إن الهدف الأساسي في إيجاد نظام طعن خاص بقرارات التحكيم التجاري الدولي في القوانين المنظمة لعمليات التحكيم ، وما انبثق عنها من مراكز تحكيم دولية أو إقليمية ، هو اتاحة الفرصة أمام الخصم للطعن بالقرار الصادر ضده، إذا كان غير مقتنع به ، او لديه ملاحظات عليه وتدارك الأخطاء التي قد تكون وقعت فيها هيئه التحكيم ، لإعطاء القرار حجية القضية المحكوم بها ، كذلك التي تعطي للإحكام القضائية مما يعجل في تنفيذ الحكم وتحقيق الغاية التي من اجلها وجدت القوانين وانظمة التحكيم .
ويحكم موضوع الطعن بقرار التحكيم التجاري الدولي والمحكمة المختصة بنظره في إطار القوانين المنظمة لقواعد التحكيم ومراكز التحكيم التجاري الدولي اتجاهان... يكون الاتجاه الأول والذي لا يجيز الطعن بأي طريق بالإحكام التحكيمية الصادرة منه ، وذلك بسبب خضوعها لنظام خاص بالطعن يستند إلى القواعد القانونية التي أنشئت بموجبها مراكز التحكيم والقوانين المنظمة لعمليات التحكيم الدولية ، ومثال على ذلك نظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية بباريس. والساري اعتبارا من كانون الثاني عام ۱۹۸۸ ، والذي نصت المادة (٢٨ / ٦ ) على انه يكون كل حكم تحكيمي ملزما للأطراف ويتعهد الإطراف بمجرد إحالتهم للنزاع وفقا للنظام هذا بتنفيذ إي حكم تحكيم دون تأخير ويعتبر أنهم تنازلوا عن كل سبل الطعن المفتوحة لهم قانوناً"، ووفقا لهذا النظام فان أحكام التحكيم التجاري الدولي الصـــــادر بالاستناد إلى القواعد، وهي أحكام باتة و واجبة التنفيذ من قبل إطراف النزاع بمجرد صدورها ولا يجوز لهم الطعن فيها، إذ إن مجرد لجوئهم إلى التحكيم وفقا لقواعدها يعد اعترافا منهم بأحكامها وتنازلا عن سلوك طرق الطعن المفتوحة لهم قانونا .
كذلك أحكام اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٥ في مجال تنفيذ أحكام التحكيم ، ان حكم التحكيم يكون ملزما للطرفين ولا يمكن استئنافه بأي طريقة ، إلا في الحالات الواردة في هذه الاتفاقية . إي ان قرار التحكيم التجاري الدولي الصادر بموجب هذه الاتفاقية لا يجوز الطعن به من قبل الخصوم أمام أي من المحاكم المختصة خارج إطار التشكيلات المنشأة .
بموجب أحكام هذه الاتفاقية، وفي حاله إقرار الاتفاقية لأي طريق من طرق الطعن فأن طلب الطعن يقدم كتابا إلى السكرتير العام للمركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار ) ، وكذلك قواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري (UNITRAL) لعام ١٩٧٦ فهي لا تجيز الطعن بالأحكام الصادرة وفقا لقواعدها القانونية.
إما اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لعام ۱۹۸۷ فأنها اعتبرت لجوء الأطراف إلى التحكيم وفقا لإحكامها مانعا من عرض النزاع إما جهة قضائية أخرى او الطعن به أمامها، حيث نصت المادة (۲۷) من الاتفاقية المذكورة على أنه : "الاتفاق" على التحكيم وفق أحكام هذه الاتفاقية يحول دون عرض النزاع إمام جهة قضائية أخرى أو الطعن لديها بقرار التحكيم".
نصت المادة (١/٥١) من اتفاقيه واشنطن لعام ۱۹٦٥ في مجال تنفيذ إحكام التحكيم على أنه " يمكن لأي من الطرفين تقديم طلبا كتابي إلى السكرتير العام لأعادة النظر في الحكم على أساس اكتشاف حقيقة تؤثر على الحكم بشرط ان تكون هذه الحقيقة غائبة عن علم المحكمة عند إصدارها للحكم وان جهل الطالب بهذه الحقيقة لم يكن نتيجة لإهماله" .
وهذا يعني أن الأحكام الصادرة وفقا لهذه الاتفاقية غير قابلة للطعن أمام المحاكم الوطنية ، غير أنها من جانب آخر أقرت حق أطراف النزاع بالطعن بالبطلان على قرار التحكيم على ان يكون ذلك بطلب كتابي يوجه إلى رئيس المركز استنادا إلى المادة (١/٣٤) من الاتفاقية المذكورة والتي نصت على: يجوز لأي من الطرفين بناء على طلب كتابي يوجه إلى رئيس المركز يطلب إبطال القرار إذا توفر سبب من الأسباب التالية ...".
