حدد المشرع المصري في المادة ٢/٥٤ من قانون التحكيم المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم بنصه على أن ..." تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة (٩) مــن هذا القانون، وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمــة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع".
وباستقراء النص السابق يتضح أنه فرق بين التحكيم التجاري الدولي، والتحكيم الداخلي.. فبالنسبة للأول ينعقد الاختصاص بنظر دعوى البطلان بشأنه لمحكمة استئناف القاهرة أو أي محكمة استئناف أخرى يتفق عليهـا الطرفان وذلك طبقا لنص المادة التاسعة من قانون التحكيم المصري.. بينما ينعقد الاختصاص بنظر دعوى البطلان في التحكيم الداخلي لمحكمــة ثــاني درجة للمحكمة المختصة أصلاً بنظر الدعوى.. ويعنينا في هذا المقام تحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية... الأمر الذي يقتضى تحديد المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع - حال غياب الاتفاق على التحكيم - وبالتالي تحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان.
والأصل المستقر عليه بصدد الاختصاص بنظر منازعات العقـود الإدارية أنه ينعقد لجهة القضاء الإداري طبقا لنص المادة ۱۷۲ من الدستوري المصري لعام (۱۹۷۱م ، والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، كما ينعقد لها طبقاً لمعيار المنازعة الذي يشكل المعيار العام في توزيع الاختصاصات القضائية بحيث يعد القضاء الإداري القاضي الطبيعي لنظر دعوى بطلان أحكام التحكيم الإداري .
وقد اعتنق المشرع المصري في قانون التحكيم معيار طبيعة المنازعة بشأن عقد الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم في مجال التحكيم الداخلي بحيث ينعقد الاختصاص بنظر تلك الدعوى المحكمــة ثــاني درجــة للمحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى.. بيد أنه يؤخذ على مسلك المشرع بصدد تلك المادة أنه لم يصدر عن منطق سليم بشأن التحكيم الدولي إذا كـــان محله عقد إداري نظراً لأنه أسند الاختصاص بنظر دعوى البطلان في تلك الحالة للقضاء العادي - محكمة استئناف القاهرة أو أي محكمة استئناف أخرى يختارها الخصوم - ولا شك أن هذا مسلك عشوائي لا يقوم على أساس سليم أو معيار يدعمه لاسيما مع تبنى النظام القانوني المصري للنظام القانوني والقضائي المزدوج.. الأمر الذي يتعين معه ضرورة تدخل المشرع المصري لتعديل القانون بهذا الصدد بجعل الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم في المنازعات الإدارية للقضاء الإداري سواء أكان العقد الإداري ـ محل التحكيم - يتسم بالطابع الدولي أو الداخلي.
وطبقاً لقواعد الاختصاص القيم المعمول بها أمام محاكم مجلس الدولة المصري فإن تحديد المحكمة المختصة بنظر منازعات العقود الإدارية تتحدد بحسب قيمة العقد، فإذا تجاوزت قيمة العقد خمسمائة جنيه انعقد الاختصاص لمحكمة القضاء الإداري، أما إذا قلت قيمة العقد عن هذا المبلغ فإن المحكمة الإدارية تكون هي المختصة بنظره.. ولما كانت الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من قانون التحكيم تعقد الاختصاص بنظر دعوى البطلان لمحكمة ثاني درجة للمحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى فإن ذلك يعنى أن تكون المحكمة الإدارية العليا، بحسب الغالب الأعم من الحالات هي المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان أحكام التحكيم بصدد منازعات العقود الإدارية نظراً لأن العقود الإدارية تتجاوز قيمتها مبلغ الخمسمائة جنيه لتصل إلى ملايين الجنيهات، في حين ينعقد الاختصاص لمحكمة القضاء الإداري متى كانت قيمة العقد أقل من خمسمائة جنيه.
ولعل المشكلة تكمن في أن المشرع أناط الاختصاص بنظر دعوى البطلان لمحكمة ثاني درجة للمحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى والتي غالباً ما تكون المحكمة الإدارية العليا - نظراً لتجاوز قيمة العقود محل التحكيم نصاب الخمسمائة جنيه، بل وبلوغها ملايين أو عشرات الملايين من الجنيهات الأمر الذي ينغلق معه الطعن على الأحكام الصادرة منها بصدد نظرها لدعوى البطلان والفصل فيها إذا ما شابها أحد الأسباب الموجبة للطعن عليها .. ومرد ذلك ومرجعه أن المشرع - في قانون التحكيم ــ أعمـــل القواعـــــد الخاصة بالتحكيم في المنازعات المدنية والتجارية على التحكيم الإداري، وهو ما لا يمكن التسليم به لسببين.. الأول يتمثل في أن محكمة ثاني درجة ــ فــــي التحكيم في المواد المدنية والتجارية - تكون إما المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف، وهو ما يسمح بالطعن على أحكامها أمام النقض، والثاني أنه كـــان يتعين على المشرع - في تنظيمه لمواد قانون التحكيم بهذا الصدد ــ أن يراعى خصوصية المنازعات الإدارية بإفراده نصاً خاصاً بها مفاده إسناد الاختصاص بنظر دعوى بطلان أحكام المحكمين في المنازعات الإداريــة للمحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى - والتي غالباً ما تكون محكمة القضاء الإداري، وذلك بالنظر إلى قيمة العقد الإداري محل التحكيم - وليس لمحكمة ثاني درجة بالنسبة لتلك المحكمة حتى يتسنى إصلاح ما قد يعتـور الحكم الصادر منها - في دعوى البطلان - من عيوب عبر الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا .
وصفوة القول أننا ننادى بتدخل المشرع المصري لتعديل الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من قانون التحكيم عبر إضافة فقرة أخيرة لها تسند الاختصاص بنظر دعوى البطلان في المنازعات الإدارية للمحكمة المختصة أصلاً بنظر الدعوى، وليس لمحكمة ثاني درجة لتلك المحكمة بما يكفل تلافي العيوب التي قد تعتور حكمها الصادر في دعوى البطلان من خلال الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا.