التنفيذ / تصنيف حالات البطلان / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 10 / سلطة محكمة الاستئناف عند النظر في الطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي في المغرب
يعتبر الطعن بالبطلان أهم ما جاء به القانون رقم 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية ، ليكون التشريع المغربي قد ساير التشريعات المقارنة التي أخذت بهذا الطعن ومتأثراً بالقانون النموذجي اليونسترال. متجاوزاً بذلك نواقص المقتضيات القديمة، خصوصاً في ما يتعلق بطرق الطعن التي لا تسمح بإقامة الطعن بالبطلان لعدم التنصيص عليه، فالإمكانية التي رسمها المشرع المغربي آنذاك هي الرقابة القضائية على المقررات التحكيمية التي يمارسها القضاء من خلال الأمر بالتنفيذ، وذلك بالتأكد من عدم مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام".
ومتجاوزاً كذلك عيوب بعض التشريعات كالقانون الفرنسي الذي لا يفتح باب الطعن بالبطلان، إلا إذا تنازل الأطراف عن الاستئناف أو لم يحتفظوا بهذه الإمكانية في الاتفاق التحكيمي طبقا لمقتضيات الفصل 1484 من ق م م الفرنسي، وهو الأمر الذي انتقده الفقه الفرنسي بشدة.
فأسباب الطعن بالبطلان لا تتعلق بموضوع النزاع الذي يبقى محصناً ولا يملك قضاء البطلان التعرض له أو مناقشة مدى صواب أو خطأ ما ذهبت إليه الهيئة التحكيمية في شأنه ولا يملك حق التصدي له، فهذه الأمور تخرج عن نطاق الطعن بالبطلان، لأن في ذلك احتراماً لاتفاق الأطراف ولنهائية هذه الأحكام التحكيمية وهذا كله من شأنه ضمان فعالية حسم النزاعات وتفادي إطالة الوقت؟
كما أن قانون 05-08 وضع مقتضيات خاصة بالتحكيم الدولي مستقلة عن التي أقرها في التحكيم الداخلي خصوصاً فيما يتعلق بالطعن بالبطلان حيث جاءت الأولى أكثر مرونة من الثانية وذلك مسايرة مع متطلبات التجارة الدولية ومصالح المستثمرين الأجانب، وكذلك تماشياً الاتجاهات الحديثة للتحكيم الدولي وبعض الأنظمة القانونية المعاصرة كالفرنسي والتونسي مع واللبناني.
تتجلى أهمية الطعن بالبطلان كذلك في أنه بقراءة مختلف القوانين المقارنة يلاحظ شبه اتفاق حول حالات البطلان وتهم الاتفاق التحكيمي، تشكيل الهيئة التحكيمية، احترام هذه الأخيرة لحدود المهمة المسندة إليها، ومبدأ التواجهية ثم احترام النظام العام.
غير أنه اختلفت تلك التشريعات في تبني إما الاتجاه الرامي إلى تضييق الاختصاص القضائي أو الرامي إلى توسیعه، فقانون رقم 05-08 تبنى الاتجاه الأول حيث أقر باختصاص القضاء المغربي في دعاوي البطلان ضد أحكام تحكيمية صادرة في المغرب19 وهو الموقف نفسه الذي تبناه القانون الفرنسي ، وهذا على خلاف بعض التشريعات الأخرى التي تبنت الاتجاه الموسع كمجلة التحكيم التونسية التي أعطت الاختصاص لمحاكمها للنظر في الطعون المرفوعة ضد الأحكام التحكيمية، ليس فقط الصادرة داخل التراب التونسي، بل حتى خارجه إذا اختار الأطراف أو الهيئة التحكيمية تطبيق أحكام التحكيم الواردة في المجلة التونسية، وكذلك قانون التحكيم المصري الذي يخضع الحكم التحكيمي الدولي للطعن بالبطلان في مصر بغض النظر عن مکان صدوره .
ويلاحظ بالرجوع إلى القضاء المقارن أن الأحكام التحكيمية التي قضيت ببطلانها قليلة، والسبب الأول يرجع إلى التفسير الضيق لأسباب الطعن بالبطلان من طرف محاكم البطلان، والسبب الثاني أن المحكمين أصبحوا ملمين بتقنيات التحكيم، وبالتالي فإنهم يحاولون تفادي الوقوع في الحالات الموجبة لبطلان الحكم التحكيمي.
يمر الطعن بالبطلان عبر مرحلتين: الأولى تهم ما قبل دخول محكمة البطلان في جوهر النزاع، والثانية تهم سلطة محكمة البطلان وهي تنظر في موضوع النزاع إذا قررت بطلان الحكم التحكيمي.
فإذا تقرر البطلان هل يعرض الأطراف النزاع على قضاء الدولة أم يلتجئون إلى التحكيم من جديد؟ وهل بالهيئة التحكيمية نفسها أو بهيئة أخرى جديدة؟ وهل يستمر الاتفاق التحكيمي، أم أنه يتعين الاتفاق من جديد على التحكيم؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تختلف بحسب ما إذا كان التحكيم داخلياً أو دولياً، كما تختلف ما إذا كان الأمر يتعلق بالشرط التحكيمي أم بالعقد التحكيمي، وهل الحكم التحكيمي بت مسألة الاختصاص أو ما لا يجوز فيه التحكيم أو جوهر النزاع؟ وتختلف الإجابة كذلك باختلاف السبب المبني عليه الطعن بالبطلان، فبطلان الاتفاق التحكيمي من شأنه التأثير في الحكم التحكيمي بكامله، عكس سبب عدم احترام حقوق الدفاع حيث التأثير يبقى نسبيا.
المبحث الأول- نتائج الطعن بالبطلان أمام محكمة الاستئناف:
ينتج من الطعن بالبطلان تطبيق القواعد العادية المطبقة أمام محكمة الاستئناف (المطلب الأول) ووقف تنفيذ الحكم التحكيمي (المطلب الثاني)، كما أن محكمة الاستئناف وهي تنظر في الطعن تتقيد بالأسباب التي جاءت على سبيل الحصر وتبقى رقابتها خارجية لا تهدف إلى مراجعة الحكم التحكيمي (المطلب الثالث).