أما فيما يخص إعطاء الصيغة التنفيذية لقرارات هيئة التحكيم فأنه لا يجوز رفض الأمر بالتنفيذ إلا إذا كان القرار مخالفا للنظام العام في الدول المطلوبة تنفيذها للقرار. وقد أعطت الاتفاقية المذكورة الاختصاص بإضفاء الصيغة التنفيذية لقرار التحكيم للمحكمة العليا لكل دولة متعاقدة .
إما الاتجاه الثاني: وهي القوانين والاتفاقيات التي أجازت الطعن بالأحكام التحكيمية الصادر عنها ، وحددت اختصاص المحاكم في نظرها مثل القانون النموذجي للتحكيم التجاري لعام ١٩٨٥ وجاء في المادة (٦) إعطاء الاختصاص لمحاكم الدول في نظر الطعون المقدمة على حكم التحكيم الصادر بموجب القواعد القانونية للقانون النموذجي ، وتكون هذه المحاكم هي المختصة بموجب الاختصاصات الممنوحة لها حسب قوانين التنظيم القضائي لكل دولة.
نصت المادة (٣٥) من اتفاقية عمان التجارية لعام ۱۹۸۷ على أنه: تختص المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة بإضفاء الصبغة القانونية على قرارات هيئة التحكيم ولا يجوز رفض الأمر بالتنفيذ إلا إذا كان القرار مخالفا للنظام العام".
نصت المادة (٦) من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي العام ١٩٨٥ على أنه: تتولى ادارة الوظائف المشار في الفقرتين (۳) و (٤) من المادة (۱۱) والفقرة (۳) من المادة (۱۳) وفي المادة (١٤) والفقرة (۳) من المادة (١٦) والفقرة (۲) من المادة (٢٤) تحدد كل دوله تصدر هذا القانون النموذجي المحكمة أو المحاكم او السلطة ول الأخرى ، وعندما يشار إلى تلك السلطة في ذلك القانون تكون هي المختصة بإدارة هذه الوظائف".
وكذلك جاءت اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ وفي المادة (الخامسة) منها أنه لا يجوز رفض الاعتراف والتنفيذ للحكم الصادر بموجب هذه الاتفاقية، الا إذا قدم الخصم للسلطة المختصة ، في بلد الاعتراف والتنفيذ الدليل على ان الحكم المطلوب تنفيذه لم تعد له قوة الإلزام ، وذلك لإلغائه أو إيقافه من قبل السلطة المختصة في البلد الذي صدر فيها او بموجب قانونها، وعليه فأن الاختصاص في نظر الطعون بموجب هذه الاتفاقية يكون لمحاكم الدولة مقرا للتحكيم والدولة التي بموجب قانونها تم إصدار الحكم .
نصت المادة (٥) في اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۸٥ على أنه : لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على ان الحكم لــــم يصبح ملزما للخصوم أو ألغته او أوقفته السلطة المختصة في البلد التي صدر فيها او بموجب قانونها صدر الحكم ، ويعلق الفقه" "يلاحظ أن الاتفاقية لا تستعمل لفظة (المحكمة المختصة بل السلطة المختصة ونعتقد أن سبب ذلك هو أن بعض البلدان الاشتراكية فيها مؤسسات المحاكم تكون هي المختصة في الأمور الخاصة بالتجارة الدولية".
كذلك اشار مشروع القانون العراقي للتحكيم التجاري في المادة (٥/٤) ، على أن تكون محكمة الاستئناف التي يتفق عليها أطراف النزاع داخل العراق هي المحكمة المختصة بنظر الطعن.
جاء في نص المادة الرابعة الفقرة الخامسة من مشروع القانون العراقي للتحكيم التجاري على أنه: "المحكمة المختصة محكمة الاستئناف التي يتفق عليها إطراف النزاع داخل العراق".
في حين جاءت بعض نصوص التشريعات المختصة بالتحكيم حول تحديد المحكمة المختصة بنظر الطعون في النزاع والفصل في دعوى البطلان في حكم التحكيم ، فقد حددت في فرنسا وبحسب المادة (۱٥۰٥) من قانون التحكيم الفرنسي الصادر عام ۱۹۹۱ محكمة الاستئناف التي يقع في دائرتها المكان الذي صدر فيه قرار التحكيم . كذلك بعض التشريعات العربية المختصة بالتحكيم مثل قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الصادر بالمرسوم رقم (۹۰) لسنة ۱۹۸۳ ، قد فرق بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي وقد أناط المشرع اللبناني بمحكمة الاستئناف القيام بمهام محكمة طعن بالنسبة إلى قرارات التحكيم التجارية الداخلية والدولية ، يعني قد أجاز صراحة الطعن ببطلان قرار التحكيم التجاري الدولي ، ولكنه اشترط لذلك ان يكون هذا القرار صادرا في لبنان .
