الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / الاختصاص بدعوى البطلان / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / نطاق رقابة محكمة النقض (التمييز) على حكم محكمة البطلان ومدى فاعليتها

  • الاسم

    المحامي الدكتور/ أحمد بشير الشرايري
  • تاريخ النشر

    2011-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الثقافة للنشر والتوزيع
  • عدد الصفحات

    400
  • رقم الصفحة

    347

التفاصيل طباعة نسخ

أما فيما يتعلق بالسبب الثاني والذي نصت عليه المادة (2/248) من قانون المرافعات المصري، وكذلك المادة (2/198) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني، والذي يمكن أيضاً الاستناد عليه للطعن بالنقض في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في دعوى البطلان، فإنه ينصرف، وفيما يتعلق بالشق الأول منه وهو - وقوع بطلان في الحكم - إلى الحكم الصادر من محكمة الاستئناف العليا في دعوى البطلان دون حكم التحكيم، ويقصد ببطلان الحكم - والحالة هذه - هو أن يشوب الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في دعوى البطلان عيب إجرائي يؤدي إلى بطلانه، وخير مثال على ذلك هو النطق بالحكم في جلسة سرية، أو خلو الحكم من الأسباب، أو عدم اشتمال ورقته على البيانات التي أوجبها القانون، أو عدم توقيعه، أو صدوره عن هيئة خالفت القانون بشأن تكوينها، أو من قاضي لا تتوافر فيه الصلاحية لإصدار الحكم.

أما فيما يتعلق بالشق الثاني الذي نصت عليه المادتين آنفتا الذكر هو - وقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم - فهو ينصرف إلى بطلان إجراءات دعوى البطلان، دون إجراءات خصومة التحكيم.

وبهذا المعنى جاء حكم محكمة النقض المصرية، والذي حكمت فيه بأنه: لما كان ذلك، وكانت المادة 53 من ذات القانون اشترطت لقبول دعوى بطلان حكم التحكيم وجوب توافر إحدى الحالات التي أوردتها على سبيل الحصر ومن بينها الفقرة (ز) من وقوع بطلان في حكم التحكيم، أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم ، لما كان ذلك، وكان الثابت من حكم التحكيم موضوع التداعي أن مدوناته قد خلت من  إيراد نصوص اتفاق التحكيم، ومن ثم فإنه يكون قد جاء باطلاً، ولا ينال من ذلك ما أورده الحكم المطعون فيه بأسبابه من اكتمال إيراد هذا الاتفاق بإرفاقه مع حكم التحكيم - حسب ما أشار إلى ذلك قرار تصحيح هيئة التحكيم لحكمها.

وإذا ما عرض الأمر على محكمة التمييز- في هذه الحالة - فإن الأستاذ الدكتور عزمي عبد الفتاح يقول بأن حدود رقابة محكمة التمييز تختلف باختلاف طبيعة مهمة المحكم أي تختلف باختلاف إن كان المحكمة مفوض بالحكم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف عنه في حال إن كان المحكم مقيداً بالحكم وفقاً للقانون.

ففي الحالة الأولى: أي في حال إن كان المحكم غير مقيد بالقانون (مصالحاً) - فإن محكمة التمييز في هذه الحالة لا تراقب صحة تطبيق القانون الموضوعي والإجرائي، إذا لا مجال لرقابة الصحة في هذه الحالة، لكون هيئة التحكيم ومحكمة البطلان والاستئناف كانوا معفين من تطبيقه.

أما في الحالة الثانية: وهي الحالة التي يكون فيها المحكم مقيداً بالحكم وفقاً للقانون - أي الحالة التي يكون فيها المحكم ملزم بتطبيق القانون كقاضي الدولة - فإن رقابة محكمة التمييز - والحالة هذه - تمتد إلى التأكيد من صحة تطبيق القانون، فتصبح رقابتها في هذه الحالة رقابة صحة، وليست مجرد رقابة ملاءمة، وهو ما يقتضي أن تكون الأسباب موجودة، وغير متناقضة، وكافية حتى تستطيع محكمة التمييز مراقبة المنهج في الاستدلال.