المطلب الأول- مسطرة الطعن بالبطلان أمام محكمة الاستئناف:
ألزم التشريع المغربي تقديم الطعن بالبطلان طبقا للقواعد العادية أمام محكمة الاستئناف التي صدر في دائرتها الحكم التحكيمي أما المشرعان الفرنسي واللبناني فكانا أكثر وضوحاً حيث نصا على تقديم هذا الطعن والفصل فيه طبقاً للقواعد المطبقة أمام محكمة الاستئناف. وهكذا سنبحث في أهم القواعد المطبقة أمام محكمة الاستئناف:
أولاً- مدى أداء الرسوم القضائية من عدم أدائها:
لم يفرض القانون المتعلق بالمصاريف القضائية رسماً نسبياً بخصوص الطعن الموجه ضد الحكم التحكيمي، ولا نجد من بين نصوصه ما يخضع الطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي لأداء رسم قضائي، كما أن الفقرة الثانية من القسم الأول من الباب الثاني المتعلقة بطرق الطعن وبالضبط الفصل 32، فإنها تخص استئناف حكم صادر عن المحكمة الابتدائية وليس فيه أية إشارة الى الأحكام التحكيمية.
فالنصوص الجبائية يجب أن تفسر تفسيراً ضيقاً ولصالح الطرف الملزم بالأداء، فعدم وجود نص صريح وواضح يفرض رسماً قضائياً يعني وجوب تطبيق المجانية لأن الأصل هو مجانية القضاء وأنه عند غموض النص يجب الاقتصار على الحد الأدنى المقدر للطلب الغير المحدد. وهو ما سبق للمجلس الأعلى أن طبقه في قراره الصادر بتاريخ 22/9/2004 ومما جاء فيه: "لكن، حيث لئن نص الفصل 528 من ق م م على بطلان الطعن إذا تم أداء الوجيبة القضائية خارج أجال استعمال الطعن فإن ذلك مشروط بخضوع الطعن لأداء رسم قضائي، وبالرجوع لظهير 27/04/84 المنظم للرسوم القضائية خاصة الفصل الأول منه نجده ينص على انه: "تستوفي لفائدة الخزينة عن كل إجراء قضائي مهما كان نوعه وكل إجراء غير قضائي الرسوم المنصوص عليها في هذا الملحق. "وبمطالعة هذا الملحق لا نجد من بين نصوصه ما يخضع الطعن باستئناف مقررات القاضي المنتدب لأداء الرسم القضائي، مما لا مبرر معه للتمسك بتطبيق مقتضيات الفصل 528 المذكور على النازلة والوسيلة على غير أساس.
غير أن القضاء في لبنان يرى خلاف ذلك وميز بين الطعن بالبطلان الذي يستتبعه في حالة بطلان الحكم التحكيمي النظر في موضوع النزاع في حدود المهمة المسندة للهيئة التحكيمية، ففي هذه الحالة يجب استيفاء الرسم النسبي عن الطلبات القابلة للتقدير والتي يحددها طلب الطعن بالبطلان، أما في حالة إذا كان الطعن بالبطلان يرمي فقط إلى الحكم بالبطلان دون النظر في الموضوع فإنه يخضع لرسم القرار.
وإذا كان القضاء في لبنان قد أجاز القياس على قانون الرسوم القضائية، فإنه في المغرب لا يجوز القياس، خصوصاً أن مقتضيات الفصل الثالث من القانون المنظم للمصارف القضائية تنص على عدم جواز استيفاء أي مبلغ غير مقرر أو يجاوز ما هو مقرر في ذلك القانون تحت طائلة اعتبار ذلك جريمة غدر.
كما يجب التذكير بأن محكمة الاستئناف وهي تنظر في الطعن بالبطلان تكون ملزمة بتطبيق مقتضيات المادة 256 من المدونة العامة للضرائب التي تلزم قضاة المحاكم بعدم إصدار أي حكم، إلا بعد التأكد من وضع التمبر بصفة قانونية على العقود والمحررات. وأن هذا المقتضى لا يلزم الهيئة التحكيمية، لأنه جاء واضحاً بخصوص الأشخاص المعنيين وهم بالإضافة إلى قضاة المحاكم: كتاب الضبط والإدارات المركزية والمحلية، وهو ما أكده القضاء اللبناني الذي اعتبر أن انتماء التحكيم إلى قضاء خاص يتطلب رعاية ما لفض النزاعات بين الخصوم بسر عة، فلا يفرض القانون، في المرحلة السابقة للطعن في القرار التحكيمي بالبطلان، على المحكم القيام بأعمال جبائية لمصلحة الخزينة.
ثانيا- المسطرة الكتابية لدعوى البطلان:
يقدم الطعن بمقال مكتوب، لأن المسطرة أمام محكمة الاستئناف24 كتابية طبقا لمقتضيات الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية المغربي، باستثناء القضايا الاجتماعية حيث يمكن تقديم مقال الطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي الصادر في هذه المادة بمقتضي تصريح أو رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل طبقاً لمقتضيات الفصل 287 من قانون المسطرة المدنية المغربي.
يجب أن يتضمن مقال الطعن بالبطلان تحت طائلة عدم قبول الأسماء الشخصية والعائلية، وصفة ومهنة وموطن أو محل إقامة أطراف الدعوى، وإذا تعلق الأمر بشركة ذكر اسمها الكامل ونوعها، كما يجب أن يتضمن مقال الطعن الوقائع والوسائل المثارة ضد الحكم التحكيمي، وذكر موضوع الطلب والإشارة إلى الحجج والوثائق المستعملة. وان يرفق المقال بنسخة من الحكم التحكيمي والحكم التحكيمي الصادر بشأن الاختصاص وحكم صحة اتفاق التحكيم والأحكام العارضة وبنسخة من اتفاق التحكيم، إلا انه في حالة عدم الإدلاء بها لا يمكن القول بتطبيق الفقرة الأخيرة من الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية المغربي التي تلزم كاتب الضبط بأن يطلبها من المحكمة الابتدائية مصدرة الحكم على اعتبار أن الحكم التحكيمي صادر عن الهيئة التحكيمية وأن الطالب يتحمل عبء الإدلاء به تحت طائلة عدم القبول.
أما بخصوص إيداع مقال الطعن بالبطلان فمقتضيات الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية المغربي تنص على تقديم الاستئناف أمام كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وبما أن الحكم التحكيمي ليس صادراً عن هذه المحكمة ولا علاقة لها به فمن الضروري أن يقدم أمام كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف مباشرة، وذلك لكون دعوى البطلان دعوى مستقلة بذاتها وحدد المشرع الجهة التي يرفع إليها، وكذلك انسجاما مع السرعة والاستعجال اللذين يقتضيهما بت الطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي.
