الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / تصنيف حالات البطلان / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 27 / حكم التحكيم بين القبول والبطلان دراسة في إطار أحكام قانون الاجراءات المدنية الاتحادي لدولة الامارات رقم 11 لسنة 1992 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 2005

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 27
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    221

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة:

   يعد التحكيم أحد أهم الطرق البديلة لفض المنازعات، وهو وسيلة عملية فعالة لفض النـزاع خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية الرسمية، مستفيداً بذلك من مزاياه في سرعة حسم النزاع والحفاظ على السرية وانخفاض التكاليف المالية، إضافة إلى المرونة في الإجـراءات والقواعـد المطبقة. ويعد التحكيم الوسيلة الفعالة والأكثر ملاءمة اليوم للعديد مـن المنازعـات، كمـا فى منازعات التجارة الدولية والاستثمار.

    فصاحب الحق قد لا يلجأ إلى المحاكم لاستخلاص حقه عن طريق القضاء، وربمـا يـؤثر الاتفاق مع خصمه للجوء إلى محكم ليفصل في النزاع بينهما بعد سماع حججهما وبيناتهما وبهذه الطريقة يحسم النزاع ويتحقق الاستقرار الذي يعد المقصد الأساسي للتشريعات.

   ويقصد بالحكم بصفة عامة القرار الذي يصدر من جهة منحها القانون سلطة الفـصل المنازعة، ومشكلة وفقاً للقانون في منازعة مطروحة عليهـا بخـصومة رفعـت إليهـا، وفق للإجراءات التي يستلزمها القانون فهو لا يقتصر على ما تصدره المحاكم العادية، وانما يتسع لما يصدر عن الجهات الأخرى التي منحها القانون سلطة الفصل في نزاع بقضاء يحسمه. والحكـم بهذا المعنى يختلف عن الأوامر والقرارات التي تدخل في الوظيفة الولائيـة للقاضى كالحكم الصادر بالتصديق على الصلح.

   والأصل أن تصدر هيئة التحكيم حكماً في موضوع الدعوى منهياً للخصومة كلها، فتفـصل في حكم واحد في الطلبات الموضوعية المقدمة اليها. ولكن قد تصدر الهيئة حكمـاً غيـر منـه للخصومة كلها وقد تكون أحكاماً متعلقة بالإجراءات، كما لو قـضت بنـدب خبيـر أو بوقـف الخصومة أو بانقطاعها.

   وسوف نتناول أربعة مباحث على النحو التالي:

   المبحث الأول: مفهوم حكم التحكيم.

   المبحث الثاني: أنواع حكم التحكيم.

   المبحث الثالث: إجراءات إصدار حكم التحكيم.

   المبحث الرابع: حالات بطلان حكم التحكيم.

المبحث الأول: مفهوم حكم التحكيم وشروط صحته:

   حكم التحكيم هو الذي يفصل في حل النزاع أو في نقطة ومطلب من نقاط ومطالب النزاع، فصلاً نهائياً، ويكون الزامياً على أطراف النزاع.

    أي أن حكم التحكيم هو الثمرة التي يسعى اليها خصوم التحكيم إنهاء لنزاعهم، ويعني ذلـك أن المحكم يكون ملزماً بتحقيق غاية هي إصدار حكم تحكيم يفصل في النزاع بـصورة نهائيـة، وحتى يتم ذلك يقتضي أن يبذل المحكم أقصى عنايته للخروج بحكم تحكيم غير معرض بأن يفقـد أثره في البطلان لعيب فيه، وبالتالي يجب على المحكم أن يبذل عناية خاصة حتى يكون حكمـه مطابقاً لمهمة التحكيم فلا يصدر حكماً يفصل في جزء من النزاع دون الآخر، بل إن واجبـه أن يكون الحكم فأصلاً في كل النزاع، وألا يتجاوز بهذا الحكم حدود مهمة التحكيم أي الفـصـل فـى نقاط أو مطالب ليست مدرجة في مهمة التحكيم، وذلك حتى لا يتعرض الحكم للإبطـال كليـاً أو جزئياً.

   وقد أوجب قانون الاجراءات المدنية الاتحادي لدولة الامارات العربية المتحـدة رقـم (11) لسنة 1992 المعدل بالقانون رقم (30) لسنة 2005 أن يكون حكم التحكـيـم مـستوفياً الـشروط والضوابط التالية:

1. الكتابة:

   يجب أن يصدر حكم التحكيم مكتوباً، فالكتابة في هذا المقام شرط وجود وليست شرط إثبات".

2. يجب أن يحرر حكم التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الخصوم على غير ذلك. عندئذ يتعين أن يرفق بالحكم عند إيداعه ترجمة رسمية للغة العربية.

3. يجب أن يصدر حكم التحكيم بأغلبية الآراء، وأن يشتمل بوجه خاص على صورة من أتفـاق التحكيم وملخص لأقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ ومكان صدوره، وأن يكون موقعاً من المحكمين، وفي حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر مـن مـحـكـم واحـد فيكتفي بتوقيعات أغلبية المحكمين بشرط أن يثبت في الحكم أسباب عدم توقيع الأقلية، وبيـان الأسباب التي بنى عليها القرار ومضمون القرار ومنطوقه، وهو ما يعـرف عمـلاً بـالرأي المخالف.

4. أن يصدر حكم التحكيم فاصلاً في موضوع النزاع على نحو حاسم قاطع لدابر الخصومة.

5. يجب أن يصدر حكم التحكيم، وفقاً لقواعد القانون الذي اختـاره الأطـراف سـواء بالنـسبة للإجراءات أو بالنسبة للموضوع. ويعد سبباً لبطلان الحكم تجاهل المحكم أو هيئـة التحكـيم إرادة الأطراف والحكم وفقاً لقانون آخر، حتى لو كان هو القانون الذي كان سيطبقه القاضي لو عرض عليه النزاع.

6. أن يصدر خلال المدة التي يتفق عليها الخصوم في وثيقة التحكيم، وفي حالة عدم الاتفاق على أجل معين لصدور الحكم كان على المحكم أن يصدر الحكم خلال ستة أشهر من تاريخ جلسة التحكيم الأولى، وإلا جاز لمن شاء من الخصوم رفع النزاع إلى المحكمـة أو المـضـي فيـه أمامها إذا كان مرفوعاً من قبل. وللخصوم الاتفاق صراحة على مد الميعاد المحدد لإصـدار الحكم أو تفويض المحكم في مده إلى أجل معين . ويجب أن يصدر الحكم خلال الميعاد المحدد اتفاقاً أو قانوناً، ونظراً للطبيعة الرضائية لنـشأة التحكيم فالأصل أن يتولى أطراف التحكيم بأنفسهم تحديد مدة التحكيم دون تدخل من جانــب القانون وفي هذه الحالة يتعين على هيئة التحكيم مراعاة الميعاد المشروط.

