التنفيذ / الاختصاص بدعوى البطلان / الكتب / دور القضاء في منازعات التحكيم في القانونين اللبناني والعراقي (دراسة مقارنة) / المحكمة المختصة بالطعن في قرار التحكيم
أن الغاية من ممارسة حق الطعن أمام قضاء الدولة بواسطة المحاكم العادية والتي هي صاحبة الولاية العامة في القيام بالوظيفة القضائية، هي مراقبة مدى صحة القرارات التحكيمية والتأكد من توافر المصدر الذي أعطى لهيئة التحكيم سلطة قضائية وتوافر المقومات الأساسية في القرار والتي سمح القانونان اللبناني والعراقي لها في نظام التحكيم ادارة إجراءات الطعن في قرار التحكيم والتي من بينها دعوى البطلان بعد أن أسبغ على قرار التحكيم صفة حجية الأمر المقضي به كتلك التي تعطى للحكم القضائي.
المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان في القانون اللبناني
بينت المادة (۸۰۲) أ م م اللبناني أنه في لبنان من محاكم الدولة المختصة بنظر الطعن بدعوى بطلان قرارات التحكيم هي محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها قرار التحكيم بقولها : " الاستئناف والطعن بطرق الابطال يقدمان إلى محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها القرار التحكيمي".
يُلاحظ من من النص أن محكمة الاستئناف تكون مختصة بنظر دعوى البطلان دون غيرها من المحاكم. والعلة في ذلك أن هذه المحكمة قد تنتهي إلى إبطال القرار التحكيمي المطعون فيه، وعندئذ يعهد لها المشرع بنظر الدعوى طالما لا يوجد اتفاق مخالف. وقد يكون سبب إبطال القرار التحكيمي هو أن اتفاق التحكيم باطل وأن سبب بطلانه يرجع إلى أن المشرع لا يجيز التحكيم في موضوع الدعوى التحكيمية وبالتالي ستفصل محكمة الاستئناف بالدعوى لأن اختصاصها كمحكمة طعن يشكل استثناء على قواعد الاختصاص القضائي لمحاكم الدولة.
وتاريخ اقامة دعوى بطلان القرار التحكيمي في لبنان، أوضحته محكمة الاستئناف المدنية جبل لبنان بقرار لها : "مهلة اقامة دعوى إبطال القرار التحكيمي تكون من تاريخ تبليغ القرار الذي يعطي الصيغة التنفيذية .
المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان قرار التحكيم في القانون العراقي
تضمنت المادة (۲۷۳) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم ٨٣ لسنة ١٩٦٩ ذكر المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان قرار التحكيم بقولها: "يجوز للخصوم عندما يطرح قرار المحكمين على المحكمة المختصة أن يتمسكوا ببطلانه وللمحكمة من تلقاء نفسها أن تبطله في الاحوال الآتية....".
يُلاحظ من النصّ أن المشرع العراقي لم يذكر أسم المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان قرار التحكيم، ويعد هذا نقصا واضحا في التشريع العراقي. وخيرا فعل المشرع اللبناني عندما حدد المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان بنص المادة (۸۰۲) أ. م. م اللبناني، وكذلك المشرع المصري.
تقادم دعوى بطلان قرار التحكيم
يمر القرار التحكيمي بمرحلتين أساسيتين قبل أن يجد طريقه للتنفيذ المرحلة الاولى تبدأ بعد صدور القرار من قبل هيئة التحكيم، أما الثانية فتبدأ بعد المصادقة على القرار من قبل المحكمة المختصة بنظر النزاع والتساؤل هنا ما هو تقادم القرار التحكيمي بعد صدوره من هيئة التحكيم وقبل المصادقة عليه من قبل المحكمة المختصة، والتقادم بعد مصادقة القرار من المحكمة المختصة وقبل تنفيذه من الطرف المحتكم ضده.
تقادم قرار التحكيم قبل المصادقة عليه
عند دراسة نصوص قانون المرافعات المدنية العراقي وقانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الخاصة بالتحكيم لم نجد نص يخص مسألة تقادم قرار التحكيم وعليه يجب الرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني لكلا البلدين. عندئذ باستطاعة من صدر قرار التحكيم لصالحه ايداعه لدى المحكمة المختصة لغرض استحصال المصادقة على تنفيذه في أي وقت متى ما لم يتجاوز مدة التقادم المنصوص عليها في القانون المدني.
القانون المدني العراقي حسم مسألة التقادم بنص المادة (٤٢٩): "الدعوى بالالتزام أيا كان سببه لا تسمع على المنكر بعد تركها من غير عذر شرعي خمس عشرة سنة مع مراعاة ما ورد فيه من أحكام خاصة". وبذلك تكون مدة التقادم أي مضي المدة لعدم سماع الدعوى لقرار التحكيم عند الانكار خمس عشرة سنة، ما لم ينص المشرع على مدة خاصة ومحددة ضمن قانون المرافعات المدنية باب التحكيم.
أما موقف قانون الموجبات والعقود اللبناني من التقادم فجاء بنص المادة (٣٤٩): "أن مرور الزمان يتم في الاساس بعد انقضاء عشر سنوات. وبذلك بعد مضي عشر سنوات على قرار التحكيم لم يستطع صاحب المصلحة من تنفيذه لدى دائرة التنفيذ في لبنان .
تقادم القرار التحكيمي بعد المصادقة عليه
بعد مصادقة المحكمة المختصة على القرار التحكيمي وقضائها بجواز وبأمر تنفيذه، جاز للطرف الذي صدر القرار لمصلحته من إيداعه لدى دائرة التنفيذ المعنية لتعمل على جبر الطرف الملتزم بالتنفيذ.
ولكن يحصل احياناً أن الطرف صاحب المصلحة بالتنفيذ ولظروف خاصة تجعله يهمل متابعة المعاملة التنفيذية أو لشعوره أن الطرف الآخر سيقوم طوعا بالتنفيذ عندئذ تكون مدة تقادم قرار التحكيم (سبع سنوات) حيث نصت المادة (۱۱۲) من قانون التنفيذ العراقي على أنه : " اذا ترك الحكم أو المحرر المودع للتنفيذ ولم يراجع صاحبه بشأنه (سبع سنوات) اعتبارا من تاريخ آخر معاملة، فتسقط قوته التنفيذية.
يَتَّضِحُ من النص أن مدة تقادم قرار التحكيم بعد المصادقة عليه من المحكمة المختصة وإيداعه دائرة التنفيذ ، وحصل إهمال بمتابعة تنفيذه لدى هذه الدائرة أو المديريات التابعة لها ، هي سبع سنوات.
أما إذا صادقت المحكمة المختصة على قرار التحكيم واكتسب درجة البتات ولم يقم صاحب المصلحة بمراجعة دائرة التنفيذ لغرض تنفيذ القرار ومضت سبع سنوات على اكتسابه درجة البتات فلا يقبل التنفيذ، وهو ما نصت عليه المادة (١١٤) من قانون التنفيذ العراقي: "لا يقبل التنفيذ الحكم الذي مضى (سبع سنوات على اكتسابه درجة البتات.
مشروعية رقابة محكمة التمييز في القانون اللبناني
أجاز قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني بنص صريح الطعن بالتمييز في القرار الصادر من محكمة الاستئناف في الطعن في قرار التحكيم بنص المادة (٨٠٤): يقدم كل من الاستئناف والطعن بطريق الابطال، ويجري التحقق والفصل فيه، وفق القواعد والأصول المقررة للخصومة أمام محكمة الاستئناف الوصف المعطى من الخصوم الطريق الطعن عند تقديمه يجوز تعديله أو توضيحه حتى انتهاء مهلة الطعن القرار الصادر من محكمة الاستئناف في الأحوال المبينة في الفقرة الاولى لا يقبل الطعن بطريق الاعتراض، ويقبل التمييز طبقا للقواعد العامة. مع مراعاة أحكام المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات المدنية لا يقبل القرار التحكيمي في التحكيم المطلق التمييز، إلا في حال أبطلت محكمة الاستئناف القرار المذكور. وينحصر التمييز في هذه الحالة بأسباب البطلان.