وفضلاً عن ذلك، فإن الغاية من وضع الاستئناف أمام كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية المصدرة للحكم الابتدائي، هي أن تقوم هذه الأخيرة بجرد الملف الابتدائي برمته بما فيه نسخ مقال الاستئناف والمرفقات إلى كتابة ضبط محكمة الاستئناف المختصة، أما في التحكيم فالمحكمة الابتدائية لا تتوفر على الملف التحكيمي ولا يودع لديها سوى أصل الحكم التحكيمي مصحوباً بنسخة من اتفاق التحكيم طبقاً لمقتضيات الفصل 327-31 الخاصة بالتحكيم الداخلي وفضلاً عن ذلك فمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء أكدت في قرارها الصادر بتاريخ 26/8/2008 أن الإيداع يخص فقط الحكم التحكيمي الداخلي.
ولكن هل يجوز لمحكمة البطلان مطالبة الهيئة التحكيمية بتقديم ملف التحكيم؟ ألا يمكن القول أن الوثائق التي بني عليها الحكم التحكيمي تكتسي طابع السرية؟ لقد أجاب القضاء بأنه لا يجوز لمحكمة البطلان أن تراسل هيئة التحكيم لمطالبتها بموافاتها بالملف التحكيمي باعتبار أن هيئة التحكيم تنحل بمجرد انتهاء مهمتها بإصدار حكمها في النزاع ولا يبقى لها من وجود قانوني، كما ليس لها كتابة يمكن مطالبتها بالقيام بذلك.
وفي تعليقه على هذا الموقف القضائي ذهب بعض الفقه إلى التأكيد على أن: "التحكيم عدالة موازية لها كيانها شأنها شأن القضاء الرسمي. فلا سلطة لأحدهما على الآخر خارج ما قرره القانون من أوجه التعاون بينهما.... فلا يحق للمحكمة أن تتخذ أي نوع من الإجراءات التي من شأنها أن توحي بنوع من التبعية التي تريد فرضها على المحكم. من ذلك انه لا يجوز للمحكمة أن تحرر على المحكمين أو أن تستجوبهم.
كما تجدر الإشارة إلى أنه ليس فقط تقديم الطعن بالبطلان هو الذي يخضع للقواعد العادية المطبقة أمام محكمة الاستئناف، وإنما حتى الفصل في هذا الطعن، ويمكن للأطراف تقديم ملاحظاتهم الشفوية بالجلسة لتعزيز مستنتجاتهم الكتابية، وهو ما يعني أن المسطرة تكون علنية، رغم أن ذلك لا يتلاءم وطبيعة التحكيم الذي يمتاز بالسرية، لأنه غالباً ما يختار الأطراف التحكيم من أجل الحفاظ على أسرار صناعية وتجارية واتفاقات خاصة يحرصون على إبقائها سرا مكتوماً.
كما يمكن لمحكمة البطلان أن تعقد جلساتها في غرفة المشورة عندما يقرر المستشار المقرر إجراء من إجراءات التحقيق وفقاً للشروط المنصوص عليها في الفصل 334 من قانون المسطرة المدنية المغربي أو بقرار من المحكمة مجتمعة بغرفة المشورة بعد الاستماع للمقرر أو بقرار صادر في جلسة علنية، كما تجرى الأبحاث أمام المستشار المقرر ما لم ترغب المحكمة في الاستماع إلى الشهود بنفسها وفي هذه الحالة يجري هذا الاستماع بغرفة المشورة.
ثالثاً- إلزامية توكيل المحامي:
يتعين تقديم مقال الطعن بالبطلان بواسطة محام، لأنه هو وحده المؤهل لتمثيل الأطراف ولتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا بما فيها قضايا التحكيم، كما تنص على ذلك المادة 32 من قانون المحاماة لكون دعوى البطلان لم تكن ضمن المستثنيات، كما هو الشأن بالنسبة لقضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية، وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية، والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائياً وانتهائياً وكذا المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات .
وأن إلزامية المحامي مقرر كذلك بمقتضى المادة 13 من قانون إحداث المحاكم التجارية التي تنص على رفع الدعوى أمام المحكمة التجارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في هيئة من هيئات المحامين بالمغرب.
إلا أنه بالرجوع إلى القواعد العادية هذه لا يتم إلا من خلال القواعد الخاصة المتعلقة بالتحكيم وبمقتضياته ومن ضمنها ما نص عليه الفصل 327-36 من أن محكمة الاستئناف تبت طبقاً لمسطرة الاستعجال. حيث يجب أن تتبع أمام محكمة البطلان مسطرة سريعة ولينة كما هو الحال في التحكيم.
غير أن المشرع المغربي لا يقصد من مصطلح الاستعجال القواعد المطبقة أمام القضاء الإستعجالي المنصوص عليها في الباب الثاني من القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية، لأنه بالرجوع إلى الصيغة الفرنسية للنص نجده استعمل مصطلح «Précedure d'urgence » عوض « Procédure Des Référés ». ويعتبر موقف المشرع المغربي بهذا الخصوص متميزاً مقارنة مع بعض التشريعات كالفرنسي والمصري واللبناني حيث لا نجد فيها نصاً مماثلاً.
المطلب الثاني- وقف تنفيذ الحكم التحكيمي:
إن أجل ممارسة الطعن بالبطلان وممارسة هذا الطعن داخل الأجل يوقف تنفيذ الحكم التحكيمي بقوة القانون وبدون الحاجة إلى تقديم طلب إيقاف التنفيذ سواء تعلق الأمر بالتحكيم الداخلي، أم بالتحكيم الدولي.
وأثر وقف التنفيذ في الطعن بالبطلان هو نفس الأثر عند استئناف الأحكام الابتدائية غير المشمولة بالنفاذ المعجل حيث يوقف التنفيذ إلى حين بت محكمة الاستئناف، غير أنه قد يستعمل هذا الطعن بقصد ربح الوقت والحيلولة دون التنفيذ رغم علم الطرف الطاعن بأن مصير طعنه هو الرفض.
إلا أنه يجوز للهيئة التحكيمية أن تطبق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل للأحكام على الأحكام التحكيمية التي لا يطالب في شأنها بصيغة التنفيذ. وتكون محكمة الاستئناف المعروض أمامها الطعن بالبطـلان هي المختصة للنظر في طلب إيقاف التنفيذ المعجل، لأن مقتضيات الفصل 327 – 53 أحالت على الفصل 147 من ق م م المتعلقة بالتنفيذ المعجل والتي تنص على تقديم هذا الطلب أمام المحكمة التي تنظر في التعرض أو الاستئناف.