ومما هو جدير بالذكر أن نأخذ في اعتبارنا، إن رقابة محكمة التمييز في هذه الحالة لا تمتد إلى موضوع النزاع، الذي فصلت فيه هيئة التحكيم وفيما قضت به في نتيجة القرار، بل تقتصر على ما قضت به محكمة الاستئناف، وهي بصدد نظر دعوى البطلان، وإعمال نص المادة (800) من قانون أصول المحاكمات المدنية.

هذا وفي حال إن لم يتفق الأطراف على حرمان محكمة الاستئناف من نظر موضوع النزاع - في حال أن أبطلت قرار التحكيم ومن ثم قامت بنظر موضوع النزاع والفصل فيه فإن رقابة محكمة التمييز بمناسبة الطعن لديها بالقرار الصادر عن محكمة الاستئناف في هذه الحالة تنصب على رقابة محكمة الاستئناف من جهتين

الأولى: في مدى إعمالها لنص المادة (800) عندما أبطلت قرار التحكيم

والثانية: في مدى التزامها بتطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه.

ولكن وفي الحالة التي يكون فيها الحكم الصادر من محكمة الاستئناف، والمطعون فيه بالنقض، صادراً في طعن في حكم التحكيم بالاستئناف، فإن رقابة محكمة النقض الفرنسية تختلف باختلاف كون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف (المطعون فيه بالنقض) صادراً في طعن في حكم التحكيم صادر في تحكيم بالقانون، أم في تحكيم طبقاً لقواعد العدالة والإنصاف.

إذ إنه في حال إن كان حكم التحكيم المطعون فيه بالاستئناف صادراً في تحكيم طبقاً لقواعد العدالة والإنصاف، فإن محكمة الاستئناف تنظر الطعن بالاستئناف دون تقييد بالقانون، شأنها في ذلك شأن هيئة التحكيم ذاتها، وإذا ما أصدرت محكمة الاستئناف حكمها، جاز الطعن فيه بالنقض، ولا تمتد رقابة محكمة النقض في هذه الحالة إلى التأكد من صحة تطبيق القانون، إذ إن محكمة الاستئناف كانت معفاة من تطبيقه بالنظر إلى أن المحكم كان هو الآخر معفياً من تطبيقه.

كما وباستقراء هذا النص أيضاً يتبين أنه لم يمنع أطراف اتفاق التحكيم - الذي سقط نتيجة تأييد محكمة التمييز - قرار محكمة الاستئناف القاضي ببطلان حكم التحكيم من إبرام اتفاق تحكيم جديد بينهم بشأن ذات النزاع إذا كان موضوع النزاع مما يقبل فيه التحكيم.

رأي الباحث : وإننا نعتقد بأن موقف المشرع الأردني، والذي عبر عنه في نص المادة السابقة قد جانبه الصواب، على أساس أن القرار الصادر من محكمة الاستئناف، والقاضي ببطلان حكم التحكيم، قد يكون مبيناً على سبب آخر لا يتعلق باتفاق التحكيم، ومثال ذلك: إذا قضت محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم لسبب يرد إلى تشكيل هيئة التحكيم - إذ من المعلوم بأن العيب في تشكيل هيئة التحكيم في الأصل لا يؤثر على اتفاق التحكيم - ومثال ذلك أيضاً البطلان الذي يرد إلى سبب يتعلق بحكم التحكيم، كالحالة التي لا تراعي فيها هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه، أو استناد الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثرت في الحكم ( المادة 49/أ/7 من قانون التحكيم الأردني).

أما إذا كان قرار محكمة الاستئناف، ببطلان حكم التحكيم يستند على سبب آخر لا يتعلق باتفاق التحكيم، فإنه يتعين عدم ترتيب سقوط اتفاق التحكيم، في الحال أن أيدت محكمة التمييز قرار محكمة الاستئناف القاضي ببطلان حكم التحكيم.

ونعتقد - على أساس أنه لا يوجد في أحكام القانون المصري نصاً يمنع إمكانية العودة من ثانية للتحكيم، بالاستناد على ذات اتفاق التحكيم، في حال إن حكمت محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم، وردت محكمة النقض الطعن في هذا الحكم - بأنه يمكن لأحد أطراف اتفاق التحكيم العودة من ثانية للتحكيم بالاستناد على ذات الاتفاق، ولكن يقتصر هذا الحل على الحالة التي لا يكون فيها سبب البطلان هو اتفاق التحكيم ذاته.

