تظهر بعض الاختلافات في قوانين التحكيم محل الدراسة في موضوع المحكمة المختصة التي يتعقد لها نظر دعوى البطلان فبعض القوانين - كما سنلاحظ في الفقرات التالية - فرقت بين دعوى بطلان حكم التحكيم التجاري الدولي وبين دعوى البطلان عندما لا يكون التحكيم تجارياً دولياً وأسندت الاختصاص لمحكمتين مختلفتين، في حين أن بعض القوانين لم تعط هذه التفرقة في التحكيم وأسندت الاختصاص لمحكمة واحدة، سواء كان التحكيم . تحكيماً تجارياً دولياً أو تحكيماً وطنياً.
في قانون التحكيم المصري
تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون. وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.
وبموجب هذا النص تختلف المحكمة المختصة حسب نوع التحكيم. فإذا كان التحكيم تحكيماً تجارياً دولياً، فإن المحكمة المختصة بنظر البطلان هي محكمة استئناف القاهرة أو أية محكمة استئناف أخرى في مصر يتفق عليها الأطراف.
أما إذا لم يكن التحكيم تجارياً دولياً، فإن الاختصاص يكون لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.
في قانون التحكيم الأردني .
المحكمة المختصة بدعوى البطلان هي محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرة اختصاصها التحكيم ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في المملكة. (۲) وإلى جانب دعوى البطلان تختص هذه المحكمة أيضاً بالتنفيذ وبنظر كل المسائل التي يحيلها قانون التحكيم إلى القضاء الأردني...
في قانون التحكيم اليمني :
محكمة الاستئناف هي المحكمة المختصة بدعوى البطلان . وعلى الرغم من أن النص لم يوضح ذلك إلا أنه يقصد بمحكمة الاستئناف هنا المحكمة التي يجري التحكيم ضمن دائرة اختصاصها. ويلاحظ كذلك أن النص لا يمنح الأطراف الاتفاق على محكمة استئناف أخرى خارج دائرة الاختصاص كما تنص على ذلك قوانين التحكيم العربية الأخرى.
في نظام التحكيم السعودي :
يقضي نظام التحكيم السعودي بأن: ١- يكون الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم والمسائل التي تجيلها هذا النظام للمحكمة المختصة معقوة المحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع .
2- وإذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى بالمملكة أم خارجها، فيكون الاختصاص المحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع في مدينة الرياض، ما لم يتفق طرفا التحكيم على محكمة استئناف أخرى في المملكة.
الملاحظ أن نظام التحكيم السعودي سار على نهج قانون التحكيم المصري حيث فرق في مسألة المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان فقد أسند الاختصاص في نظر دعوى بطلان حكم التحكيم وكل المسائل التي يحيلها النظام للقضاء السعودي عندما لا يكون التحكيم الحكيماً تجارياً دولياً، أي في حالة التحكيم الوطني وذلك لمحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع.
أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، فإن المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع في عاصمة المملكة الرياض سواء جرى هذا التحكيم في المملكة العربية السعودية أو خارجها، على أنه يجوز للأطراف الاتفاق على محكمة استئناف أخرى حكمة هي بالمملكة.
في قانون التحكيم السوري :
تنص المادة (٢/٥١) من قانون التحكيم السوري بأن تختص بنظر دعوى البطلان في التحكيم المحكمة المعرفة في المادة (۳) من هذا القانون.
وبموجب المادة (۱/۳) من القانون ينعقد اختصاص النظر في مسائل التحكيم التي يشملها قانون التحكيم إلى محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في سورية.
إذاً، كل المسائل المتعلقة بالتحكيم التي بجيلها القانون للقضاء السوري بما في ذلك النظر والفصل في دعاوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة بموجب قانون التحكيم السوري معقود الاختصاص فيها لمحكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم، على أنه يجوز للأطراف الاتفاق على محكمة استئناف أخرى في سورية.
في قانون التحكيم العراقي :
تنص المادة (۱/ خامساً) من قانون التحكيم العراقي بأن المحكمة المختصة هي محكمة الاستئناف التي يتفق عليها أطراف النزاع داخل العراق.
ويفهم من ظاهر النص - وعلى عكس قوانين التحكيم العربية الأخرى - أن المشرع العراقي منح الأطراف حرية أوسع في تحديد محكمة الاستئناف التي يرونها لتكون هي المحكمة المختصة في نظر المسائل المتعلقة بنزاعهم التحكيمي بما في ذلك نظر دعوى البطلان الحكم التحكيم والفصل فيها.
ونعتقد أن الغاية من نص كهذا لا تتحقق دائماً ولا يخدم التحكيم للتحكيم، فالأطراف بحاجة إلى مساعدة من محاكم الدولة سواءً قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثنائها أو بعد صدور الحكم التحكيمي. وأثناء هذه المراحل في الغالب لا يكون الأطراف على وفاق يسمح لهم بالاتفاق على كل الأمور التي يجيز لهم القانون الاتفاق عليها بما في ذلك الاتفاق على أي محكمة استئناف لتكون هي المختصة بمسائل التحكيم المرتبط بالنزاع القائم بينهم.
وإذا افترضنا أن هيئة التحكيم أصدرت حكماً في النزاع فإنه يمكننا - وفقاً لهذا النص - أن تتوقع أن من صدر لصالحه الحكم أن يتقدم بطلب تنفيذه أمام محكمة استئناف بغداد مثلاً، وبالمقابل من صدر ضده حكم التحكيم أن يرفع دعوى بطلان أمام محكمة استئناف محافظة أخرى لأنه في أغلب الأحوال يصعب على الأطراف الاتفاق على محكمة استئناف واحدة.
ونعتقد أنه كان من الأنسب لو اتبع المشرع العراقي ما سارت عليه قوانين التحكيم في مصر والسعودية وسوريا في تحديد محكمة استئناف معينة (مثلاً محكمة استئناف بغداد) وأن يعطي للأطراف حرية الاتفاق على محكمة استئناف أخرى في العراق.