وتبت محكمة الاستئناف في طلب إيقاف التنفيذ في غرفة المشورة ويتعين أن يقدم الطلب بمقال مستقل تتوافر فيه الشروط المطلوبة في الطلبات القضائية، وأن لا يكون الحكم التحكيمي قد نفذ فعلاً. وتعود اليها سلطة تقدير توافر الأسباب الواقعية للحكم بالإيقاف ولا تخضع لرقابة المجلس الأعلى.
هذا وقضت محكمة الاستئناف بباريس بأنه يمكن للهيئة التحكيمية أن تطبق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل للأحكام من تلقاء نفسها، دون أن يعتبر ذلك خروجاً عن حدود مهمتها، إلا أنه على خلاف المشرع المغربي فالرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بصفته قاضياً للأمور المستعجلة هو الوحيد المختص بإيقاف تنفيذ الحكم التحكيمي المشمول بالنفاذ المعجل.
غير أنه يتعين التمييز بين إيقاف التنفيذ المعجل من لدن محكمة الطعن طبقاً للفصل 147 من قانون المسطرة المدنية المغربي، ووقف التنفيذ لوجود صعوبة طبقاً للفصلين 149 و436 من القانون نفسه، فإذا كان المشرع المغربي قد نص على الإمكانية الأولى، فإنه لم ينص على الحالة الثانية والمتعلقة بصعوبات التنفيذ وخاصة الوقتية.
فدعوى الصعوبة الذي يختص بها القاضي الإستعجالي لا تقبل إلا إذا كانت مبنية على وقائع لاحقة على صدور الحكم موضوع التنفيذ، أما إذا كانت سابقة عليه، فالمفروض أنه وقع الحسم بشأنها صراحة أو ضمناً أو كان قد دفع بها فعلا أثناء نظر الخصومة، في الموضوع أم لم يدفع بها. أما إذا كانت الصعوبة لاحقة لتحرير محضر التنفيذ فتعتبر صعوبة موضوعية وهي المنصوص عليها في الفصل 26 من ق م م.
كما أن القاضي الإستعجالي لا يحق له النظر في وقف مفعول النفاذ المعجل ولا أن يمسه بالإيقاف ولو بصفة غير مباشرة، لأن الأمر في ذلك موكول بنص خاص إلى المحكمة المعروض أمامها الطعن.
فالقرار الصادر عن محكمة الاستئناف وهي تبت طلب إيقاف النفاذ المعجل للحكم التحكيمي، يؤثر في هذا الأخير سلباً أو إيجاباً، فقد يستجيب لطلب الإيقاف أو يرفضه، أما الأمر الصادر في الصعوبة فهو يوقف إجراءات التنفيذ دون المساس بالحكم أو يعمد إلى تأجيلها.
المطلب الثالث - سلطة محكمة الاستئناف عند النظر في الطعن بالبطلان:
لا تمتد سلطة محكمة البطلان إلى النظر في سلامة وصحة تطبيق القانون على موضوع النزاع، أو إلى الخطأ في التقدير، فأخطاء الحكم التحكيمي المتعلقة بعيوب في التقدير بالنسبة للواقع أو القانون لا تجعله موصوفاً بالبطلان، ولو تبين أنه حكم غير عادل. فالرقابة التي تمارسها محكمة البطلان تهم الأسباب المنصوص عليها على سبيل الحصر والتي لا ينبغي التوسع في تفسيرها وهي المنصوص عليها في الفصل 327-36، فهي رقابة خارجية « externe » لا تهدف إلى مراجعة الحكم التحكيمي في الموضوع. كما عبرت عن ذلك محكمة الاستئناف بباريس":
<<Le juge d'annulation n'est pas le juge du mal jugé reproché à l'arbitre >>.
فقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 8 يوليو2009 على الطابع الحصري لأسباب البطلان واعتبرت أن الدفع ببطلان وثيقة التحكيم « acte de mission» حالة غیر منصوص عليها في الفصل 1502من ق م م الفرنسي (الذي يقابله الفصل 327 – 49 في ق م م المغربي). كما أن عدم جواب الهيئة التحكيمية على المستنتجات وعدم تضمين الحكم التحكيمي لما جاء في مذكرات الأطراف ولجميع دفوعاتهم كلها لا تعتبر أسباباً للطعن بالبطلان المحددة على سبيل الحصر، أما تجاوز الطلبات فيتعلق بحالة عدم التقيد بالمهمة التي هي سبب للبطلان، حسب ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بباريس في قرارها الصادر بتاريخ 27 نوفمبر.2008
إذا كان المشرع قد منع محكمة البطلان من مراقبة صحة التعليل الذي اعتمدته الهيئة التحكيمية أو التناقض في أسباب الحكم التحكيمي فلأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى مراجعة الحكم التحكيمي في الموضوع. وما يؤكد أن المشرع أخذ بمبدأ عدم مراجعة الحكم التحكيمي في الموضوع هو ما نص عليه في الفصل 327 – 34 حيث لم يجز الطعن في الحكم التحكيمي.
إلا أن سلطة محكمة البطلان في فحص أسباب البطلان والفصل فيها من حيث الواقع والقانون تختلف باختلاف أسباب الطعن بالبطلان، فبطلان الاتفاق التحكيمي ينتج منه بطلان المسطرة التحكيمية برمتها ولا يرتب أي أثر كما لا يسمح لمحكمة البطلان بأن تفصل في موضوع النزاع، غير أن طلب التحكيم في هذه الحالة يمكن أن يقطع التقادم. أما إذا تعلق الأمر بانقضاء أجل التحكيم فأثر البطلان لا يمس إلا الإجراءات اللاحقة لأجل التحكيم دون السابقة التي تبقى سليمة.
ولكي تقبل محكمة الاستئناف أحد أسباب البطلان المثارة فيجب أن يكون هذا السبب سبق وأن أثاره الأطراف أمام الهيئة التحكيمية، وهو ما أكدته محكمة الاستئناف بباريس في قرارها الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 2009 حيث اعتبرت أن الطرف الذي لم ينازع أمام الهيئة التحكيمية في صحة الشرط التحكيمي يفقد الحق في إثارته كسبب للبطلان. أما الأسباب التي لم يكن بالإمكان إثارتها أمام الهيئة التحكيمية فيمكن أن تكون أسباباً للبطلان.
غير أنه إذا كان سبب البطلان هو مخالفة النظام العام فلا تطبق هذه القاعدة، وبالتالي يمكن إثارة هذا السبب ولو لأول مرة أمام محكمة البطلان، كما أن هذه الأخيرة تثيره من تلقاء نفسها طبقاً لمقتضيات الفصل 327 – 36 إذا تعلق الأمر بالنظام العام المغربي.
