التنفيذ / الاختصاص بدعوى البطلان / الكتب / نطاق الرقابة القضائية على التحكيم فى منازعات العقود الإدارية / الجهة المختصة بنظر الطعن ببطلان اتفاق التحكيم في العقود الإدارية
الجهة المختصة بنظر الطعن ببطلان اتفاق التحكيم في العقود الإدارية
يعد اتفاق التحكيم أساس سلطة المحكمين، بل هو حجر الزاويــة فـــي نظام التحكيم بأسره.. فإذا ما اتضح بطلان اتفاق التحكيم أو قابليته للإبطال انهار الأساس الذي ترتكز عليه سلطة المحكمين وهنا يثار التساؤل عن الجهة المختصة بنظر الطعن ببطلان اتفاق التحكيم هل هي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع؟ أم أنها هيئة التحكيم ذاتها؟
اختصاص القضاء بنظر الطعن ببطلان اتفاق التحكيم قبل البدء في خصومة التحكيم
وقد أكد القضاء الفرنسي - وعلى قمته محكمة النقض – على أحقية المحكم في الفصل في الدفوع المتعلقة ببطلان اتفاق التحكيم باستثناء الحالات التي يكون فيها ذاك الاتفاق ظاهر البطلان عبر منحها للقضاء سلطة الفصل في مدى صحة اتفاق التحكيم... من ذلك حكمها بتاريخ ۲۰ فبراير ۲۰۰۷ الذي أوضحت فيه أن المحكم يملك سلطة الفصل قبل أية جهة أخرى فيما يتعلق بمسألة اختصاصه، فيما عدا حالات البطلان أو عدم التطبيق الظاهر لاتفاق التحكيم . بل إن محكمة النقض الفرنسية عمدت إلى توسيع نطاق الرقابة القضائية على اتفاق التحكيم عبر تسليمها بجواز عقد الاختصاص للقضاء الوطني بنظر مشروعية اتفاق التحكيم حتى ولو فصلت هيئة التحكيم في تلك المسألة.
وفضلاً عن ذلك فإن منح القضاء ولاية الفصل في صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه هو ما يتفق وصريح نص الفقرة الثالثة من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك لعام ۱۰٥٨ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، والتي نصت على أنه… " على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد فـي هـذه المادة أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق" .
ويجعل لأحكامها أولوية التطبيق في تلك الحالة خاصة تلك الحالة خاصة وأن المادة الأولى من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ تنص على أنه .... " مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم..." .
وبعد تعديل تلك المادة عبر إضافة فقرة ثانية لها بمقتضى القانون رقم 9 لسنة ۱۹۹۷ بشأن إجازة التحكيم في العقود الإدارية، فإن حكم الفقرة الثالثة من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك سالفة الذكر ينسحب على حالة بطلان اتفاق التحكيم في تلك العقود أو عدم قابليته للنفاذ ... الأمر الذي يستوجب اختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في مدى صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه في مرحلة ما قبل البدء في خصومة التحكيم.
ويبدو هذا الأمر أكثر أهمية وإلحاحاً في مجال التحكيم الإداري - بصدد منازعات العقود الإدارية لاسيما وأن الجهات الإدارية عادة ما تتفنن في إرهاق وإعنات المتعالمين معها رغم ما يفترض فيها من كونها خصم شريف يتغيا الصالح العام، ولا يميل إلى اللدد في الخصومة، بيد أن الواقع العملي كثير ما يثبت عكس ذلك.. الأمر الذي يقتضي منح القضاء الإداري - محكمة القضاء الإداري - الاختصاص بنظر دعوى بطلان اتفاق التحكيم قبل | بدء السير في إجراءات خصومة التحكيم، بحيث يمكنها الفصل في النزاع إذا ما ثبت لديها بطلان هذا الاتفاق توفيراً للوقت والجهد والنفقات، وتجنباً للسير لم في إجراءات مصيرها البطلان أو الامتناع عن نظر النزاع متى ثبت لديها ب صحة هذا الاتفاق وتمسك أحد الخصوم به.
اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في مدى صحة أو بطلان اتفاق التحكيم متى بدأت خصومة التحكيم
وقد أكد القضاء الفرنسي في عديد من أحكامه على اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه ولو كان الدفع المبدى بعدم الاختصاص مبنيـــا على عدم صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه أو عدم وجوده.
