الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / تصنيف حالات البطلان / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / استقلال شرط التحكيم بين النظرية والتطبيق / نوعا البطلان

  • الاسم

    أشرف محمد محسن خليل الفيشاوي
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    403
  • رقم الصفحة

    195

التفاصيل طباعة نسخ

نوعا البطلان

الحالة الأولى البطلان المطلق:

   البطلان المطلق هو الجزاء الذي رتبه القانون نزولاً على اعتبارات المصلحة العامة، وهذا الجزاء هو جراء انعدام العقد لركن من أركانه، كركن الرضا أو المحل أو السبب، أو تخلف الرسمية في العقود التي تطلب الكتابة كركن أساسي وشكلي في العقد، أو عدم توافر شروط الركن.

   وعلى هذا الأساس فإن البطلان المطلق يصيب العقد منذ نشأته فكأنه ولد ميتًا، وبالتالي لا يصلح لترتيب أي أثر من آثاره منذ إبرامه، وبالرجوع لما ذكر سلفاً يتبين أن البطلان المطلق يتقرر كجزاء في حالة انعدام الرضا وتخلف المحل والسبب.

أ - إنعدام الرضا

   وقد استقرت محكمة النقض المصرية في حكمها على أن تصرفات المجنون والمعتوه لا تأخذ حكم تصرفات الصبي غير المميز إلا بعد تسجيل قرار الحجر أو تسجيل طلب الحجر، وتكون باطلة بطلاناً مطلقاً تصرفاته متى كانت حالة الجنون أو العته معلومة للمتعاقد الآخر أو شائعة قبل التسجيل.

ب - المحل : أن يكون محل العقد قد فقد شرطاً من شروطه ،فكل ذلك من شأنه أن يجعل العقد هو والعدم سواء.

ج . السبب : استلزم القانون أن يكون للالتزام ،سبب فإذا تخلف السبب أو كان غیر مشروع يكون حينئذ العقد باطلاً بطلانا مطلقاً.

  لا زال العقد مع ذلك يجب أن يقع على محل قابل لحكمه موجود أو قابل للوجود وقت التنفيذ (المادة الجديدة ١١٦٣ من التقنين المدني) كما لا زال من الممكن إبطال العقد لمخالفته للنظام العام (المادة الجديدة ١١٠٢ الفقرة الثانية من التقنين الجديد ) من الجدير بالذكر هو أن التقنين المدني الفرنسي، خلافا لكل التقنينات الأوربية تقريبا، لم يعد يشير إلى الآداب العامة كأساس لإبطال العقد، فهذه الأخيرة لا يشكل التعارض معها سببا لإبطال. العقد ما لم تكن جزءا من النظام العام. إن هذا الاختلاف سيسبب بدوره اختلافا عمليا بطبيعة الحال.

وبالتالي عند النظر في المعنى الأول (أن يكون السبب حقيقيا) يتضح أن السبب هنا ذات طابع موضوعي يلتزم به الطرفان معا، فسبب تسليم زيد لعمرو ملكية الشيء المبيع هو السبب الذي يبرر أداء عمرو للثمن، أما عند النظر في المغزى الثاني من السبب ( والمتعلق بمشروعيته) فالأمر ينصرف إلى الطابع الشخصي أو الدافع إلى التعاقد فالغرض من شراء السيارة مثلا هو نقل البضائع.

   وهنا يتضح أن السبب وفق المنظور الشخصي يخص فقط أحد أطراف العلاقة التعاقدية دون الطرف الآخر، فعقد الكراء مثلا عندما ننظر إليه في اتجاه المكري يبقى دائما موضوعيا دون أن يكون شخصيا فالغرض من تعاقده هو تسلم أجرة السكن لا غير، لكن عندما ننظر إليه من طرف المكتري نجده يتغير من طابع موضوعي عندما يكون غرضه من العقد هو الانتفاع بالعين المكتراة على وجه المشروعية ويتحول إلى مفهوم شخصي إذا صار ذلك الانتفاع مجرد سبب صوري وراءه دافع غير مشروع، وهذا ما يبطل العقد الفصل ١١٦٩ من القانون المشار إليه أعلاه.

   وهنا تظهر أهمية السلطة الرقابية للقاضي عند تقديره للسبب من الناحية الموضوعية حيث إن وقت إبرام العقد هو الذي يحدد مصلحة الأطراف منه، وبالتالي إذا تحقق السبب عند إبرام العقد وتخلف عند تنفيذه فلا يمكن للقاضي تفسير مرحلة انتفاء السبب في التنفيذ بناء على وقائع سابقة تمتد إلى وقت إبرام العقد، والعلة في ذلك أن استناده بناء على وقت إبرام العقد يكون مصيره البطلان، أما إذا تخلف السبب في مرحلة التنفيذ فقد يكون المجال مفتوحا لتعديله، أو أن يكون سببا للفسخ.

