نصت المادة الثامنة من نظام التحكيم على أنه: "1 يكون الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم والمسائل التي يحملها هذا النظام للمحكمة المختصة معقوداً لمحكمة الاستئناف المختصة أصلا بنظر النزاع.
- إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جرى بالمملكة أم خارجها، يكون الاختصاص المحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع في مدينة الرياض، ما لم يتفق طرفا التحكيم على محكمة استئناف أخرى في المملكة".
فمن مطالعة المادة السابقة نلاحظ أنها تتناول تحديد المحكمة المختصة بنظر دعوی بطلان حكم التحكيم الداخلي. كذلك عرضت لحكم التحكيم التجاري الدولي؛ وهذا يدفعنا إلى أن نتناول بالشرح هذه المحكمة من حيث اختصاصها بدعوى بطلان أحكام التحكيم الداخلية، وكذلك مدى اختصاصها بدعوى البطلان على أحكام التحكيم التجاري الدولي من عدمه.
المحكمة المختصة بدعوى بطلان أحكام التحكيم الداخلية
نظمت المادة الثامنة هذه المسألة، فنصت على مايلي: "1) يكون الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم والمسائل التي يحملها هذا النظام للمحكمة المختصة معقوداً المحكمة الاستئناف المختصة أصلا بنظر النزاع...".)
وابتداء لابد من الإشادة بهذا التطور الكبير في نظام التحكيم، والذي جعل الاختصاص بنظر دعاوى البطلان المحاكم الدرجة الثانية (الدائرة الاستئنافية)، مخالفاً بذلك نظام المرافعات الشرعية، والقواعد العامة للاختصاص فيه، والتي تقضي باختصاص محاکم الدرجة الأولى بالدعاوى المبتدأة، وقاعدة التقاضي على درجتين، مشجعاً للتحكيم وداعماً لفلسفة السرعة التي يقوم عليها.
ويبين من هذه الفقرة أنها خاصة بالتحكيم الداخلي، الذي يصدر حكمه في المملكة العربية السعودية؛ وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن دعوى بطلان حكم التحكيم داخل المملكة العربية السعودية مقصورة على الأحكام الداخلية أو الوطنية.
الأمر الثاني: أنه وفقاً لمفهوم المخالفة، نجد أن الفقرة الثانية من هذه المادة نصت على الاختصاص بأحكام التحكيم التجاري الدولي، وهذا يعني أن الفقرة الأولى خاصة بالاختصاص بالأحكام الداخلية أو الوطنية.
ويرجع في تحديد المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع إلى قواعد الاختصاص في نظام المرافعات الشرعية، سواء بالنسبة للاختصاص النوعي أو المكاني.
حكم رفع دعوى البطلان على أحكام التحكيم التجاري الدولي
نصت الفقرة (2) من المادة الثامنة على أنه: "إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جرى بالمملكة أم خارجها، يكون الاختصاص لمحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع في مدينة الرياض، ما لم يتفق طرفا التحكيم على محكمة استئناف أخرى في المملكة"» .
فالفقرة السابقة قد وضحت أن محكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع في مدينة الرياض هي المختصة بنظر طلب تنفيذ هذا الحكم، وليس بطلانه، فبالنظر إلى الفقرة السابقة، نجد أنها وردت في باب أحكام عامة، ولم ترد في باب البطلان، ولو أن النظام كان يقصد الاختصاص بدعوى البطلان، لكانت الصيغة نفس ما وردت في الفقرة (1) من ذات المادة.
فالنتيجة الطبيعية لمبدأ الاختصاص الإقليمي للمحاكم هو عدم اختصاص المحاكم السعودية بدعوى بطلان أحكام التحكيم التي تصدر في الخارج، ولو صدرت و فقاً لنظام التحكيم السعودي؛ لأن القول بغير ذلك سيؤدي حتما إلى تنازع في الاختصاص الدولي بهذه الدعوى، فقد يبطل القضاء السعودي حكم تحكيم في حين يقرر قضاء الدولة الأجنبية التي صدر فيها هذا الحكم صحته، إلا أن ذلك لا يعني أن صدور حکم بالبطلان في الدولة التي صدر فيها الحكم لا أثر له في السعودية؛ حيث يمكن للمدعى عليه التمسك بهذا البطلان عند طلب إصدار أمر تنفيذ هذا الحكم في السعودية.
وإجمالاً مما سبق، نستطيع القول بأنه فقط في حالة استصدار أمر بتنفيذ حكم تحكيم "أجنبي"، يمكن للطرف المحكوم ضده أن يعارض في صدور أمر التنفيذ وفقاً لإشكاليات التنفيذ التي نص عليها نظام التنفيذ السعودي، وذلك في المواد (11، 12، 13).
حيث نصت المادة (11) من نظام التنفيذ على أنه: "مع التقيد بها تقضي به المعاهدات والاتفاقيات؛ لا يجوز لقاضي التنفيذ تنفيذ الحكم والأمر الأجنبي إلا على أساس المعاملة بالمثل، وبعد التحقق مما يأتي:
1. أن محاكم المملكة غير مختصة بالنظر في المنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر، وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة بها وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في أنظمتها.
2. أن الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم قد كلفوا بالحضور، ومثلوا تمثيلاً صحيحاً، ومگنوا من الدفاع عن أنفسهم.
3. أن الحكم أو الأمر أصبح نهائياً وفقاً لنظام المحكمة التي أصدرته.
4. أن الحكم أو الأمر لا يتعارض مع حكم أو أمر صدر في الموضوع نفسه من جهة قضائية مختصة في المملكة".