المبحث الثاني: أنواع حكم التحكيم:

   القرارات التحكيمية منها ما هو تمهيدي أو جزئي، وهذه لم يتطرق اليها المشرع فـي غالبية الدول، لأنها لا تؤدي إلى حسم النزاع، كالقرار الذي يتخذه المحكم لتحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع، وتتخذ الأحكام ثلاثة أنواع، كما يلي:

    1. أحكام تمهيدية.

    2. أحكام قطعية.

    3. أحكام لاحقة.

    ونتناول بيان كل منها على حدة على النحو التالي:

أولا- الأحكام التمهيدية:

    لم يشر قانون الاجراءات المدنية الاتحادي لدولة الامارات في باب التحكيم إلى إمكانية هيئة التحكيم إصدار أحكام تمهيدية شأنه شأن معظم القوانين المقارنة. بينما بالرجوع إلى قانون الاثبات في المواد المدنية والتجارية الاتحادي لدولة الامارات رقم 10 لسنة 1992 المعدل بالقانون رقـم 36 لسنة 2006 نجد أن المواد من 69 وما بعدها تشير إلى صلاحية القاضي في إصدار أحكـام تمهيدية مثل ندب الخبير أو الإحالة إلى التحقيق، وغير ذلك.

   وأن تلك الأحكام التمهيدية طالما لم ينص في وثيقة التحكيم على عدم صلاحية المحكم فـي إصدارها، فإنه يرجع في ذلك إلى القواعد العامة في الاثبات المنصوص عليها قانونـا. وتتميـز الأحكام التمهيدية بأنها ليست أحكاماً فاصلة في موضوع النزاع كلياً أو جزئياً، وليست منهيـة للخصومة، كما أنها لا تصدر في طلب وقتي. فهي ترمي إلى التمهيد لإصدار حكم موضوعي أو قتی.

   ولم ينص على شكل خاص بالحكم التمهيدي، ولهذا فإنه يمكن أن يصدر في شكل قرار من الهيئة يثبت في محضر الجلسة، كما يمكن أن يصدر في شكل ورقة حكم مستقلة يوقعها أعـضاء الهيئة أو غالبيتهم، كما يمكن أن يصدر الحكم التمهيدي من رئيس الهيئة إذا خوله القانون ذلك.

ثانياً- الأحكام القطعية (المنهية للخصومة):

   وتقسم هذه الأحكام إلى ثلاثة أنواع:

1. قرار الصلح:

   لا يستطيع المحكم أن يتخذ هذا القرار، ، إلا إذا كان مخولا بذلك في وثيقة التحكيم، وفي هذه الحالة لا يلزم المحكم بتطبيق الأحكام القانونية على موضوع النزاع، بل له أن يستند في قـراره إلى مبادئ العدالة والإنصاف طالما لم يخرج في قراره عن النظام العام، وهذا ما أقر المـشرع الاماراتي في قانون الاجراءات المدنية في المادة (2/212).

   غیر أنه يجب أن يسعى المحكم بالصلح إلى تحقيق العدالة وليس إلى التوفيق بين الطرفين أو البحث عن حل وسط للنزاع، ومن ناحية أخرى، فإن مراعاة العدالة قد تكون في التطبيق الدقيق لقواعد القانون، كما يلاحظ أن الحكم بمقتضى العدالة والأنصاف لا يعني ترك الحرية للمحكمـين دون قيد، إذ يجب ألا يحكموا في غير ما طلب منهم، وألا يخرجوا عن حـدود الاتفـاق علـى كما لا يجوز لهم الحكم بما لا يستند إلى الوقائع الثابتة في الدعوى أو القضاء بما يخالف التحكيم، النظام العام.

    وإذا اتفق الطرفان على تحويل المحكم سلطة الحكم مع التفويض بالصلح، فإن الحكم الصادر منه يكون قد صدر في حدود سلطته، ولو قضى لأحد الطرفين بكل طلباته، سواء بإعمال القواعد القانونية التي رأى المحكم أنها تتفق مع العدالة أو باستبعادها كلها أو بعضها.

2. قرار التحكيم باتفاق الطرفين:

   قد يحدث خلال سير التحكيم أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق تسوية ومصالحة ويصبحان أمام موقف من اثنين: إما أن يطلبا من هيئة التحكيم إنهاء التحكيم أو أن يطلبا من هيئة التحكيم إصدار حكم تحكيم بمضمون اتفاق التسوية أو المصالحة الذي تم بين الطرفين فيتحول عقد اتفاق التسوية إلى حكم تحكيم قضائی.

3. قرار التحكيم النهائي:

   يقصد بحكم التحكيم النهائي الحكم الذي يحسم موضوع النزاع وينهي خصومة التحكيم نهاية طبيعية لعدم وجود سبب يؤدي إلى انقضائها انقضاء مبتسرا كانقطاع الخصومة، أو وقفها وعـدم أعادة السير فيها أو لعارض يلم بأحد المحكمين وعدم تعيين بديل منه أو لانقضاء مـدة التحكـيم دون صدور الحكم أو لحدوث صلح بين الخصوم أثناء اء سير الخصومة أمام المحكمـين. ومتـى سارت الخصومة سيراً طبيعياً، فإن المحكم يلتزم إصدار الحكم سواء كان مقيداً أو غيـر مقيـد بالقانون.

   ومن ثم وجب أن يشتمل الحكم على العناصر الجوهرية للأحكام بصفة عامة فيضمن الفصل في خصومة محددة وينحسم به النزاع بصفة نهائية، ويكون قابلاً للتنفيذ مباشـرة بعـد شـموله بالصيغة التنفيذية. كما يتمتع بحجية الأمر المقضي فلا يعتبر حكم تحكيم القرار الذي يصدر فـى غير الشكل الذي يتطلبه القانون كأن يكون شفاهة غير مكتوب ويتطلب لإصدار حكـم التحكيم المنهي للخصومة إجراءات معينة سنعرض لها في المبحث الثالث في حينه.

4. الأحكام اللاحقة للحكم المنهي للخصومة:

   هي الأحكام التي تصدر بعد صدور الحكم المنهي للنزاع كله، ويعني ذلك أن يحدث أحيانـاً أن يكتشف الحكم التحكيمي غموضاً أو اغفالاً لبعض الطلبات، أو أن بعض الفقرات تحتاج إلـى تفسير أو تصحيح لبعض الأخطاء المادية كالأخطاء الحسابية مثلاً أوالخطأ في كتابة اسم المدعى عليه.