   في حالة تخلف الشكل في العقود الشكلية ويكون ذلك في الحالات التي يتطلب القانون فيها شكلا معينا للعقد، فعلى سبيل المثال عقد الشركة التي تُشكل الكتابة (الشكلية) ركناً أساسيا لانعقاد العقد، وكعقد الرهن الرسمي حيث لا ينعقد إلا بورقة رسمية، وبالتالي يكون هذا الشكل ركناً لا ينعقد العقد دونه، مما يترتب على تخلفه بطلان العقد بطلاناً مطلقاً.

 إذا تخلف التسليم في العقود العينية. مثال ذلك عقد هبة المنقول إذا لم يكن مكتوبا .

   ومن حالات البطلان المطلق انعدام الإرادة كأن تصدر من شخص عديم الأهلية، والبطلان المطلق لا يتقادم ولا يقبل الإجازة. فبطلان العقد لتخلف الشكل هو بطلان مطلق، وهذا البطلان يجعل العقد في نظر المشرع معدوماً وليس له وجود قانوني، فالتصرف الباطل هو تصرف معدوم، والعدم لا يمكن إجازته.

   وهذا ما قضت به محكمة النقض أيضا حيث قضت بأنه "لا يقبل الطعن إلا ممن تتوافر له الصفة والمصلحة فيه، وأن الدفع ببطلان الحكم لصدوره على قاصر هو بطلان نسبي مقرر لمصلحته فله وحده إذا ما بلغ سن الرشد أن يطعن على الحكم الصادر في الدعوى التي كان يمثله فيها الولي أو الوصي عليه". 

   كما قضت بأن العقد القابل للإبطال بسبب نقص الأهلية أو لعيب شاب الإرادة له وجود قانوني إلى أن يتقرر بطلانه، ولا يستطيع أن يطلب إبطاله سوى من تقرر البطلان لمصلحته - ناقص الأهلية أو من شاب إرادته عيب - لما كان ذلك وكان المطعون ضدهم الأربعة الأول - وهم ليسوا طرفاً في عقد الإيجار المؤرخ ١٩٦٦/٢/١- قد طلبوا إبطاله تأسيساً على أن إرادة وزارة الأوقاف المؤجرة قد شابها عيب الغش والتدليس، وإذ استجاب الحكم المطعون فيه لطلباتهم وقضى بالبطلان لعيب شاب إرادة المؤجرة فإنه يكون قد خالف القانون". 

   وعلى ذلك فالبطلان النسبي يكون في حال تخلف أحد شرطي صحة الرضا وهما الأهلية وخلو الإرادة من العيوب

 فبالنسبة للغلط، فهو اعتقاد خاطئ يقوم في ذهن المتعاقد فيصور له الأمر على غير حقيقته ولولاه لما كان أقدم على التعاقد من الأصل ونحن هنا نشير إلى الغلط الجوهري الدافع للتعاقد، كالغلط في صفة جوهرية للشيء والغلط في ذات المتعاقد أو صفته.

   وفي ذلك قضت محكمة النقض بأن المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن الغلط الذي يعيب الإرادة وفقاً للمادة ۱۲۰ من القانون المدنى يشترط فيه أولاً أن يكون غلطاً جوهرياً واقعاً على غير أركان العقد. ثانياً لا يستقل به أحد المتعاقدين بل يتصل بالمتعاقد الآخر وثبوت واقعة الغلط على هذا النحو مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقدير الأدلة فيها كما أنه له سلطة تقدير وسائل الإكراه المبطل للرضا أو الغلط المبطل للعقود، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن لم يثبت لديه أن الطاعنة الأولى قد شاب إرادتها عيب من عيوب الإرادة وهى الغلط والغش والتدليس والإكراه بنوعيه المادي والمعنوي وكان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق وكاف لحمل قضائه فإن ما ورد بسبب النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ويضحى النعي في هذا الشأن على غير أساس". 

  أما الإكراه فهو تهديد المتعاقد دون حق بخطر يحيط به أو بغيره يدفعه إلى إبرام عقد ما كان يرضى بإبرامه مختاراً.

   وقضت محكمة النقض بأنه إذ كان الاكراه المبطل للرضا إنما يتحقق بتهديد الطرف المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً، مراعياً في ذلك سنة وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه. وأن الإكراه المبطل للرضا إنما يتحقق بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم يحدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ، ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً، وأن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد والترجيح بين البينات والأخذ بقرينة دون أخرى هو من الأمور الموضوعية ولا رقابة عليها في ذلك لمحكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.

   وتتمتع محكمة الموضوع بسلطة تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في المتعاقد، حيث إنها من مسائل الواقع، وقضت محكمة النقض بأنه "إذا كان تقدير وسائل الاكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في المتعاقد هو من مسائل الواقع التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع التقديرية بشرط أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله لما كان ذلك، وكان عدم وفاء الطاعنة بالتزامها بسداد الأجر كاملاً للمطعون ضدها لا يعد إكراها على تقديم الاستقالة إذ تستطيع اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ذلك خاصة مع المستوى العلمي والفكري لمن هم في مكانتها ولم تقم الدليل على وقوع ثمة إكراه عليها، فضلاً عن أن المطعون ضدها تقدمت باستقالتها قبل ثلاثة أشهر فقط على تاریخ انتهاء عقد عملها على نحو ما أورده الحكم الابتدائي مما يبين معه أن استقالتها جاءت عن إرادة حرة دون إكراه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر عدم سداد الطاعنة لأجر المطعون ضدها إخلالاً جسيماً بالتعاقد المبرم بينهما وفسخاً للعقد مما يشكل فصلاً تعسفياً ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال".

   والتدليس كعيب من عيوب الرضا هو أن يخدع أحد المتعاقدين الآخر بوسائل احتيالية قولية أو فعلية تحمله على الرضا بما لم يكن ليرضى به بغيرها.

   وقضت محكمة النقض بأن "المقرر - في قضاء محكمة النقض – أنه يشترط في التدليس أن تكون الوسائل الاحتيالية هي الدافعة إلى التعاقد بحيث لولاها لما أبرم المدلس عليه العقد، وتقدر جسامة تلك الوسائل وأثرها بمعيار ذاتي يعتد بحالة المدلس عليه من حيث سنه وجنسه وذكائه وخبرته وظروف الحال فالعبرة بعيب الرضا الذي ولدته تلك الوسائل لدى من وقعت عليه فإذا توافر فيه معنى الغلط الجوهري الدافع إلى التعاقد توافر المقصود بالتدليس سواء انصب على أصل العقد أم انصب على أحد شروط العقد واستظهار وجود الطرق الاحتيالية ومدى تأثيرها على إفساد التعاقد يعود لقضاء الموضوع يسترشد فيه بحالة المتعاقد الشخصية".

   ويشترط في الغش والتدليس على ما عرفته المادة ١٢٥ من القانون المدنى أن يكون ما استعمل في خداع المتعاقد حيلة وأن تكون هذه الحيلة غير . مشروعة قانوناً، ويستوي أن تكون الحيلة إيجابية أو سلبية، وقضت محكمة النقض بأن "المقرر – في قضاء محكمة النقض أنه يشترط في الغش والتدليس على ما عرفته المادة ۱۲٥ من القانون المدنى أن يكون ما استعمل في خداع المتعاقد حيلة وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً، وأن النص في المادة المشار إليها يدل على أن الحيلة غير المشروعة التي يتحقق بها التدليس إما أن تكون إيجابية باستعمال طرق احتيالية أو أن تكون سلبية بتعمد المتعاقد كتمان أمر على المتعاقد الآخر متى كان هذا الأمر يبلغ من الجسامة بحيث لو علمه الطرف الآخر ما أقدم على التعاقد بشروطه".

  

 

   

  ويقصد بالاستغلال كما بينته محكمة النقض أن يعلم الغير بضعف شخص، فيستغل هذه الحالة، ويستصدر منه تصرفات لا تتعادل فيها التزاماته مع ما يحصل عليه من فائدة. 

   كما قضت محكمة النقض بأن "المقرر - في قضاء محكمة النقض أنه يُشترط لتطبيق المادة ۱۲۹ من القانون المدنى التي تجيز إبطال العقد للغبن أن يكون المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً بمعنى أن يكون هذا الاستغلال هو الذي دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد وإنه يجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد، وإلا كانت غير مقبولة".

   ويشار إلى أنه وفقا لنص المادة ١٤٠ من القانون المدني فإن الحق في إبطال العقد ليس حقا مؤبدا إنما هو حق مقيد بمدة ثلاث سنوات يتوقف بدء سريانها على السبب الذي يتأسس عليه طلب الإبطال، فإذا كان طلب الإبطال يستند إلى وجود نقص في الأهلية فإن مدة الثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يزول فيه سبب نقص الأهلية، أما إذا كان طلب الإبطال يستند إلى وجود غلط أو تدليس فإن هذه المدة تبدأ من يوم اكتشاف الغلط أو التدليس، وفي حالة استناد طلب الإبطال إلى وجود عيب الإكراه فإن المدة تبدأ اعتبارا من انقطاع الإكراه. وفي كل الأحوال لا يجوز التمسك بالحق في طلب الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد.

  وقصت محكمة النقض بأن النص في المادة ١٤٠ من التقنين المدني على أنه: - (١) يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات. (۲) ويبدأ سريان هذه المدة، في حالة نقص الأهلية، من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفى حالة الغلط أو التدليس، من اليوم الذي ينكشف فيه، وفي حالة الإكراه، من يوم انقطاعه، وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد". وفي المادة ١٤١ منه على أنه " ۱ – إذا كان العقد باطلاً جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة. ٢ وتسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد، يدل - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية على أن المشرع قد ميز العقد الباطل عن العقد القابل للإبطال ووضع لكل منهما أحكاماً خاصة، فأورد بنص المادة ١٤٠ السالف بيانها القواعد التي تحكم العقد الباطل بطلاناً نسبياً بسبب نقص الأهلية أو لعيب شاب الإرادة ونص على سقوط الحق في إبطال هذا العقد ما لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات وفى جميع الأحوال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه متى انقضت خمس عشرة سنة من تاريخ إبرام العقد، بينما نظمت المادة ١٤١ من القانون المدني القواعد التي تحكم العقد الباطل بطلاناً مطلقاً لتخلف ركن من أركان انعقاده في حكم الواقع أو القانون ونص في الفقرة الثانية من هذه المادة على سقوط دعوى البطلان المطلق بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد، فلا يجوز الخلط بين أحكام تقادم دعوى البطلان النسبي وتلك التي تحكم دعوى البطلان المطلق، وعلى الحالين تقف وتنقطع مدة التقادم وفقاً للقواعد المقررة في المادة ۳۸۲ وما بعدها من التقنين المدني".

   ونشير إلى أن حالات سقوط الحق في طلب إبطال العقد بمضي ثلاث سنوات من تاريخ العقد تتحقق فقط في الحالات الأربع المشار إليها على سبيل الحصر وهي نقص الأهلية والغلط والتدليس والإكراه، أما عيب الاستغلال فإن الحق في طلب إبطال العقد يسقط بمرور سنة من تاريخ العقد (م۲/۱۲۹)، وقضت محكمة النقض بأن "المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن المشرع قد حدد في المادة ١٤٠ من القانون المدني مدة سقوط الحق في إبطال العقد بثلاث سنوات من تاريخ العقد في حالات أربع على سبيل الحصر هي نقص الأهلية والغلط والتدليس والإكراه وبين التاريخ الذي تبدأ منه تلك المدة في كل حالة ولم ينص على تحديد مدة لسقوط العقد الذي خالف أطرافه شرطاً مانعاً من التصرف ومن ثم تكون وفقاً للقواعد العامة خمس عشرة سنة من تاريخ العقد".

    ويشترط أن يتوفر فقد أو نقص الأهلية الذي يؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم وقت إبرام الاتفاق، أما إذا طرأ أثناء الخصومة فإنه يؤدي إلى انقطاع سير الخصومة حسب ما قرره لنص المادة 38 من قانون التحكيم.