وأجاز ضمنا الطعن ببطلان قرار التحكيم التجاري الدولي إذا كان صادرا في خارج لبنان، عندما أتاح الطعن عن طريق الاستئناف بالقرار الذي يمنح الاعتراف أو الصيغة التنفيذية له للأسباب المذكورة في. المادة ۸۱۷ ، فقط وهي الأسباب ذاتها التي يشترط توافرها بعضها للطعن ببطلان القرار التحكيمي الصادر في لبنان ، بحسب ما نصت عليه المادة (۸۱۸) من القانون نفسه.
أما في قانون المرافعات الفرنسي في التحكيم الداخلي وفق المادة ١٤٨٦ فان محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها الحكم هي المختصة ، وفي قانون التحكيم الفيدرالي الأمريكي هي المحكمة الفيدرالية الامريكية التي تقع في نطاقها المحكمة المصدرة للحكم .
جاء نص المادة (۸۱۷) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني رقم ٩٠ لسنة ۱۹۸۳ على انه (( لا يكون) استئناف القرار الذي يمنح الاعتراف او الصيغة التنفيذية جائزا الا في الحالات التالية : ۱. صدور القرار بدون اتفاق تحكيمي او بناء على اتفاق تحكيمي باطل او ساقط بانقضاء المهلة ۲۰. صدور القرار عن محكمين لم يعينوا طبقا للقانون . ۳ . خروج القرار عن المهمة المعينة للمحكمين. ٤. صدور القرار بدون مراعاة حق الدفاع للخصوم . ٥ . مخالفة القرار لقاعدة تتعلق بالنظام العام الدولي.
كذلك جاء قانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي رقم (۳۸) لسنة ۱۹۸۰ في الباب الثاني عشر بالمواد (۱۳۷- ۱۸۸) حيث أجاز الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم وحدد المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان ، وهي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى وفقا للمادة (۱۸۷) من القانون أعلاه .
أما في قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤. فقد أجاز الطعن بالبطلان على الأحكام وفقا لمواده القانونية من دون طرق الطعن الأخرى المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، حيث نصت المادة ٢/٥٤ من القانون علــى انــه تـخـتـص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري المحكمة المشار إليها فـي المـادة (۹) من هذا القانون إما في غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، ومن الرجوع إلى نص المادة (۹) المذكورة نجد أن هذه المادة تشير إلى أنه: "إذ كان التحكيم تجاريا دوليا سواء جرى في مصر أو في الخارج ينعقد لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر".
جاءت نص المادة (۱۸۷) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي رقم (۳۸) لسنة ١٩٨٠ على انه ترفع دعوى البطلان إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى..." ، وفي القانون العماني تختص دعوى البطلان الدائرة الاستئناف بالمحكمة التجارية المادة (٥٤) ، بينما القانون القطري قرر أن دعوى البطلان ترفع إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع المادة (۲۰۸) مرافعات .
وكذلك نلاحظ في تحديد المحكمة المختصة بنظر الطعن في العراق في قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (۸۳) لسنة ١٩٦٩ والذي نظم التحكيم في المواد (٢٥١ - ٢٧٦) فإنه أجاز للخصوم الطعن بقرارات المحكمين وطلب إبطالها إمام المحكمة المختصة بنظر النزاع .
فالقانون أعلاه أوجب على المحكمين في المادة (۲۷۱) بعد إصدار قرار التحكيم إعطاء صورة منه لكل من طرفي النزاع وتسليم الحكم مع أصل اتفاق التحكيم إلى المحكمة المختصة بنظر النزاع خلال ثلاثة أيام التالية لصدوره ، وذلك بوصل يوقع عليه كاتب المحكمة، وجازت المادة (۲۷۳) من القانون أعلاه للخصوم بعد تقديم قرار التحكيم إلى المحكمة المختصة أن يتمسك ببطلان الحكم عندما نصت على انه "يجوز للخصوم عندما يطرح قرار المحكمين على المحكمة المختصة ان يتمسكوا ببطلانه وللمحكمة من تلقاء نفسها ان تبطله في الأحوال التالية..."، وجاءت المادة (۲۷۵) لتجيز للخصوم في الطعن بالحكم الذي تصدره المحكمة بتصديق قرار التحكيم او بطلانه بطرق الطعن المقررة قانوناً عدا الطعن بالاعتراض ، والطعن يجب ان يكون منصباً على الحكم الذي تصدره المحكمة المذكورة حول القرار التحكيمي وفقا للمادة (٢٧٤).
ونستنج من ذلك أن المشرع العراقي في هذا القانون رغم أهمية التحكيم ودوره في تسوية المنازعات ، إلا أن أحكامه كانت مطلقة ولم يحدد ما إذا كانت هذه الأحكام تتعلق بالتحكيم الداخلي فقط ام تشمل التحكيم الدولي، وأن الطعن بالبطلان لقرار التحكيم يكون أمام المحكمة المختصة التي أودع لديها القرار المذكور.