أما إذا تعلق الأمر بمخالفة النظام العام الدولي فالمشرع المغربي لم ينص على نفس المقتضى كما هو الشأن بالنسبة للنظام العام الداخلي، وفي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بباريس بتاريخ 18/11/2004 رفضت المحكمة الطعن بالبطلان المقدم أمامها والمؤسس على سبب مخالفة النظام العام الدولي بعلة أن محكمة البطلان لا يمكن لها أن تراجع الحكم التحكيمي في غياب أي مخالفة ظاهرة للنظام العام، وأنه كان على الأطراف، وكذلك على المحكمين أن يثيروا هذا السبب أثناء العملية التحكيمية.
وفي جميع الأحوال فالمجلس الأعلى اعتبر في قرار له أن الإدلاء بمخالفة النظام العام المغربي دون تبيان وجه المخالفة يفضي إلى صرف النظر عن هذا الدفع.
والجدير بالذكر أن محكمة الاستئناف خلال نظرها في الطعن بالبطلان تقرر إما رفض الطعن أو قبوله.
ففي الحالة الأولى: إذا تعلق الأمر بالتحكيم الداخلي وجب عليها أن تأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي، ويكون قرارها نهائيا وقابلاً بالتالي للطعن فيه بالنقض. أما إذا تعلق الأمر بالحكم التحكيمي الصادر بالمغرب بصدد التحكيم الدولي فليس هناك نص خاص عكس ما هو عليه الأمر في التحكيم الداخلي. ويمكن تفسير ذلك بأن محكمة الاستئناف وهي ترفض الطعن بالبطلان بخصوص التحكيم الدولي لا يمكن لها أن تأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي الدولي، لأن التنفيذ يمكن أن يتم في غير التراب المغربي حيث لا سلطة لها على قضاء دولة أخرى. أما المشرع الفرنسي فإنه أوجب على محكمة الاستئناف الأمر بالتنفيذ ولو تعلق الأمر بالتحكيم الدولي.
وتجدر الإشارة الى أنه في التحكيم الدولي لم يجز المشرع المغربي الطعن بالبطلان، إلا ضد الحكم التحكيمي الدولي الصادر في المغرب، أما إذا كان صادراً في الخارج فلا يخضع للطعن بالبطلان، إلا أنه يمكن الطعن بالاستئناف في الأمر القاضي بالاعتراف به وتخويله الصيغة التنفيذية طبقا لمقتضيات الفصل 327 – 49.
أما بخصوص الطعن بالنقض في مواجهة قرار محكمة الاستئناف القاضي برفض الطعن بالبطلان، فإنه ليس من الصواب أن يكون جائزاً في التحكيم الداخلي دون التحكيم الدولي، فالمشـرع المغربي أجازه في الأول طبقاً للفقرة الثانية من الفصل 327- 38 ق م م من المتعلقة بالتحكيم الداخلي ولم ينص على هذه الإجازة في الباب المتعلق بالتحكيم ق الدولي.
ورغم ذلك فالقرارات الصادرة في مادة التحكيم تكون قابلة للطعن بالنقض سواء تعلق الأمر بالتحكيم الداخلي أو الدولي، لأنها أحكام نهائية صادرة عن محاكم المغرب وأنه طبقاً لمقتضيات الفصل 353 من ق م م فجميع الأحكام الإنتهائية التي تصدرها محاكم المملكة تكون قابلة للطعن فيها بالنقض ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك.
أما في الحالة الثانية فمحكمة الاستئناف عندما تقبل الطعن بالبطلان فإنها تقضي ببطلان الحكم التحكيمي وتبت جوهر النزاع في إطار المهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية طبقاً لمقتضيات الفصل 327 – 37 من ق م م إذا كان اتفاق التحكيم قائماً وتعلق الأمر بالتحكيم الداخلي، أما إذا تعلق الأمر بالتحكيم الدولي الصادر في المغرب فمحكمة الاستئناف لا تملك سلطة بت النزاع، وإنما تقضي بالبطلان فقط.
اعتبر بعض الفقه أن منح القضاء سلطة بت جوهر النزاع هو بمثابة رجوع إلى قضاء الدولة للفصل في النزاع رغم أن الأطراف عبروا عن رغبتهم في عدم اللجوء إلى هذا الأخير واختاروا التحكيم كقضاء خاص. غير أنه في القانون الفرنسي وكذلك اللبناني يمكن للأطراف الاتفاق على عدم منح محكمة الاستئناف تلك السلطة وهو ما يعني أنه بعد إبطال الحكم التحكيمي يمكن لهم اللجوء إلى التحكيم للنظر في النزاع من جديد.
والمشرع المغربي لم يحد حذو نظيريه الفرنسي واللبناني في هذه النقطة ولم يسمح للأطراف بنزع سلطة الفصل في النزاع عن محكمة الاستئناف، وقد يعاب على هذا الموقف عدم احترامه حرية الأطراف في اللجوء إلى التحكيم من جديد، وأنه قام بإحلال قاضي الدولة محل المحكم رغماً عن الأطراف، إلا أنه من جهة أخرى، قد يكون قصد المشرع المغربي هو أن الاكتفاء ببطلان الحكم التحكيمي دون بت محكمة الإستئناف النزاع، يعني رجوع الأطراف من جديد إلى قضاء التحكيم وإمكانية الطعن من جديد في الحكم التحكيمي الثاني، مما سيؤدي إلى إطالة النزاع إلى ما لا نهاية وفيه مضيعة للوقت وللمصاريف وهو ما يتنافى مع فلسفة التحكيم.