   فإذا شاب منطوق حكم التحكيم غموض أو إبهام بحيث لا يتضح ما تضمنه من قرار، فإنـه يحتاج إلى تفسير، وكما أن سلطة تفسير حكم المحكمة تكون للمحكمة، فإن سلطة تفسير حكـم التحكيم تكون لهيئة التحكيم التي أصدرته.

   وفي حالة اغفال الفصل في بعض الطلبات، فإنه يجوز للمحكمة أثناء النظـر فـي طلـب تصديق حكم المحكمين أن تعيده اليهم للنظر في ما أغفلوا الفصل فيه مـن مـسائل التحكـيم أو لتوضيح الحكم إذا كان غير محدد بالدرجة التي يمكن معها تنفيذه، وعلى المحكمين فـي هـاتين الحالتين أن يصدروا قرارهم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إبلاغهم بالقرار، إلا إذا قررت المحكمة خلاف ذلك.

   أما في حالة تعلق الأمر بخطأ مادي أو حسابي فالخطأ الذي يجوز تصحيحه هو الخطأ ف فـي التعبير وليس الخطأ في التقدير، أي أن المحكم في التعبير عن تقديره قد استخدم ألفاظاً أو أرقاماً غير التي كان يجب أن يستخدمها للتعبير عما انتهى اليه من تقدير ه .

    ويعني ذلك أن لهيئة التحكيم أن تصدر قراراً تصحح به ما وقع في قضائها من أخطاء مادية بحتة، سواء كانت هذه الأخطاء كتابية أم حسابية، سواء تم ذلك من تلقاء هيئة التحكـيم أو بنـاء على طلب أحد الخصوم. كما لها، وبعد انتهاء ميعاد التحكيم، أن تصدر حكماً إضافياً في طلبـات قدمت اليها خلال الاجراءات وأغفلت الفصل فيها.

المبحث الثالث: إجراءات إصدار حكم التحكيم:

   مما تجدر الاشارة إليه أن حكم التحكيم يعتبر صادراً من تاريخ توقيع المحكمين أو أغلبيتهم عليه بعد كتابته، ومع ذلك فإن هناك بعض الفروق، أهمها أنه لا ينطق بحكم التحكيم في جلسة علنية ولا يجوز نشر الحكم أو أي جزء منه، إلا بموافقة طرفي التحكيم. ولا يلزم إصداره بأسـم رئيس الدولة ولا يشترط عمل مسودة للحكم وإيداعها ملف التحكيم ولا يتضمن قانون الاجراءات المدنية الاتحادي نصاً يجيز الاعفاء من تسبيب الحكم وتشمل إجراءات إصدار الحكم التحكيم مرحلتين:

المرحلة الأولى للحكم: إجراءات سابقة على إصدار الحكم:

1) حجز الدعوى للحكم:

   يتعين على هيئة التحكيم بعد الانتهاء من نظر النزاع وختام أقوال الخـصوم فـي القـضية المنظورة أمامهم أن يصدروا حكماً في موضوع النزاع.

    ويعني ذلك أن لهيئة التحكيم بعد انتهاء تبادل المذكرات والمستندات وتحقيق الدعوى وسماع المرافعات أن تأمر بحجز الدعوى للحكم صراحة أو ضمناً بتحديد جلسة للنطق بالحكم. وبحجـز الدعوى للحكم يتم إقفال باب المرافعة، فتنقطع صلة الخصوم بالقضية ولا يكون لهم أي اتـصـال بها، إلا بالقدر الذي تصرح به الهيئة.

   وليس لأي منهم بعد حجز الدعوى للحكم تقديم مذكرات أو إيداع مستندات. فإذا قدم أي من الخصوم مذكرة تحتوي على دفاع أو قدم مستنداً، فعلى الهيئة تجاهله ولا تلتزم الرد عليه، وليس لها أن تستند إليه في حكمها، وإلا كان الحكم باطلاً.

    ولهيئة التحكيم بعد حجز الدعوى إلى أجل معين أن تقرر ما تراه مناسباً لإصدار الحكم، فإما أن تقرر مد أجل النطق بالحكم، أو أن تقرر فتح باب المرافعة. سواء تم ذلك من تلقاء نفسها أو كان ذلك بناء على طلب طرف من الأطراف.

   ويعد طلب فتح باب المرافعة من السلطة التقديرية لهيئة التحكيم، فهي لا تلتزم إجابة الخصم إلى طلبه في فتح باب المرافعة طالما وجدت في أوراق الدعوى وعناصرها ما يكفـي لتكـوين عقيدتها.

2) إصدار الحكم:

   يقصد بحكم المحكمين ذلك القرار الذي يصدره المحكمون بناء على السلطة التي حولها لهم الخصوم في اتفاق التحكيم لحسم المنازعة المطروحة عليهم، ويراعى أن إعداد حكم المحكمـين واصداره يقتضيان المداولة في حال تعدد المحكمين. ويقصد بالمداولة المناقشة التي تـتـم بـين أعضاء هيئة التحكيم، إذا تعددوا للاتفاق على وجه الحكم في الدعوى، وتدخل الخصومة مرحلـة المداولة حينما تصبح مهيأة للحكم فيها بتمام تحقيقها وانتهاء المرافعـة فيهـا وإبـداء الخـصوم لطلباتهم، ففي هذه الحالة يصبح من حق هيئة التحكيم أن تأخذ فسحة من الوقت تقـدرهـا حـسب ظروف كل قضية على حدة للتشاور قبل النطق بالحكم ولتكوين الرأي إذا كان المحكم فـرداً. ولا يتضمن قانون الاجراءات المدنية الاتحادي قواعد المداولة بالنسبة لأحكام التحكيم، ومن ثـم فإنه يتعين اتباع قواعد المداولة التي ينص عليها ذات القانون بالنسبة للقضاة عن طريق القيـاس، ويقصد بالمداولة تبادل الرأي بين المحكمين توصلا لإصدار الحكم، ويجب أن يشترك المحكمون شخصيا في الدولة وتكون المداولة سرية بين جميع المحكمين المكونين لهيئة التحكيم." فإذا تتم المداولة قبل إصدار الحكم، فإن الحكم يكون باطلاً لمخالفته القواعد الأساسـيـة فـي إصـدار الأحكام28، ويعتبر توقيع جميع أعضاء هيئة التحكيم الحكم دليلاً قاطعاً على حـصول المداولـة واشتراكهم جميعاً فيها، كما يعتبر اثبات امتناع المحكم عن التوقيع لمخالفتــه رأي الأغلبيـة أو اثبات سبب الامتناع أو تقديم المحكم الممتنع عن التوقيع مذكرة بالرأي المخالف لإلحاقها بالحكم، دليلاً على حصول المداولة. وإذا كان من المقرر أن المداولة لإصدار الحكم لا تتطلب اجتماع المحكمين في مكان واحد، إذ يمكن أن تتم عن بعد بوسائل الاتصال الحديثة، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لإصدار الحكم، إذ يجب لإصدار الحكم أن يجتمع المحكمـون فـي مكـان وأحـد لإصداره. فلا يجوز إصداره عن طريق توقيع كل محكم في مكان مختلف، ذلك أن مكان صدور الحكم ضروري لمعرفة ما إذا كان وطنياً أو أجنبياً وهو أمر هام بالنسبة لتنفيذ الحكم.