ولا مناص أن محكمة الاستئناف هي صاحبة الصلاحية بتقرير إبطال قرار التحكيم على حدود مهمة المحكم المبينة في اتفاق التحكيم وفي طلبات الخصوم. فالقانون اللبناني يوجب على المحكمة اذا قررت إبطال القرار أن تنظر في موضوع النزاع في حدود مهمة المحكم.
ويكون الحكم القضائي بإبطال قرار التحكيم ومن ثم الفصل بالنزاع من قبل محكمة الاستئناف بنفسها، فحكم الاستئناف في هذه الحالة يقبل التمييز .
وبهذا الصدد قضت محكمة التمييز اللبنانية: "... وبما أن إغفال محكمة الاستئناف ذكر أن الجهة المميزة أبلغت مستندين غير واضحين... يكون مردود أيضا لأن الطعن من شأنه أن يغير في الحل الواجب تقريره طالما أن التبليغ حصل فعلا، كما أن السبب التمييزي المتعلق بمنع الجهة المميزة من الاطلاع على الملف الأساسي وبعدم امهالها للتعليق على المستندين الموماً اليهما أعلاه مردود أيضا لأن الطعن في المرحلة التمييزية يجب أن ينصب على القرار الاستئنافي وليس على ما فعله أم لم يفعله المحكمون ما يحتم رد السبب الثالث عشر بدوره .
مشروعية رقابة محكمة التمييز في القانون العراقي
أجاز قانون المرافعات المدنية العراقي الطعن بقرار التحكيم بكل طرق الطعن المقررة بالنسبة للأحكام القضائية باستثناء طريق الاعتراض وذلك بنص المادة (٢٧٥) التي تنص : " الحكم الذي تصدره المحكمة المختصة وفقا للمادة السابقة غير قابل للاعتراض وإنما يقبل الطعن بالطرق الأخرى المقررة في القانون".
والذي أجازته المادة (۲۰۳) من القانون للخصوم ان يطعنوا تمييزا لدى محكمة التمييز في الاحكام الصادرة من محاكم الاستئناف أو محاكم البداءة أو محاكم الاحوال الشخصية، ولدى محكمة استئناف المنطقة في الأحكام الصادرة من محاكم البداءة كافة..". ومدة الطعن بطريق التمييز (۳۰) ثلاثون يوما.
والطِّعنُ بالتمييز يجب أن يُقدِّمُ بعريضة (طلب)، وهو إما أن يقدم مباشرة إلى المحكمة المختصة بالطعن، سواء كانت هذه محكمة التمييز ذاتها أو إلى محكمة استئناف المنطقة، اذا ما كان الطعن من اختصاص هذه المحكمة بصفتها التمييزية أو أن يقدم الطعن بالتمييز إلى المحكمة التي أصدرت القرار التحكيمي المطعون فيه لتتولى هي اجراءات تسجيله واستيفاء الرسم القانوني عنه، ثم أرساله إلى محكمة التمييز. ويجب أن يشتمل طلب الطعن بالتمييز على أسماء الخصوم وشهرتهم ومحل اقامتهم والمحل المختار لغرض التبليغ وأسم المحكمة التي أصدرت الحكم المميز وتاريخ تبليغ الحكم المذكور مع بيان اوجه مخالفته للقانون .
وقد قضت محكمة التمييز الاتحادية على انه : ان ما يتعذر على المحكمين بالقيام بالمهمة المكلفين بها فللمحكمة تطبيق أحكام المادة (٢٧٤) من قانون المرافعات المدنية وتركه الى هيئة الخبراء لتقديم تقريرهم بشأن موضوع التحكيم وتفصل في الدعوى من قبلها مباشرة إذا كانت صالحة للفصل فيها معتمدة على تقرير الخبراء سبباً للحكم عملا بالمادة (١٤٠) من قانون الاثبات ولا يجوز لها ان تصدر الحكم عندئذ معتمدة على قرار المحكمين أو تعديله لأن حكمها يكون بمنئى عن قرار المحكمين .