أما إذا تعلق الأمر بالطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي الدولي الصادر في المغرب فسلطة محكمة البطلان محددة في الحكم بالبطلان دون تجاوز ذلك إلى الفصل في موضوع النزاع، لكن هل يعتبر التحكيم بذلك قد انقضى، ويتعين بالتالي الاتفاق من جديد على اللجوء إلى التحكيم؟ أم يبقى الاتفاق التحكيمي ساري المفعول ويرجع الأمر ثانية إلى نفس الهيئة التحكيمية للفصل مجدداً بشأن الطلبات التي أبطل حكمهـا بصددها؟ أم يتم تشكيل هيئة جديدة؟
يرى الفقيه فوشار أن بطلان الحكم التحكيمي الدولي يجعل الاتفاق التحكيمي مستمراً، ويمكن عرض النزاع من جديد أمام الهيئة التحكيمية،إلا أنه لم يجب عن سؤال: هل يتم تشكيل هيئة جديدة أو أن الهيئة ذاتها تبت القضية نفسها؟
أما غرفة التجارة الدولية فهي بدورها تعتبر أن بطلان الحكم التحكيمي لا ينهي التحكيم، بل إن الأطراف لا يزالون مرتبطين بالشرط التحكيمي، وأن هذا الأخير لم يبطل ولم ينقض، وأنـه يعود الاختصاص للمحكمين للنظر في النزاع بعد بطلان الحكم التحكيمي كلياً أو جزئياً. وإذا تـم تجريح المحكمين السابقين أو اعتذروا عن القيام بالمهمة فإنه يمكن تكليف هيئة تحكيمية جديـدة، ويعتبر ذلك امتداداً للقضية السابقة التي كانت منظورة أمام الهيئة التحكيمية السابقة. وأن محكمـة الاستئناف بباريس وفي قرارها الصادر بتـاريخ 22/09/1984 أيـدت اتجـاه غرفـة التحكـيم بباريس.
غير أن بعض الفقه في فرنسا وكذلك في مصر يذهب إلى أنه يجب التمييز بين ما إن كان الأمر يتعلق بالشرط التحكيمي أو بالعقد التحكيمي، ففي الحالة الأولى حيث تنص الصياغة على أن كل نزاع ينشأ عن العقد يحل بالتحكيم فإن هذه العبارة تتسع لإجراء تحكيم يعتبر امتداداً للأول، أما إذا كانت العبارة تتعلق بنزاع معين كما هو الحال بالنسبة لعقد التحكيم الذي يقع بعد حصول النزاع، فإن بطلان الحكم التحكيمي يمنع من إجراء التحكيم من جديد، لأن التحكيم يكون لمرة واحدة وتم استنفادها، فيرجع الاختصاص بعد ذلك إلى قضاء الدولة إلا إذا اتفق الأطراف على اتفاق تحكيم جديد.
ويذهب بعض الفقه في لبنان لبنان إلى ترجيح إعطاء الهيئة التحكيمية نفسها حق الفصل مجدداً في النزاع نظراً إلى أن البطلان يتعلق بالحكم التحكيمي ولم يمس الاتفاق التحكيمي الذي على أساسه تم تشكيل الهيئة التحكيمية، كما أن تشكيل هيئة تحكيمية جديدة ليس كذلك بالأمر اليسير على اعتبار إمكانية عدم حصول توافق بين الأطراف، خصوصاً إذا عين المحكم بشخصه أو بصفاته، أما إذا تمت الإحالة على نظام تحكيم معين فإن الأمر يتطلب وقتاً إضافياً ونفقات.
وطبقاً لمقتضيات الفصل 327-28من ق م م فإنها تنص على أن الحكم التحكيمي ينهي مهمة الهيئة التحكيمية بشأن النزاع الذي تم الفصل فيه، وهو ما يعني أن الذي ينتهي هو المهمة المسندة للهيئة التحكيمية وليس التحكيم.
المبحث الثاني- سلطة محكمة الاستئناف أثناء النظر في جوهر النزاع:
عندما تبطل محكمة البطلان الحكم التحكيمي فإنها تبت جوهر النزاع في حدود المهمة المسندة للهيئة التحكيمية وتفصل نهائياً في النزاع (الفقرة الأولى)، وهذه السلطة لا تقيدها إرادة الأطراف خلافاً لما هو عليه الحال في بعض التشريعات المقارنة كالقانون الفرنسي والقانون اللبناني. ويتعين تحديد الدور الحقيقي لمحكمة البطلان في مرحلة ما بعد بطلان الحكم التحكيمي «Post-annulation» والطريقة التي يتعين عليها إتباعها للفصل في النزاع وإن كان الأمر يتعلق بنشر القضية من جديد أمامها وإمكانية التصدي من عدمه. (الفقرة الثانية).
المطلب الأول - التقيد بالمهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية:
يتعين على محكمة الاستئناف عند النظر في جوهر النزاع أن تتقيد بالمهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية، وهو ما يفرض وجود هذه المهمة، وتعتبر هذه الأخيرة غير موجودة إذا قضت المحكمة ببطلان الحكم التحكيمي بسبب غياب اتفاق التحكيم أو بسبب بطلانه، لأن المهمة في هاتين الحالتين تعتبر والعدم سواء.
وعليه يتضح أن المشرع المغربي وطبقاً لمقتضيات الفصل 327- 37 وضع مبدأ وهو سلطة محكمة الاستئناف في بت جوهر النزاع مع استثناء وهو غياب اتفاق التحكيم أو بطلانه، على خلاف المشرع الفرنسي الذي لم يورد أي استثناء في الفصل 1485 من ق م م الفرنسي مما دفع الفقه في فرنسا إلى التساؤل حول صلاحية محكمة الاستئناف في بت جوهر النزاع في جميع حالات البطلان، وهذا الفراغ التشريعي في فرنسا أدى إلى ظهور مواقف قضائية متضاربة، فالموقف الأول يذهب إلى أن وجود المهمة التحكيمية تعتبر معياراً للقول بصلاحية محكمة الاستئناف للنظر في جوهر النزاع وهو ما لا يتحقق في حالة بطلان الحكم التحكيمي بسبب غياب الاتفاق التحكيمي أو بسبب بطلانه، لأنه لا يمكن تصور وجود المهمة التحكيمية في هذه الحالات. أما الموقف الثاني فذهب عكس ذلك وقضى بسلطة محكمة الاستئناف في بت جوهر النزاع واعتبر أن الإدعاء بغياب الاتفاق التحكيمي وبطلانه لا يحول دون ذلك.
حيث يجب على محكمة الاستئناف عند النظر في الطعن بالبطلان أن تتقيد بالمهمة نفسها وتبت الصلاحية نفسها الممنوحة للهيئة وتأخذ بعين الاعتبار القواعد المطبقة أمامها، وأنه في حالة اتفاق أطراف التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسيط بالتراضي amiable « compositeur »، فإنها تفصل في موضوع النزاع بناء على قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بالقانون .
وتقيد محكمة البطلان بالمهمة التحكيمية يفرض عليها أن ترفض الطلبات الإضافية والطلبات الفرعية المعروضة أمامها من طرف أطراف التحكيم، وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 19 نوفمبر 1985. فالاجتهاد القضائي حدد دور محكمة البطلان في النظر فقط في الطلبات المتعلقة بموضوع التحكيم أي في النزاع الخاضع للتحكيم، لأن دورها هو نفس دور الهيئة التحكيمية، وذلك احتراماً لإرادة الأطراف التي حددت موضوع نزاعهم بكل دقة.