3) إصدار الحكم بالأغلبية:

   عالج المشرع الإماراتي مسألة صدور الحكم في المادة (5/212) اجراءات مدنيـة، حيـث نصت على أنه "ويصدر حكم المحكمين بأغلبية الآراء وتجب كتابته مع الرأي المخالف، ويجـب أن يشتمل بوجه خاص على صورة من الاتفاق على التحكيم، وعلى ملخـص أقـوال الخـصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ صدوره والمكان الذي صدر فيه وتوقيعات المحكمين، وإذا رفض واحد أو أكثر من المحكمين توقيع الحكم ذكر ذلك فيه ويكون الحكم صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين.

   ويعني ذلك أن الأغلبية يمكن أن تتكون خلاف رأي رئيس الهيئة، كما أن الأغلبية يمكن أن تتكون بالنسبة الى جزء من الحكم على نحو وتتكون بالنسبة الى جزء آخر على نحو مختلف.

4) الرأي المخالف:

   يأخذ المشرع الاماراتي بفكرة كتابة الرأي المخالف، وقد أخذ بهذا المبـدأ سـواء بالنـسبة للأحكام الصادرة من قضاة الدولة م (2/128) إجراءات مدنية أو مـن المحكمـين م (5/212) اجراءات مدنية والرأي المخالف هو رأي الأقلية.

   وقد يكون هذا الرأي مخالفاً لما انتهى اليه منطوق الحكم، ولما جاء فـي أســبابه أيـضاً أو مخالفاً لما جاء في أسباب الحكم، وموافقا لما جاء في المنطوق.

   وترتيباً على ما سبق فإنه يجب أن يذكر في حكم المحكمين إذا كان قد صدر بالإجمـاع أو بالأغلبية مع كتابة الرأي المخالف.

5) تسبيب الحكم:

   يعد تسبيب حكم المحكمين من أهم ضمانات التقاضي، إذ هو يضمن حسن أداء المحكمـين مهمتهم والتحقق من حسن استيعابهم وقائع النزاع ودفاع الخصوم، فكتابة المحكمين أسباباً للحك يدفعهم إلى التروي والتفكير في الحكم قبل إصداره.

   ولا يقتصر الزام المحكمين بذكر الأسباب على مجرد توافر وجود الأسباب أياً كانت، فليس المقصود هو مجرد الذكر، بل يجب أن تكون هذه الأسباب كافية غير مشوبة بعيب القصور فـي التسبيب لعدم الكفاية، ويجب أن تكون الأسباب منطقية حتى لا يؤدي ذلـك إلـى الفساد  في الاستدلال، بل يجب أيضاً بيان أسباب الحكم ولو كان التحكيم مع التفويض بالصلح .

   وحتى يتحقق الهدف من تسبيب الحكم، فإن الأسباب يجب أن تكون كافية، لكن مدلول الكفاية هنا يتحدد بشكل أقل تشدداً عنه بالنسبة لقضاء الدولة، إذ يكفي لكفاية أسباب حكم المحكم أن تكون الأسباب ملائمة ومتعلقة بموضوع النزاع، ولو كانت غير مقنعة طالما كانـت غيـر متناقـضة، ويؤدي تناقض أسباب الحكم أو تعارضها مع المنطوق إلى بطلان الحكم .

    وقد قضت محكمة استئناف القاهرة بأنه " يكفي لصحة هذا الحكم أن يكون مسبباً ما لم يتفق على غير ذلك، أما مضمون هذه الأسباب أو صحتها، فإنها مسألة تخرج عن رقابة قاضي البطلان .

6) ميعاد إصدار حكم التحكيم:

   الاصل أن حرية أطراف التحكيم في تحديد مهلة التحكيم خالية من أي قيد، ومع ذلك فـإن المنطق يقتضي تحديد سقف لهذه المدة فلا يصح اتفاق الخصوم على أن يفصل المحكـم فـ وقت يراه. وإذا كان لا يوجد حد أدنى لمهلة التحكيم، فإن المنطق يقتضي كذلك ألا تكـون مـن القصر بحيث يمكن أن تؤدي إلى الاخلال بحق الدفاع، مما يفتح الطريـق للطعـن فـي أحكـام المحكمين بالبطلان.

   وترد هذه المهلة عادة في اتفاق التحكيم الذي يأخذ شكل مشارطة، ولكن لا يشترط أن تـرد المهلة في وثيقة التحكيم ذاتها فيجوز الاتفاق عليها في ورقة لاحقة أو عند تبادل المذكرات، وقـد أوجب القانون على المحكم أن يحكم في النزاع خلال ستة أشهر من تاريخ جلسة التحكيم الأولـى في حالة إذا لم يشترط الخصوم أجلاً للحكم.

   وأجاز القانون أيضاً للخصوم الاتفاق صراحة أو ضمناً على مد الميعاد المحـدد اتفاقـاً أو قانوناً لإصدار الحكم ولهم تفويض المحكمين على مد مهلة التحكيم بشرط أن يكون ذلـك لأجـل محدد. فلا يجوز الاتفاق على أن يصدر المحكمون الحكم وقت ما يشاؤون.

   أما إذا لم يتفق الخصوم على أجل محدد لإصدار الحكم، أو تضمن اتفاقهم تحويل المحكمـة سلطة الفصل دون قيد زمني، أو جاء غير واضح بالنسبة الى شرط المهلة، كما في حالات المـت الضمني لمهلة التحكيم فلا يعني ذلك بطلان اتفاق التحكيم كله، ولكن الاتفاق يبطل فيمـا يتعلـق بالمدة ويصحح فوراً بتطبيق المدة التي يقررها القانون تلقائياً.

   ولم يضع المشرع في قانون الاجراءات المدنية الاتحادي حدا أقصى للمدة التي تمتد اليهـا مهلة التحكيم.

   إذا كان المد يتم بواسطة اتفاق الخصوم. أما إذا فوضوا المحكم في المد فـلا بـد مـن أن يحددوا الأجل الذي يستطيع المحكم المد اليه. فإذا لجأ أحد الخصوم أو المحكم الى المحكمة لمـد مهلة التحكيم، فإن المحكمة هي التي تمد الأجل إلى المدة التي تراها مناسبة لحل النزاع .