وعلى صعيد الوضع في مصر... فقد شايع المشرع المصري نظيره الفرنسي في الحالة التي نحن بصددها مقرراً اختصاص المحكم بالبت في كافة الدفوع المتعلقة باختصاصه - في تلك المرحلة – بما فيها تلك المبنية على عدم صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه. بمعنى تسليمه باختصاص هيئة التحكيم بالفصل في صحة أو بطلان اتفاق التحكيم متى بدأت خصومة التحكيم.
وقد عالج المشرع المصري تلك الحالة بالمادتين ۱۳، ۲۲ من قانون - التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، حيث أوردت الفقرة الأولى من المادة ۱۳ سالفة ــ الذكر النص على أنه... " يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى " ... كما تنص الفقرة الأولى من المادة ٢٢ من ذات القانون على أن تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه"
بيد أن الناظر المتأمل لصياغة هاتين المادتين يرى أن منح المحكم -هيئة التحكيم - سلطة الفصل في مدى صحية اتفاق التحكيم أو بطلانه لا يقطع بمنع المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع من النظر في تلك المسألة طبقاً للقواعد العامة .
وعلة ذلك أن الطرفين قد سلكا سبيل التقاضي العادي لاسيما وأن ولاية الفصل في المنازعات تنعقد أصلا للمحاكم بحيث يمكن القول بأن الفصل في مدى صحة أو بطلان اتفاق التحكيم بعد بدء إجراءات التحكيم يعــــد اختصاصاً مشتركاً بين هيئة التحكيم والمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، وأن اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصها ومنهـا تلك المتعلقة بمدى صحة ومشروعية اتفاق التحكيم لا يسلب اختصاص القاضي الإداري بنظر تلك الدفوع متى رفعت أمامه خلافا لما يبدو من ظاهر : المادتين ۱/۱۳ ، ۱/۲۲ من قانون التحكيم رقم 17 سنة ١٩٩٤.
وقد سايرت محكمة انقضاء الإداري هذا النظر بأحد أحكامها الحديثة . حكمها في الطعن رقم ١٨٦٢٨ لسنة ٥٩ق بجلسة ١٩ فبراير ٢٠٠٦ مؤكدة الاختصاص المشترك بينها وبين هيئة التحكيم بشأن نظر الدفوع المتعلقة بمدى صحة أو بطلان اتفاق التحكيم... وقد جاء بهذا الحكم فيما نحن بصدده.. أن مناط الحكم بعدم قبول الدعوى - طبقاً للمادة ١٣ من قانون التحكيم - هو وجود اتفاق تحكيم صحيح، وليس مجرد الوجود المادي لمحرر يتضمن مثل هذا الاتفاق، ذلك أن القاضي بحكم ولايته العامة بالفصل في المنازعات المقررة له بحكم الدستور والقانون لا ينبغي له التخلي عن حقه في التصدي لموضوع نزاع مطروح عليه إلا إذا تبين أن اتفاق التحكيم الذي يتمسك به أحد الأطراف هو اتفاق صحيح منتج لآثاره وصالح لانعقاد هيئة تحكيم بنظر النزاع، أما إذا تبين أنه أمام اتفاق باطل تعين عليه رفض الدفع بعدم القبول والتصدي لنظر الموضوع..
وأردفت المحكمة قائلة كما أنه لا محاجة في ذلك بنص المادة (۲۲) من القانون المشار إليه التي ترسى مبدأ الاختصاص بالاختصاص، أي تخويل هيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في تتك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم او بطلانه أو سقوطه، ذلك أن هذا النص وإن خول هيئة التحكيم سلطة الفصل في تلف الدفوع فإنه لا يسب ولا يستطيع وما ينبغي له أن يسلب سلطة القاضي بالفصل في تلك الدفوع إذا طرحت عليه بمناسبة تمسك طرف باتفاق التحكيم، ودفع الطرف الآخر ببطلان هذا الاتفاق،لقاضي الدعوى هو قاضي الدفع، وأنه ما يقوض أركان الدولة القانونية مجرد تصور إلزام القاضي بالحكم بعدم قبول الدعوى استنادا إلــــى تمسك أحد الأطراف باتفاق تحكيم اكتشف القاضي بطلانه.. والقول بغير ذلك يمثل عدواناً وتعدياً وغصبا على السلطة القضائية والحق في الالتجاء إليها .. ولو أراد المشرع قصر الاختصاص على هيئات التحكيم لما أعوزه النص على ذلك صراحة بإضافة عبارة " دون غيرها .