التمييز بين نوعي البطلان

   وعلى هذا، ظهر معيار حديث يرى وجوب الاعتماد على المصلحة التي تحميها القاعدة القانونية التي جاء العقد مخالفاً لها، فإذا كان هدف هذه القاعدة حماية المصلحة العامة، كانت مخالفتها مؤدية إلى بطلان العقد بطلاناً مطلقاً، وإن كانت تحمي المصلحة الخاصة، كان البطلان المترتب على مخالفتها بطلاناً نسبياً . لذا يكون هذا الاتجاه قد ربط بين فكرة المصلحة العامة وبين البطلان المطلق، فما يكون وجوده جوهرياً مرتبطاً بالمصلحة العامة التي تخص المجتمع بأسره، تكون مخالفته مؤدية إلى بطلان العقد بطلاناً مطلقاً، في حين أن هناك شروطًا تتعلق بتكوين العقد ولكن توافرها يحقق مصلحة خاصة لأحد المتعاقدين، لذا يكون وجودها مرتبطاً بمصلحة من تقرر البطلان لمصلحته فالقاعدة القانونية التي تستهدف تحقيق حماية هذه المصلحة تتجاوز تلك المتعلقة بالأهلية وعيوب الرضا، وهذا يعني اتساع حالات البطلان النسبي عما يقرره المعيار الأول الذي يعتمد على التفرقة بين شروط الانعقاد وشروط الصحة . وعلى هذا يسمح القانون لمن تقرر البطلان لمصلحته في البطلان النسبي أن يتمسك بإبطال العقد إذا رأى ذلك في مصلحته وهذا يعني أن القاعدة التي تمت مخالفتها لا تتعلق بمصلحة عامة تهم المجتمع كله. ويعد كل مساس بالمصلحة العامة مساساً بالنظام العام، إلا أنه ليس جميع القواعد المتعلقة بالنظام العام هدفها حماية المصلحة العامة. فالقانون هو المصدر الأساسي للنظام العام، وتعد جميع القواعد القانونية التي تؤلف النظام العام قواعد آمرة لا يجوز ،مخالفتها، إلا أن هذه القواعد تكون على فئتين: الفئة الأولى يكون هدفها هدفها حماية المصلحة العامة لذا يترتب على مخالفتها البطلان المطلق للعقد.

  أما الفئة الثانية، فهي القواعد المتعلقة بالنظام العام الاقتصادي للحماية وهي مجموعة القواعد التي جاءت لحماية المنفعة الخاصة لبعض فئات المستفيدين وليس لحماية المصلحة العامة، لذا فإن العقد المخالف لها يبطل بطلاناً نسبياً لمصلحة الأشخاص المحمية مصالحهم.

    من هذه القواعد القانونية في القانون الفرنسي، القواعد المنظمة لعقود العمل والنقل

والتأمين والقواعد التي وضعت لحماية المستأجرين في الإيجارات التجارية والريفية وحماية المستهلكين في المنافسة غير المشروعة ومن الدعايات الكاذبة، فهنا النظام العام للحماية لايقوم بأي دور سوى لصالح الفريق المحمي، ويرتب المشرع البطلان النسبي على مخالفة هذه القواعد .

   فوفقا للنظرية الحديثة في البطلان يمكن التمييز بين نوعي البطلان وفقا لما يأتي:

   . لا بد أن يصدر حكم قضائي بالبطلان أيا كان نوعه، ما لم يكن هناك اتفاق بين الطرفين عليه وذلك تطبيقا لنص المادة (1/1178) من القانون المدني الفرنسي.

   ويترتب على الأخذ بمعيار "المصلحة المحمية" كأساس للتمييز بين نوعي البطلان نتيجة مهمة وهي التوسع في تقرير من له الحق في التمسك بالبطلان سواء كان مطلقا أم نسبيا : ففيما يتعلق بالبطلان المطلق، لم يعد تعبير كل ذي مصلحة في تقرير البطلان "المطلق" يقتصر على طرفي العقد أو خلفهما العام أو خلفهما الخاص أو دائني أي منهما كما كانت عليه الحال قبل نفاذ مرسوم ١٠ فبراير ٢٠١٦ - وإنما يشمل إلى جانب هؤلاء صنوفا من "الغير"، ولو كانت السلطة العامة نفسها، متى أثبت هذا الغير توافر مصلحة لديه في ذلك.

 بحق – تكريسا لمبدأ المشروعية. كذلك فيما يتعلق بالبطلان النسبي، فإن الحق في التمسك به يكون- فحسب "للطرف الذي قصد القانون حمايته (م ۱/۱۱۸۱). 

  ومن حيث إجازة العقد أو تنازل صاحب المصلحة "المحمية" عن الحق في التمسك ببطلانه (م۱۱۸۲) ، وعلى هذا الأساس يمكن فهم الحل الذي تبناه المشرع رغم أنه حل تقليدي: فالعقد الباطل بطلانا مطلقا لا ترد عليه الإجازة لأن المصلحة المحمية في هذا العقد هي "المصلحة العامة"، ومن ثم فليس لأحد أن ينزل عن التمسك بعقد أخل بهذه المصلحة وبالمقابل، ترد الإجازة على العقد الباطل بطلاناً نسبياً لأن المصلحة المحمية في هذا العقد هي "مصلحة خاصة"، ومن ثم فليس هناك ما يحول دون نزول صاحب الحق عن التمسك ببطلان العقد الذي أخل بهذه المصلحة. يضاف إلى ذلك أنه من المتصور أن تتعلق المصلحة المحمية الخاصة بأكثر من شخص وفي هذه الحالة، فإن الإجازة التي تصدر من أحدهم لهذا العقد لا تحول دون تمسك الآخرين ببطلانه.

107