   ويجب أن يصدر الحكم خلال الميعاد المحدد اتفاقاً أو قانوناً، ونظراً إلى الطبيعة الرضـائية لنشأة التحكيم، فالأصل أن يتولى أطراف التحكيم بأنفسهم تحديد مدة التحكيم دون تدخل من جانب القانون، وفي هذه الحالة يتعين على هيئة التحكيم مراعاة الميعاد المشروط، ما لم يرتض جميع الخصوم امتداده. فإذا لم يتفق أطراف التحكيم على أجل محدد لإصدار الحكـم أو وقـع اتفـاقهم باطلاً، فإن القانون هو الذي يتولى تحديد تلك المدة مع اختلاف مداها من تنظيم قانوني لآخر.

   وفي جميع الأحوال، فإن للطرفين الاتفاق على مد ميعاد التحكيم سواء كان قد تحدد ابتـداء باتفاقهم أو بنص القانون.

   وتوقف المدة المحددة لإصدار المحكمين حكمهم إذا أوقفت الخصومة أو انقطعت أمام المحكم فتوقف الخصومة، وقفاً تعليقاً أمام المحكم إذا ثارت مسألة أولية لا يختص بها المحكـم، ولكـن يختص بها قضاء الدولة حيث يتعين في هذه الحالة وقف الميعاد المحدد لصدور حكم المحكمـين إلى حين صدور حكم في المسألة الأولية (3) ومن تطبيقات ذلك المادة (209) من القانون ذاته.

   ففي كل هذه الحالات لا تحسب المدة اللازمة حتى صدور حكم انتهائي من محاكم الدولة من المهلة المحددة لإصدار حكم المحكمين.

   وتنقطع الخصومة أمام المحكم في الحالات المنصوص عليها في المادة (103) من قـانون الاجراءات المدنية الاتحادي لدولة الامارات، وهي حالات وفاة أحد الخصوم أو فقـد أهليتـه أو زوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين.

   ويحدث الانقطاع هنا بقوة القانون ولا يجوز للخصوم الاتفاق على عدم انقطاع الخصومة ولو تحقق سبب من أسباب الانقطاع، لأن ذلك الاتفاق يخالف النظام العام.

   ولكن يثور التساؤل هنا عن أثر عدم صدور حكم المحكمين في المهلة المحـددة اتفاقـاً أو قانوناً لإصدار الحكم؟

    فإذا انتهت المهلة التي حددها أطراف التحكيم أو القانون، لإصدار الحكـم ولا يوجـد مـا يستدعي وقف سريان المهلة أو حدث وقف للميعاد، ثم استؤنف سيره، وانقضت المدة الباقيـة أو مدة الشهرين المحددة في قانون الاجراءات المدنية الاتحادي ولم يصدر حكم المحكمين، فإن هيئة التحكيم تنفض وينفرط عقدها ويتجرد المحكم بذلك من سلطته القضائية وتسترد المحكمة المختصة بنظر موضوع النزاع حسب قواعد الاختصاص ولايتها في نظر النزاع .

    وإذا انقضت مهلة التحكيم دون صدور حكم فليس ثمة مـا يمنـع الخـصوم مـن ابـرام مشارطة تحكيم جديدة، ويكون للخصوم حينئذ حرية اختيار ذات المحكمين أو اختيـار محكمـين جدد .

7) بيانات حكم التحكيم:

   بإستقراء عدد من التشريعات ولوائح التحكيم المقارنة تبين منها أن بيانات الحكم الجوهريـة هي أسماء الخصوم وعنوان كل منهم، واسم المحكم والمحكمين وصفاتهم وعناوينهم، وصورة أو ملخص اتفاق التحكيم، صورة أو ملخص لطلبات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم، منطوق الحكـم، تاريخ ومكان إصدار الحكم، أسباب الحكم إذا كان ذكرها واجب، توقيع المحكم أو المحكمين الذين أصدروه وهذا ما جرى عليه نص المادة (5/212) إجراءات مدنية اتحادي.

   ونتناول هذه البيانات تفصيلاً على النحو التالي:

1. أسماء الخصوم وعناوينهم:

   الخصوم هم طرفا إجراءات التحكيم وهم المخاطبون بالحكم الصادر في النزاع الذي لا بـد من أن يتضمن إلزام أحدهما أو كليهما بأداء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ما.

    وعلى ذلك يجب أن يتضمن الحكم أسماء الخصوم بما في ذلك الخصم المدخل أو المتدخل، وذلك على النحو الكافي لتمييز كل خصم. كما يجب بيان عنوان كل خصم لمعرفة العنوان الـذي يمكن اعلانه فيه بصحيفة دعوى بطلان الحكم، ولا يؤدي اغفال بيان عنوان الطرفين إلى بطلانه طالما لم يؤد إلى التجهيل بأي منهما أو التشكيك باتصاله بالحكم .

2. أسماء المحكمين وعناوينهم وجنسياتهم وصفاتهم:

   يعد بيان أسماء المحكمين من البيانات الجوهرية الذي بغيره لا تكتمل لحكم التحكيم مقومات وجوده وهو بيان يقضي به المنطق، لأنه لا يمكن لحكم ما أن يصدر من مجهول، وبيـان اسـم المحكم أو المحكمين الذين أصدروا الحكم ضروري للتأكد من صحة تشكيل هيئة التحكـيم، وأن هذا التشكيل لا يخالف القانون واتفاق الطرفين، ويقصد بصفة المحكم التحقق من بيان ما إذا كان محكماً مختاراً من أحد الخصوم أو هو رئيس الهيئة ومعظم التشريعات الحديثة لا تـستلزم ذكـر جنسية المحكم في مدونات الحكم باستثناء بعض التشريعات تستلزم ضرورة ذكر جنسية المحكـم في مدونات الحكم مثل التشريع المصري والأردني.

3. صورة اتفاق التحكيم:

   يعد اتفاق التحكيم الدستور الشرعي لعملية التحكيم، ومنه يستمد المحكم سلطته فـي فـصل النزاع، كما يعد الأساس القانوني المباشر لإخراج النزاع محل التحكيم من اختصاص المحـاكم صاحبة الولاية العامة في فصل المنازعات. ويترتب على عدم وجود الاتفاق المذكور انعدام حكم التحكيم واعتباره كأن لم يكن، وذلك لانعدام ولاية المحكم في إصداره.

   وقد نصت المادة (5/212) من قانون الاجراءات المدنية الاتحادي على المضمون ذاته.

   وترجع العلة في تضمين الحكم صورة من اتفاق التحكيم إلى معرفة حدود سلطة المحكمـين الذين أصدروا الحكم، إذ هم يستمدون سلطتهم من هذا الاتفاق، ومع ذلك ودرءاً لاحتمال الطعن في دعوى البطلان لعدم اشتمال الحكم على صورة من اتفاق التحكيم، نرى أن يكون من الأفضل إثبات نص شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم في مدونات الحكم على أنه إذا كان الشرط المذكور قد ورد في أحد العقود كواحد من بنوده، فإنه يكفي اشتمال حكم التحكيم على نص هذا البند فقـط دون باقي بنود ذلك العقد.

