لا يعاد فحص موضوع النزاع محل حكم التحكيم من جديد عند نظر دعوى بطلانه، ولذلك لا تقبل هذه الدعوى لمخالفة الحكم للقانون الموضوعي، أو للخطأ في تطبيقه، أو لتعييب ما قضى به في موضوع النزاع؛ لأنها ليست طريقاً للطعن على الحكم وكل حالتها تتعلق بعيب في الإجراءات لا في التقدير:
النوع الأول: العيب في الإجراء:
فالحكم يعتبر عملا قانونيا يخضع لمقتضيات معينة أي متطلبات، ويجب أن تسبقه أعمال إجرائي أخرى يلزم أن تتم صحيحة، لكي ينتج الحكم أثاره القانونية.
النوع الثاني: العيب في التقدير:
وفضلاً عن وجوب صدور الحكم كعمل قانوني وفقا لمقتضيات معينة، يجب أن يطبق أرادة القانون في النزاع المعروض، فإذا أخطأ في هذا، فإنه - رغم صحته كعمل قانوني يكون معيبا بمخالفة القانون، ويكون الحكم كذلك إذا أعتبر الحكم قاعدة قانونية معينة موجودة وهي لا وجود لها. أو اعتبر قاعدة غير موجودة وهي موجودة.
فإذا شاب الحكم عيب في الإجراء، فإن هذا العيب يمكن أن يؤدي إلى بطلانه، أما إذا كان الحكم كعمل قانوني غير معيب ولكن به عيب في التقدير.
ودعوى بطلان الحكم سواء كان حكم محكمة أو حكم تحكيم، يتميز بأنها تتوجه إلى الحكم كعمل قانوني بصرف النظر عما يتضمنه الحكم من خطأ في التقدير ولهذا فإن العيوب التي يجوز التمسك بها بدعوى البطلان يجب أن تكون أخطاء في الإجراء، أي عيوبا إجرائية إذ هذه وحدها هي التي تؤدي إلى بطلان الحكم.
وقد استقر القضاء على ذلك سواء بالنسبة لأحكام المحاكم أو أحكام التحكيم مع ملاحظة أن الأحكام القضائية يجوز الطعن فيها بطرق الطعن المتعددة وعندئذ يتم تصحيح الخطأ في التقدير. وقد جرى قضاء محكمة استئناف القاهرة على أن " البطلان لا يكون إلا جزاء لعيب أجرائي، وأن عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أيا كان لا يبرر رفع دعوى بطلان أصلية عن الحكم ". وتطبيقا لهذا قضت بأن " النعي على حكم التحكيم باستبعاده تطبيق قانون التعاون الإسكاني ولائحته التنفيذية واجبة التطبيق وإعمال القانون المدني بدلاً منها والخطأ في تطبيق القرار الوزاري رقم 46 لسنة 82 في غير محله. لأنه أيا كان وجه الرأي في صواب ما انتهى إليه حكم التحكيم، فإنه من المقرر أن دعوى البطلان ليست طعناً بالاستئناف."
* إذن تستبعد حالة مخالفة الحكم للقانون الموضوع أو الخطأ في تطبيقه من حالات دعوي البطلان:
تعد مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله من الأسباب العامة للطعن في الأحكام القضائية بالوسائل التي ينظمها قانون المرافعات للطعن في الأحكام، وهي وإن كانت سببا للطعن على الحكم القضائي إلا أنها ليست سببأ لطلب إبطاله بدعوى مبتدأه.
فدعوى البطلان ليست طعناً على حكم التحكيم، وإنما هي وسيلة خاصة لمراجعته بناء على أسباب نص عليها القانون على سبيل الحصر، وهي الطريق الوحيد الذي أجازه القانون المراجعة حكم التحكيم.
أن المقصود بمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه - هو مخالفة المحكم القانون الموضوعي الذي يطبق على موضوع النزاع أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، ولا ينصرف ذلك إلى مخالفة المحكم لقانون التحكيم - الذي ينظم ولايته القضائية ومصدرها وحدودها والقواعد التي يتبعها لنظر النزاع والحكم فيه.
كذلك لا تقبل دعوى بطلان حكم تحكيم استنادا إلى تعييب ما قضي به في موضوع النزاع، إذ من المبادئ الأساسية التي يأخذ بها المشرع المصري بالنسبة للأحكام الصادرة من محاكم الدولة، مبدأ التقاضي على درجتين.
وإذا كان المشرع المصري قد حرص على الأخذ بمبدأ التقاضي على درجتين بالنسبة لأحكام المحاكم، فإنه على العكس تماما بالنسبة للتحكيم إذ أخذ بالنسبة له كقاعدة مطلقة لا استثناء عليها بمبدأ التقاضي على درجة واحدة. وقد أخذ المشرع المصري بهذا المبدأ منذ مجموعة 1968. (رقم 27لسنة 1994) إذ تنص المادة 1/52 منه على أنه "لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية ".
فيلاحظ أنه إذا كانت محكمة البطلان وهي بصدد بحث بطلان حكم التحكيم ليس لها سلطة بحث موضوع النزاع من جديد، فإنه ليس لطرفي دعوى البطلان أن يثيروا أمامها هذا الموضوع ولهذا لا تقبل دعوى البطلان ضد حكم المحكمين إذا كانت الدعوى ترمي إلى إثارة النزاع الموضوع.
وأعمالاً لهذا قضى بأنه: لما كان "استخلاص توافر الصفة في الدعوى التحكيمية) هو من قبيل فهم الواقع فيها.... فإن تعييب تقدير هيئة التحكيم في هذا الخصوص لا يتسع له نطاق دعوى بطلان حكم التحكيم" وإن النعي ببطلان تقرير الخبير لعدم اتساق نتيجة مع ما بنيت عليه من أسباب، واستناد الحكم الطعين إلى هذا التقرير على الرغم منعدم دخول العمارتين ضمن أعمال المرحلة الثالثة.
وكذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه لا تقبل دعوی إبطال حكم التحكيم استناداً إلى مسخ المستندات التعاقدية بواسطة المحكمين؛ لأنه يمتنع بحث ما قضت به أحكام المحكمين في الموضوع تحت غطاء مراقبة تسبيب الأحكام، فضلاً عن أنه ليس للقضاء إحلال تفسيره