وفي ضوء ذلك نعتقد بأن ما ينطبق على حكم محكمة البطلان، ينطبق أيضاً على حكم محكمة النقض في حال تأييدها حكم محكمة الاستئناف، القاضي ببطلان حكم التحكيم، إذ يتعين التفرقة في إمكانية لجوء أحد أطراف اتفاق التحكيم من جديد إلى التحكيم، بالاستناد على ذات الاتفاق، بين كون البطلان قد بني على بطلان اتفاق التحكيم ذاته، أو على سبب آخر لا يتعلق باتفاق التحكيم، ففي الحالة الأولى: لا يمكن اللجوء إلى التحكيم من جديد بالاستناد على ذات الاتفاق لبطلان اتفاق التحكيم.

أما في الحالة الثانية: فلا يوجد ما يمنع من اللجوء إلى التحكيم من جديد بالاستناد على ذات الاتفاق ما دام بطلان حكم التحكيم قد بني على سبب آخر لا يتعلق باتفاق التحكيم.

إن المشرع الكويتي قد ربط نظر محكمة التمييز موضوع النزاع، والفصل فيه بتمييزها الحكم المطعون فيه، وإذا ما كان ذلك فإنه يتعين عليها أن تنظر موضوع النزاع " ولو كان غير صالح لنظره، أي لو كان يحتاج إلى إجراءات أو تأكيدات واقعية لا تقوم بها إلا محكمة الموضوع، وعندئذ تقوم دائرة التمييز بوظيفة  محمة الموضوع كاملة، وهي إذ تحكم في موضوع يكون لها جميع السلطات التي لمحكمة الاستئناف ويكون للخصوم نفس السلطات والأعباء التي لهم أمام هذه المحكمة، وتنظر دائرة التمييز الموضوع دون حاجة لطلب ذلك من أحد الأطراف".

ونلخص من ذلك بأنه يمكن لمحكمة التمييز الكويتية أن تفصل في موضوع النزاع الذي كان في البداية محلاً للتحكيم، وذلك في حال إن طعن بحكم التحكيم بالبطلان لدى المحكمة الكلية، وقبلت هذه المحكمة الطعن، ونظرت موضوع النزاع، وفصلت فيه، ومن ثم طعن بالحكم الصادر منها بالاستئناف، ومن ثم التمييز، وقضت محكمة التمييز بتمييز الحكم المطعون فيه.

ويتعين - أن نأخذ في اعتبارنا - أنه في حال إن طعن بالحكم التحكيمي أمام المحكمة الكلية، ورفضت الطعن، وأيدت محكمة الاستئناف الحكم المستأنف، وطعن في هذا الحكم بالتمييز، فإن محكمة التمييز في هذه الحالة لا تملك نظر موضوع النزاع، إذا قضت حكم محكمة الاستئناف، بمعنى أن صلاحيتها تقتصر على الفصل في موضوع الطعن بعد انقض حكم محكمة الاستئناف، أي تمييز حكم محكمة الاستئناف المؤيد للحكم الابتدائي الصادر من المحكمة الكلية، والقضاء ببطلان حكم التحكيم، وإعادة الدعوى إلى المحكمة المختصة للنظر موضوع النزاع.

أما في الحالة التي يكون فيها القرار المطعون فيه أمام التمييز ستقوم بالحلول محل محكمة الاستئناف بعد تمييزها قرارها، وعندئذ سوف تبحث محكمة التمييز أولاً في مسألة إبطال القرار التحكيمي، فإن رأت إبطاله فإنها تقوم بعد ذلك بالنظر في الموضوع في حدود المهمة المعينة للمحكم، هذا ما لم يكن هناك اتفاق مخالف بين الأطراف، إذا يمكن - كما قلنا - أن يتفق أطراف اتفاق التحكيم على منع محكمة الاستئناف نظر موضوع النزاع، بعد قضائها ببطلان قرار التحكيم.