4. ملخص طلبات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم:

   تعتبر بيانات ملخص طلبات ودفوع الخصوم الجوهرية ومستنداتهم بيانات لازمة يترتب على اغفالها عدم تحقق الغاية التي من أجلها أوجب المحكم اثباتها في حكم المحكمين بما يـؤدي إلـى البطلان. كما يعتبر اغفال ذكر ما قدمه الطرف من دفوع أو دفاع جوهري قصوراً في أسـبـاب الحكم الواقعية بما يؤدي إلى بطلان الحكم أيضاً.

5. تاريخ صدور الحكم:

   يجب أن يتضمن حكم التحكيم بيان تاريخ صدوره، وعدم ذكر هذا البيان في حكم التحكـيم يترتب عليه بطلانه، ذلك أن حكم التحكيم يكتسب حجية الأمر المقضي فور صدوره وتبقى له هذه الحجية منذ تاريخ صدوره إلى أن يقضى بإلغائه أو بطلانه، وتنتهي مهمة المحكمين من تـاريخ صدور الحكم، ويعد ذكر هذا البيان مهما في تحديد الوقت الذي تسري فيه آثار الحكـم، ومنهـا الحجية (حجيه الأمر المقضي) وكذلك معرفة ما إذا كان الحكم قد صدر في ميعاد التحكيم أو بعد انقضاء هذا الميعاد، ومن المقرر في هذا الصدد أن حكم التحكيم يكون قابلا للإبطـال إذا كـان تاریخ صدوره لاحقاً لسقوط اتفاق التحكيم بانقضاء مدته. أو بعد انتهاء هذه المـدة، ومـن هـذه الناحية، فإن غالبية التشريعات اعتبرت أن تاريخ حكم التحكيم من البيانات الجوهرية التي يترتب على إغفالها بطلانه.. والبطلان هنا متعلق بالنظام العام وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها .

6. مكان إصدار الحكم:

    وتبدو أهمية ذكر هذا البيان من نواح عديدة حيث يحدد هذا البيان تكييـف الحكـم ومـدى اعتباره حكماً وطنياً أو أجنبياً، أي صدر خارج إقليم الدولة المطلوب منها الاعتراف به أو تنفيذه. أيضاً تظهر أهمية ذكر هذا البيان في التحكيم التجاري الدولي لتحديد المحكمة المختصة دوليـاً بنظر دعوى بطلان الحكم، وقد حرصت معظم التشريعات على النص على هذا البيـان، ومنهـا التشريع الاماراتي م (5/212) إجراءات مدنية اتحادي.

7. منطوق الحكم:

   يعد منطوق الحكم هو القول الفاصل في النزاع، والحل الذي أمر به حسماً له بصفة نهائية، وفيه يتمثل الإلزام الذي يفرضه حكم التحكيم على أحد الطرفين أو على كل منهما، وأياً كان هذا المنطوق سواء كان حكماً تمهيدياً أو فاصلاً في الموضوع أو في جزء منه. ويجب أن يكون هذا القضاء صريحاً لا غموض فيه، وأن تكون عبارات المنطوق واضحة ودالة عليه وخاليـة مـن التناقض الذي يمنع فهمه ويعوق تنفيذه.

8. توقيع الحكم:

   حتى يكون للحكم وجود قانوني له الحجية فيما اشتمل عليه من قضاء يجب أن يكون موقعاً ممن أصدره قاضياً كان أم محكماً، وبدون هذا التوقيع يعتبر الحكم معدوماً لا يترتب عليه أي أثر قانوني ذلك أن توقيع القاضي أو المحكم هو الذي يضفي على الحكم الصفة القانونية، وقد حرص المشرع الإماراتي شأنه شأن التشريعات الحديثة على وجوب اشتمال حكم المحكمين على توقيـع المحكم أو المحكمين الذين أصدروه، وعلى بطلانه في حالة عـدم توقيـع هـؤلاء. م (5/212) إجراءات مدنية اتحادي. غير أنه يكتفي بتوقيع أغلبية المحكمين بشرط اثبات سبب عـدم توقيـع الأقلية (الرأي المخالف).

9. تسبيب الحكم:

   يعتبر تسبيب حكم المحكمين ضمانة هامة من ضمانات التقاضي أمام المحكمـين، إذا هـو يضمن حسن أدائهم مهمتهم، فكتابة المحكمين أسباباً للحكم ينم عن استيعاب المحكمـيـن وقـائع النزاع ودفاع الخصوم، وهو ما يضمن سلامة التفكير الذي أدى بالمحكمين إلى إصدار الحكم.

10. إيداع الحكم:

   لقد ميز قانون الاجراءات المدنية الاتحادي لدولة الامارات في ذلك بين التحكيم الذي يتم عن طريق المحكمة، وذلك الذي يتم خارجها. وتطلب الإيداع في الحالة الأولى فقط. وألزم المحكمين بإيداع أصل الحكم مع أصل وثيقة التحكيم والمحاضر والمستندات قلم كتابة المحكمة المختصة أصلاً بنظر الدعوى خلال الخمسة عشر يوماً لصدور الحكم. وفي الحالة الثانية نص القانون على الزام المحكمين بإيداع صورة أو صور الحكم قلم الكتاب لتسليمها إلى كل طرف خلال خمسة أيام من إيداع الأصل (م/1/213) إجراءات مدنية اتحادي.

المبحث الرابع: حالات بطلان حكم التحكيم:

   رغم أن حكم التحكيم يعتبر عملاً قضائياً، مما يستتبع عدم جواز المـسـاس بـه، إلا باتبـاع طريق من طرق الطعن التي نص عليها القانون، فإن تأثير الطبيعة التعاقدية للاتفـاق ومـصدر سلطة المحكمين قد أدى إلى فتح سبيل دعوى البطلان ضد حكم المحكمين، ولهذا الاعتبار تجيـز التشريعات المختلفة الدعوى ببطلان أحكام المحكمين.

   وقد حدد المشرع الاماراتي في المادة (216) من قـانون الاجـراءات المدنيـة الاتحـادي الحالات التي يجوز فيها للخصوم طلب بطلان حكم المحكمين.

   ويلاحظ أن دعوى البطلان ليست طريقا من طرق الطعن في الأحكام التـي يـنص عليهـا قانون الاجراءات المدنية، وهذا يتضح من مطلع الفقرة الأولى من المادة (216) المشار اليها، إذا ورد نصها كالتالي "يجوز للخصوم طلب بطلان حكم التحكيم...".

   ويمكن تقسيم حالات الـبطلان إلـى نـوعين: الأول ويتعلـق الـبطلان فيـه بمـصلحة خاصة بالأطراف وليس بالنظام العام، والثاني يشمل الحالات التي يتعلق البطلان فيهـا بالنظـام العام .

وسنتولى بيان ذلك على النحو التالي:

النوع الأول: حالات البطلان المتعلقة بمصلحة الأطراف.

1. أسباب ترجع إلى اتفاق التحكيم:

   ويجب أن يصدر حكم التحكيم ويستند إلى اتفاق تحكيم صحيح وقائم، فإذا لم يوجـد اتفـاق من الأساس أو وجد هذا الاتفاق، لكنه كان باطلاً لأي سبب، فـإن ذلـك يـؤدي الـي بطـلان التحكيم .

   وبناء عليه يبطل حكم التحكيم بسبب عدم وجود اتفاق صحيح على التحكيم في شأن المسألة التي فصل فيها .

     ويعني ذلك أن الأصل هو الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد من قبل قضاة الدولة، وأن التحكيم يعد طريقاً استثنائياً لفض المنازعات، بمعنى أن اللجوء إليه لا يكـون إلا إذا اتفـق أطراف النزاع على ذلك. وبالتالي فإنه يلزم لصحة حكم التحكيم أن يصدر بناء على اتفاق مـن أطراف النزاع، وأن يكون هذا الاتفاق صحيحاً وقائماً.

    فإذا كان هذا الاتفاق قائماً، لكنه كان باطلاً أو قابلاً للإبطال، كأن يكون أحد الطرفين وقـت إبرامه فاقداً للأهلية أو ناقصها، وفقاً للقانون الذي يحكم الأهلية أو أن يكون هذا الإتفاق قد سـقط بأنتهاء مدته أو أن حكم التحكيم قد فصل في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جـاوز المحكـم حدود هذا الاتفاق .

    ويلاحظ أنه إذا بدأت إجراءات خصومة تحكيم أمام هيئة التحكيم دون اتفـاق تحكـيم، فـإن هـذا العيب يزول إذا حضر الطرفان أمام هيئة التحكيم دون تحفظ، وهو ما يعني أن عدم وجود أتفاق تحكـيم لا يصلح سبباً للبطلان، إلا إذا كان أحد الطرفين لم يحضر أمام هيئة التحكيم أو حضر مع التحفظ.

2. أسباب ترجع إلى تشكيل أو تعيين هيئة التحكيم:

   يعد من أسباب بطلان حكم التحكيم صدوره من محكمين لم يعينوا طبقاً لاتفـاق التحكـيم أو طبقاً للقانون والتعيين المخالف قد يكون بسبب مخالفة إجراءات التعيين أو بـسبب عـدم تـوافر الشروط القانونية في المحكم، ومن ذلك الشرط الذي تطلبه القانون كأن يكون عـدد المحكمـين وتراً. فإذا تم تشكيل هيئة التحكيم على وجه مخالف للقانون أو الاتفاق. كـان الحكـم الـصـادر عرضة للبطلان .

    وتطبيقا لذلك تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إذا صدر الحكم عن هيئة تحكيم مـشكلة مـن اثنين أو أربعة. وقد نصت المادة (2/206) من قانون الاجـراءات المدنيـة الاتحـادي علـى المضمون ذاته.

    ومن حالات البطلان أيضاً تعيين المحكمين أو أحدهم بغير الطريق الذي رسمه القانون، وهو ما ينطبق في الحالات التي يعهد فيها القانون إلى المحكمة المختصة بتعيين المحكـم ويتحقـق البطلان أيضاً إذا جرى تعيين محكم بديل لمحكم انتهت مهمته لأي سبب بغير الطريق الذي اتبـع في تعيين المحكم الأصيل.

3. أسباب ترجع إلى الإجراءات:

   إن نطاق دعوى البطلان هو الخطأ في الإجراءات دون الخطأ في التقـدير أي أن وقـوع بطلان في الحكم أو في إجراءات التحكيم أثر في الحكم، لابد من أن تنصرف نتيجته إلى بطـلان الحكم أي أن البطلان هنا يكون قد لحق الحكم ذاته كعمل من الأعمال التي تـتـم فـي خـصومة التحكيم، ويكون حكم التحكيم قابلاً للبطلان أيضاً إذا خولفت قاعدة من القواعد اللازمـة لـصحة إصداره، ومنها أن يصدر الحكم غير مسبب في فرض يكون التسبيب فيه واجبـاً أو أن يـصـدر خالياً من أحد البيانات التي يتطلبها القانون أو التي يترتب على تخلفها بطلان الحكم، وذلك كـأن يصدر الحكم خالياً من ذكر أسماء المحكمين الذين أصدروه أو عدم ذكر بيان تاريخ اصـداره أو أن يصدر دون مداولة أو أن يشترك في إصدار الحكم محكم سابق سبق الحكم برده.

4. أسباب ترجع إلى الاخلال بحق الخصوم في الدفاع:

   تحرص جميع التشريعات على النص على هذه القاعدة وهي ضرورة احترام حقوق الدفاع، بحيث يسمح بالطعن بالبطلان في كل حالة يتعذر فيها على أحد الخصوم تقديم دفاعه سواء كـان ذلك بسبب عدم اعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكـيم أو لأي أو لأي سـبب آخـر خارج عن إرادته، ويعني ذلك أنه يجب على هيئة التحكيم أن تهيئ للطرفين فرصة متكافئة حتى يتمكن كل طرف من عرض دعواه، وأن يتمكن كل طرف من الاطلاع على الأوراق والمستندات والأدلة التي يقدمها الطرف الآخر، وهذا ما يعرف بمبدأ المواجهة في الخصومة، وقـد نـصت المادة (1/212) من قانون الاجراءات المدنية الاتحادي على المضمون ذاته.

الحالة الثانية: حالات بطلان متعلقة بالنظام العام:

    تتحقق هذه الحالات إذا كان اتفاق التحكيم نفسه باطلاً، كما لو كان موضوع النزاع ممـا لا يجوز فيه التحكيم كمسألة ثبوت النسب أو مسألة صحة الزواج أو قد تكون متعلقة بما يقضي بـه الحكم ذاته، وهي أن يخالف الحكم قاعدة موضوعية من قواعد النظام العام في القانون الواجـب التطبيق على موضوع النزاع. كما لو كان الحكم قد ألزم أحد الخصوم بفوائد قانونية أو اتفاقية أكثر من تلك التي يحددها القانون تحديداً متعلقاً بالنظام العام أو أن يخالف الحكم قاعدة إجرائيـة متعلقة بالنظام العام. ويجب على الخصم المتمسك بالبطلان لمخالفة الحكم للنظام العام أن يبـين وجه هذه المخالفة وأن يقيم الدليل على تحقق هذه المخالفة. كما أن المحكمة لا تقضي بـالبطلان من تلقاء نفسها لمخالفة النظام العام، إلا إذا وجدت في الأوراق التي قدمت أمام هيئة التحكـيم أو أمامها ما ينهض دليلاً على تحقق المخالفة.