المطلب الثاني - التحكيم القضائي L'arbitrage judiciaire:
إن بت محكمة الاستئناف جوهر النزاع لا يعني حقها في التصدي، لأن هذا الأخير يعني حتى المسائل التي لم تنظر فيها بعد الهيئة التحكيمية، بل إن الأمر يتعلق بأثر ناشر للنزاع عندما تقضي المحكمة بالبطلان وتبت في حدود مهمة الهيئة التحكيمية مع التقيد بالصلاحيات الممنوحة لها من قبل الأطراف في الاتفاق التحكيمي.
أولا- التصدى L'EVOCATION:
مفهوم التصدي يعني أن محكمة الدرجة الثانية بعد إبطال أوإلغاء حكم الدرجة الأولى تعيد النظر في مجموع النزاع وتقوم بتعديل الحكم الابتدائي كلياً أو جزئياً، والأمر مختلف في المراقبة التي تقوم بها محكمة الاستئناف عند النظر في الطعن بالبطلان فلا تقوم بها كدرجة ثانية، كما أن الهيئة التحكيمية ليست بدرجة أولى على اعتبار أن الحكم التحكيمي الصادر عنها لا يمكن الطعن فيه بالبطلان في جميع الحالات، كما هو الشأن بالنسبة للحكم الصادر عن قضاء الدولة، وإنما في حالات محددة على سبيل الحصر، وهو ما يعني أن هذا النوع من الطعن ليس ممكناً في جميع الأحوال. وما يؤكد ذلك أن المشرع المغربي في الفصل 327 – 37 ق م م لم يمنح محكمة الاستئناف التي تبطل الحكم التحكيمي حق التصدي، كما هو الحال بالنسبة للفصل 146 من ق م م الذي نص على ذلك صراحة.
وعليه فإن التصدي لا مجال لتطبيقه أثناء نظر محكمة الاستئناف في الطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي لأن هذه التقنية خاصة بالطعن بالاستئناف. فالأمر يتعلق بالنظر في جوهر النزاع الذي نظرت فيه الهيئة التحكيمة.
ثانياً- الأثر الناشر Effet dévolutif° :
يؤدي الأثر الناشر إلى عرض النـزاع الـذي سبـق الفصـل فيه من قبل محكمة الدرجة الأولى على محكمة الاستئنـاف للنظر فيه من جديد في الواقـع وفي القانون، ويجعلها تنظر في جميع الأسباب المثارة في المرحلة الابتدائية. وبالتالي يمكن للأطراف الإدلاء بحجج وبدفوعات جديدة لدعم طلباتهم، إلا أنه لا يمكنهم تقديم طلبات جديدة.
يفيد الأثر الناشر المنع من تقديم طلبات جديدة أثناء النظر في الاستئناف، إلا أنه يمكن الإدلاء بوسائل جديدة وحجج جديدة، وإذا كان الطلب الجديد لا يعدو أن يكون دفاعاً عن الطلب الأصلي، ولا يعد طلباً جديداً الطلب المترتب مباشرة على الطلب الأصلي الذي يرمي إلى الغايات نفسها رغم أنه أسس على أسباب أو علل مختلفة.
وفي هذا الصدد يجب التنبيه إلى أن الأثر الناشر مرتبط بحدود البطلان، فإذا قضت محكمة الاستئناف بالبطلان الكلي للحكم التحكيمي فإن النزاع ينشر بكامله أمامها. أما إذا تقرر بطلان الحكم التحكيمي في جزء منه فإن المسائل التي مسها البطلان وحدها هي التي يجوز للمحكمة أن تنظر فيها، أما المسائل الأخرى فهي حائزة للحجية.
فالأثر الناشر للنزاع الذي صدر بشأنه الحكم التحكيمي، يفرض على المحكمة في حالة القضاء بالبطلان بسبب بطلان الاتفاق التحكيمي أن لا تفصل في جوهر النزاع لأنها لا تبت إلا إذا كان التحكيم قائماً. كما أن المحكمة لا تفصل إلا في المسائل المعروضة أمام الهيئة التحكيمية فصلاحيتها للنظر في موضوع النزاع يحددها الاتفاق التحكيمي. وهو ما أطلق عليه الفقه التحكيم القضائي.
وإذا قضت محكمة الاستئناف بالبطلان الكلي للحكم التحكيمي فإن النزاع ينشر بكامله أمامها. أما إذا تقرر بطلان الحكم التحكيمي في جزء منه فإن المسائل التي مسها البطلان وحدها هي التي يجوز للمحكمة أن تنظر فيها، أما المسائل الأخرى فهي حائزة للحجية.
أما حالة صدور حكم تحكيمي بعدم اختصاص الهيئة التحكيمية، فإن محكمة الاستئناف عندما تقضي ببطلانه لا ينشر النزاع أمامها، على اعتبار أن موضوع النزاع لم يتم النظر فيه بعد من طرف الهيئة التحكيمية وأنه يتعين احترام اتفاق الأطرف باللجوء إلى التحكيم. وهو ما يعني محكمة البطلان لا تنظر إلا في المسائل التي سبق للهيئة التحكيمية النظر فيها تطبيقا لقاعدة ضرورة التقيد بالمهمة المسندة لهذه الأخيرة.
ذلك أن السماح لمحكمة البطلان بالحكم في جوهر المسائل التي لم تفصل فيها الهيئة التحكيمية يعتبر مساً بالاتفاق التحكيمي، فيتعين أن تفصل الهيئة التحكيمية في موضوع التحكيم أولاً، وبعد ذلك يأتي دور محكمة البطلان التي تقوم بوظيفة المساعدة والإنقاذ. وسبق لمحكمة النقض الفرنسية أن قضت بإلغاء قرار محكمة الاستئناف بعلة أنها لم تتقيد بالقواعد المسطرية المطبقة على العملية التحكيمية. كما قضت في قرار آخر بعدم قبول إدخال الغير في الدعوى أمام محكمة البطلان لأن الهيئة التحكيمية لم تمنحها المهمة إلا من طرف أطراف الاتفاق التحكيمي دون غيرهم.
ويمكن القول أن محكمة الاستئناف، وهي تبت الطعن بالبطلان، تسند إليها نفس المهمة المسندة للهيئة التحكيمية بمقتضي الاتفاق التحكيمي، فهي إذن تقوم مقامها remplaçant، وفي حالة بطلان الاتفاق التحكيمي فلا صلاحية لها في البت، لأنه لاتوجد أية مهمة تحكيمية. ويتعين عليها أن تنقيد بموضوع المهمة، خصوصاً إذا اتفق الأطراف على إسناد مهمة الوسيط بالتراضي للهيئة التحكيمية.
