤدية إلى بطلان العقد بطلاناً مطلقاً، في حين أن هناك شروطا تتعلق بتكوين العقد ولكن توافرها يحقق مصلحة خاصة لأحد المتعاقدين، لذا يكون وجودها مرتبطاً بمصلحة من تقرر البطلان لمصلحته، فالقاعدة القانونية التي تستهدف تحقيق حماية هذه المصلحة تتجاوز تلك المتعلقة بالأهلية وعيوب الرضا، وهذا يعني اتساع حالات البطلان النسبي عما يقرره المعيار الأول الذي يعتمد على التفرقة بين شروط الانعقاد وشروط الصحة. وعلى هذا يسمح القانون لمن تقرر البطلان لمصلحته في البطلان النسبي أن يتمسك بإبطال العقد إذا رأى ذلك في مصلحته وهذا يعني أن القاعدة التي تمت مخالفتها لا تتعلق بمصلحة عامة تهم المجتمع كله. وبعد كل مساس بالمصلحة العامة مساساً بالنظام العام، إلا أنه ليس جميع القواعد المتعلقة بالنظام العام هدفها حماية المصلحة العامة. فالقانون هو المصدر الأساسي للنظام العام، وتعد جميع القواعد القانونية التي تؤلف النظام العام قواعد أمرة لا يجوز مخالفتها، إلا أن هذه القواعد تكون على فئتين: الفئة الأولى يكون هدفها حماية المصلحة العامة لذا يترتب على مخالفتها البطلان المطلق للعقد، وعلى وفق القانون المدني الفرنسي، فإن القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام الاقتصادي التوجيهي، والنظام العام التقليدي - السياسي والاجتماعي - يترتب على مخالفتها بطلان العقد بطلاناً مطلقاً لأن الهدف الذي تبغيه هو حماية المصلحة العامة.