شروط قبول البطلان:

   يجب لقبول دعوى البطلان توافر شرط المصلحة في رفعها وهو يماثل شرط المصلحة فـي الطعن في قانون الاجراءات المدنية (المرافعات).

   ويعتبر هذا الشرط متعلقاً بالنظام العام، ولا تتوافر المصلحة، إلا لمـن كـان طـرفـاً ف الخصومة التي فصل فيها حكم التحكيم. وكان محكوماً عليه. وإذا قبل المحكوم عليه فـ التحكيم هذا الحكم صراحة أو ضمناً سقط حقه في رفع دعوى البطلان .

    وقد أكدت المادة (1/216) من قانون الاجراءات المدنية الاتحادي على ذلك، بينما نجـد أن الفقرة (2) من المادة ذاتها قد نصت على أنه "ولا يمنع من قبول البطلان تنازل الخصم عن حقه فيه قبل صدور حكم المحكمين".

    ورغم أنه يمتنع على المحكمة التي تنظر في دعوى البطلان نظر موضوع الـدعوى التـي صدر فيها حكم التحكيم، إلا أنه لكي تتمكن المحكمة من التحقق من توافر بعض حالات الـبطلان التي يدعيها المدعي، مثل صدور الحكم دون اتفاق تحكيم صحيح أو متجاوزاً نطاقه أو عدم قابلية النزاع لأن يكون محلاً للتحكيم أو الاخلال بحق الدفاع، فإن لمحكمة البطلان السلطة الكاملة فـى بحث جميع عناصر النزاع من الواقع والقانون وتفسير اتفاق التحكيم أو بحث ما قدم من الخصوم من مذكرات أو مستندات أمام هيئة التحكيم، بما يلزم للتأكد من توافر العيب المنسوب إلى حكـم التحكيم من عدمه وتخضع خصومة دعوى بطلان حكم التحكيم للقواعد الاجرائية التي يـنص عليها قانون الاجراءات المدنية ويكون للمحكمة السلطة الاجرائية نفسها التي لها عندما تنظر أي دعوى، أي ان نطاقها هو الخطأ في الإجراءات دون خطأ في التقدير .

 آثار دعوى البطلان:

   يترتب على الحكم ببطلان حكم المحكمين زوال هذا الحكم كله أو جزء منه حسب ما إذا كان البطلان كلياً أو جزئياً ويزول كل ما ترتب عليه من آثار، وإذا كان قد صدر حكم بتفسيره فإنـه يزول تبعاً له، إذ يعتبر حكم التفسير متمماً له فيزول بزواله.

   وإذا قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم انتهت الخصومة أمامها فليس للمحكمـة بعـد أن تقضي بالبطلان سلطة نظر موضوع النزاع لكي تفصل فيه، إذ دعوى البطلان ليـسـت اسـتئنافاً للحكم.

   والسؤال الذي يثور هنا هو: هل يبقى للاتفاق على التحكيم أثره بعد القضاء بـبطلان حكـم التحكيم، بحيث أنه إذا أراد أحد الطرفين المطالبة بحقه محل دعوى حكم التحكيم الباطل، هل يلجأ إلى التحكيم؟ أم أن بطلان حكم التحكيم ينهي الاتفاق على التحكيم. ويتم بعده اللجوء الى قـضاء الدولة؟

   لا شك أنه لا يوجد ما يمنع الطرفين من ابرام مشارطة تحكيم جديدة بالنسبة لنفس النـزاع وينطوي هذا الاتفاق ضمنا على النزول عن الطعن في الحكم القاضي ببطلان حكم التحكيم، لكن ما الحل إذا لم تعقد هذه المشارطة؟

   الحقيقة هنا أن الأمر متوقف على ما قضى به الحكم الصادر في دعوى بطلان حكم التحكيم فإذا كان الحكم لم يعرض لمسألة وجود أو صحة أو نفاذ أو بطلان اتفاق التحكيم، كما لو قضى بالبطلان لعيب في تشكيل هيئة التحكيم، أو في اجراءات التحكيم أو لعيب في حكم التحكيم ذاتـه فإن هذا الحكم لا يؤثر في اتفاق التحكيم، ويكون لكل ذي مصلحة بعد صـدور حكـم الـبطلان اللجوء إلى التحكيم تنفيذاً لهذا الاتفاق، ولا تقبل منه الدعوى أمام المحاكم. أما إذا كان هذا الحكم قد تعرض لمسألة صحة أو بطلان اتفاق التحكيم فقضى ببطلان حكم التحكيم استنادا إلى بطـلان الاتفاق شرطاً أو مشارطة أو إلى سقوطه أو عدم نفاذه سواء كان قضاؤه بهذا صريحاً أو ضمنياً، فإنه يجب في هذه الحالة أن نفرق بين فرضين:

    الفرض الأول: إذا كانت الخصومة التي صدر فيها حكم التحكيم الباطل تتعلـق بـشـق مـن النزاع الذي يوجد اتفاق تحكيم بشأنه. فإن الحكم الصادر في دعوى بطلان حكم التحكيم لـبطلان اتفاق التحكيم أو عدم نفاذه أو سقوطه لا تكون له حجية إلا في ما يتعلق بالنزاع الذي فصل فيـه حكم التحكيم دون نزاع آخر لم يكن معروضاً في ذلك التحكيم. ولهذا فإن هذا الحكم لا يؤثر فـي قوة اتفاق التحكيم بالنسبة للنزاع الآخر الذي لم يطرح للفصل فيه.

  الفرض الثاني: إذا كانت الخصومة التي صدر فيها حكم المحكمين الباطل تتعلق بكل النزاع الذي يوجد اتفاق تحكيم في شأنه بين الطرفين، فإن الحكم ببطلان حكم التحكيم يمنع الالتجاء إلى التحكيم، ويجب على ذي المصلحة إن أراد المطالبة له بحقه أن يلجأ إلى المحكمـة مـالـم يبـرم الطرفان اتفاق تحكيم جديد .

غير أنه يلاحظ أنه إذا كان هناك شرط تحكيم وأبرمت بعـده مـشارطة. وحكـم بـبطلان المشارطة، وبالتالي ببطلان حكم التحكيم الذي صدر استنادا اليها، فإن هذا الحكم لا يبطل شـرط التحكيم السابق عليها فيبقى لهذا الشرط أثره في التزام الطرفين بالالتجاء إلى التحكيم.