وهناك اتجاه آخر يرى أن محكمة البطلان لا تلعب دوراً تحكيمياً، بل تبقى محتفظة بذاتيتها ولا تحل محل الهيئة التحكيمية، ولا فرق بين الرقابة التي تقوم بها أثناء النظر في الطعن في الحكم التحكيمي والمراقبة التي تقوم بها أثناء النظر في الطعن في الحكم القضائي، فهي تحتفظ بصلاحيتها وسلطتها في كلتا الحالتين. كما أنها تبقى مختصة ببت النزاع كيفما كان سبب البطلان وإن تعلق ببطلان الاتفاق التحكيمي، فدورها هو مساعدة الهيئة التحكيمية la fonction « d'assistance وذلك بالتدخل السريع لوضع حد للنزاع بشكل نهائي.
وهذا الاتجاه الأخير أكده جانب من القضاء الفرنسي الذي اعتبر أن محكمة البطلان لها الصلاحية القضائية كأي قاضي دولة، فالرقابة التي تقوم بها على الأحكام التحكيمية هي نتيجة المسطرة التحكيمية وليست مستمدة من الاتفاق التحكيمي وهو ما عبر عنه بالاختصاص الخاص.«compétence spéciale».
ومن الواضح أن المشرع المغربي لم يأخذ بالاتجاه الأخير، لأن مقتضيات الفصل 327-37 واضحة بهذا الخصوص، ولم تعط محكمة الاستئناف سلطة بت جوهر النزاع في حالة غياب التحكيم أوفي حالة بطلانه، لأن مناط اختصاص محكمة الاستئناف هو وجود التحكيم من عدمه ولهذا سماه الفقه بالتحكيم القضائي. ويكون بذلك المشرع المغربي خطأ خطوة شجاعة في إقرار هذا المبدأ مستفيداً من مختلف النقاشات الفقهية وتضارب المواقف القضائية بخصوص هذه النقطة، خصوصاً في فرنسا.
ثالثاً- المناقشة أمام محكمة الاستئناف:
عندما تقبل محكمة الاستئناف الطعن بالبطلان وتحكم بالبطلان يتعين عليها أن تبت الجوهر في حدود المهمة المسندة للهيئة التحكيمية، فالسؤال الذي يطرح هو هل يتعلق الأمر بقرارين؟ وما هي المدة الفاصلة بينهما أم أن الأمر يتعلق بقرار واحد؟
ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن محكمة الاستئناف تحكم بالبطلان وتبت الجوهر بمقتضي قرار واحد وفي الوقت نفسه، إلا أن عمل محكمـة الاستئناف بباريس يسير عكس ذلك حيث تصدر القرار في جوهر النزاع بعد قرارها القاض بالبطلان بشكل منفصل.
ويرى البعض في هذا الإطار أنه من الأهمية الأخذ بالموقف الأخير لما فيه مصلحة للأطراف لسببين: الأول أن المدة الفاصلة بين الحكم بالبطلان والحكم في الموضوع يـسمح للأطراف بإعداد مستنتجاتهما والوسائل القانونية بشكل أكثر فعالية وفيه احترام لمبدأ حقوق الدفاع. والسبب الثاني، إنه يسمح لمحكمة البطلان التعميق في النزاع أكثر واللجـوء إلـى بعض إجراءات التحقيق كالخبرة أو البحث، خصوصاً أن المحكمة غير مقيدة بعامل الوقـت كما هو الشأن بالنسبة للهيئة التحكيمية التي يجـب أن تتقيـد بأجـل التحكـيم الإتفـاقي أو القانوني.
أما في التشريع المغربي فمقتضيات الفصل 327-37 ليست واضحة، غير أن الصيغة التي جاءت بها هي نفسها في الفصل 146 من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالطعن بالاستئناف طبقاً للقواعد العادية والتي تنص على: "إذا أبطلت أو ألغت محكمة الاستئناف الحكم المطعون فيه وجب عليها أن تتصدى للحكم في الجوهر، إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيهـا" وأن الجاري به العمل لدى محاكم الاستئناف في المغرب أنها تبطل الحكم المطعون فيه وتتصدى للجوهر في الوقت نفسه. مما يدفعنا إلى القول بهذا الرأي خصوصاً أن المادة 327-36 تنص على أن الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان طبقاً للقواعد العادية أمام محكمة الاستئناف التي صدرت دائرتها، وكذلك لأن محكمة الاستئناف تبت طبقاً لمسطرة الاستعجال. 91
وأن محكمـة البطلان تنظر في موضوع النزاع في الواقع وفي إطـار القـانون أو قواعد العدالة والإنصــاف دون التقيـد بالقـانون حـسب المهمـة المـسندة للهيئـة التحكيمية.
كما يحق للأطراف أمام محكمة البطلان الإدلاء بوسائل قانونية جديدة والإدلاء بحجج أخرى غير التي تم الاحتجاج بها أمام الهيئة التحكيمية، ويمكن لهم كذلك المطالبة بإجراء من إجراءات التحقيق كالخبرة، كما يمكن للمحكمة أن تأمر بها من تلقاء نفسها، لأن النزاع ينشر من جديد أمامها.
وفي حالة بطلان الحكم التحكيمي بسبب انقضاء أجل التحكيم، فمحكمة النقض الفرنسية اعتبرت أن الإجراءات المسطرية اللاحقة لتاريخ انتهاء أجل التحكيم وحدها تعتبر باطلة ولا يعتد بها، أما السابقة وخصوصاً تقارير الخبرة الموضوعة قبل هذا التاريخ فلا تتأثر بالبطلان ويمكن لمحكمة البطلان الاعتماد عليها. وما يمكن استخلاصه من قرار محكمة النقض كون المسطرة التحكيمية ليست وحدة غير قابلة للتجزئة، بل هي سلسلة من العمليات المسطرية والتي يتعين النظر إلى كل واحدة منها على حدة بشكل مستقل.
أما بخصوص الجوهر فإن مراجعة الحكم التحكيمي مخالف لطبيعة التحكيم ، لأن جميع القرارات الصادرة خارج النظام القضائي لاتخضع للرقابة في الموضوع. كما هو الشأن كذلك بالنسبة للأحكام الأجنبية التي لا تنفذ في المغرب، إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية التي يقتصر دورها في التأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، وأن تتحقق من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام.