لقـد عدل المشرع المصري عن منهجـه السابق، فيما يتعلق بالمحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم، حيث كان فيما سبق يجعل الاختصاص بنظر
دعوى البطلان للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.
أما فيما يتعلق بمنهجه الحالي، فتختلف المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان بحسب نوع التحكيم، فإذا كان التحكيم تجارياً دولياً بالمعنى الذي حددته المادتان
(2و3) من قانون التحكيم، كان الاختصاص بدعوى البطلان للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم، أي محكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى؛ أما إذا لم يكن التحكيم تجارياً دولياً فإن الاختصاص بنظر تلك الدعوى يكون لمحكمة الدرجة الثانية، التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.
كما تقضي المادة (9) بأنه: " يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أما إذا كان التحكيم تجارياً دوليـاً سـواء جرى في مصر أو في الخارج، فيكون الاختصاص لمحكمة إستئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر".
وبناء عليه، نلاحظ أن المشرع المصري قد جعل الاختصاص بنظـر دعـوى البطلان لمحكمة استئنافية في جميع الأحول، على اعتبار أن التحكيم هـو الدرجة الأولى من درجات التقاضي، وبهذا يكون المشرع قد خالف القاعدة العامة في الاختصاص، التي تقضي باختصاص محاكم الدرجة الأولى بالدعاوي التي ترفع ابتداء، كما خالف مبدأ التقاضي على درجتين.
ويـرد البعض ذلك إلى حرص المشرع على الإسراع في إجراءات التحكيم، باعتباره الهدف المبتغى من الخصوم عند لجوئهم للتحكيم، فضلاً عن أن الدعوى تتعلق بصحة أو بطلان حكم، فمن المناسب طرحها على محكمة أعلى من محاكم الدرجة الأولى.
ويتعين أن نأخذ في اعتبارنا أن اختصاص محكمة الدرجة الثانية بنظـر دعـوى بطلان حكم التحكيم اختصاصاً نوعياً متعلقا بالنظام العام ، مما يعني أنه لا يجوز رفع دعـوى البطلان أمام أي محكمـة مـن مـحـاكم الدرجة الأولى، جزئية كانت أم ابتدائية، فإذا حدث ذلك تعين على محكمة الدرجة الأولى ـ في هذه الحالة ـ أن تحكم ومن تلقاء نفسها بعدم الاختصاص؛ والإحالة إلى محكمة الاستئناف المحددة في المادة (2/54) من قانون التحكيم.
وبالنسبة لإجراءات رفع دعـوى الـبطلان؛ فبرغم مـن أنهـا ترفـع أمـام محكمـة الاستئناف مباشرة، إلا أن الدعوى بشأنها ترفع بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أمام المحـاكم.
ثانياً: موقف القانون الأردني:-
فالمحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم، وفقاً لأحكام نص المادة (2/أ) من قانون التحكيم، هي محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرة اختصاصها التحكيم، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
وقد اختلف موقف المشرع الأردني في قانون التحكيم الحالي، عن موقفه في قانون التحكيم القديم، حيث كانت الدعوى تقدم إلى المحكمة المختصة بنظر النزاع لولا وجود التحكيم، سواء أكانت المحكمة المختصة صلحيه أم بدائية، ويستأنف الحكم الصادر من المحكمة المختصة إلى محكمة الاستئناف.
ولم يرسم المشرع الأردني إجراءات معينة لرفع دعوى البطلان، بالرغم من كونها أمام محكمة الاستئناف مباشرة، وبالتي فإنه ترك الأمر في تنظيم إجراءات رفع دعوى البطلان.
ولعله من المفيد - في هذا الصدد - أن نشير إلى أنه يوجد في الأردن ثلاثة محاكم استئنافية لجميع مدن المملكة وقراها، موزعة في كل من عمان، وإربد، ومعان، ولذلك فإنه يتعين أن ننظر إلى المكان الذي يجري فيه التحكيم، لتحديد أي من هذه المحاكم تختص مكانياً في نظر دعوى البطلان، فإذا كان التحكيم يجري ضمن حدود اختصاص محكمة استئناف إربد مثلاً ينعقد الاختصاص لها في نظر دعوى البطلان.
ثالثاً: موقف القانون الكويتي:-
وعلى ضوء ذلك، فإن دعوى البطلان ترفع بصحيفة تودع إدارة كتاب المحكمة المختصة أصـلاً بنظـر النـزاع، وفقاً للإجراءات المعتادة لرفـع الـدعوى العاديـة أمـام المحاكم، ويجـب أن تـذكر أسباب الـبطلان الـتـي حـددها القانون في صحيفة الدعوى، وإلا كانت باطلة، حيث نصت على ذلك صراحة المادة (2/187) مـن قـانـون المرافعات، والتي تنص على أنه: "يجب أن تشمل الصحيفة على أسباب البطلان وإلا كانت باطلة".
ولم يؤيد بعض الفقه هذا الاتجاه للمشرع الكويتي؛ على أساس إنـه كـان مـن الأصوب لو جعل الاختصاص بنظر دعوى البطلان لمحكمة الاستئناف، على اعتبار أن التحكيم هـو محكمة الدرجة الأولى، وبذلك يتأكد دور التحكيم كبديل لقضاء الدولة، وليس مجرد مرحلة تقاضي تسبق طرح النزاع أمام قضاء الدولة.
رابعاً: موقف القانون اللبناني:-
والمحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان وفقاً لنص المادة (802) من قانون أصـول المحاكمات المدنية، هـي محكمة الاستئناف الصادر في نطاقهـا قـرار التحكيم ويمكن تحديد مكـان صـدور قرار التحكم علـى ضـوء المكـان المذكور في قـرار التحكيم، وإذا لم يذكر مكان صدور الحكم فيمكن أن يستدل عليه من البيانات الأخرى في القرار.
وفيما يتعلق بإجراءات رفع دعوى البطلان فهي ذات الإجراءات التي تتبع عند الطعن في الحكم القضائي، فقد نصت المادة (1/804) من قانون أصول المحاكمات على أن : " يقدم الطعن بطريق الإبطال ويجرى التحقيق والفصل فيه وفق القواعد والأصول المقررة للخصومة أمام محكمة الاستئناف".
خامسا: موقف القانون الفرنسي:-
أناط المشرع الفرنسي الاختصاص بنظر دعوى البطلان إلى محكمة الاستئناف، التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصها ، وذلك وفقاً لما ورد في الفقرة الأولى من نص المادة (1486) من قانون المرافعات، وعليه يكون المشرع الفرنسي قد اعتبر أن التحكيم بمثابة الدرجة الأولى من درجات التقاضي.
وفيما يتعلق بإجراءات رفع دعوى البطلان أمام محكمة الاستئناف المختصة، فوفقاُ لنص المادة (1/1487) من قانون المرافعات، إن الطعن بالبطلان يتم طبقاً للقواعد والإجراءات المعمول بها بشأن المنازعات المطروحة على محكمة الاستئناف، أي تسري القواعد العامة على كيفية الطعـن ونظره، فتنطبق كافة القواعد الإجرائية المنظمة لنظر المنازعات أمام محكمة الاستئناف.