5. ألا يتضمن الحكم أو الأمر ما يخالف أحكام النظام العام في المملكة.
6. ونصت المادة (12) من نظام التنفيذ على أنه: "تسري أحكام المادة السابقة على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي". ونصت المادة (13) من نظام التنفيذ على أن: "المحررات الموثقة الصادرة في بلد أجنبي، يجوز الأمر بتنفيذها بالشروط نفسها المقررة في أنظمة هذا البلد؛ لتنفيذ المحررات الموثقة القابلة للتنفيذ الصادرة في المملكة، وعلى أساس المعاملة بالمثل".
وما يدعم هذا الرأي أن اتفاقية نيويورك 1958 نصت المادة الخامسة في الفقرة (1) بند (هـ) على: "أن الحكم لم يصبح ملزماً للخصوم، أو ألغته، أو أوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها، أو بموجب قانونها صدر الحكم".
فهذا البند ورد ضمن بنود أخرى في المادة الخامسة، والتي تحدد الأسباب التي تجيز رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، ومعنى الفقرة (هـ) السابقة أن رفض التنفيذ لا يكون إلا إذا كان حكم البطلان صادراً من محاكم إحدى دولتين؛ إما الدولة التي صدر على إقليمها حكم التحكيم، وإما الدولة التي صدر الحكم وفقا لقانونها "أي القانون الإجرائي".
حدود سلطة المحكمة في نظر دعوى البطلان
نصت المادة (50) في الفقرة (4) من نظام التحكيم على أن: "تنظر المحكمة المختصة في دعوى البطلان في الحالات المشار إليها في هذه المادة دون أن يكون لها فحص وقائع و موضوع النزاع".
وبناء على هذه الفقرة، فإنه يتوجب على المحكمة المختصة عند النظر في دعوى البطلان مراعاة النقاط التالية:
على المحكمة المختصة عند النظر في دعوى بطلان الحكم التحكيمي أن تفحص وقائع النزاع وموضوعه:
حيث إن دور المحكمة المختصة نحو الحكم التحكيمي يقتصر على القيام بدور الرقابة الشكلية الظاهرية للحكم التحكيمي؛ مثل: فحص "اتفاق التحكيم" الذي صدر بموجبه الحكم، والتأكد من أن الحكم لم يخرج عن موضوع الاتفاق ونطاقه، والمسائل المتفق على إحالتها للحكم.
ولقد صدرت عدة أحكام قضائية حول هذا الأمر نذكر منها:
نص حكم المحكمة الاستئناف المدنية على أن: "ذلك أن ما ذكره الطاعن في حكم التحكيم لا يندرج ضمن حالات البطلان التي حددتها المادة الخمسون، ذلك أن ما ذكره في دعواه هو اعتراض في موضوع الحكم، وهو خارج عن حالات الطعن التي حددها النظام، ولا يجوز لهذه المحكمة بحثه، وفقاً للفقرة الرابعة من المادة الخمسين من ذات النظام المذكورة أعلاه، الأمر الذي تنتهي معه هذه الدائرة إلى الحكم بما هو مسطر بالمنطوق أدناه: "وقد حكمت المحكمة بتأييد حكم التحكيم والأمر بتنفيذه فيها قضي به".
وفي ذات السياق، حكمت محكمة الاستئناف بالقاهرة بأن: "رقابة القضاء لأسباب حكم التحكيم تقتصر في الأساس على رقابة وجودها لا صحتها، فليس للقضاء الحق في فحص الأسباب، و تقدیر صحتها أو عدم صحتها، فالقضاء لا يعد جهة استئنافية لحكم التحكيم".
- - على المحكمة المختصة عند النظر في دعوى بطلان الحكم التحكيمي أن تقضي ببطلان الحكم من تلقاء نفسها إذا خالف أحكام النظام العام:
حيث إنه إذا عرض أمام المحكمة المختصة بدعوى بطلان الحكم التحكيمي أحد الأمور التي تخالف النظام العام، فإن المحكمة تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها، ولو لم يطلب أي من الأطراف ذلك، وذلك في الحالات التالية:
أولاً: إذا تضمن الحكم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة العربية السعودية.
ثانياً: إذا تضمن الحكم مخالفة لما اتفق عليه الأطراف.
ثالثاً: إذا كان الحكم في مسائل لا يجوز التحكيم فيها؛ كأن يكون التحكيم في مسائل لا يجوز فيها الصلح.
وهذه الحالات نصت عليها الفقرة (2) من المادة (50) من النظام بقولها: "تقضي۔ المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم: إذا تضمن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة، أو ما اتفق عليه طرفا التحكيم، أو إذا وجد أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام".
- على المحكمة المختصة عند النظر في دعوى بطلان الحكم التحكيمي أن تقضى. وفقاً للحالات المنصوص عليها في النظام حصراً:
حيث إن النظام قد حدد في الفقرة الأولى من المادة الخمسين منه على الحالات التي يكون فيها الحكم التحكيمي قابلاً للبطلان، إذا توفرت إحدى هذه الحالات، وتنظر المحكمة المختصة في وجود هذه الحالات من عدمه، وهذه الحالات هي:
- إذا لم يوجد اتفاق تحكيم، أو كان هذا الاتفاق باطلاً، أو قابلاً للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته.
- إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته.
- إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين محگم، أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.
- إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع.
- إذا شكلت هيئة التحكيم أو عين المحگمون على وجه مخالف لهذا النظام أو لاتفاق الطرفين.
- إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء غير الخاضعة للتحكيم وحدها.
- إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه، أو استند الحكم على إجراءات تحکیم باطلة أثرت فيه.